أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عامر عبد زيد - الخطاب التربوي النبوي















المزيد.....



الخطاب التربوي النبوي


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 5966 - 2018 / 8 / 17 - 23:20
المحور: المجتمع المدني
    


مقدمة
إنّ الحديث عن التربية النبويّة من المواضيع المؤثرة في حياة المؤمنين وهم يحيون قدوة خالدة تعبِر عن مثال من الرقي كان قد تعرض الى التشوية والتحريف قديماً وحديثاً؛ نظراً لما تمثله من أثر عميق الدلالة في رقي الأمّة في مجال التربية التي تعدّ البوابة الى نهضة الأمم ورقيها وتسامي أخلاقها ؛ لأن آية الفضل أن تعادي وتحسد
(وكل العداوات قد ترجى إزالتها ............... إلا عداوة من عاداك عن حسد )
فالتربية تبقى قرينة فعلين من مقومات العقل العملي هما : (الاخلاق والسياسة ) ،وقد ربط بينهما الإسلام كما تجلّى ذلك في النص المقدس والسنّةالنبويّة وخصوصاً في أثرها الحاضر في سلوك آل البيت (سلام الله عليهم) .
ومن هذه المعالم الأصيلة التي من الممكن ان نستعرض من خلالها الأقوال والممارسات التي تشكل أنموذجاً اخلاقياً تربوياً وفعلاً في مجال الاجتماع والسياسة وكلها تتمركز في دور الخالق المدبر ؛فالتربية لغةً تكشف عن هذا الجذر في تراث الامة كما تختزنه لغتها وعاداتها وسلوكها فهي تؤكد علىأن التربية بوصفها اسماً فهو من الربّ.و" الربّ: يطلق في اللغة على المالك والسيد والمُدِّبر والمُربيِّ والقيِّم والمُنعم. ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى، وإذا أُطلق على غيره فيقال: رَبُّ كذا.
وهكذا تجد التربية مصداقها في الرب وهو منسوب إلى الربّ بزيادة الألف والنون للمبالغة، وقيل هو من الرًّب بمعنى التربية.وفي السياق نفسه قيل (( للعلماء: والرَّبَّانيُّ: العَالمُ الراسخُ في العلمِ والدِّين. أو الذي يطلبُ بعلمه وجه الله و ربانيون: لأنهم يربُّون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها((.( )
فاللغة :تعبر عن تجارب الأمّة المعنويّة وتخزينها الرمزي كما يرى الزمخشريُّ، فقال: (( ومن المجاز: فلان في رَبَاوة قومه: في أشرفهم))( )، فالتربية فعل مرتهن بإرادة الخالق والمدبِر عبر ما يسنه من شرائع وما يدبره من حكم ومواعظ تجد تجلياتها في أحكامه في مكارم الأخلاق والشرائع والحدود في ظلِّ التحولات الراهنة تُعَدُّ التربية الأخلاقُية ركنًا من أركانِ الإصلاحِ المعنويّ الذي يمنحُ الفردَ أو الجماعةَ موجهاتٍ معنويّةٍ يمكنُ أن تجعلَ منهم أفرادًا صالحينَ يحققونَ الإصلاحَ الاجتماعيَّ، والنجاةَ في حياتهم الدنيويَّة والأخرويَّة ، فالتربية والأخلاقٌ مرتبطتان بحضارة معينةٍ ، أو دينٍ معينٍ ، إذ إنَّ عمرَ العلاقةِ بينَ الدينِ والأخلاقِ يمتدُّ إلى عمرِ البشريَّةِ ، وهذا يعني بأنَّ له حضورًا راسخًا في الثقافةِ البشريَّة.وفي الإسلام ، وثمّة علاقة مركزية بينه وبين الأخلاق ومنها عززت روح الاندماج بين أبناء هذه الأمّة،ومن هنا تعد الأسس الأخلاقية تشغل مكانة مهمة للأفراد والجماعات والشعوب ،فهي المقوم الرئيس لوجودها وحياتها ،وقد بُعِثَ النبي صلى الله عليه واله وسلم ليتمم مكارم الأخلاق مثل:( العفو والوفاء والمحبة والتآخي بين المسلمين)، اذ ((إن إحدى السمات المميزة للإسلام مقارنة بأديان العالم الكبرى الأخرى ، هي التنوع في الشعوب و الأعراق التي اعتنقته ونشأ بينها نتيجة لذلك شعور قوي بالأخوة ، وقد من الاندماج لا يمكن مقارنتهما بالمسيحية ... )) ( ) ، فهذه العملية القائمة على الدمج على أساس عقائدي وأخلاقي نجدها في نظام المؤاخاة المدني التي مثلت نهاية((للنظام القبلي العربي التقليدي و مورثهالعصبوي .فهو قام على مقتضى شراكة جديدة غير الشراكة في النسب ، هي الشراكة في الدين .))( )
فالتربية: هي الأخلاقِ التي تعلو بها الأممُ وتنهضُ وتزدهرُ وتتقدّم ، وهي دليلٌ على بقاء الحضارات وتقدّم شعوبِها ورفعتِهم ؛ فيقلّ مُعدّلُ الجريمةِ والانحطاطِ والاستغلالِ، ولا يصعد الأغنياءُ والأقوياءُ على حِساب الفقراءِ والضُّعفاء. وهذا أيضاً يجعل التربية الأخلاقَ متفاوتةً بين النّاسِ ؛ نظراً لاختلاف البيئاتِ الثقافيَّةِ والدينيَّةِ التي ترعرعوا فيها ؛ ونظراً أيضًا لاختلاف أهمّيتها عند النّاس ، فقسمٌ من النّاس يضربون بها عرض الحائطِ ويعدُّونها إعاقةً للطموحِ والتقدّمِ والنّجاح ، وهم بذلك يدوسونَ على إنسانيتهم وعلى مَن حولَهم ؛ حتى يستطيعوا الوصولَ إلى أهدافهم وغاياتهم الدّنيئةِ الرّخيصة ، والتي ستسبّب لهم ولِمَن حولَهُم الهلاكَ والخسرانَ ؛ وبهذا هم يسهمون في إقرارِ مصيرِهم .
ومن ناحيةٍ ثانيةٍ نجد بأنَّ طبيعةَ التربية الأخلاق طبيعةً تراكميّةً بامتياز ، متنوّعةٌ مصادرها ، فقد يستمدُ النّاسُ أخلاقَهم من (العاداتِ والتقاليدِ والأعرافِ المتّبعةِ )، وقد يقوِّمُ الدّينُ أخلاقَ النّاسِ ، بتأكيدِ الأخلاقِ الحميدةِ ، ومحو الأخلاقِ السّيئةِ التي نشأوا عليها ؛ لهذا فالأديانُ ضروريَّةٌ جداً للنواحي الأخلاقيّةِ ، فضلاً عن وظيفتها الرّئيسةِ الأخرى والمتمحورة حولَ تعريفِ النّاسِ بخالقِهم وربِّهم المعبود.
