أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - انفتاح المعرفة ضرورة اليوم















المزيد.....


انفتاح المعرفة ضرورة اليوم


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 5897 - 2018 / 6 / 8 - 15:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانفتاح المعرفي الفكري بات سمة رئيسة من سمات العصر على المستوى الكوني، والتفاعل الحضاري الذي يشهده العالم اليوم، لم يشهد له مثيلاً من قبل، أملته جملة من التغيرات الكونية الفكرية والمادية، لم يعد من الممكن لمجموعة بشرية أو لدولة ما أن تعيش في معزل عن بقية العالم من دون أن تؤثر أو تتأثر بمختلف التغيرات الحادثة.

ضمن هذه الكونية اليوم فانها تكشف عن ان الفكر الإنساني المعاصر في دينامية وتواصل كوني فهو لاخر حصيله محصلة التجارب الإنسانية الفردية والجماعية عبر مختلف العصور، وما مرّ به من تطورات قادت إلى الصورة الفكرية والحضارية السائدة في الفكر الإنساني المعاصر.

الذي جاء في محصلته الختمامية يؤكد فيها الباحثون ان الفكر الإنساني على تحديد مصادر المعرفة الفكرية الإنسانية السائدة فيه هي أربعة مصادر رئيسية تتمثل في الآتي :

1- المصدر الديني وتنسب إليه المعرفة الدينية والمستمدة من الرسالات السماوية وغيرها.
2- المصدر العلمي وتنسب إلى العلوم على اختلافها، والتي تمثل حصيلة الخلاصات على مستوى نتائج البحوث والتجارب العلمية في مختلف العلوم.
3- المعرفة الفلسفية التي تقوم على تصورات ذهنية منطقية تسعى إلى تفسير الواقع، أو تقديم تصور ذهني يسعى العقل لبنائه على أرض الواقع.
4- المعرفة الابداعية أو الفنية.

إن تفاعل هذه المصادر المعرفية وتكاملها أو تنافرها في بعض الأحيان، وانفتاحها أو انغلاقها عن بعضها بعضاً قد ترك أثره على مسيرة تشكيل المعرفة الإنسانية على مستوى العالم، وعلى مستوى الجماعات القومية، أو على مستوى الفرد ووعيه بنفسه وبالآخر، في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات التي شهدها العالم خلال القرنين الماضيين والتطورات المعاصرة على مستوى تطور تكنولوجيا المعرفة والمعلومات : فقد بات ((الانفتاح المعرفي الإنساني سمة العصر)) ((والانغلاق المعرفي بات سمة من سمات الماضي)) المتعارض مع جملة المتغيرات الإقليمية والكونية فكرياً ومادياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ...الخ، من حقول العلاقات الإنسانية الفردية والقومية والدولية، وقد بات يمثل الانفتاح المعرفي المبني على تعدد مصادر المعرفة بأشكالها وأنماطها لدى الفرد والمجتمع أساس البناء الفكري والثقافي للفرد وللمجتمع على السواء، وطبع المجتمع الواحد والمجتمعات المختلفة بسمة التنوع والتعدد الثقافي والفكري والمعرفي ، مما جعل الانفتاح المعرفي يمثل حال التوازن الفكري لدى الفرد والمجتمع على السواء، كما أسس إلى معرفة أكثر دقة للذات وللآخر، سواء كانت هذه الذات فرداً أم جماعة، وأصبحت هذه الحال من التوازن الفكري تمثل شرطاً أساسياً للتطور والتقدم الفكري والمادي على مستوى الفرد والمجتمع، مما يقود إلى تطور العلاقات الإنسانية والاجتماعية بإتجاه الحد من الصراع الداخلي وتهذيبه بإتجاه إقرار وضع اجتماعي أكثر ميلاً نحو العدالة الاجتماعية والحرية الفكرية على أساس من التنوع والتعدد في إطار الحفاظ على وحدة المجتمع وتفاعله مع المجتمعات الأخرى بوصفه وحدة اجتماعية واحدة.

