أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أكرم إبراهيم - نحن مثقفي - لا تقربوا الصلاة















المزيد.....



نحن مثقفي - لا تقربوا الصلاة


أكرم إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1508 - 2006 / 4 / 2 - 05:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تنشغل النخب السورية اليوم بالديمقراطية . هذا الانشغال ليس عيباً بحد ذاته ، ذلك لأننا بدون الديمقراطية لا نستطيع أن ننجز شيئاً ، لكن هذا الانشغال إذا ما اقترن بالانصراف عن الاهتمام بالمتاجرة بهذه القضية النبيلة ، وعن شيوع ثقافة الهزيمة والتسوية عند المتاجرين ، لن يثمر شيئاً هو الآخر ، إلا إذا اعتبرنا ديمقراطية السادات والملك حسين وقوى الانعزال في لبنان هي المدخل لإنجاز الأهداف الأخرى .
ثقافة الهزيمة والتسوية هي تهديد للوحدة الوطنية وهدر للطاقات وتجاوب مع أسوأ ما فينا ، فهي غير عقلانية وتكشف عن نزوع غير ديمقراطي بألطف تعبير . إن المتهاون مع الهجمة الأمريكية على المنطقة ، أو مع كيان احتلالي عنصري استيطاني وإجلائي لا يمكن أن يكون معادياً للاستبداد والفساد ، بل إنني أجد المقارنة هنا لصالح الاستبداد ، فالبرجوازية بحكم مصالحها تستطيع الجمع بين التهاون مع مستوى الناس المعيشي وحرياتهم وبين ممانعة الخارج ومقاومته . أقول هذا دون الوقوع في وهم الجدوى الكبيرة لهذه المقاومة ، ودون الغفلة عن خطر الفساد والقمع على القضايا كلها ، وعن دوره في شيوع ثقافة الهزيمة والتسوية ؛ فثقافة الفساد وثقافة التسوية والهزيمة تتطفلان على بعضهما . هذا الرأي ليس نتيجة تأمل وتفكير فقط ، بل هذا ما أثبتته التجربة ، فعبد الناصر ـ وهتلر وستالين إذا ما سلمنا بالدعاية ـ الذي ما يزال له أحزاب تتمسح باسمه في طول الوطن العربي وعرضه كان وطنياً رغم ما شاب تجربته من قمع وفساد ، لكن السادات دفع بهما وبالفقر إلى درجة أكبر وأخطر رغم زوال عبء التسلح والتآمر الخارجي ، ومن اللافت أنه لعب على مشاعر الناس من استبداد عبد الناصر أيضاً .
ما سيؤول إليه التهاون مع نزعة الاستقواء بالخارج ، أو مع ثقافة التسوية والهزيمة المقترنتين بالمتاجرة بالديمقراطية ، هو ابتذال للديمقراطية نفسها ؛ ستصبح مبتذلة كالبحث عن الحقيقة في مقتل الحريري أو اللغو في سيادة واستقلال لبنان وحريته . وعلى نفس القدر من الخطورة هذا الصمت عن اصطفاف السوريين المتحدثين بها مع تلك القوى اللبنانية التي لعبت على تلك القضايا ؛ فالشيء قد يعرّف بدلالة ضده ؛ فقديماً قالوا : لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود ، فقد يعتقد الناس أن الديمقراطية تشبه أدعياءها الذين وقعوا على بعضهم البعض. من هنا نجد استغلال مشاعر الناس تجاه الفساد والقمع جريمة متعددة الأوجه ، وتستحق إدانة أشد من القمع ذاته ؛ فهو استخفاف بعقول الناس ومشاعرهم ، وتدعيم للقمع ، وكذب ورياء عداك عما يخفيه هذا الرياء . ومن هنا أيضاً أهمية تمايز الوطنيين الديمقراطيين عن هؤلاء .
تقع الطيور على أشكالها ، لكن ، لا إن سببت ناقصاً ولا إن سبني ناقص شهادة لي بأني كامل أو منزه ، فقد يكون المتخاصمان من عصابة واحدة ؛ ففي السياسة لا يقيم الحزب بخصمه بل بما يقول ويفعل. هذه طريقة في التفكير غير عقلانية يعيش عليها الفاسدون من شتى الأصناف . ومن واجبنا أن ننبه ونحذر منها حتى لا ننتقل من خيبة إلى خيبة ، بل الخيبة أمر وأدهى من الواقع الذي عملنا وأملنا بتجاوزه .
هذه النزعة موجودة بقوة داخل معارضة إعلان دمشق ، ما يملي على المثقفين الوطنيين الديمقراطيين والقوى الوطنية الديمقراطية مواجهتها بمقاومة نشيطة . ولئن كانت هذه النزعة دخلت في حالة كمون نتيجة انفضاح زيف بعض مقولاتها ، وإحجام أمريكا عن العدوان المباشر بعد النكسات التي تعرضت لها سياستها ، فهذا لا يعني أنها انتهت وأن بعض ما جاء من مصادر هذه المعارضة يجب أن ينسى . لكن هذا لم ولن يحصل بالدرجة الكافية لأن الفساد دمر القيم العامة في المجتمع والأحزاب على حد سواء ؛ فالأحزاب والثقافة الوطنية هي القيم العامة ما بقيت في المجتمع .
من حسن الحظ أن أصحاب هذه النزعة عادوا لا يعرفون أن مياه كثيرة جرت ولم يعد الشعب فلاحين بسطاء يقادون بالكلام الطيب . هذا من حسن الحظ لأنه من الأفضل أن يبقى أصحاب هذه النزعة على جهلهم هذا ريثما يُعرفوا جيداً ، وقبل أن يأتي ظرف يقودون الناس فيه إلى " ساعة لات مندم " . لكن ليس من حسن الحظ أن تذكر محاسن أحيائنا العجائز هؤلاء وتسلط الأضواء على حليهم . إن موقع الرأي يدرك افتقاره إلى الجمال ، لذا يتزين بالتاريخ النضالي والسمعة النضالية فوق الشبهة وبتاريخ سورية والسوريين ، فكيف لا يدرك البعض هذا الفقر وقد أدركه أصحابه ؟! لا يوجد تاريخ وطني وسمعة نضالية فوق الشبهة ، فالناس تقوم الماضي على ضوء الحاضر وليس العكس . كما أن الاحتماء بتاريخ سورية والسوريين على طريقة الحكام لا يجدي ، لأن النقد موجه إلى سياسة بعينها وليس إلى سورية والسوريين .
ليس من المنطق أن يتم التركيز على قضية واحدة تحت أية ذريعة كأن نقول " إن الديمقراطية هي المدخل الضروري إلى تحقيق القضايا كلها " ، أو " أن التصدي للمخاطر الخارجية لن يتحقق في ظل استمرار الاستبداد الذي يلغي دور الشعب و حقه في المقاومة و قدرته على ممارستها " . هذا غير جائز إذا ما أردنا فعلاً التصدي للمخاطر الخارجية ، فهذا التركيز ليس من المنطق السليم أو الصادق ، لأن قضايا الناس تؤيد بعضها البعض في التحريض والتعبئة ولا يضير الواحدة أن نبرز الأخرى بنفس القوة إلى جانبها ، فإن فعلنا فهو من الحلي التي لا تستر بشاعة وشيخوخة . وبالفعل فإن عين القائلين لهذا الكلام لم تكن على المقاومة ، بل على الاستفادة من العواصف والزوابع الاستعمارية. لهذا وجدنا " الرأي " تسأل : فما الذي يفعله الغوغاء والمتآمرون في عاصمة المأمون ، غير أن يطيلوا بقاء قوات الاحتلال على أرضنا ، ويعززوا تهمة الإرهاب على ثقافتنا ، ويدمروا طموحنا للخروج من دائرة التخلف والتعصب والاستبداد ؟! فهذا الكلام لا يدين هذه الجرائم بقدر ما يبرئ الاحتلال منها رغم انفضاح أمر قيامه بمعظمها إن لم يكن كلها ، فهل حقاً لم يسمع كتاب "الرأي" بهذا رغم ضبط الجنود البريطانيين والأمريكيين عدة مرات ؟!. إنه سلوك يشوش على المقاومة ويهدد بنقل الفتنة إلى محيط العراق . وهو سلوك طبيعي ممن زغردوا للانتخابات العراقية وغبطوا العراقيين على " نيسانهم " الانتخابي ، ووجدوا في الاحتلال نقلة إلى ما فوق الصفر ، وأعلنوا أنهم جاهزون للديمقراطية رغم إقرارهم بضعف القوى الديمقراطية ، وأنهم لن يدافعوا إذا ما غزا بوش سورية ، وقالوا أن ما هو موجود في العراق هو من نوع حورية البحر ؛ فنصف مقاومة ونصف إرهاب ، أي أن نفس المجموعات تقوم بالمقاومة والإرهاب معاً فلا يمكن الخلاص من الإرهاب دون الخلاص من المقاومة ، أو ربما الشعب الجائع المقموع لا يقاوم بل يمارس الإرهاب ...
بعد انفضاح دور الجنود البريطانيين والأمريكيين في هذه الأعمال لمست خفوتاً في حدة الاحتقان الطائفي ، لكن موقع "الرأي" لا يكتفي برفع المسؤولية عن الاحتلال بل يوحي بمسؤولية السلطة السورية عنها إذ تعمل وفق منطق " إما نحن وإما الخراب ، في منطق شمشوني يحمل التدمير إلى الجميع " . وسواء حمل السلطة أم مجموعات عراقية هذه المسؤولية فإنه يتجنب الإشارة ولو إلى دور محدود للاحتلال . هذا الاستخفاف في إطلاق الأحكام لا يصدر من سياسي حصيف أو غيور . وهو ما يذكرنا بالاستخفاف في عز العواصف الدولية في إطلاق التهم على السلطة السورية بعد كل عملية اغتيال جرت في لبنان . وهو ما فضح رغبة في توريط البلد مع القوى الاستعمارية أكثر مما فضح السلطة .
لقد وجدنا هذه المعارضة لا تتحرج من الاستخفاف في استباق نتائج التحقيق في مقتل الحريري وإلصاق تهمة قتله بالنظام رغم خطورتها وخفتها. وهذا ما يبدو أنه استثمار للريح الدولية من أجل إسقاط النظام ، فلماذا لا تستثمر هذه المعارضة ميول النظام للمساومة في التعبئة والتحريض ؟! إنها لا تفعل لأنها هي نفسها تدعو إلى الاستسلام للإرادة الدولية والمجتمع الدولي والشرعية الدولية غير الشرعية حصراً ، وبالتالي فإن المزايدة بالقضايا القومية والوطنية تلحق أشد الضرر بقضيتها .
