|
هجرة الشوام إلى مصر
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5989 - 2018 / 9 / 9 - 19:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما كانت الدولة العثمانية تسيطر على غالبية الأقطار العربية ، لم تفصل بين هذه الأقطار حدوداً جغرافية سياسية ، فكانت حرية التنقل من قطر لآخر مفتوحة ، وقد تحول هذا التنقل في كثير من الحالات الى هجرة دائمة أو شبه دائمة بالمفهوم المتعارف عليه . شملت هذه الهجرة قطاعات لا بأس بها من العرب المغاربة ، الذين تركوا أوطانهم خلال القرن التاسع عشر وقبله ، هرباً من الجوع والفقر ، وهرباً من جور الحكام المحليين ومن الاستعمار الفرنسي ، الذي استولى على الجزائر سنة 1830 ، وعلى تونس سنة 1883 ، وعلى المغرب مع بداية القرن العشرين . حطت أقدام غالبية هؤلاء المهاجرين بلاد الشام ، خاصة فلسطين ، أما لإسباب اقتصادية أو أسباباً دينية ، لهذا السبب استقر الكثير منهم في مدينة القدس ، بالقرب من المسجد الأقصى ، وقد اقاموا خلال القرن التاسع عشر ما أخذ يعرف حتى اليوم بحي المغاربة ، وقد بقي هذا الحي مزدهراً عامراً حتى عدوان عام 1967 ، حيث اقدمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعد احتلالها للمدينة المقدسة بهدم هذا الحي ، وأقامت حياً لليهود على انقاضه ، كما فعلت من قبل في قرى فلسطينية كثيرة عام النكبة وبعدها . رغم خطوات اسرائيل الاجرامية ، إلا أن هذا الحي بقي في ذاكرة القدس وسكانها ، وترك سكانه العرب المغاربة بصمات في هذا الحي ، لا يمكن ازالتها ، سكن المغاربة أيضاً في عكا ومدينة يافا ومدينة حيفا ، والعديد من المدن والقرى الفلسطينية ، ولا زالت العديد من العائلات في فلسطين تحمل اسم " دار المغربي " . المغاربة في بلاد الشام ، خاصة في فلسطين فرضوا ذاتهم ، واندمجوا في المجتمع الفلسطيني ، وان الكثير منهم تطوعوا في مليشيات محلية ، اقامها رؤساء القبائل ، كما انضم الكثيرون منهم الى أجهزة الأمن العثمانية ، وانضم الى قبائل قيس التي كانت تقاتل قبائل يمن ، وبالعكس حاربوا مع قبائل يمن ضد القبائل من أصل قيسي ، وقد أثارت الدولة العثمانية هذه الحروب من منطلق سياسة فرق تسد ، كما كانت تثير النزاعات بين العشائر الفلسطينية المختلفة ، وأشعلت فتيل النزاع بين الطوائف اللبنانية . ظهرت سطوة المغاربة أيضاً عندما قاتلوا في صفوف الفصائل المسلحة التي أقامها ظاهر العمر عندما انشق عن الدولة العثمانية ، كما قاتلوا في صفوف التشكيلات العسكرية التي أقامها أحمد باشا الجزار والي عكا ، والذي أحبط هجوم نابليون على المدينة المذكورة ، وقد لعب المغاربة دوراً بارزاً بالتصدي لهذا الحصار . اضافة الى هجرة المغاربة الى بلاد الشام ، عرفت أيضاً ظاهرة هجرة المصريين من مصر الى بلاد الشام ، لنفس الأسباب التي دفعت المغاربة هجرة أوطانهم ، استقر الكثير من المصريين في بلاد الشام ، خاصة فلسطين ، ولا زال أحفادهم متواجدون حتى اليوم ، وما العائلات التي ينتهي نسبها الى مصاروة ، أو مصري ، سوى امتداد لهؤلاء الذين انتقلوا في يوم من الأيام من مصر قاصدين بلاد الشام ، جدير بالذكر أنه في زمن حكم محمد علي باشا لمصر الذي امتد من سنة 1805 – 1849 ، هرب آلاف المصرين من مصر إلى بلاد الشام ، وغالبيتهم من الفلاحين ، بسبب سياسة الباشا الاقتصادية ، فقد اتبع سياسة المقايضة معهم للاستيلاء على محاصيلهم الزراعية ، مثلاً قمح مقابل مصنوعات مختلفة ، كالحبال والطرابيش وغيرها ، كما وصل الى بلاد الشام عدد لا باس به من المصريين هرباً من الخدمة العسكرية ، وهرباً من العمل بالسخرة ، خاصة في عهد الخديوي اسماعيل ، الذي بدأ بحفر قناة السويس عام 1859 . هذا هو حال الشّوام ، الذي جاءوا الى مصر من بلاد الشام ، في القرن التاسع عشر ، ومن المعروف ان بلاد الشام تضم كل من سوريا لبنان شرق الاردن وفلسطين ، شكلت أثناء الحكم العثماني وحدة جغرافية واحدة ، لكن الفرق بين المهاجرين المصريين والمغاربة الذين هاجروا الى بلاد الشام ، بأن المستوى والوعي الاجتماعي لدى الشوام ، أفضل بكثير من المستوى ذاته لدى المغاربة والمصريين ، هذا ما أكده المؤرخون . ويعترف الكاتب المصري " مصطفى نبيل " بان غالبية المواطنون القادمون من بلاد الشام ، يتميزون بالنشاط والذكاء ، يعتمدون على الخدمات والنشاطات المصرفية . وقد تم الحصول على معطيات من سجلات الكنائس ، التي سجل فيها حالات الزواج والتعميد والوفيات ، ونوعية الأعمال ، خاصة سجلات الكنائس التابعة للأرمن الكاثوليك ، وسجلات دير الفرنسيسكان في كل من القاهرة والاسكندرية ، وسجلات البطركخانة المارونية في القاهرة . وينسب المؤرخون بأنه كان للموجة الأولى من هجرة الشوام الى مصر ثلاثة أطراف ودوافع ، الأول دور محمد علي باشا ، والثاني دور الأمير بشير الشهابي ، وهو زعيم لبناني اعلن العصيان على السلطة المركزية العثمانية ، واسس دويلة انفصالية ، كان مضطراً للتعاون مع محمد علي باشا . أما الدور الثالث الذي كان له تأثيراً كبيراً على هجرة الشوام إلى مصر ، فهي مدينة " دمياط " فقد استقبلت هذه المدينة غالبية المهاجرين الشاميين كونها واقعة على رأس إحدى فروع النيل الذي يصب في البحر المتوسط ، اعتبرت هذه المدينة ثغراً مائياً هاماً قبل افتتاح قناة السويس . لقد توطدت العلاقات بين محمد علي باشا والأمير بشير الشهابي ، كان من نتائج هذه الصداقة فتح ابواب مصر ، أمام المهاجرين من الشام ، والسبب أن محمد علي باشا كان يعرف قدراتهم ، وقد قدم لهم المجتمع المصري فرصة الاندماج وجمع ما أمكن من الثروات الطائلة وممارسة التجارة ومختلف أنواع الأعمال . يتبع
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى متى ستستمر القيادة الفلسطينية في سياسة الدهن والمدارة
-
روايات من ممارسات القهر القومي -2-
-
روايات من ممارسات القهر القومي
-
التضامن و السلاح الوحيد للتصدي لكل قوانين العنصرية
-
استقالة أعضاء الكنيست العرم تخدم العنصرية الاسرائيلية
-
وايزمن والعرب 3 الحلقة الأخيرة
-
وايزمن والعرب 2
-
وايزمن والعرب 1
-
رايخ العنصرية لن يستطيع قلع ذورنا
-
طالت طريق الانتصار يا شعب الجبارين الحلقة الأخيرة
-
طالت طريق الانتصار امام شعب الجبارين (3)
-
طالت طريق الانتصار امام شعب الجبارين (2)
-
طالت طريق الانتصار يا شعب الجبارين
-
لا خيار أمام الفلسطينيين سوى وحدة الصف والهدف
-
نتنياهو في أسواق العنصرية
-
عندما تكون المرأة مقاومة وسجينة
-
امرأة تعيش خارج الذاكرة .. لماذا ؟؟
-
هنا القاهرة من دمشق
-
صور من حالات التعليم في زمن الانتداب - الحلقة الاخيرة
-
صور من حالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب 5
المزيد.....
-
الغزو الروسي لأوكرانيا: قصف متواصل على شرق أوكرانيا وسويسرا
...
-
تكساس: ما فرص نجاح دعوات بانفصال هذه الولاية عن الولايات الم
...
-
القرم: قصة حرب شاركت فيها مصر وتونس ضد روسيا
-
ثلاثة قتلى بإطلاق نار في كوبنهاغن وتوقيف دنماركي مشتبه به
-
مسلح يصيب خمسة أشخاص في شرق كندا
-
القوات الأوكرانية تقصف غورلوفكا
-
الصين.. المروحيات الحربية تتدرب على الهبوط على متن السفن
-
الجزائر.. غضب شعبي في قسنطينة بسبب رفات 4 مواطنين قضوا على ي
...
-
روسيا تعارض ضم ألمانيا واليابان إلى مجلس الأمن وتدعم وجود دو
...
-
-بعضها متحلل-.. الشرطة الأمريكية تعثر على أكثر من 30 جثة بول
...
المزيد.....
-
«الأحزاب العربية في إسرائيل» محور العدد 52 من «كراسات ملف»
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الديمقراطية الرقمية والديمقراطية التشاركية الرقمية.
/ محمد أوبالاك
-
قراءة في كتاب ألفرد وُليم مَكّوي (بهدف التحكّم بالعالم)
/ محمد الأزرقي
-
فلنحلم بثورة
/ لوديفين بانتيني
-
حرب المئة عام
/ فهد سليمان
-
حرب المئة عام 1947-.....
/ فهد سليمان
-
اصول العقائد البارزانية
/
-
رؤية فكرية للحوار الوطني: الفرصة البديلة للتحول الطوعي لدولة
...
/ حاتم الجوهرى
-
- ديوان شعر ( احلام مطاردة . . بظلال البداوة )
/ أمين احمد ثابت
-
أسطورة الدّيمقراطية الأمريكية
/ الطاهر المعز
المزيد.....
|