لكن في مقابل الانفتاح المعرفي تبرز قوى متضررة مما يحدثه الانفتاح على مستوى الفكر وعلى مستوى البنى الاجتماعية وعلاقاتها الداخلية والخارجية فتقف موقفاً معارضاً أو معاديا تجاه أي من التحولات والتغيرات المجتمعية السياسية والاقتصادية والسلطوية، مما جعلنا نقف ازاء الحديث عن المختلف لكنها بموازات حالة التطرف هذه التي تظهر عبر موجات من العنف الاصولي الذي يرفض التعايش مع التحول معتمدا وسائل عنف قوية تتهم أي تحول بالمروق عن الشريعة والتأثر بافكار الاخر وبالتالي يمثل مروقاً تريدا يقافه باعتماد العنف الرمزي والمعنوي من خلال اليات الولاء للجماعة وقيمها والبراء ممن يقف ضد تلك القيم التي تمثل بنظرها السنة التي سارعليها السلف ، مما يجعلها تشرعن قتله وازاحته رمزيا بالتكفير مما جعل بعض المفكرين يصفون هذا " المد السلفي أن ترك ينمو بلا حدود، لا بد وأن تؤدي إلى ما هو أبشع ." ( )
فهذه الوتيرة من الافكار الرافضه تتسم بكونها أيديولوجيا كراهية الآخرين، وبالتالي ترفض التحول وهي تفترض نمطاً من القراءة للتراث تنفي عنه صفة التاريخية ، وتريد ان تمنحه الشمولية وترفض ان يكون هناك توصيف له بالتاريخية فانها بالتالي تشكل وتنتج حالة من الجمود والانغلاق الفكري يتغذى بمصدر أو نمط فكري واحد من أنماط المعرفة الفكرية، ويتمترس خلفها أو تحت ستارها ليبرر استمرار مصالحه التي أسقطها الانفتاح الفكري وآلياته القائمة على التفاعل الفكري من مصادره الأربعة فالتفاعل الإنساني على مستوى الذات والآخر، وهذه القوى تقف عادة في وجه كل تغيير يهدد امتيازاتها القائمة، فيصبح الجمود الثقافي والفكري لديها ميزة تدافع عنها، وتخلق لها المبررات لاستمرار امتيازاتها وسلطاتها الاجتماعية وغيرها، وقد يقود انغلاقها الفكري إلى جمود المجتمع وتخلفه أو إلى تمزق الوحدة الاجتماعية إلى قوى تجاري الانفتاح وأخرى تعارضه، وبالتالي تهدد وحدة نسيج المجتمع، ما يتيح المجال أزاء هذه الحالة لظهور أعراض أمراض فكرية ومجتمعية قد تصل إلى حالة من الغلو والتطرف الفكري الذي يؤدي إلى استخدام العنف في وجه الآخر،يجعلنا نقف ازاء ثلاث قراءات اخرى مختلفة تحاول ان تمنح التراث عمق وجداني وراسمال رمزي لكنها تعيد انتاجه بشكل مختلف ، بين:القراءة السلفية ودعاتها (وهي مولدة للهويات القاتلة ) ، والقراءة الليبرالية ودعاتها يسقط المجتمع بين متراسان دوغمائيان مما يجعل المجتمع يواجه تصدعاً وينفرط العقد الاجتماعي للمجتمع والدولة بين محافظ لا يريد التغيير، وبين منفتح يسعى إلى التغيير والتطوير، وبالتالي لابد من ضبط إيقاع التغيير الحتمي للمجتمع على مستوى العلاقات الإنسانية في المجتمع الواحد على أسس من الحوار الإنساني القائم على المبدأ الأساسي في الحوار الذي أرساه قوله تعالى: ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) (النحل اية125)
حتى تتم عملية التحول والتغير التي تفرضها سنن الكون بصورة سلسة وسلمية بعيداً عن العنف الداخلي الذي قد يهدد المجتمع أو العنف الخارجي الذي قد يهدد بنشوب الصراعات والحروب بين الدول والجماعات المختلفة، إن الجماعات الفكرية المنغلقة فكريا هي ذات فكر أحادي المصدر والشكل والنمط ، ويقود لا محالة إلى انتاج شكل معرفي جامد مغلق، وبالتالي إلى مجتمع جامد مغلق عاجز عن التفاعل مع المجتمعات الأخرى ولا يستطيع الاستفادة من تجاربها ومن تطورها وتتشكل لديه نظرة الخوف والريبة من الآخر والخوف على الذات، ويضع نفسه في حالة من حالات المواجهة مع الذات ومع الآخر مما يؤسس إلى نظرة الكراهية للآخر، كما تؤدي عادة إلى محاولة إعادة إنتاج أنماط معرفية وحياتية ماضوية تتعارض مع سنة التغيير والتطوير التي فطرت عليها البشرية مصداقا لقوله تعالى: ))وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)).(البقرة ، اية251(
فالانفتاح المعرفي يعد ضرورة لمواكبة الفطرة الإنسانية، ومواكبة جملة المتغيرات والتحولات التي يشهدها العالم باستمرار، وضرورة لاستيعاب حركة التقدم والتطور في كل الميادين الحياتية على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، والذي يمثل سمة العصر.

فهذه الاشكالية بين الخطابين السلفي بكل اندفاعه الحركي المسلح والخطاب الليبرالي بكل تاطيره الايديولوجي فبين خطابين ليس بينهما حالة من التكافؤ في القوه ؛ الا انهما يمثلان خيارين مختلفيين فلابد من بزوغ وعي عقلاني يحاول تاطير خيارات التعايش ومواجهة حاله التطرف فالوعي رهان المثقف؛ لهذا أجد أنّه مهما اختلف المثقفون مع بعضهم في وجهات نظر ثقافية أم سياسية، فستبقى مسؤولية وشرف أيٍّ منهم مقرونتين بحرصه على توسيع مدى حرية زميله المختلف معه.. مثقفونا أو أغلبهم يشذّون عن هذه القاعدة الذهبية المقدسة. التي قامت عليها فلسفة التنوير ؛ بالمقابل انقلبت المقولة في زمن الصراعات المذهبية والإثنية. والدافعُ الحقيقي هو المصلحة وإنْ أخذت قالبًا يتنوع بتنوع الفكر السائد فأصبحت المقولة اليوم: " أنت عدوي الذي ينبغي دحرُه وتسفيهه وتشويهه ما دمتَ مختلفاً معي." مقولةً تُخفي عقلية التغالب التي تشكل وجودًا عميقًا في واقعنا الثقافي والسياسي والديني الذي وصل إلى حدّ تجاوز ما استقرت عليه الإنسانية بكل أعرافها فأصبح القتل سهلاً ومبتذلاً إلى حدٍّ متطرف. وفي زماننا صار للقتل أشكال وآليات متنوعة إلى حد بعيد تتعارض مع المعاير الأخلاقية و تتنافى مع معايير الحوار والتعايش والتداول والعمل والمصالح الحياتية، وقد تحدّث سقراط، في فلسفته الخلقية، عن عدد من الفضائل التي تلي المعرفة وهي رأس الفضائل عنده، ومن هذه الفضائل العمل فالعمل. هو السبيل لكي يحصّل الإنسان ما يحتاجه في حياته من أمور أساسية، وألّا يعتمد في ذلك على غيره. والعمل يجعل الإنسان في احتكاك مع معطيات وأحوال الواقع المعيشي مما يزيد معارفه في ما ينبغي أن يتعرّف عليه، وفي كل ما يرتبط بحياته وواقعه،نعم العمل والحاجة إلى سد الرمق قد تكون مهمة في تجنب العنف والكراهية، أي لابد من التأسيس للتواصل الحياتي القائم على معايير العيش المشترك الذي من أهم ضرورياته الابتعادُ عن التوظيف الرمزي العنفي للخلافات السياسية والدينية التي تبدو كأنها صراعٌ وجوديّ، بل علينا النظرة العملية التداولية التي تجعلنا نتحول من أداة للعنف تجعلنا مجرد وسيلة في يد العقل الاستراتيجي للفِرَق والقُوى المهيمنة الأداتية إلى صانعي سلامٍ وممارسي آليات الحوار التي لا تجعل شيئًا يعلو على مصلحة الناس واستمرار عيشهم المشترك في فضاء عمومي رحب تداولي .
ويجعلنا ايضا ان نتعامل مع الدين تعاملا جديدا مختلفا بعيدا عن التوظيف السياسي العنيف او النفي المتشدد لكن من خلال معيار ثالث قدمته فلسفة الدين انه معيار الدين العقلي بكل انفتاحه الكوني الايماني .انه نمط من التامل النقدي الذي يتجاوز التزمت السلفي والتزمت العلماني لذي يهيمن به العقل .فالرؤية الجديدة تتجاوز التمترس حول العقل الى مابعده . فالسؤال يضعنا مباشرة ازاء السماء والارض استحضار الله في داخلي فيحدث دمج بين الله والانسان دون تسلط او اغتراب روحي .
ان الحاكم السياسي همه ادارة المجتمع ، وليس من حق الحاكم في ظل الخطاب الكوني للعولمة ، ان يفرض طقوس معينه على الاخر بالقوة ، وليس من حقه ان يمارس العنف برعاية المقدس للعنف الرمزي ، لاننا نعيش في ظل مجتمع تعددي ، فكل قراءة دينية لابد ان تكون مقيده في انتاجها تفسيراً للكون بقيم العلم وليس من حق هذا الرجل ان يفرض تفسيرات لا توافق منطق العقل في تفسير العالم . و ايضا ان ليس من حق السياسي اليوم ان يمارس السياسة استنادا الى مقدمات دينية متعالية عن الزمن فمهمة السياسي ان يسوس حاجات الناس في هذه الحياة وليس النجاة في الاخرة لان هذا الامر مرتبط بتجاربهم الروحية وهي شان فردي او جماعي داخل المؤسسة الدينية وهي مستقلة عن الشان السياسي .

