هجرة الشوام إلى مصر

تميم منصور
shawkea.mansour@gmail.com

2018 / 9 / 9

عندما كانت الدولة العثمانية تسيطر على غالبية الأقطار العربية ، لم تفصل بين هذه الأقطار حدوداً جغرافية سياسية ، فكانت حرية التنقل من قطر لآخر مفتوحة ، وقد تحول هذا التنقل في كثير من الحالات الى هجرة دائمة أو شبه دائمة بالمفهوم المتعارف عليه .
شملت هذه الهجرة قطاعات لا بأس بها من العرب المغاربة ، الذين تركوا أوطانهم خلال القرن التاسع عشر وقبله ، هرباً من الجوع والفقر ، وهرباً من جور الحكام المحليين ومن الاستعمار الفرنسي ، الذي استولى على الجزائر سنة 1830 ، وعلى تونس سنة 1883 ، وعلى المغرب مع بداية القرن العشرين .
حطت أقدام غالبية هؤلاء المهاجرين بلاد الشام ، خاصة فلسطين ، أما لإسباب اقتصادية أو أسباباً دينية ، لهذا السبب استقر الكثير منهم في مدينة القدس ، بالقرب من المسجد الأقصى ، وقد اقاموا خلال القرن التاسع عشر ما أخذ يعرف حتى اليوم بحي المغاربة ، وقد بقي هذا الحي مزدهراً عامراً حتى عدوان عام 1967 ، حيث اقدمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعد احتلالها للمدينة المقدسة بهدم هذا الحي ، وأقامت حياً لليهود على انقاضه ، كما فعلت من قبل في قرى فلسطينية كثيرة عام النكبة وبعدها .
رغم خطوات اسرائيل الاجرامية ، إلا أن هذا الحي بقي في ذاكرة القدس وسكانها ، وترك سكانه العرب المغاربة بصمات في هذا الحي ، لا يمكن ازالتها ، سكن المغاربة أيضاً في عكا ومدينة يافا ومدينة حيفا ، والعديد من المدن والقرى الفلسطينية ، ولا زالت العديد من العائلات في فلسطين تحمل اسم " دار المغربي " .
المغاربة في بلاد الشام ، خاصة في فلسطين فرضوا ذاتهم ، واندمجوا في المجتمع الفلسطيني ، وان الكثير منهم تطوعوا في مليشيات محلية ، اقامها رؤساء القبائل ، كما انضم الكثيرون منهم الى أجهزة الأمن العثمانية ، وانضم الى قبائل قيس التي كانت تقاتل قبائل يمن ، وبالعكس حاربوا مع قبائل يمن ضد القبائل من أصل قيسي ، وقد أثارت الدولة العثمانية هذه الحروب من منطلق سياسة فرق تسد ، كما كانت تثير النزاعات بين العشائر الفلسطينية المختلفة ، وأشعلت فتيل النزاع بين الطوائف اللبنانية .
ظهرت سطوة المغاربة أيضاً عندما قاتلوا في صفوف الفصائل المسلحة التي أقامها ظاهر العمر عندما انشق عن الدولة العثمانية ، كما قاتلوا في صفوف التشكيلات العسكرية التي أقامها أحمد باشا الجزار والي عكا ، والذي أحبط هجوم نابليون على المدينة المذكورة ، وقد لعب المغاربة دوراً بارزاً بالتصدي لهذا الحصار .
اضافة الى هجرة المغاربة الى بلاد الشام ، عرفت أيضاً ظاهرة هجرة المصريين من مصر الى بلاد الشام ، لنفس الأسباب التي دفعت المغاربة هجرة أوطانهم ، استقر الكثير من المصريين في بلاد الشام ، خاصة فلسطين ، ولا زال أحفادهم متواجدون حتى اليوم ، وما العائلات التي ينتهي نسبها الى مصاروة ، أو مصري ، سوى امتداد لهؤلاء الذين انتقلوا في يوم من الأيام من مصر قاصدين بلاد الشام ، جدير بالذكر أنه في زمن حكم محمد علي باشا لمصر الذي امتد من سنة 1805 – 1849 ، هرب آلاف المصرين من مصر إلى بلاد الشام ، وغالبيتهم من الفلاحين ، بسبب سياسة الباشا الاقتصادية ، فقد اتبع سياسة المقايضة معهم للاستيلاء على محاصيلهم الزراعية ، مثلاً قمح مقابل مصنوعات مختلفة ، كالحبال والطرابيش وغيرها ، كما وصل الى بلاد الشام عدد لا باس به من المصريين هرباً من الخدمة العسكرية ، وهرباً من العمل بالسخرة ، خاصة في عهد الخديوي اسماعيل ، الذي بدأ بحفر قناة السويس عام 1859 .
هذا هو حال الشّوام ، الذي جاءوا الى مصر من بلاد الشام ، في القرن التاسع عشر ، ومن المعروف ان بلاد الشام تضم كل من سوريا لبنان شرق الاردن وفلسطين ، شكلت أثناء الحكم العثماني وحدة جغرافية واحدة ، لكن الفرق بين المهاجرين المصريين والمغاربة الذين هاجروا الى بلاد الشام ، بأن المستوى والوعي الاجتماعي لدى الشوام ، أفضل بكثير من المستوى ذاته لدى المغاربة والمصريين ، هذا ما أكده المؤرخون . ويعترف الكاتب المصري " مصطفى نبيل " بان غالبية المواطنون القادمون من بلاد الشام ، يتميزون بالنشاط والذكاء ، يعتمدون على الخدمات والنشاطات المصرفية .
وقد تم الحصول على معطيات من سجلات الكنائس ، التي سجل فيها حالات الزواج والتعميد والوفيات ، ونوعية الأعمال ، خاصة سجلات الكنائس التابعة للأرمن الكاثوليك ، وسجلات دير الفرنسيسكان في كل من القاهرة والاسكندرية ، وسجلات البطركخانة المارونية في القاهرة .
وينسب المؤرخون بأنه كان للموجة الأولى من هجرة الشوام الى مصر ثلاثة أطراف ودوافع ، الأول دور محمد علي باشا ، والثاني دور الأمير بشير الشهابي ، وهو زعيم لبناني اعلن العصيان على السلطة المركزية العثمانية ، واسس دويلة انفصالية ، كان مضطراً للتعاون مع محمد علي باشا .
أما الدور الثالث الذي كان له تأثيراً كبيراً على هجرة الشوام إلى مصر ، فهي مدينة " دمياط " فقد استقبلت هذه المدينة غالبية المهاجرين الشاميين كونها واقعة على رأس إحدى فروع النيل الذي يصب في البحر المتوسط ، اعتبرت هذه المدينة ثغراً مائياً هاماً قبل افتتاح قناة السويس .
لقد توطدت العلاقات بين محمد علي باشا والأمير بشير الشهابي ، كان من نتائج هذه الصداقة فتح ابواب مصر ، أمام المهاجرين من الشام ، والسبب أن محمد علي باشا كان يعرف قدراتهم ، وقد قدم لهم المجتمع المصري فرصة الاندماج وجمع ما أمكن من الثروات الطائلة وممارسة التجارة ومختلف أنواع الأعمال .
يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن