أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمر المحمود - أنواء














المزيد.....

أنواء


سمر المحمود

الحوار المتمدن-العدد: 5989 - 2018 / 9 / 9 - 17:28
المحور: الادب والفن
    


أخذ شتيت الغمام يتزاحم بسرعة حتى كادت السماء تطبق كلحاف أسود على صدر البحر
كان عبد الجبار جاثيا مثابرا على صيده تغمره نشوة عذبة لإحساسه بضآلة وجوده بين صفحتين أزليتين
شرع يرقب الموج القادم من البعيد بسرعة جائعة ليتكسر بتعرجات الشاطئ الممتد كوحش صخري
لتولد أمواج أخرى تصرخ بوجهه عند تكسرها وتتلاشى ..
يضع بحماس طعما في فم صنارته المعقوف ويرميها في البحر معللا نفسه بصيد ثمين ، رغم بدائية صنعها
إلا أنها رافقته بأشهر حفلات صيده
بينما أخذت أفكاره تتوالد بحيوية الأمواج تتلاطم ثم تتلاشى .. تعلو كزهو ثم تهبط كإحباط .. تتلاطم وتتلاشى
فكر كم له من العمر مشلوح على هذا الكون الكبير وعيناه معلقتان كمنارتين على المد الهائل للعملاق المالح .. تخيله ماردا أزرق ضخم يلملم وشاحه بكبرياء ويقترب منه ليسأله: شبيك لبيك عبدك بين أيديك .. أطلب وتمنى يا سيدي
لتتملكه جرأة لا تخصه ويسأله بثقة أدهشت نفسه: ماذا لو يأخذه حتى جزيرة نائية تضج بحورياتها الفاتنات ويحله عليهم كبطل مقدما قرابينه حيتان مفترسة
لكن وجه زوجته بثينة ورائحتها المختلطة بالغسيل والطبخ يباغته بإحساس بالذنب .. كم ستغضب وتصرخ بوجهه: تذكر يا جاحد متى عانقتني آخر مرة.. وسيحاول أن يتذكر ...
تشده الصنارة معلنة عن صيد ما .. سمكة لم يفتر حماسه صغرها ، فيعاود وضع الطعم في الصنارة وقد تفعم قلبه بأمل أن يصطاد البحر كله .. حسنا ، ربما نصفه .. يرشف من كأسه ليستحضر أكثر أفكاره إثارة مرددا في سره:
- قد أصطاد سفينة محملة بالنقود .. أمم
سأشتري مركب صيد .. أو يختا كالقصر .. لما لا أشيد منزلا على صفحة البحر وأتزوج امرأة كشهرزاد تفعم قلبي بالحكايات ولن أضطر لسماع نقيق زوجتي كل مساء ..
لكن مع اشتداد السواد البعيد حتى كاد الضوء الضئيل بين البحر والسماء ينطفئ تماما .. أخذت مخيلته تنفق بحزن وشرع الموج الذي أخذ يتكاثر بزخم مخيف يقترب منه كمن يضارع للهرب من فك عاصفة هوجاء
والصوت الشره لتلاطمه ينساب إلى شرايينه كموسيقى صاخبة أحالت قلبه عشوائي الطرق
يتجرع رشفة من كأسه بينما يتطلع للكالح البعيد مفكرا أن العاصفة لن تثنيه ليقاطع البحر ..ربما يسافر على إيقاع حلم أكثر تواضعا ويصطاد سمكة أخرى يكفي ثمنها ليشتري فستانا أزرق لزوجته
يتسمر برهة ويتحول بنظره نحو السلة مفكرا أن ثمنها بالكاد يكفي لتوفير الطعام .. حسنا سيشتري الطعام وستلبس بثينة شلحتها السوداء التي احتفظت بها منذ زواجهم .. لتراوده شهوة غامضة .. لكنه .. لا يستطيع العودة
بوده لو يجر البحر لبيته مع علمه أن بثينة ستغضب منه وقد تطرده من المنزل .. يزفر بعمق ومثلما تتكسر تلك الأمواج في تجدد مستمر ولا تفنى تتكسر خيالته ولا تفنى :
كم حلم أن يقطن على سقفه المتحرك ويعتريه الدوار مبتلعا مائه مع أنفاسه المالحة فتهديه العاصفة لؤلؤة، مرجان أو ربما جثة قرصان عينه ذهبية ... أو تظهر له من القاع أجناس أخرى ..
يتحدث إليهم طويلا حتى لو لم يفهموا لغته ولكنه سيدعوهم لشرب القهوة في منزله
فيجفله صوت زوجته: ليس عندنا بن ..كم مرة قلت لك ألا تحضر غرباء للمنزل .... يا إلهي هذا الرجل الفاشل سيفقدني صوابي .
ومع بدأ الرذاذ الناعم للمطر تلح عليه رغبة آنية بالعودة للبيت وقد تخيل متقززا أن الغمامات طيور عملاقة تنثر فوقه الديدان الباردة
- إن زوجته نائمة الآن وستستيقظ مذعورة حين يندس بجوارها موبخه إياه كالعادة: أعمل أعمل يا رجل سنموت من الجوع وأنت تلهث وراء سمكة في البحر،
فيزداد انقباضه بتزايد الأفكار التي أخذت تتكسر بألم ثم تتلاشى مع حركة من صنارته جعلته يسحب الحبل بتكاسل مدركا بنشوة مشوبة بالحزن أنه صيد آخر .. سمكة أخرى صغيرة ....

كان المطرق قد أوشك على التدفق فأخذت أفكاره تغادره كعصافير خائفة وتراءت له عينا بثينة أشد سوادا من الغيم مسربلة بالكآبة والنعاس،
وبجواره خلاصة يوم كامل ..سمكتان صغيرتان شاخصتان نحو السماء كتوأم ضئيل مشوه بالموت ،
يمسك بهما كمن يمتلك زمام قدره اللزج وباتساع يديه يرميهما للبحر قربانا لحلم يعلو تارة كزهو ويتكسر تارة كإحباط ..ولا يفنى



#سمر_المحمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا وأنا
- مشروع ميت
- كرسي مصاب بالزهايمر
- عبوس
- أصغر من سؤال
- هناك دائما طفل ..هناك
- لاجئين
- مرة واحدة
- طبخة موروثة
- الريح العازبة
- رتابة مألوفة
- شرٌّ تبرَّج بمحبَّة إله
- خلفاء التاريخ
- بوصلة
- أرضنا وسماؤنا
- مُرَاهَقة
- نضج
- زيارة منتصف الليل
- صدق المنجمون ولو كذبوا
- عندما سقطت تنورة المعلمة


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمر المحمود - أنواء