تقول اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق: " تواصل السلطة انتهاج سياسة حافة الهاوية مع لجنة التحقيق الدولية وقرارات مجلس الأمن . مما يضع سورية في مواجهة المجتمع والشرعية الدوليين . ويعرضها لاحتمالات عقوبات وحصار ، يزيدان في إضعاف الوطن ومعاناة الشعب . وتستمر في رهانها على صفقات مع الخارج وتقديم التنازلات له ، علها تساعد على تجنب الاستهداف وإطالة عمرها " . هنا نجد هذه المعارضة تدعو إلى تقديم التنازلات حرصاً على الوطن والشعب ـ استجابة للضرورة الموضوعية التي لا بد منها لإنقاذ البلاد كما عبرت افتتاحية " الرأي ع 33" ـ ثم تنكر على السلطة تقديم هذه التنازلات لأن السلطة تسعى بها إلى " تجنب الاستهداف وإطالة عمرها " . وهذا تناقض مصطنع يفهم منه أننا غير معنيين وإلا كنا باحثين عن تقاطع مصالح مع السلطة كما عبرت افتتاحية " الرأي ع 46 " ، أو أن نار الاحتلال في العراق لفحت الوجوه المذعورة في دمشق ، كما عبرت افتتاحية " الرأي ع 33 " . ولأن القضية الحقيقية هنا بالذات نجد نفس البيان يعتبر خداماً منشقاً سياسياً " تحت شعار فتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد " ، أما قوى الانعزال والطائفية والعائلات والفساد والمجازر والوصاية الأمريكية والعمالة في لبنان ، فهي قوى مناضلة من أجل الحرية والاستقلال والسيادة ، وحماية التجربة الديمقراطية وإعادة بناء الدولة وفق إرادة الشعب اللبناني ومصالحه ، وأما قوى الممانعة والمقاومة فهي أتباع واستطالات أمنية وسياسية للسلطة السورية من أجل شق لبنان إلى معسكرين ، والاستقطاب الحاد وتوتير الأجواء ، وتعطيل عملية الوفاق الوطني وإعادة البناء .
إنه اصطفاف سياسي لا يخفى على العين الكليلة . لذا نجد " الرأي " تبحث بالسراج والفتيلة عن كاتبين ، أحدهما يلمع خدام ويهيئ النفوس لقبول التعامل معه ، وآخر يتطاول على حزب الله بألف شكل وشكل . ولكي يفهم الموقف من حزب الله على أنه موقف من المقاومة عموماً ، وأن التركيز عليه يعود إلى أنه أحيا روح المقاومة على نحو يهدد ثقافة الهزيمة والتسوية ، وإلى أنه المستهدف الأول كخطوة على طريق حصار المقاومة في فلسطين ، لكي يفهم هذا يجب النظر إلى الموقف من المقاومة في كل من العراق وفلسطين ، وإلى مدى تلاؤم سياسة معارضة إعلان دمشق مع السياسة الأمريكية الذي تسميه "الرأي 33" استجابة للضرورة الموضوعية بعد قيام نظام القطب الأمريكي .

* المقتطفات من بيانين اثنين للجنة المؤقتة لإعلان دمشق بتاريخ 2|2|2006 وافتتاحية لموقع الرأي بتاريخ 25|2|2006.
قلما يتوفر لدينا نصوص معارضة تتناول الموقف من المقاومة كما توفر في تناول موضوعات المؤتمر السادس لحزب الشعب للقضية الفلسطينية . هذا عرض لهذا الموقف كما جاء في النسخة الأولى غير المعدلة كتبته إثر صدور الموضوعات . أما لماذا النسخة غير المعدلة ، فلأن بعض ما يقال لا يمكن أن يلحس . وعلى أي حال لم يكن التعديل ذا أهمية تذكر بحيث أضطر إلى تعديل ما كتبت كما سبق وبينت في قراءتي لإعلان دمشق.
* * *
- تناول المشروع القضية تحت عنوان (فلسطين – إسرائيل: سبب إضافي كبير للحالة العربية) .
لي على هذا العنوان ملاحظتان :
1- لقد دل الكاتب من حيث أراد ب(فلسطين – إسرائيل ) كلاماً فاقداً للدلالة ، أو من حيث كونه محايداً وحائراً فيما يكون اسم هذه المنطقة من العالم . الاستيطان الصهيوني- الاحتلال الصهيوني- الكيان الصهيوني- القضية الفلسطينية، كلها أقوال دالة على جوهر القضية تجنبها الكاتب . المفردات لا تأتي كيفما اتفق ، وإنما ترسم معنى متكونا في الذهن أو تتحايل عليه. ربما إذا تصورنا أنفسنا نتحدث مع أجنبي أدركنا الفرق ؛ فما الذي يفهمه الأجنبي من (فلسطين- إسرائيل) ، وما الذي يفهمه من " الاحتلال الصهيوني " أو " الاستيطان الصهيوني " ؟
2- يوحي العنوان أن الحديث في القضية كان فقط لأنه " سبب إضافي كبير للحالة العربية"؛ فهو لا يكتسب أهميته من ذاته ، فالحديث هنا عارض في سياق ما. هناك فرق كبير بين أن يوجه التعبير التفكير إلى القضية ذاتها وبين أن يوجهه إلى غيرها عبر الحديث فيها ؛ فهي هنا أداة ، وما كنا بحاجة إلى الحديث فيها لولا الحالة العربية .
- يقول الكاتب إن أمريكا تسمي مشاريعها للتسوية سلاما . ولقد وضع كلمة سلاما بين قوسين ؛ فهو يتحفظ على التسمية ، ويرى أن " لا أحد يجادل في أن هذه المشاريع أقرب إلى الاستسلام " ، هو إذاً لا يرى فيها استسلاما . يقول هذا رغم كل الكلام اللاحق عن دور إسرائيل وطبيعتها ودعم الغرب عامة وأمريكا خاصة لها.
- برأيه من أهداف الغرب في دعم إسرائيل"تحريره من عقدة الذنب تجاه اليهود تاريخيا" .
من المعروف أن عقدة الذنب اللعينة هذه موجودة عند الشعوب أو القطاعات العنصرية فيها، والتي تنظر إلى منطقتنا كجزء من ممتلكاتها على ما يبدو . بالتأكيد لا يمكن أن يشعر الساسة المخططون للأهداف الدنيئة التي أشار إليها الكاتب بعقدة ذنب ، وإن كانوا يغذونها عند شعوبهم لتسهيل مرور سياستهم ؛ فلماذا الخلط بين تفكير الساسة وتفكير المعقدين ؟
- لا يرى الكاتب أي فرق بين حربي عام 67 و 73 ، فكلتاهما آلتا إلى " توسع إسرائيل باتجاه الشرق واحتلالها كامل الأراضي الفلسطينية ، وفرض احتلالها على مساحات واسعة من الأراضي العربية في كل من مصر وسورية ، فقد كان لهما أيضا انعكاس سلبي على الوضع العربي في جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،عمل على تعميق مسار تدهوره " .