ومن هنا يأتي الرِّهانُ الباعِثُ على تناولِ المشكلةِ وما تمثِلُهُ من راهنيَّةٍ في حياةِ الناسِ ومعاشِهم ، فيما يحتاجون إليه من تمثِّلٍ للقيم التي تُعَمِّقٌ التعايشَ وتحقِّقُ السلوكَ القويمَ في علاقةِ الإنسان بربِّهِ وعلاقتِهِ بأخيهِ الإنسانِ الآخرِ في تمثُّلِ القيم التي تحقِّقُ تَمثُّلَ القيمِ واستيعابَ أَثرِها الروحيّ، والعمل على تمثُّلِ السلوكِ الفاضلِ الذي نَجِدُهُ متمثلًا في سلوكِ كثيرِ من الشخصياتِ الفاضلةِ في تاريخِ الاسلامِ، وهي تمثِّلُ الكارزمةَ الدينيَّةَ التي تقومُ على قيمِ السماحةِ والفضيلةِ، كما عبّرَ عن أهميتها "ماكس فيبر ".( )
وهي تبدو راهنيَّةً غائبةً نحاول استحضارَها في الأقوالِ على صعيد النصِّ المقدَّسِ، أو على صعيد استعراضِ نماذجَ مِن السيرةِ من خلالِ عرضِ أقوالٍ تَحُثُّ على مكارمِ الأخلاقِ ، بوصفها نماذجاً قِيميَّة قابلةً للتمثُّلِ والمحاكاةِ على صعيدِ الفردِ والجماعةِ، أو نماذج في التربية والتعليم والإرشاد الاخلاقيّ ؛ حتى يتحوَّلَ إلى باعثٍ نفسيٍّ داخليّ يُحرِّضُ الإنسانَ على اتباعِ الأخلاقِ النابعةِ من نفسٍ طَيبِّةٍ، وإرادةٍ خالصة ؛ لأنَّ الأفعالَ التي تصدرُ عن تكلفٍ، لا خيرَ فيها. ولكنَّها إنْ كانت أصيلةً في بواعِثِها فإنَّها تبدو كالدستورُ الذي ينطوي على قواعدِ السلوك الذي يستندُ في تقويمه إلى الخير والشر بكل بواعثهما القِيَمِيَّة سواء كانت من الدين أم من المجتمع .
وقد تنوعت موجودات التربية الاخلاقية : بـ(القدوة ، والعظة ، والحوار ، والأحداث )، أو بالأمثلة او بأسلوب الترغيب والتهذيب ،....الخ .ولعل هذا يحيلنا الى الأسس العقائدية للتربية ، ؛لأن العلاقة بين التربية والعقيدة أو بين الأخلاق والدين (( قد تكون علاقة منطقية ، بمعنى أنه لهما خصائص صوريّة تورثهما قدرة استدلاليّة معيّنة ؛ وقد تكون علاقة معرفيّة ، بمعنى أنهما ينطويان على مبادئ ومعايير أولى تنزل منزلة الأصول التي يتفرع أو يتأسس عليهما سواهما ، وقد تكون علاقة كيانية أي إنطولوجية ، بمعنى أنّ العلة في وجودهما مشروع إلهي أو مشروع إنساني يضمن نفعهما للأفراد والجماعات وما شابه من الوجوه )).( )
لكن هذا يتطلب فهم تلك العلاقة بتجاربها وتنوعاتها التاريخية فإن هذا((يتحقق من خلال طرح الأسئلة الناشئة من تجارب الحاضرة ، وهذا التفاوت في التجارب معلول تاريخية حياة الإنسان ، وفي أعماق الثقافة والحضارة المختلفة و الرؤى و الأديان المتفاوتة ثمة تجارب متفاوتة أيضاً ، فتجربة الإنسان عن نفسه وعن العالم في عصر تبعيّة الإنسان المطلقة لقوى الطبيعة وعدم إمكانية التصرف فيها تختلف قطعاً عن تجربته عن نفسه وعن العالم في هذا العصر الذي سيطر فيه الإنسان على قوى الطبيعة واستخدامها لمصلحته .))( )
فهذا يفتح أفق التلقي على التراث ومنه السيرة النبويّةوالانصهار بين الحاضر والماضي .وهذا يتحقق على مستويين :الأول على مستوى "شروط التجربة " فلاسبيل إلى حصول التكامل في اليقظة الإسلامية ؛إلا بطريقة ينفذ إلى اعماق التجربة الايمانية ...كان حاملا له على الاتصاف بمكارم الاخلاق ، أو قل على التخلق ، ومن نال التخلق سلك طرقاً من التعامل مع غيره تستبعد أسباب الفرقة والتنابذ .أما المستوى الثاني "شروط التعقل " ، فلا سبيل إلى حصول التجدد في اليقظة الإسلامية بغير طريق التوسل في تأطير هذه التجربة الإيمانية العميقة وتنظيمها بأحدث المناهج العقلية وأقدرهاوأقواها على مدنا بأسباب الإنتاج الفكري .( )
وبالآتي ، فإنَّ أُطروحةَ البحثِ تمثِّلُ الموقفَ الذي ننطلقُ مِنْهُ في مقاربةِ موضوعِنا، وهي راهنيّةُ التربية الأخلاقِ النبويّة وأثرُها في إقامةِ سلوك الأمّة وتقويمه، وبَعْثِ قيمِ العدلِ والفضيلةِ من خلال تأصيلها في النصِّ الدينيّ؛ لما يمثلُهُ من مركزيَّة ثقافيَّة ووجدانيَّة في ضمير الناس.
فالتربية فضلاًعن جذرها اللغوي والديني لها معنى اصطلاحي يتمثل :في كون المفهوم قد يختلف بحسب المرجعيّات المعتمدة فمنها ما تراه يتمركز في التدرج ، اذ هو انشاء وتقويم تدريجي حالاً فحالاً إلى حد التمام. ( ) ، من خلال تطور الانسان عبر مراحل النشأة ؛ لأن المراد من هذا التصور أن الرؤية التربويّة تراعي حاجات الإنسان الإساسية من مأكل ومشرب إلى الحد الذي يبلغ به كماله جسما وعقلا ...( )
فهذا السلوك التربوي المتدرج قد جمع ووفق بين النمو مادياً ومعنوياً متمثلاً في اكتساب الطفل أساسيات قواعد السلوك ومعايير الجماعة التي ينتمي إليها .ولهذا قيل التربية الأخلاقية هي بالأساسالإصلاح والتهذيب، إذ تُبذل جهودٌ كبيرة ومستمرة لرعاية الطفل، وإصلاح أحواله، وعدم إهماله .وقد ساس النبي –صلى الله عليه واله وسلم- العرب، ودعاهم وعلَّمهم وأحسن تربيتهم؛ مع قسوة قلوبهم وخشونة أخلاقهم، وجفاء طباعهم وتنافر أمزجتهم، لقد كان حال العرب كما وصفهم جعفر بن أبي طالب - ع – بقوله المعروف : (( كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف..)) .( )
في هذا البحث نحاول ان نستعرض الميراث التربوي النبوي في استعراضنا هذا الميراث بعرض مرجعيات اسلامية متنوعة باختلاف متونها التي يجتمع حولها المسلمون من عامة وخاصة فقد عرضنا لها في تأصيل عام في المبحث الاول وفي مبحث خاص عن المنهج التربوي كما تجلى في علاقة النبي(صلى الله عليه وعلى اله وسلم) ، بالإمام علي (عليه السلام ).
إذ هناك أسس عامة مشتركة تجمع التربية وتواصلها في علاقتها بالعقيدة والأخلاق والنظرة الجهاديّة وأخلاقيات التعلم . في مجتمع مكونه أسس تربويّة سوف نحاول الاستدلال عليها باستعراضنا للنصوص والأحداث في السنّةالنبويّة بشكل عمودي ثم نحاول التوقف عند نصوص تربويّة تربط بين النبي (صلى الله عليه وعلى اله وسلم )، والإمام علي (عليه السلام)، محاولين استلهام المبادئ التربوية النبويّةفي الحث عن العلم والتعلم بروح نقديّةنبحث من أجل ان نستلهم تلك الرؤية المرنة في التربية لدى النبي (صلى الله عليه وعلى اله وسلم ) ونتأملها باحثين عن مواطن التجديد والانفتاح على خيرات الآخرين من أجل ترصين تلك العلاقة الصحيحة بين المعلم والمتعلم .

المبحث الاول
التربية النبويّة الرؤية والممارسة
"كما في مرجعياتهم المتنوعة "
كل رسالة سماوية بما فيها الرسالة الإسلامية تقوم على دعامتين ، رئستين هما : الشريعة والمنهج ، اللذان يتكاملان في الشريعة فيقول سبحانه (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)( )
الشرعة ، في اللغة: من شرع بمعنى بدأ مما يعني أنها تمثل في الرسالة نقاط الشرع في الوعي و الفكر والسعي الإنساني أو ما يسمى بلغة العلم المسلمات ، والفرضيات المحددة للحقائق الاولى للعلم ، ومما تضمنه :
1- الشرعة : صفات الخالق - سبحانه - وحقيقة الخلق بكل نوعياته والحياة بمفهومها التكامل ، وضوابط حركة الوجود ، ومسير الحياة ومصيرها .(( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))( ).
2- المنهج : من نهج بمعنى وضح " والمنهج هو الطريق الواضح ( )
والمنهج في الاسلام يبين كل مسار صحيح قويم وبحث عليه ويندب إليه وكل مسار معوج منحرف ويحذر منه وينهى عنه ، فيما يعرف بالأوامر والنواهي أو الحلال والحرام فإتباع ما أمر الله به . بحسب المنهاج الإسلامي .( )
ومن ثم فإن "الشريعة "، هي التزام بالمنهاج ومثال ذلك الإيمان والاعتقاد والعمل بمقتضيات ذلك الإيمان والتزام بالمنهاج الذي هو أوامر الله فالإيمان من دون التزام بأوامر الله لا جدوى منه .(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)( )
ومصادر ثلاثة هي :
(أولا : كتاب الله ، وثانياً :السنّة والنبويّة ،و ثالثاً :الاجتهاد والتطبيقي . ( ) ، وهي تمثل منهاج الله في حياة المسلم ،وهي الأوامر والنواهي ، التي تصوغ واقع حياة المسلم ،فالشريعة هي الإسلام كله ، وهي تنقسم على اقسام كثيرة مثل :
1- العقائد والعبادات (الصوم والصلاة والزكاة )
2- أما المعاملات :الزواج والطلاق ، الميراث والبيع والربا ...الخ
3- العقوبات : وهي تنقسم في الشريعة على ثلاث عقوبات : القصاص ،والتعزير ،الحدود وهي ست: (حد الردة ،وحد القصف ، وحد السرقة ، وحد الحرابة ،وحد الزنى ، وحد شرب الخمر ).
أما مقاصد الشريعة فهي : (حفظ الدين ،والنفس ، والمال ، والعرض ،والعقل ).
والأخلاق والإنسانية المأمور بها في كتاب الله وسنة نبيه (ص): جمع مكارم الاخلاق وسمو الفضائل التي تحكم الإنسان مع ربه ، ومع نفسه ، ومع الآخرين ، والتي تشتمل على كل قول طيب وعمل صالح وتصرف قويم يصدر عن البشر وتتسع اتساع المعاملات نفسها وتكمن آداب الاسلام في ثلاث شعب : أولها آداب الحديث : من استماع ونقاش وحوار ، ونقد ومصارحة ، ودعوة وتوجيه ، واحترام آراء الآخرين . وثانيها ،الآداب الذاتية : من آداب:( الأكل والشرب والنوم والمشي والجلوس والزينة ...الخ) وثالثها آداب الترابط : كـ(الزيارة والعبادة و التحية والإسلام وبسط الوجه والتهيئة والتزين) .( )
فاعلم أن أعظم العلوم فائدة ، وأكثرها نفعا وأوسعها قدرا واجلبها خطرا –علم السنّة المطهرة – فإنه الذي تكفل ببيان الكتاب العزيز ، ثم استقل بما لا ينحصر من الأحكام .( )
لقد ظلت الأخلاق مدينة للمرجعية الدينية ، بل إن البشرية في كل حضارتها لا تزال بصورة من الصور تدين للمرجعية الدينية في المعنى والمصداقيّة ( )
ويمكننا النظر إلى مفهوم "التربية النبويّة" بمعنيين إحدهما واسع والآخر ضيق. فالتربية النبويّةبالمعنى الواسع للكلمة هي : مجموعة التوجيهات العقائديّة التي يمثلها الدين الجديد الذي شكل قطيعةً مع ما يتعارض مع الشريعة و الاخلاق والإبقاء على ما هو متوافق معهما ، فيما يخص الدين ومنهجه التربوي والأخلاقي ، هو ما يتجلى في جملة التصورات عن طبيعة الدين ووظائفه، التي تبدأ بترسيخ الاعتقاد بالأدلّة البراهين التي جاء بها القرآن وسنة نبيه قولاً وفعلاً هي ماصدق لتلك الرؤية التربوية والأخلاقية والميتافيزيقية التي تجتمع معا في العقيدة والناس الذين يتشاركون في عبودية اله واحد متعالٍ على كل تجسيم او تشبيه .وهذا ما اكدت عليهفلسفية الاعتقاد القائم على أدلة تثبت وجود الله، والتأملات الفلسفية عن طبيعته وعن علاقته بالكون والإنسان.من خلال تأسيس الاعتقاد الراسخ بالعقيدة واستعجالها الرؤية الآجلة لما وعد به الله عبادة المحسنين ، يتم تحويل هذا الموقف العقائدي سواء كان جلياًأم مستتراً من منظومة معتقدات عقائديّة لها رؤية فلسفيّة ومنهج تربوي يديره على وفق تلك الرؤية عقل عملي متمثل في مجال القيادة النبويّة او الأئمة من بعده بوصفهم تجلياً الى السنّةالنبويّة خارج أطر التشويه التي اصابتها فيما بعد بالتطبيقات المنحرفة التي جرّدت الدين من بعده المعنوي وحولته الى طقوس وممارسة سلطوية لكن بالعودة الة المنهج النبوي وما صاغه من عقل عملي وجد ترجمانه في سيرته وأقواله في حقل التربية والسياسة والأخلاق ، ووجد ترجمانه في الائمة من بعدها .وهذا يجعل العقيدة تحول تصور عميق الرسوخ بوصفه خلق (الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة الى فكر ورؤيا فان كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلا وشرعا بسهولة سميت الهيئة خلقا حسنا وان كان الصادر منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة خلقا سيئا) ( ).
