أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم إبراهيم - صخب















المزيد.....

صخب


أكرم إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1489 - 2006 / 3 / 14 - 11:01
المحور: الادب والفن
    


أخيراً... هذه هي ثانوية يوسف العظمة.
كنمر في قفص، درت حولها دورة كاملة بحثاً عن دكان أو محل ما. لا يوجد سوى محلي تزيين نسائي مغلقين : " من أين يستهلك هؤلاء الناس؟! وأولادهم علامَ ينفقون نقودهم؟!".
درت دورة أخرى موسعاً دائرة بحثي في امتدادات الشوارع المحيطة بها دون جدوى. مرة أخرى ألح علي السؤال: ماذا يستهلك هؤلاء ومن أين؟!.
هذا السؤال الاكتشاف كان أشبه بالصدمة، ففي حيّنا تتحول إحدى الغرف إلى دكان ما أن يحال رب البيت إلى التقاعد، أو حتى دون ذلك. فالدور ملاصقة للرصيف حتى إنك تعبر إلى البيت بخطوة واحدة. هناك يبدو الرصيف كجزء مكمل للبيت، هو أشبه بفناء له. لذا منذ الصباح تبدأ النسوة بشطفه ورش الشارع بالماء قصد احتساء القهوة أو المتة. وفي المساء تلفظ البيوت حيواتها ليتجمهر الشبان في إحدى الزوايا، أو أمام محل ما، حول لاعبي شطرنج أو زهر، متراهنين على شيء يؤكل. ومن هناك يتراشقون بالنظرات مع الصبايا اللواتي احتللن الشرفات والأسطح . نظرات تشعل الشباب حماساً وضجيجاً يدفعهم لمشاركة الأطفال لعبهم على قارعة الطريق وسط تعليقات الكبار ومزاحهم دون أن تنصرف حواسهم عنها. إنهم وإن تغافلوا عنها فهم يحسونها على أجسادهم ولها يلعبون.
كل شيء مختلف هنا؛ شرفات كبيرة، نوافذ عريضة، فسحات وحدائق، إنما لا شيء يوحي بوجود أحياء. هنا كل إنسان مكتف بذاته، قانع بعزلته. حتى هذه الحدائق ذات الأسوار لا تعدو كونها حواجز بين الدور ما دامت أراجيحها وكراسيها شاغرة.
" لا شك أن لهم طريقتهم في العشق والزواج أيضاً " ، فلقد ذهب تفكيري إلى أكثر من قصة حب عاشتها أسطحنا وشرفاتنا؛ في مراهقتي ناولت أول رسالة حب إلى حياة يداً بيد ومن شرفة إلى شرفة مهربة في كتاب، فكيف يمكن أن يحدث هذا هنا؟! ليرميها من فوق السور لابد أن يرى فتاته أو يحدثها أولا عن قرب، لابد من اتفاق مسبق، لكن الشرفات والأسطح هنا تبدو مجرد شكل، هي لمتعة الناظرين ولا دور لها في طقوس كهذه.
ما العمل مع هذه الشوارع الخالية إلا من سيارات شغلت جانبي الطريق؟! لا مارة، حتى ولا سيارات عابرة.
انطلقت إلى الجامع القريب أدور حول سوره علني أدخل فأجد أحدا ما أسأله. كان باب الجامع مقفلا فاتجهت إلى ملحق خمنت أنه خاص بالخادم فلم أجد أحداً فيه. وجدته يعتني بالحديقة لكنه لم يفدني بشيء ؛ فلقد كان غريبا لا يعرف شيئا عن أهل الحي. فقط أثار دهشتي باعتقاده أنني قفزت من فوق السور. ولما أوضحت له أنني دخلت من الباب أدهشني أكثر باستغرابه كونه مفتوحا. ما هذا؟! كأنما دخلت لأكتشف أن جامع الحي كبيوته!..
وقفت حائراً من أمري بانتظار عابر ما. الشخص الوحيد الذي مر وشت هيئته بكونه غريباً. ومع هذا لم أستطع تجنب الخيبة فلحقت به أستوقفه عله يستطيع مساعدتي.
غيرت مكاني دون قصد واضح، ثم وقفت وعيني معلقة على الشرفات علني ألمح شخصاً ما ولكن دون جدوى.
وسط وحدتي وخيبتي وحيرتي كان الحقد يتململ في داخلي؛ فهل يعقل أن يعرضني لخسارة جسيمة ليكسب عدة آلاف فقط؟! عدة آلاف قد لا تكفيه مصروف يومه لقاء خسارة سأبقى أدفع أقساطها من لقمة أطفالي وفرحتهم لخمسة عشر عاما، وفوق هذا يتصرف بكراهية ،الآن أجد نفسي في هذا الوضع بسببها؟!
وسط مشاعري لم أسمع وقع الخطوات خلفي ؛ فجأة فتح الباب ودهمتني رائحة عطر. قريبا مني كانت فتاة قد خرجت من إحدى الدور فمددت يدي أستوقفها: آنسة!. آنسة!. من فضلك...هل تعرفين بيت عاطف رحمة؟.