لا داعي للحديث عن كلٍ من الحربين على انفراد لأن هذا سيقود إلى الحديث عن الهزيمة العسكرية وهزيمة الإرادة . إذاً ، لا بأس ، لنتحدث عنهما جملة ، ولتذهب ذكريات ومشاعر الذين عاشوا هاتين الحربين تحت أقدام المناضلين .
- وفق نفس المنطق ، يرى الكاتب " أن إسرائيل تمكنت بعد هاتين الحربين من تحقيق أول اختراق كبير في صراعها مع العرب عندما تحقق لها تحييد مصر بمعاهدة كامب ديفيد " .
1- الكلام هنا يطمس الفروق بين قيادة عبد الناصر التي عملت على تصحيح ما ترتب على حرب عام 67 ، وقيادة السادات التي استثمرت الحرب الثانية ، التي أسس لها الأول ، في بيع مصر مقابل سيناء ؛ فحرب عام 67 والقيادة آنذاك شريكة في تحييد مصر ، فللحرب مفعول آلي على ما يبدو. أما كيف تكون الهزيمة المروعة حافزا للنهوض والنصر (معنويا على الأقل ) بعد ست سنوات فقط ، وكيف يكون هذا النصر حافزا للتدهور ، فهذا مما ولى زمانه .
2- في الحديث عن الحربين جملة يستعمل الكاتب صيغا تتجنب الإشارة إلى سياسة السادات الانهزامية والانعزالية كـ (تمكنت من تحقيق) و (تحقق لها تحييد).
- وهو لهذا يذكرنا بمعاهدة كامب ديفيد التي تشكل " اتفاقا تعاقديا منفردا أتاح لمصر استعادة كامل أراضيها التي احتلت في عام 67 بعد أن اعترفت رسميا بـ " الدولة العبرية " ووافقت على تطبيع علاقاتها معها " .
الحديث عن الحربين جملة ، وانعكاسهما على الوضع العربي في جوانبه كافة، تعفيه هنا من تحميل المسؤولية لكامب ديفيد من أجل التفرغ للحديث عما يبدو إيجابيا وهو إتاحتها الفرصة لاستعادة كامل أراضي عام 67 . لكن ما لم نقدر على تخمينه هو كيف أمكن لاحتلال سيناء في عام 67 أن يساهم في عودتها عام 73 ما دامتا تشتركان في المسؤولية عن كل شيء .
- يتابع " المستوى الذي وصل إليه التدهور على الصعيد العربي العام ، وعلى الصعيد القطري الخاص ، أوجد نمطا من " التسوية " الواقعية ، جعل إسرائيل ترفض حتى هذا اليوم ، توقيع اتفاق تعاقدي مماثل مع أي طرف آخر في هذا الصراع " .
بدت كامب ديفيد سابقا إنجازا إسرائيليا بعد خسارتنا لحربين. لكن إذا كان المستوى الذي وصل إليه تدهورنا، هو الذي جعل إسرائيل ترفض تكرارها ، فهذا يعني أنها ليست كذلك ، فماذا نصدق ؟ وإذا كانت إنجازا بثمن فلماذا لم تتكرر قبل بلوغ هذا المستوى من التدهور ؟ هو لا يريد أن يسجل موقفا للقيادة السورية ، لكن ، هل كان السادات في تحييده مصر سبباً ؟ ولماذا كانت كامب ديفيد اتفاقاً منفردا ؟ الكاتب يتجنب القول أن ثقافة التسوية والهزيمة هي التي تمنع إسرائيل من التضحية بشيء ، وذلك لأن هذه الثقافة هي التي تصنع التسوية الواقعية ، وهي ثقافته بالذات.
للضرورة سألخص القسم الثالث من الموضوع بتعبيرات الكاتب قدر الإمكان.
1- لقد عملت أمريكا على الحيلولة دون الوصول بالصراع إلى أي تسوية شاملة ممكنة خاصة في أجواء الحرب الباردة . 2- سبيلا عمليا إلى إحداث تبديلات في الواقع العربي تدفع به إلى مزيد من التفكك والانحدار . 3- في صلب هذه السياسة يأتي دفع إسرائيل إلى عدم الاستجابة إلى أي من قرارات الأمم المتحدة . 4- بعد انتصارها فيما سمي " حرب تحرير الكويت " قررت العمل على تصفية ما تسميه السياسة الدولية " قضية الشرق الأوسط " عبر صيغة تكرس دولة إسرائيل دولة شرعية إلى جانب دولة فلسطينية محتملة ضعيفة لا تهدد بخطر . 5- شاركت إسرائيل بمؤتمر مدريد من موقع متشدد يتمحور على ثوابت الأيديولوجية الصهيونية في ظل انتصار أمريكا في الحرب الباردة وهذا يعني أن العرب لن يصلوا إلى سلامهم المنشود . 6- شنت حرب عام 2003 ضد العراق بهدف الإمساك بالمشرق العربي ، بحيث تكون إسرائيل مرتكزا استراتيجيا في هذه المنطقة ، التي يراد لها أن تتحول إلى تجمع أمني/ اقتصادي يمسك بأبواب أوربا وآسيا وأفريقيا ويلعب دورا مهما في الصراعات الدولية المقبلة . 7- هذا الواقع الجديد يفسر الجهود الأمريكية المتواصلة لإيجاد "تسوية" ما ويفسر أيضا لماذا غدت هذه التسوية مصلحة استراتيجية أمريكية بعد أن كانت تعرقلها .
في الرد سأتبع نفس الترتيب فأقول :
1- لقد خصص الكاتب مرحلة الحرب الباردة كما تناسى المشاريع الأمريكية السابقة فهيأ أذهاننا لتوقع شيء جديد . 2- كانت حيلولة أمريكا دون التسوية الشاملة الممكنة سبيلا عمليا إلى دفع الواقع العربي لمزيد من التفكك والتدهور وأصبحت هذه التسوية مصلحة أمريكية . إذاً لا مصلحة لأمريكا الآن في هذا. أما نحن فيجب أن نلتقط الفرصة لدرء خطر التفكك والتدهور بإنجاز التسوية الشاملة الممكنة . 3- كان في صلب السياسة الأمريكية قبل التغير المستجد في سياستها دفع إسرائيل لعدم الاستجابة لأي من قرارات الأمم المتحدة . ويفترض هذا التغير المستجد العكس ، فلماذا لم يحدث ؟ ثم هل في عدم الاستجابة هذا مصلحة أمريكية فقط ؟ . 4- ما قيمة أن يقول لنا الكاتب إن السياسة الدولية تسمي قضية الاحتلال الاستيطاني العنصري بقضية الشرق الأوسط ؟ لماذا لم يعبر بمفرداته ؟ وماذا كان سيقول ؟ أيقول : حل القضية أم تصفيتها ؟ حل القضية ينسجم مع التسوية الشاملة الممكنة في أذهان التسوويين ، وتصفيتها ينسجم مع تكريس دولة إسرائيل وشرعنتها إلى جانب دولة فلسطينية محتملة ضعيفة . أم أنهما نفس الشيء ؟!. 5- كيف تتشدد إسرائيل مستقوية بانتصارات أمريكا والحل أمريكي؟ ألا يفترض من 3 أن أمريكا ستدفع إسرائيل إلى الاستجابة لقرارات الأمم المتحدة . 6- احتلال العراق كان بهدف إنشاء تجمع أمني / اقتصادي تكون إسرائيل مرتكزا له ، يمسك بأبواب أوربا وأفريقيا وآسيا ويلعب دورا مهما في الصراعات الدولية المقبلة ، فنحن إذا موعودون بتجمع أمني / اقتصادي فاعل ومؤثر في الصراعات الدولية . وهو لذلك لأهداف لا تتعلق بالمنطقة بل بالمناطق الأخرى ؛ لسنا إزاء إعادة احتلال للمنطقة أو تشديد وتيرة نهبها بل إزاء تجمع أمني اقتصادي لا يعدنا بسنغافورة غزة ورفاه السادات . 7- بدأ الكاتب بالحديث عن عرقلة أمريكا لأي تسوية شاملة ممكنة موحيا بجديد ، وانتهى بالحديث عن المصلحة المستجدة في تسوية ما . لكن مادامت هذه التسوية هي " تسوية ما " وليست " تسوية شاملة ممكنة " فما معنى قوله " ويفسر أيضا لماذا غدت هذه التسوية مصلحة أمريكية استراتيجية بعد أن كانت تعرقلها "؟ فالحديث كان عن عرقلة أمريكا للتسوية الشاملة الممكنة . على الأغلب العضو العادي الذي غالبا ما يفتقر إلى الثقافة والوعي السياسي ، والذي لا يختلف عن المواطن العادي إلا بعقده ، هذا العضو ، لن ينتبه إلى هذه الـ ( ما ) الماكرة بعد هذا الشرح المسهب عن الانتصارات الأمريكية وتغير السياسة الأمريكية بخصوص قضيتنا جراءها . وهكذا يرتكب جريمة مع فقدان الأدلة، فقد قال " تسوية ما " . لكن الكاتب هيأنا لشيء جديد من قبل ، ومن بعد قال " بعد أن كانت تعرقلها " ، والهاء راجعة إلى التسوية الشاملة الممكنة التي أصبحت مصلحة أمريكية.
- بعد كل هذا تحدثنا الموضوعات عن التوجه الإسرائيلي " الهادف إلى تغذية الانقسام في الموقف العربي حول التسوية بقصد إفشالها وفرض الأمر الواقع ". فهي على ما يبدو لا تريد أن تكون مرتكزا لتجمع أمنى / اقتصادي يمسك بأبواب أوربا وآسيا وأفريقيا ويلعب دورا مهما في الصراعات الدولية. وما يرفضه العدو يجب أن نقبله نحن ، أي يجب أن نخلق إجماعا عربيا حول التسوية . والمعروض علينا حتى الآن ليس إلا نقل الصراع إلى داخل مجتمعاتنا. ما نقبض عليه من كل هذا الكلام / المتاهة هو فكرة القبض على التسوية بقوة . ثم هل هناك تسوية لا تفرض أمراً واقعا ؟ وهل أمريكا مسكينة إلى هذا الحد لكي تعرقل إسرائيل مخططاتها في المنطقة وهو الذي قال عنها إنها استثمار إمبريالي . إن الكاتب يتخلص من تناقضاته - لو شاء - ما إن يعترف أن المشروع الأمريكي للتسوية هو استمرار للهجوم الأمريكي على المنطقة ، واستمرار للمشاريع السابقة التي جاءت كلها بعد هزائم . لكن الموضوعات على ما يبدو مشغولة ببردغة أمريكا وتسويتها .
- بعدها يتساءل: " هل يعني هذا أن لا تكون لدينا رؤيتنا للسلام ، وألا تكون لدينا برامجنا لتسوية سياسية بعد هذا الذي وصلنا إليه بعد قرن من الزمن ؟". هذا القرن هو عمر الصراع كما نفهم لاحقا . وهو يقترح أن تكون لدينا رؤية للسلام وبرامج للتسوية وليس للصراع . وهذا بالضبط بسبب ما وصلنا إليه بعد قرن من الزمان / الصراع ؛ أي أن هذه الرؤية والبرامج هي نتيجة عقلية مهزومة ، أو يمكن توقعها ممن يريد أن يستغل شعورنا بالهزيمة ، أو ممن يريد أن نبقى أسرى هذا الشعور .
- " هناك محاولات للإجابة ، منها أن الحل الاستراتيجي السلمي قد يؤمنه قيام دولة واحدة ثنائية القومية على أساس ديمقراطي وعلماني . ولكن الوقائع على الأرض، تجعل من هذا الحل أمرا بعيد المنال في الزمن الراهن على الأقل ". مادام الحديث يجري عن حل استراتيجي سلمي ، فما الداعي للتذكير بالواقع على الأرض ؟ إن هذا الحل لا يمكن أن يكون سلميا حتى عند المهابيل . أم لعل الكاتب يعدنا بخروج المستوطنين من جلدهم بفعل الزمن ؟ أم لعله يسد الأفق أمام الحل غير السلمي ؟ فهل يبقى إلا وجه ربك ؟
- " ومن تلك المحاولات أيضا البحث في أن حل إشكالية مسار التقدم والديمقراطية في المستوى القومي ، هو طريق السلام العادل للقضية الفلسطينية " . إن الكاتب يتركنا حائرين في كل سطر تقريبا ، فهل المقصود أن تخلفنا واستبدادنا هو المسؤول عن غياب السلام العادل ؟ هل يحملنا المسؤولية ؟ فما هي العدالة بنظر الكاتب إذاً ؟ وهل امتلاكنا للقوة هو طريق " السلام العادل " أم طريق التحرير وفرض الحل الديمقراطي العلماني عبر فرض حق العودة للفلسطينيين ووقف هجرة اليهود ؟.
- "هناك تسوية تكون فشلا جزئيا لإسرائيل يدفعها إلى الانسحاب من كل أراضي 67 ، إثباتا لعجزها عن التوسع حتى بعد انتصارات هائلة . وهناك تسوية سياسية معاكسة توسع إسرائيل إقليميا وترفعها سياسيا وتفتح لها أبواب التوسع الاقتصادي وتذل العرب وتدفع بهم إلى التمزق والسقوط " . ما هي هذه التسوية الأخرى غير الحرب الخاسرة ؟ الله اعلم ! هل المقصود بها تسوية يتم وفقها التنازل عن جزء من أراضي عام 67 ؟ فهل يشكل هذا التنازل كل هذه الكوارث ؟ تبدو هذه التسوية بحجم هزيمة عام 67 ! لكن هذا ليس منطق الذي يبحث عن رؤية للسلام وبرامج للتسوية بسبب الذي وصلنا إليه بعد قرن من الزمن ؟!.
ما يعزز الاعتقاد بأن هذه التسوية هي الحرب الخاسرة قوله : " ينبغي أن ندفع عنا الخيار الثاني ، لكن كيف نقبض على الخيار الأول في هذه المرحلة العصيبة ونحن على ما نحن عليه ؟" . إن الدلالة في كلمتي ندفع ونقبض .
- " إن من أولى مستلزمات هذا الخيار توفير شرطه العربي اللازم لكن المضيع ". لقد اعتقدنا من استعمال كلمة نقبض أن هذا الخيار ممكن وقريب رغم هذه المرحلة العصيبة وما نحن عليه ، ثم تبين أن شرطه العربي اللازم مضيع . وهكذا يجب أن نبني من أجل تحقيق هذا الإنجاز العظيم . أم ماذا ؟ لعله هناك طرق أخرى تجعله قريب المنال خارج الشرط العربي ، الانبطاح لأمريكا مثلا ؟ وإذا كان الأمر رهن بالشرط العربي فلماذا يكون هذا الشرط من أجل هذا الحل منخفض المستوى وليس من أجل الحل الديمقراطي العلماني ؟.
- سأعتمد الآن التلخيص لمجموعة من الأفكار المترابطة بتعبيرات الكاتب.
1- لقد نجحت الانتفاضة الأولى في الكشف عن الوجه الحقيقي لكل من الشعب الفلسطيني وإسرائيل . لكن غياب الشرط العربي اغلق الأبواب التي فتحتها تلك الانتفاضة ، ومكن إسرائيل من الاستفراد بالشعب الفلسطيني والتنكيل به بطريقة غير مسبوقة . 2- الأمر الذي دفع إلى عسكرة الانتفاضة الثانية . 3- في الانتفاضة الأولى عرفنا ثقافة الاستشهاد التي أخذت تتحول إلى ثقافة للموت . 4- مما وفر لإسرائيل خيارات لم تكن متاحة من قبل ، وساعد إسرائيل على وضع نفسها في موقع الضحية وتصوير الكفاح الفلسطيني على أنه إرهاب ( ثم يحدثنا بإسهاب عن أهمية الموقف العربي الموحد ليستدرك فيقول) : 5- لكن، تاريخ علاقة الأنظمة العربية بموضوع إسرائيل ، لا يبعث على التفاؤل بهذا المجال . لأن تلك الأنظمة ومنذ البداية أسهمت في تدعيم أسس إسرائيل ، منذ ساعدت على دفع اليهود العرب للهجرة إليها ، 6- ثم عاشت مستقرة سعيدة تحت تهديد الشعوب بالخطر الجاثم على الحدود ...( إلى أخر المعزوفة عن الاستبداد وأخواته) . 7- وقف التدهور شرط لازم أيضا لوقف تعميم ثقافة الموت في صراعنا مع إسرائيل ، ولضمان الوحدة الفلسطينية... لذلك من الطبيعي أن يندفع بعضنا من اليأس إلى الموت والخلاص السهل ، 8- ومن غير الطبيعي ألا تبادر قوى شعوبنا الحية إلى تعميم ثقافة الحياة والسلام.