فقد ترسخ بفعل وجود موقف محدد من الدين، تتضمنه كل منظومة عقائدية تسير على المنهج نفسه مع مراعاة التطورات التي تظهر في حياة المسلمين وتستوجب النظر والاجتهاد في فهم النص او التدبر العقلي في مجال عدم وجود النص تدفع المجتهد إلى فهم مقاصد الشريعة والاجتهاد بما يوافقها .
وعلى هذا الاساس فإن التطرق الى البحث في مجال العقيدة التربويّة لدى النبي وكيف اقامها منهجاً للمسلمين وأصبحت أنموذجاً منفتحاً على التدبر والتأمل والتلقي مع توافقه وترجمته الفعليّة الى مقاصد الشريعة الساعية إلى تحقيقه يتحدد في جوهره بتطلعات النبي الى أمته ومن بعده خلفائه من أجل تعميق التربية والقائمة على مكارم الاخلاق التي تعد الترجمان الى روح العقيدة الاسلامية التي تعقل نفسها بوصفها مقياساًللمنهج السليم ؛فهي تبقى أنموذجاً يعقل نفسها كجهد عقائدي ومعرفي كلي أو رفيع المستوى. حتى تصبح باعثًا نفسيًّا داخليًّا يحرِّضُ الإنسانَ على اتباع الأخلاقِ النابعة من نَفْسٍ طيِّبةٍ، وإرادة خالصة، أمَّا الأفعال التي تصدر عن تكلُّفٍ، فلا خير فيها.ومن هنا فإن التربيّة الإسلاميّة انطلاقا من تلك الرؤية تظهر في النظام التربوي الذي يراعي و يستهدف إيجاد إنسان القرآن والسنّة أخلاقاً وسلوكاً مهما كانت حرفته أو مهنته.؛ لأنهيتوافق مع التوجه العقائدي الثابت والمنفتح على التلقي من قبل المسلمين في كل العصور بالاجتهاد والتدبر والفهم ، وهذا التوجه يخضع بطبيعة الحال إلى التغيرات التاريخيّة، وتتنوع درجة إفصاحه عن نفسه.
ومن هنا تأتيأهميّة تناول هذه الموضوعة :التربية الاخلاقية لدى النبي (صلى الله عليه واله وسلم ). اذ أن أعظم البشر أخلاقاً على الإطلاق هم الأنبياء والرسل - عليهم السّلام - فهم حازوا عليها وجمعوا الأخلاق الحسنة و ابتعدوا عن الأخلاق السّيئة. يليهم المتديّنون بصدق والعارفون بالله، وأصحاب الأرواح العظيمة .
وكل هذه المرجعيات المعنويّة كانت حاضرة في النظام التربوي الإسلامي الذي يهتم بإعداد الإنسان الصالح إعداداً متكاملاً دينياً و دُنيوياً في ضوء مصادر الشريعة الإسلامية الرئيسة .التي تستلهم الخطاب التربوي النبوي ؛ فهي تعدمِن أهمِّ المقاصدِ لبعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الناس: قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ )( ).
ومن هنا تأتي أهمية الشخصية النبويّة كونها صلة الوصل بالسماء ومن خلال السيرة النبويّة التي تعد قولاً وممارسةً؛ فهذه تشكل مصداقاً للتصور السماوي ، ومن هنا تأتي أهمية السيرة ومكانتها:
السيرة النبويّة هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم)، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه (صلى الله عليه واله وسلم) لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي من عنده.
تجعل السيرة النبويّة بين يدي الإنسان صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل الله تعالى الرسول محمدًا (صلى الله عليه واله وسلم ) قدوةً للإنسانية كلها، إذ قال سبحانه: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر))( ).‏
السيرة النبويّة تعين على فهم كتاب الله وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن الكريم إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله (صلى الله عليه وسلم).
السيرة النبويّة صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه، فهي تكوّن لدى دارسها أكبر قدراً من الثقافة والمعارف الإسلامية، سواء ما كان منها متعلقًا بالعقيدة أمبالأحكام أو الأخلاق. اذ السيرة النبويّةأنموذجٌ حي عن طرائق التربية والتعليم، يستفيد منه المعلم والداعية المسلم. فقد كان الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) معلمًا ناجحًا ومربيًا فاضلاً، لم يأل جهدًا في تلمس أجدى الطرق الصالحة في التربية والتعليم، خلال مراحل دعوته المختلفة.
تمتاز سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم )بأنها نُـقلت إلينا كاملة في كلياتها وفي جزئياتها، ولا تمتلك الإنسانيّة اليوم سيرة شاملة لنبي إلا السيرة النبويّة على صاحبها صلوات الله وتسليمه.( )
إن دراسة السيرة النبويّة تهدف إلى معرفة ما تنطوي عليه من خلال((قدرة على التأثير في الإنسان المؤمن وتحركه إلى الله تعالى وانضباطه بمنهجيّة ، ومما لا شك فيه ،أن التربية عن طريق الواقعة التاريخية و القدوة هو أفضل أسلوب في التربية وتجمع عليه المذاهب و الفرق على اختلافها قديماً وحديثاً ، وهو الأسلوب الذي اتبعه خالق الإنسان مع الإنسان نفسه .وهو واضح من خلال الكتب السماويّة المعروفة وقد تميّز القرآن بهذه الصدد بما لا يضاهيه كتاب آخر ، حيث ضم بين دفتيه أنواع القصص ))( )
تهدف السيرة النبويّة في القرآن إلى أجل عقائدي وتربوي فضلاً عنالدور الهدف التشريعي ، أما عنايتها بوقائع سيرة خاتم الأنبياء فقد استهدفت الأهداف الثلاثة مع ملاحظة أن الثقل الأكبر في الجانب التشريعي تركه القرآن الكريم لسنة النبي التي دعا للأخذ بها كما في قوله تعالى : ((وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) . الحشر /7.( ) ، ولا شك أن دراسة السنّة و السيرة النبويّة – باعتبارهما المصدر الثاني من مصادر المعرفة الإسلامية- هي خير معين على فهم الأصل الأول – القرآن الكريم- بما يتضمنه من هداية وإرشاد على جميع المستويات، من عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق... يجد فيها المسلم القدوة الحسنة، والمثل الأعلى، بها يصحححتمثلاته ومواقفه، واتجاهاته، ويعمق معارفه الإسلامية ، مما يتيح الفرص لاستدماج القيم والعبر المستنبطة منهما في سلوكاتنا الخاصة والعامة ، ويكسبنا مناعة ضد كل أمراض الانحراف العقدي والسلوكي،ومواجهة كل أشكال الغلو والتطرف والعنف والإقصاء.( )فنكون بذلك كما قال ربنا(( كنتم خير أمة اخرجت للناس))( ). ومن هنا يظهر جلياً حضور الدين بوصفه متناً شرعياً كأصل من أصول الأخلاق والتربية الدينية على وفق تلك الضوابط .
أما المنهج : فهو الآخر كما تطرقنا سابقاً يمثل الآلية التي طبقت الشريعة وحققت لها حضورها في التربية والأخلاق كما تجلّت في السيرة النبويّة ، ومن سمات المنهج في السيرة النبويّة :
1- منهج ربّاني المصدر : فالمنهج التربوي النبوي تشريع يستمد قوته وثباته وتميزه، وكذا أحكامه وأخلاقه وسلوكياته من رب العالمين .
2- منهج شمولي: فهو منهج شامل لصالح الإنسان يرتبط بالواقع، ويعالج مشكلات التربية؛ ويحيط بجميع أبعاد حياة الإنسان باعتباره وحدة يتلاحم فيه : (الجسد والعقل والروح، والقول والفعل والنية، والظاهر والباطن) من ميلاد الإنسان إلى وفاته، ويحضر في كل مجالات الحياة المختلفة : ( البيت والمدرسة والشارع والسوق ، والعمل )، إذ يراعيه في جميع جوانبه ومكوناته.
3- منهج متوازن ومعتدل:المنهج التربوي النبوي منهج يوازن بين متطلّبات الروح والجسد، إذ لا يطغى جانب على آخر، فلا يهمل المسلم ما يتطلبه جسده من العناية من دون تجاوز الحد المشروع، ولا يحرم روحه من حقها، وفي ذلك مزايا كثيرة، فالتوازن يحقق الاستقامة في المنهج، والبعد عن الزيغ والانحراف، وقد حرصت السنّةالنبويّة على حفظ التوازن داخل المجتمع في الأمور كلها، وكلما لمح من بعض أصحابه جنوحاً إلى الإفراط أو التفريط في مجال ما اذ يسعى الى غرس العقيدة الصحيحة، وتقوية الإيمان من خلال التربية.( )
هكذا يظهر عمق الترابط بين العقيدة ومنهجها الأخلاقي والتربوي ؛لأن الدين الحق يكون فيه الإله((يدعو عبادة إلى التخلق بأخلاقه ويجعل من نفسه مثالاً لهم لا خصماً يستغل قدرته اللامتناهية في النيل من مخلوقاته .))( )
فإن الجمع بين الشريعة والأخلاق يقترن بقدرة الرموز الدينية على ربط عالم الدنيا بعالم الآخرة فلايمكن ((فلا اعتبار لتجارب الناس الدينية وأحوالهم المعنوية أولا و بالذات ، و لا يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان إليها ، بل يجب عرضها على الكتاب والسنّة المقدسة لبيان حقانيتها ...))( )
أولا ، منطلقات التربية النبويّة :
أ-إعداد أجيال الرسالة :
كل رسالة تنشد الانتشار والبقاء لابد لها من جمهور مؤمن بها ويجعلها مركز تفكيره ومقياس للسلوك ومحل ايمانه واعتقاده لهذا كان النبي(ص) ينشد نشر تربية تحقق هذا.وتقوم على :
1-إعداد جيل معاصر للنبي : يكون بمثابة الأنموذج الكامل والقدوة الصالحة إلى الأجيال التي تأتي ،أي يبقى أنموذجاً بشرياً يقتدى به ويتأسى بمعتقداته وتصرفاته بنو الإنسان على مدى امتداد الزمان .( )
2-إعداد الأجيال اللاحقة : لم يكن إعداد جيل واحد كافياً لتامين استمرارية حمل الرسالة ، لذلك حرص الرسول على وضع القواعد لتربية مستمرة عبر العصور .
ب- برنامج الإعداد غاية الرسالة تحقيق الهداية :
وهي مفتاح لكل خير على مستوى التصور والاعتقاد .
1- تلاوة الآيات القرآنية : التلاوة وهي تقود إلى الاستيعاب والإتباع ،كأسلوب حياة تطبيقا في الواقع الحياتي . ( )
2- التزكية :إن الفلاح يعتمد على التزكية ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زكاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دساها ))( ). لهذا كان الرسول يزيح من النفوس كل ما علق بها من موروثات ويربطها بمفاهيم الرسالة ومعتقداتها .
3- تعليم الكتاب ، لأنه يحدد للإنسان ما يرضاه العقل في دائرة القول أو العمل في هذه الحياة الدنيا ، ويضع العقل في دائرة الوعي بسنن الله تعالى : ((إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ))( )
4- تعليم الحكمة : الحكمة هي معرفة الاشياء بأفضل العلوم ، والحكمة هي تلك الهادف إلى ترسيخ الحق والعدل والخير والإصلاح بعيداً عن الانصياع للهوى والنزوات ، من خلال الالتزام بآداب التعامل وأخلاق التواصل :(وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ )( ).والحكمة من حسن تلقي العلم وتبليغه، قال تعالى:(( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله))( ) آل عمران/159.
ج‌- اشكال انواع الحكمة والتعلم واصول ترسيخها تربويا :
1-الرفق والرحمة وحسن التأني:
إن التعامل بالرفق والرحمة يورث النفس نوعاً من الطمأنينة والهدوء، ويجعل تَفَهُّم المشكلة والتعامل معها أكثر نجاحاً وتحقيقاً للأهداف بخلاف ما لو صَحِب ذلك نوعٌ من التوتر.وقد جاء في قوله سبحانه :﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
لقد جعل النبي –(صلى الله عليه وسلم)- الرفق سبباً من أسباب الكمال والنجاح؛ فعن عائشة –(رضي الله عنها )- قالت: قال رسول الله –(صلى الله عليه وسلم)-: ((يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))( ). وفي حديث جرير بن عبد الله عن رسول الله –(صلى الله عليه وسلم)- قال: ((من حُرِمَ الرفق حُرِمَ الخير))). )؛فان المحبة والرفق من الأسس التربويّة النبويّة(( فإن القلوب التي لا يعمرها نور الحب لا تستجيب الا للأثرة ، والأثرة تتغذى بالعداء لا بالولاء )) ( )
2-الثناء والتشجيع:إن هذه الآليّة التربويّة تعمق الكمال في النفس البشرية والإشادة بها منهج نبوي ، يراد منه بعث النفس على الزيادة، وإثارة النفوس الأخرى نحو الإبداع والمنافسة، وهو مشروط بأن يكون حقاً، وأن يُؤمَن جانب الممدوح، وأن يكون بالقدر الذي يحقق الهدف.
- وعن حذيفة –(رضي الله عنه )- قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله –(صلى الله عليه وسلم-)، فقالوا: يا رسول الله، ابعث إلينا رجلاً أميناً، فقال: لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ، حق أمين. قال: فاستشرف لها الناس، قال فبعث أبا عبيدة بن الجراح " وفي رواية " فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: ((هذا أمين هذه الأمة)).( )
كم يبعث التشجيع في نفس المتعلم من حب للعلم، وكم يساعد في تسارع خطوات التربية نحو الأمام، وذلك على عكس ما يأتي به كثرة التأنيب والعتاب واللوم، أو السكوت عن الثناء عند كل نجاح وتفوق.
3- التدرج ومراعاة الحال:
حين نرجع إلى المعنى اللغوي للتربية نجد بأن من معانيها النمو والزيادة، ومنه أيضاً التدرج فالتربية جهود تراكمية، يرفد بعضها بعضاً، ؛ وذلك لأن ((للجوانب التي تتطلب التربية والإصلاح في النفس البشرية من الاتساع والتعدد والتنوع ما يجعلها في وقتٍ وجهدٍ أمراً عسيراً ومتعذراً).( )
ثم إن المتربين والمتعلمين ليسوا على درجة واحدة من الفهم والإدراك، ولا على درجة واحدة في الحرص والرغبة.
4-تعظيم دور العلم "الشرعي"حتى يعرف العلم حقه ، ويعظمه بما ينبغي من تعظيمه ، فلا يكدره بالمطامع ، ولا يشوبه بالخضوع لأهل الدنيا ، و لا يجهمه بالتواصل إلى ما في يد الأغنياء فيكون عنده مخدوماً لا خادماً ومقصوراً لا قاصراً .( )
ثانيا :التربية النبويّة للطفل :
ومن هنا يمكن ان نتلمس آثار هذه السيرة في الخطاب التربوي الاسلامي ومنها ما يتناول :أسس الأساليب التربوية التي خوطب بها الوالدين و المربين؛ كي يلتزموا بها .وأيضا أسس الأساليب الفكرية المؤثرة في عقل الطفل .ومن ثم ظهورها في الطفل من خلال أسس الأساليب النفسيّة المؤثرة في نفس الطفل ،وهناك الكثير من الاحاديث النبويّة التي تحظ على التربية :
ما روي عن جابر بن سمرة (رضي الله عنه) أن رسول الله(ص) قال :" لأن يؤدب الرجل ولده خيرٌ من أن يتصدق بصاع" ( ).
وما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله r قال : " أكرموا أولادكم ، وأحسنوا أدبهم" ( ابن ماجة ، د.ت ، ج 2، الحديث رقم 3671، ص 1211) .
1- القدوة الحسنة : اذ للقدوة الحسنة أثر كبير في نفسية الطفل ، إذ كثيراً ما يقلد الطفل و الديه ، حتى إنهما يطبعان فيه أقوى الآثار "فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه ".
ويحث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الوالدين أن يكونا قدوة حسنة في خلق الصدق أثناء تعاملهم مع الاطفال :أخرج أحمد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، انه قال :" من قال لصبي تعال هاك ، ثم لم يعطه ، فهي كذبة " ( )
وأخرج أبو داود عن عبد الله بن عامر قال : ((دعنتي أمي يوماً ، ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، قاعد في بيتنا ، فقالت : تعال أعطك ، فقال لها صلى الله عليه واله وسلم ، :" ما أردت أن تعطيه ؟" قالت : أردت أن أعطيه تمراً ، فقال لها : :" أما إنكِ لو لم تعطه شيئاً ، كٌتبِت عليِك كذبة ))( ) ، وفي الأمر جنبةأخرى تتعلق بالكذب أيضاًإذأن رسول الله (صلى الله عليه وآله قال:((إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا أن يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له، إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنالكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار))( )
2- تحين الوقت المناسب للتوجيه : إن لاختيار الوالدين الوقت المناسب في توجيه ما يريدان ،دوراً فعالاً في أن تؤتى النصيحة أكلها .وبهذا فإنهم سيحققون المراد .ومن هذه الاوقات التي يؤكد عليها النبي هناك ثلاث أوقات أساسية في توجيه الطفل :الاول ، وقت النزهة ، وإثناء الطريق ، والمركب ، وثانيها ،وقت الطعام ، وثالثها ،وقت مرض الطفل ، وهي أوقات تبدو اكثر تواصلاً نفسياً بين المربي والطفل إذ يتحقق عمق التأثير في نفس الطفل ومن الأحاديث التي تتعلق بالحالة الثالثة نوردها كمثال :على تحقق الدعوة وتأثيرها ، روى البخاري عن أنس (رضى الله عنه) قال : ((كان غلام يهودي يخدم النبي ، فمرض ، فأتاه النبي يعوده فقعد عند رأسه ، فقال له : "أسلم " فنظر إلى أبيه وهو عنده ؟ فقال : أطع أبا القاسم ، فأسلم ، فخرج النبي وهو يقول :"الحمد لله الذي أنقذه من النار ")).( )
3- العدل والمساواة بين الأطفال:وهو أيضاً ركن يستطيع الوالدان أن يستثمرانه في تحقيق تأثير عميق في نفس الطفل ، ألا وهو : العدل والمساواة بين الأطفال ؛ إذ لهما كبير الأثر في مسارعة الأبناء إلى البر والطاعة .روى الشيخان عن النعمان بن البشير رضى الله عنهما :أن أباه أتى به إلى رسول الله فقال : إني نحلتُ (أي :أعطيت) ابني هذا غلاماً كان لي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :"أكل ولدك نحلتهُ مثل هذا ؟" فقال : لا ،فقال رسول الله :"لا تشهدني على جور " ثم قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم):"أيسرُك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ " قال صلّى الله عليه وآله وسلّم:" بلى ، قال رسول الله :"فلا إذاً ".( ) ، فالحديث يؤكد على ضرورة المساواة والعدل والانصاف التي يدورها تجعل الأولاد أكثر ميلاً الى البر والتقوة .
4- الاستجابة لحقوق الأطفال وتلبيتها :وهذه آليّة تربويّة تكشف عنها السنّةالنبويّة وهي آليّة تراعي ضرورة إعطاء الطفل حقه من قبل الوالدين ، فأنهاآليّة سوف تسهم في جعل استجابة الطفل الى الحق طيعة مقتنعة به فتسوغ الرضوخ له ، تتفتح طاقته لترسم طريقها في التعبير عن نفسه ، ومطالبته بحقوقه التي يجدها شرعية ، اما على العكس من هذا المنهج فانه يكون بين موقفين أما المعارضة الظاهرة أو الخفية بكبت المشاعر .وهذا يعبر عنه الحديث الذي أخرجهالبخاري ، ومسلم عن سهيل بن سعد (رضى الله عنه ): ((أن رسول اللهصلّى الله عليه وآله وسلّم أتى بشراب ، فشرب منه ، وعن يمينه غلام ، وعن يساره الأشياخ ، فقال للغلام :" أتأذن أن أعطي هؤلاء ؟" فقال الغلام : لا ، والله يارسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً ، فتله (أي : وضعه ) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في يده . وزاد رزين :"والغلام : الفضل بن العباس ))( )
5- الدعاء:ونستطيع ان نستلهم آلية أخرى من السيرة النبويّة اذ نهى الرسول الآباء والأمهات أن يدعوا على اولادهم ؛ لأن هذا منافِ للخلق الإسلامي ، ويخالف التربية النبويّة ، ويبتعد عن منهج النبوة في دعوة الناس إلى الإسلام حتى أن رسول الله لم يدع على مشركي الطائف و قال :"أرجو من الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ".( )
6- وهناك آليات أخرى تربويّة يمكن تسميتها منها :شراء اللعب لهم ، وآخر:مساعدة الأطفال على البر والطاعة ، وثالثة :الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب .تسهم بظهور نظام تربوي نبوي اسلامي يجمع شتات الإنسان ويركز على طاقاته وإمكانياته حول مركز واحد هو الولاء لله عز وجل وابتغاء وجهه الكريم، فإن نظام القيم التربويّة الماديّة يعصف بقوى الإنسان ويذهب بها طرائق قددًا، ويلحق بها تشوهات مريعة يتحول معها الإنسان إلى كائن مستلب، غريب عن نفسه وغريب عن الكون الذي يحيط به وهكذا فقدت هذه الشخصية القدرة على الاختيار السوي، فاندمجت تأخذ من هنا وهناك أي فكرة أو أي شيء من دون قاعدة أو مبدأ.
الخلاصة التي يمكن ان نستشفها هنا أن هناك أسساً تربويةً تقوم على أخلاقيات العفو، والتسامح ، والوفاء ، وتوصل آليات : (الحوار ، والتعلم والحب ، والتآخي بين أبناء هذه الأمّة على أسس تربوية نبوية قوامها : عقائدية ، وأخلاقية ، وعلمية ، واجتهادية وجهادية) .
المبحث الثاني
التربية النبويّة
كما تجلّت في علاقته بالإمام علي عليه السلام
إن عملية التربية هي صياغة متكاملة تحتاج في أولها إلى الأسس والمبادئ التي تصح بها النهايات وتكتمل.
إننا يمكن ان نتلمس خطاب تربوي إلهي كونه تراثاًلنبينا الأعظم – (صلى الله عليه اله وسلم) – فهذا الخطاب التربوي يتميز عن غيره بكونه :
أولاً: أن الله بعث نبيه محمداً –صلى الله عليه اله وسلم- معلماً ومزكياً، ومبشراً ونذيراً ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَالْحِكْمَةَ﴾( )
ثانياً: إن النبي – (صلى الله عليه اله وسلم - أوتي الكمال البشري)، وعُصم من الخطأ الذي يقدح في تبليغه للدعوة ، لقد أعطي النبي –(صلى الله عليه وسلم)- مع أميته - علماً لا يدانيه فيه أحد من البشر ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾( )[النساء: 113].
ثالثاً: لأن النبي –صلى الله عليه واله وسلم- مرّ بمختلف الظروف والأحوال التي يمكن أن يمر بها معلم أو مربٍّ في أي زمانٍ ومكان.
وقد امتدحهم الله فقال: ﴿وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾( ) [آل عمران: 79].
إنطلاقا من تلك السمات فمن الممكن أن نقارب العلاقة العميقة بين النبي (صلى الله عليه وعلى اله وسلم)والإمام علي( ع )؛لان فيهما تظهر بوضوح قيم تربويّة اخلاقيّة وسياسيّة راقية .
الاساس الاول : في التربية اليقين والقناعة والتسليم لله :
لعل هذا يظهر جليا بين بليغ في قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم )، للإمام عليه السلام (( يا علي : إن من اليقين أن لا تٌرضي أحداً بسخط الله و لا تحمد أحداً بما آتاك الله ولا تذم أحداً على ما لم يؤتك الله ، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره ، إن الله بحكمه وفضله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ))( )
فالبعد الذي يظهر أن المركز بأي فعل يكون الله مصدره وغايته ولا ممدوح سواه ولا يشاركه أحداً في هذا ؛ لأنه وسيلة اتخذه الله من أجل رزقك فالموجب شكره هو الله ولايمكن اشراك احد في هذا ، ومن ثم لا يمكن ارضاء العبد في معصية الخالق فالفعل التربوي يوجب أن لا نرض احد بسخط الله ، ثم الأثر الثالث أن الرزق هو شان الخالق وعلى المخلوق التسليم والقناعة ، والتقبل بروح طيبه قنوعة ؛ لأنها من معالم الايمان أما الشك والسخط مجلبةٌ للتعاسة .وفي هذا هناك قول يؤيد هذا ويشرحه((من دخل الشك قلبه فارقته نعمة الإيمان وبغير نعمة الإيمان يهلك المرء و لايدخل ملكوت السماء .))( )
الأساس الثاني : في التربية تقوم على العقل ، والمشاورة والتدبر :
لعل هذا يظهر جلياً بين بليغ قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، للإمام عليه السلام : ((يا علي : إنه لا فقر أشد من الجهل و لا مال أعود من العقل و لا وحدة أوحش من العجب و لا مظاهرة أحسن من المشاورة ، و لا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا عبادة كالتفكر.))( )
فالبعد الذي يظهر أن المركز بأي فعل ان يكون قائماً على آليات تربويّةأساسها التعقل والتدبر والمشورة وتلك اليات تربويّة ترسخ الحكمة والعقل المنفتح على الذات من خلال آلية التأمل في العقيدة وثوابتها أو ما يتعلق في الكون وتلك من مقومات الإيمان أن يتدبر المؤمن كيف خلق الله الكون ونظمه والغاية المنشودة منه ، على صعيد المشاورة مع الآخر حواراً وتواصلاً في الشأن الخاص أو الشأن العام الذي يخص المجتمع وقضاياه مما يعمق روح التواصل والتعايش .كل هذه الآليّة التربويّة تقود الى التخلق بأخلاق العقل الذي يسلك مسلك الحكمة ويتدبر سلوكه اتجاه ربه او اتجاه أخوته في الدين أو الوطن أو في الانسانية .
الأساس الثالث : في التربية يقوم على تجنب الكذب والنسيان والمن ، والبغي والتفاخر :
لعل هذا يظهر جلياً بين بليغ قول النبي صلى الله عليه واله وسلم ، للإمام عليه السلام :(يا علي : آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان و آفة العبادة الفترة ، و آفة السماحة المن ، وآفة الشجاعة البغي ، و آفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب الفخر)( )
ان هذا التآطير المعرفي للتربية أخلاقيا يظهر عبر مقابلات(معرفية و اخلاقية وتربوية) في تقابل من الثنائيات التي تقوم على التضاد :(صدق / كذب ، حفظ /نسيان ، المواظبة / الفتور ،الجود / المن ، الشجاعة / البغي ، الجمال /الخيلاء ، الحسب /الفخر) ، تقابل بين حدين لاوسط بينهما تقابل يقوم على الضد في مواضيع أخلاقية وتربوية وتعد من الفضائل الأخلاقية : (العبادة ، والكرم ، والشجاعة ،الجمال ، السماحة و العلم ).
هنا توجيه الى الافراط وكيف هو مجلبة الى نتائج تقلب النتيجة وتفسد الموضوع عندما تنقلب الى الضد وتكون نتائجها على محمودة سواء على الذات او الآخر الذي تقع عليه النتيجة .
وهناك كلام يدعم هذه الآليّة ويرصنها ويمضي الى غايتها التربويّة وهو قول النبي صلى الله عليه واله وسلم : ((ياعلي : عليك بالصدق و لا تخرج من فيك كذبة أبدأ ولا تجترئن على خيانة أبداً والخوان من الله كأنك تراه ، وابذل مالك ونفسك دون دينك وعليك بمحاسن الاخلاق فاركبها وعليك بمساوئ الأخلاق فاجتنبها))( )
الأساس الرابع : في التربية تقوم علىتزكية النفس من الموبقات :
((ياعلي : ثلاث موبقات ، وثلاث منجيات ،فأما الموبقات : فهوى متبع . وشح مطاع .وإعجاب المرء بنفسه .و أما المنجيات فالعدل والرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر .و خوف الله في السر والعلانية كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) . ( )، وقوله : (صلى الله عليه وآلهوسلم ) في الموضوع نفسه :((ياعلي : أربع خصال من الشقاء : جمود العين . وقساوة القلب . وبعد الأمل . وحب الدنيا من الشقاء .( )
هذه الوصايا التي وجهها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى الامام علي وهو أحد مفاخر الأمة الاسلامية وهو من وصف نفسه ، يقول : ((يا رميلة ما من مؤمن و (لا ) مؤمنة يمرض إلا مرضنا لمرضه ، و لا حزن إلا حزنا لحزنه ، ولا دعاء إلا أمنا على دعائه ، ولا سكت إلا دعونا له ، و ما من مؤمن ولا مؤمنة في مشارق والمغارب إلا ونحن معه ))( )
الأساس الخامس : في التربية تقوم علىاتخاذ العلم طريقاللنجاة :
وفي نص آخر يقول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : (و أما العلم . فيتشعب منه الغنى وإن كان فقيراً والجود و إن كان بخيلاً ، والمهابة و إن كان هيناً و السلامة و إن كان سقيماً و القرب و إن كان قصياً والحياء و إن كان صِلفاًو الرفعة و إن كان وضيعاً و الشرف و إن كان رَذٍلاً و الحكمة والحظوة ، فهذا ما يتشعب للعاقل بعلمه ، فطوبى لمن عقل وعلم )( ).
الأساس الخامس : في التربية تقوم علىربط العلم بالعمل :
لأن العلم بعلوم الاسلام من جمع بين العلم والعمل فيقول النبي في هذا حينما سئل ما هي علامة الإسلام قال : (( الايمان والعلم والعمل ، وقيل له فما علامة الإيمان وما علامة العلم وما علامة العمل ؟ قال علامة الإيمان به والإيمان بكتبه ، والإيمان برسله ، وأما علامة العمل فأربع : العلم بالله والعلم بمحبيه والعلم بفرائضه والحفظ لها حتى تؤدى وأما علامة العمل : فالصلاة والصوم والزكاة والإخلاص ).( )
((الإيمان في فضاء المفاهيم الإسلامية هو الشيء الذي يطالب به الإنسان من خلال الوحي الالهي ، وعليه فلابد من السعي لفهم مراد الله من الإيمان )).( )
وهنا قول يكثف تلك الأقول والمعاني قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجب أجره وحرمت غيبته )) ( )
هكذا يظهر جلياً من النصوص التي جاءت تعبر عن حكم عميقة في بعدها الأخلاقي والتربوي فهي تؤكد على : إنالدينوضعإلهيومعلمهوالداعيإليهالبشر،تتلقاهالعقولعنالمبشرين والمنذرينفهومنسوبلمنلميختصهمالبالوحي،ومنقولعنهمبالبلاغوالدراسة والتعليموالتلقينوهوعندجميعالأممأولمايمتزجبالقلوبويرسخفيالأفئدة وتصطبغالنفوسبعقائدهومايتبعهامنالملكاتوالعاداتوتتمرنالأبدانعلى مانشأعنهمنالأعمالعظيمهاوحقيرها،فلهالسلطةعلىالأفكارومايطاوعها منالعزائموالإرادات،فهوسلطانالروحومرشدهاإلىماتدبربهبدنها .( )إن أي حادث يجري فإنه يمكن أن يفاد منه في التربية والمربي البارع لا يترك الأحداث تذهب سُدى بغير عبرة وبغير توجيه. ومن ثم فان ما تمر به الأمة اليوم من حوادث وفتنٍ متتابعة ليعتبر من جهة أخرى فرصة لصياغة الشخصية المسلمة صياغة جادة ثابتة مثمرة.
الخاتمة :
1: ان نظام القيم التربوية في الإسلام يجمع شتات الإنسان ويركز طاقاته وإمكانياته على مركز واحد هو الولاء لله عز وجل وابتغاء وجهه الكريم فقد صنعت القيم التربوية الإسلامية من الأفراد الذين تشبعوا بها كائنات فذة، تحمل من عناصر القوة والحيوية ما استطاعوا بفضله أن يواجهوا تبعات الحياة ومشاق السير في دروبها الوعرة.
2 : ان الحقيقة التي يقررها القرآن في قضية التغيير الحضاري، وهي أن الإنسان هو الأساس في ذلك التغيير، مصداقًاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (الرعــــــد : 11.. فسنّة البناء والتغيير تمر من خلال جهد البشر وتفاعلاتهم.
3 : ومن الممكن أن نستعرض الأقوال والممارسات من هذه المعالم الأصيلة التي تشكل أنموذجاًأخلاقياً تربوياً وفعلاً في مجال الاجتماع والسياسة وكلها تتمركز في دور الخالق المدبر.
4 : التربية الأخلاقٌ مرتبطةٌ بحضارة معينةٍ ، أو دينٍ معينٍ ، إذ إنَّ عمرَ العلاقةِ بينَ الدينِ والأخلاقِ يمتدُّ إلى عمرِ البشريَّةِ ، وهذا يعني أنَّ له حضورًا راسخًا في الثقافةِ البشريَّة.
5 : لابد من الانفتاح على افق التلقي على التراث ومنه السيرة النبويّة والانصهار بين الحاضر والماضي .



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية واليات التلفيق
- هوامه الهوية واليات الصراع على الاصول
- انفتاح المعرفة ضرورة اليوم
- الارهاب والقوة الناعمة في الفن في أعمال صفاء السعدون
- مكارمُ الأخلاقِ - قيمةٌ العدلِ أُنموذجًا -
- الشك المنهجي لدى فلاسفة اليونان
- المعرفة عند افلاطون
- المعرفة عند أرسطو
- المعرفة في الفلسفة الاسلامية
- الهويّة وتحوّلاتها في السرد مقاربة في روايّة (يحدُث في بغداد ...
- التأويل ورهانات السياسة في التراث الإسلامي
- الانسان الكوني مقاربات في فضاء التواصل
- الاطروحة المرفوضة والاطروحة المقبولة
- تأويل اقبال للنص - في ضوء العلوم المعاصرة -
- راهنية الفساد وتجلياته في العراق
- مقاربات في الاخلاق
- عودة الدين الى الفضاء العمومي في الغرب
- القول اليوتوبي علاقته بالتاريخ ورهانات الحاضر
- حزب العدالة والتنمية -اشكالية التواصل والفراق -
- لكل عصر رهاناته وتحولاته الكونية


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عامر عبد زيد - الخطاب التربوي النبوي