للحظة خلتها ستهرب. تراجعت خطوتين جانبياً، تأملتني قليلا وقالت: لا... وتركتني لخيبتي.
كان للخيبة في هذه المرة طعم مختلف. ربما مرده إلى تلك الخطوات المرحة الرشيقة، والثياب الأنيقة التي توحي بتضاريس جسمها الفتي دون أن تصرح بها، وتلك البشرة الندية السمراء المشّربة بالحمرة، وربما لمجرد أنها أذابت وحدتي للحظات شيعتها خلالها ريثما غيبها المنعطف القريب.
"العادة تقتل الفكر" ؛ فلقد جئت بتصور مسبق، مفاده أنني سأسأل في أحد الدكاكين أو أول شخص أصادفه. لذا لم يخطر ببالي قط أن أفتش في اللوحات الاسمية للأجراس. والآن ،إذ تذكرت ، لم أحصل إلا على خيبة جديدة؛ فلقد كانت الأسماء ممحوة أو أنها لم تكتب أصلا.
الغريب أن عنادي كان يزداد مع كل خيبة، فعدت لأدور حول المدرسة للمرة الرابعة أستنطق الدور؛ فما دام هو أحد مؤسسي إحدى الجمعيات الخيرية فقد يكون زين داره بآية أو صورة. شيء من هذا القبيل كان كافيا لأغامر بقرع الجرس، لكن عبثا فعلت.
في خضم هذا الإحباط داهمتني فكرة جنونية؛ سأقرع الأجراس بالتتالي إلى أن يدلني أحد ما أو يخرج هو بذاته. وما إن هممت بأولها حتى لاحظت وجود بقايا أحرف على اللوحة الاسمية. دقّقت النظر فلم تكن من أحرف اسمه فأخذت أبحث في اللوحات الأخرى علني أعثر على حرفين أو أكثر، أو حتى حرف واحد من أحرف اسمه على إحداها.
استوقفتني واحدة كانت متسخة فرحت أحكّها وأدقق النظر فيها. في هذه اللحظة توقفت سيارة خلفي . للحظة أحسست كمن يلتقي صديقا في الغربة. التفت فإذا برجال يترجلون منها بخفة. بسرعة لا يتقنها غيرهم سدوا علي المنافذ ؛ رجلان عن يميني، رجلان عن يساري، من خلفي حائط وأمامي سيارة. وما إن سألوني عما أفعل وطلبوا هويتي ثم الصعود إلى السيارة حتى وجدت نفسي بين خوفين؛ خوف من أن أطلب تبيان ما يثبت أنهم من المباحث، وخوف من الذهاب معهم قبل التأكد من ذلك.
بسرعة قررت أنه من الأفضل الصعود دون جدال، فلا خوف ما دام لا أعداء لي وما دمت لا أبدو من سكان الحي.
في السيارة اطمأنت نفسي لكونهم من المباحث ، لكني كنت كمن يجلس على جمر : أحدهم بلغ عن مشبوه، فهل كان هو؟! هل كان يرقبني في لوَباني من نافذة ما؟!.
في المخفر طرحوا بعض الأسئلة فشرحت لهم أنه غير مكتبه ولم يصرح بعنوانه الجديد تهربا من المحكمة، وعلى حافة اليأس من العثور عليه ألمحت لأحد معارفه ببعض الفائدة، فقال أن كل ما يعرفه أن بيته يقع مقابل ثانوية يوسف العظمة في حي الفردوس، وأن الشبهة كانت لطول البحث بسبب ضيق الوقت.
احتجزت في إحدى الغرف ليعود إلي أحدهم بعد قليل قصد إخلاء سبيلي ؛ فقد تبينوا صحة ما ادعيت.
قلت له : إذاً عرفتم عنوانه؟
قال: نعم.
قلت: وأين يقع بالضبط، أعني كيف أستدل عليه؟
قال: كما تراني أراك.
مددت يدي بقطعة نقدية وقلت: هل تكفي هذه؟
قال: معك أكثر.
ولم يكن معي غيرها.
في طريقي لمعاودة البحث من جديد، سؤال وقع في نفسي كومضة، كما يتذكر المرء أمراً اجتهد في تذكره دون جدوى ثم تذكره من غير مناسبة : ترى لمَ لمْ يتركوا لي منفذاً للهرب؟!.



#أكرم_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلة هواجس
- هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 2من2
- هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 1 من 2
- عكك*
- شكراً لحماس وحزب الله
- قصة
- الدولة والعودة : الجدل بين الشعار والممارسة والخطاب *
- نصر آخر لحزب الشعب وشركائه
- قمة هرم أم مركز مثلث ؟!!
- قراءة في إعلان دمشق
- ليس خوفاً على السلطة بل خوفاً من حزب الشعب


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم إبراهيم - صخب