في الرد أقول : 1- ما هي الأبواب التي فتحتها الانتفاضة الأولى ؟ وماذا عن الموقف الاستعمالي منها لقوى الفساد والقمع والتفريط ؟ ألم تتوقف بسبب ميل القيادة الفلسطينية " للقبض " على الحل الأمريكي ؟ هذا الميل الذي أنضجته اتصالاتها مع الأمريكيين ، والذي بدأت بوادره منذ كامب ديفيد وكشفت عنه الرغبة في التعامل مع مبادرة ريغان بعد هزيمة المقاومة الإرادية في بيروت . وهي هزيمة إرادية لأن الحصار تحول مأزقا إسرائيليا أمريكيا لكونه كان يفعل في الجمهور العربي والصهيوني في اتجاهين مختلفين ، حال كل حصار | صمود . للتأكد احتكموا إلى مشاعر الناس أثناء الحصار ومشاعرهم لخروج المقاومة . فكما أن الميل للمساومة لدى القيادة الانهزامية أغلق الأبواب التي فتحها الصمود البطولي في بيروت ، كذلك فعل مع الانتفاضة الأولى . لكن الحب أعمى . 2- عسكرة الانتفاضة الثانية تبدو هنا تعبيرا عن حالة يأس ، فهل نحن بحاجة دائمة لانتفاضة نموت بها دون ثمن يدفعه الاحتلال وقد قال الكاتب أن الغرب منح فلسطين للصهاينة تكفيرا عن عقدة الذنب؟ استفردت إسرائيل بالشعب الفلسطيني ونكلت به بصورة غير مسبوقة في الانتفاضة الأولى فتعسكرت الانتفاضة الثانية فماذا بين الانتفاضتين ؟ هنا يصمت الكاتب لأن الحب أعمى . 3- ثقافة الموت هذه نتيجة تردي الوضع العربي ، وهي اندفاع من اليأس إلى الموت والخلاص السهل . إن استشهاديينا منتحرون ، هكذا ، على خطا قادة العدو وقادة الغرب . هم لم يفتدونا نحن المخلصين لتضحيتهم ، بل نفوسهم صغيرة وإرادتهم ضحلة لأنهم لم يصمدوا .
فنان إسرائيلي من مواليد حيفا ومهاجر من إسرائيل عمل لوحة للفدائية هنادي جرادات التي أحبتنا حتى الموت السهل وكتب عليها " مناضلة من أجل الحرية ضحت بنفسها كانتحارية " . يقول: مناضلة ضحت ، لذا تفقد صفحة انتحارية معناها السلبي . وهذه الصفة كنا نطلقها بإعجاب على الكاميكاز الياباني وعلى استشهاديينا قبل أن ننتبه للمضمون السلبي الذي يحمله قادة العدو للكلمة؛ فهم كانوا يقصدون بها بالضبط " الاندفاع من اليأس إلى الموت والخلاص السهل "
أجهزة أمن العدو أعلنت أن الفدائية هنادي جرادات التي أحبتنا نحن حتى الموت ، بعد أن دخلت المطعم ، تناولت وجبة من طعام تحبه كثيرا ودفعت الثمن ، وكانت أكثر من طبيعية قبل أن تفتدينا. وهذه ليست صفة المندفع إلى الموت والخلاص السهل بدافع اليأس لو يعلم المناضلون
نائبة بريطانية قالت : لو كنت فلسطينية لفعلت ما يفعلون . في هذا تقدير لفداء الاستشهاديين وتحميل للعدو مسؤولية أفعاله .
مجلس الأمن بما عليه رفض إدانة العمليات الاستشهادية .
الكاتب يعرف أن الناس لم تأسف لهم ، ولم تشفق عليهم ، بل استعادت شيئا من إحساسها بكرامتها وذاتها وجرأتها ، فلماذا يريد أن يغتصب منا هذا الإحساس ؟ ويعرف أيضا أن الاستشهاديين كانوا يشفقون علينا ، وليس هذا إحساس المنتحر تجاه الباقين أحياء ، المنتحر ربما شعر بالحسد من الناس . 4- لقد كانت إسرائيل في موقع الضحية دائما كما كان النضال الفلسطيني إرهابا دوما . والمقاييس والأشكال الجديدة ـ هذا إن كانت جديدة فعلاً ـ للقمع الصهيوني هي نتيجة الزمن الأمريكي . وهذا الزمن الأمريكي هو الذي جعل 60 % من الأوروبيين يرون في إسرائيل أعظم تهديد للسلام العالمي ، وذلك رغم العمليات الاستشهادية وجزئيا بسببها ، لكن الأهم هو عمق التحالف بين إسرائيل وأمريكا المرعبة لهم. فكيف فات على الكاتب وهو يخطط لبلده والمنطقة والعالم الانتباه إلى هذه النسبة الدالة ؟ . 5- الحالة النموذجية هنا هي العراق. فلقد هاجر إلى إسرائيل ما يقارب 120 ألف يهودي . لكن الحكومة العراقية لم تكن مسؤولة عن تلك الأعمال – المحدودة والتي لا تشكل سببا كافيا للهجرة – فلقد كان في الحكومة العراقية آنذاك ثمانية وزراء يهود. واليهود لو يعلم المناضلون هاجروا وسيهاجرون بسبب عقيدتهم . وهم يهاجرون من أكثر البلدان استقرارا وانفتاحا عليهم. وهناك 300 ألف يهودي مغربي مزدوج الجنسية يتنقل ما بين المغرب وإسرائيل بحرية . حتى هذه الأعمال التي يحمل الحكومات المسؤولية عنها غير مجزوم بنسبتها ؛ فالحركة الصهيونية قد تكون هي التي قامت بأعمال ترويع لليهود العراقيين، وهذا ليس غريبا عن منطقها، كما أن الحكومات لا تتحمل مسؤولية تصرفات مواطنيها إلا في النزوع الأمريكي للابتزاز ؛ فالحكومات قد تكون ضحية مواطنيها بالذات . ثم ألم يجد المناضل سوى هذه السخافة من كل ما جرى على مدى الصراع ؟ . ولماذا يتناسى المخطط الاستراتيجي هذه الحقائق.
إن الصهاينة بعد أن وصلت القوى الوطنية إلى ما وصلت إليه من فقدان للإرادة وإشاعة لثقافة الهزيمة يطالبون بالتعويض عن ممتلكات اليهود الذين هاجروا من البلدان العربية بهدف اقتلاع الفلسطينيين وإنشاء دولتهم العنصرية . 6- ياله من مخدر ! الصراع مع إسرائيل حاجة حيوية للأنظمة المستبدة . هذا بالضبط ما قاله نتنياهو : الحكومات المستبدة غير قادرة على صنع السلام . على الأغلب ينصحنا الكاتب بالالتفات إلى الاستبداد وألا نساعده بانشغالنا بالخطر الجاثم على الحدود . 7- وقف التدهور ليس هدفاً بذاته ، بل لأنه شرط لازم لوقف تعميم ثقافة الموت ؛ فالكاتب مهموم بثقافة الموت التي ساعدت إسرائيل على وضع نفسها في موضع الضحية . وهذا التدهور العربي مسؤول عن غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية ، أما الطريق الذي سلكته الحيتان بعيدا عن خيار الشعب الفلسطيني فلا . أم لعله يعتبر ثقافة الموت الناتجة عن تدهورنا هي سبب غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية ؟ إن ثقافة الموت هذه مارستها أربع فصائل مسلحة ( منها فتح ) من أصل خمسة وليس حماس والجهاد فقط. 8- لقد فهمنا أن ثقافة الموت مرفوضة ، لكن ما علاقة هذا بالسلام ؟ هل ثقافتنا هذه معادية للسلام ؟ هل اصبح السلام مطلوبا من الضحية ؟ وثقافة من تقول بهذا ؟ ليس هذا هو نقد الصديق .
- " في حين تنزع إسرائيل نحو البحث عن سبل الخلاص من العيوب المصاحبة للتجربة الصهيونية تعمل على إدامة توريطنا في أوضاعنا الراهنة " .
لعنة الله على إسرائيل ما ألعنها ؛ إنها لا تريد لنا الخير وفوق ذلك تريده لنفسها ، فلنأخذ علما بهذا . لكن لا يجب أن نعتقد أن الرجل يستغبينا . وهو يدرك أنه يقول قولا مكتملا ، لذلك أورده فقرة مستقلة . وهو إذ يحدثنا بلغة الإشارة يعتقد أننا ممن يفهما ، واللبيب يفهم كما يقول المثل. وبيت القصيد ليس في أن إسرائيل لا تريد لنا الخير وتريده لنفسها بل في " العيوب المصاحبة للتجربة " ، فالعيوب لا تبدو هنا أصلا للصهيونية وليست نابعة من طبيعتها ، بل مثلها مثل كل تجربة إنسانية ، كالتجربة الاشتراكية مثلا ، تصاحبها عيوب ليست نابعة من طبيعتها ؛ فالتجربة الصهيونية تصاحبها عيوب يمكن التخلص منها مع بقاء الصهيونية .
- مسك ختام المناضل في الموضوع الصهيوني قوله : لقد حان وقت الحساب الإجمالي الذي يختتم قرنا من المواجهة ويبدأ بعهد جديد .
لقد أورد هذا الكلام فقرة مستقلة كخاتمة للموضوع .
إن الحساب الإجمالي لا يكون إلا في نهاية الصراع ، وليس بعد أقل من ستة عقود تالية لزمن مديد من الاحتلال.أما عهدنا الجديد فيختلف عن عهد الكاتب الجديد ، والذي يضحك أخيرا يضحك كثيرا ؛ فها هو الاستشهاد يتحول إلى ثقافة ، وهاهي شعوبنا تعيش مخاض الخلاص من غثها تأسيسا لتثمينها .
الخلاصة : جهد مكثف 1- لتشويه ثقافة الاستشهاد . 2- لتبرئة القيادة الفلسطينية من تدمير الوحدة الوطنية والسادات من تدهور الوضع العربي وإسرائيل من مسؤوليتها عن الصراع. 3- لترويج فكر التسوية والهزيمة . 4- لتقديم أمريكا بصورة جديدة .
لهذا كان طبيعيا أن لا تأتي الموضوعات على ذكر فساد واستبداد وتفريط القيادة الفلسطينية ، وأن تسقط حق العودة ، وتتجنب الحديث عن عقد كامل مر على أوسلو ، وأن تحمل مسؤولية ما يجري في الساحة الفلسطينية على الحالة العربية الخ ...
في مقالة للأستاذ رياض الترك - ملحق النهار- تاريخ 29/4/2000 بعنوان " أحد عشر مثقفا سوريا أمام استحقاق السلام " يقول :" السلطة الوطنية الفلسطينية ما تزال قليلة الخبرة في مجال الديمقراطية وهي تتخبط في هذا المجال" . فالقمع والفساد - والتفريط على ما يبدو- ناتج قلة خبرة . وينتهي بالقول : إقامة سلام مكين بيننا وبين المجتمع اليهودي بعيدا عن العنصرية والصهيونية والاستيطان وبما يضمن أن تصير دولنا لكل مواطنيها .
انظر تحليلي لهذه العبارة في قراءتي في إعلان دمشق المنشورة في الحوار المتمدن



#أكرم_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موعظة
- خارج السيطرة
- رقص
- صدمة
- المطهر
- هواجس
- سقوط حر
- صخب
- سلة هواجس
- هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 2من2
- هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 1 من 2
- عكك*
- شكراً لحماس وحزب الله
- قصة
- الدولة والعودة : الجدل بين الشعار والممارسة والخطاب *
- نصر آخر لحزب الشعب وشركائه
- قمة هرم أم مركز مثلث ؟!!
- قراءة في إعلان دمشق
- ليس خوفاً على السلطة بل خوفاً من حزب الشعب


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أكرم إبراهيم - نحن مثقفي - لا تقربوا الصلاة