لكن نحن اليوم نواجه رؤية مخالفة لهذا الطرح العقلاني الوسطي أي الدين العقلاني اننا نواجه تطرفاً رغم اختلافه الا انه متآزر معا ويشكل قراءة متمركزة على الاقصاء والنفي للاخر.تظهر في مشروعين :
الاول المشروع الذي ينبع من الغرب انه المشروع الامبراطوري الامريكي الجديد والذي يريد ان يفرض وصايته على الاخر فكريا واقتصاديا واعلاميا .
والثاني هو المشروع الاصولي الذي يقدم قراءة تنفي كل ماهو حديث وتحاول تقديم قراءة تنفي الاخر وتكفره سواء جاء من: الاخر او الدولة المحلية او المجتمع المعاصر المنتمي الى افقه التاريخي فهو مجتمع كافر لابد من اسلمته وتطبيق القراءة التي يراها الاسلام السياسي عليه ، والتي تاتي من خلال الحاكمية الله عبر الشريعة التي يحتكر تطبيقها الاسلام السياسي ، ويتخذ منها مشروعيه بالدفاع عن المقدس متجاوزاً التاريخية للمقدس ومحتكراً تمثيله على المجتمع بشكل يتعارض مع الفهم الدستوري الذي ينطلق من حاكمية الامه على نفسها واختياراها للتحول الى حاكمية الله والحاكم الشرعي الذي على الامه التسليم والطاعة له .

بين الشمولية الامريكية والاسلام السياسي بكل اطيافه ثمة تشاكل في انهما يعتمدان احتكار الحقيقة ويطالبان الاخر الخضوع لها يتضامنا بخلق احوار الرعب وصناعة العدو النمطي ، ويخلقان شقاقاً بالسلم الكوكبي ويهددان المنتج الانساني ويخلقان العداوة بدل التعاون .

هنا علينا أنْ نبحث عن إمكانيات من أجل تأسيس فضاء عمومي كما تصوره (كانت) و(هابرماس) قائم على التداول السلمي والعقلانية والحوار بين كل الأطياف من أجل صياغة حياة سياسية وثقافية تتسم بالتنوع والتعددية، وتؤمن بالتعايش في ظل أفق قانوني دولي يمثّل العرب والعراق جزءًا منه وهو وريث القيم الحداثية القائمة على المواطنة وفلسفة القانون التي ظهرت مع الثورة الفرنسية. واليوم وقد تجلت عالميا في - الاعلان العالمي لحقوق الانسان - وقد نصت المادة 19 من مبادئه:" إنّه لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير عنه، وهذا الحق يتضمن حرية اعتناق الآراء بدون تدخل خارجي، وحرية البحث وتلقي وتوزيع المعلومات والأفكار بكافة وسائط النشر والإعلام." وهو أمر أصبح ضاغطًا وله مرجعيته؛ فلذا علينا أنْ نصغي إليه ونحن نسعى إلى تأسيس تعاقد اجتماعي جديد، فعلينا تأكيد الإرادة الحرة والحريات، إذ هناك اليوم حاجة ماسة للتصدي لدراسة الامور الآتية:

أولا : (الحريات) إذ هناك إجماع لدى المراقبين لما يدور في العراق وهو: إن حرية الرأي في العراق، سواء بالنسبة للصحفيين أم للأفراد ماتزال غير مكتملة، فهاجس الخوف ما يزال قائمًا من احتمال الاستهداف لكل من يريد إبداء رأيه إزاء قضية ما. وبعضهم على الرغم من اعترافه بهذه الحرية إلا أنه يصوب العوائق إلى ملكية وسائل الإعلام التي تهيمن عليها إرادة سياسية تابعة الى أحزاب في السلطة أو خارجها، ومن الطبيعي أنّ هذه الوسائل الإعلامية تغض الطرف عن أخطاء أحزابها أو المسؤولين التابعين إلى تلك الأحزاب، موضّحا أن الصحافة في العراق تنقسم إلى صحافة تنتقد الظواهر بشكل عام وأخرى تمجد الأحزاب التي تمولها.
هذا ما يجعلنا نرصد الواقع ونطالب بالمزيد من الحرية والنقد؛ لأنهما الوسيلة المثلى من أجل بقاء الوطن واستمراره كبلد ديمقراطي تعددي. هذا نقد علمي يجعلنا بعيدين عن الانفعال؛ لأنّ الانفعال يجعلنا أقرب من العاطفة وأبعد ما نكون عن العقل والعقلانية .
الثاني: (الفساد) أما في توصيفنا للنظام الديمقراطي فإننا نجد أنه يقوم على عامل أساس هو الجانب المعنوي في سلوك الأفراد القويم الذي يجعلهم يرهنون سلوكهم بمرضاة الأمة التي يحتكرون تمثيلها، فلابد من أفقٍ معنوي يصنع تلك الشخصيات، ويوجه سلوكها، ويجعلها تمتلك قيمة معنوية تقوم على نكران الذات ومحاسبة النفس وكلما أوغل السياسي أو الممثل البرلماني في الجانب الشخصي والمادي كان أبعد مايكون عن الديمقراطية وقيمها؛ لأنه يغلّب مصالحه على مصالح الأمة، وهذا يجعل النظام الديمقراطي يفقد المصداقية في عيون الناس .

فهذا يتطلب نكران الذات ، إلى جانب المراقبه القانونية والإعلامية التي تحول دون توسع الفساد .

الثالث: (الرؤية التعددية) الأخلاق والقيم الضرورية للمجتمع الديمقراطي - إذا أردنا التوصيف- فيمكن أن نقول ، أن الأخلاق الديمقراطية تتلخص بكلمة واحدة هي (السماحة)، فهي الصفة التي إن وُجدتْ في المجتمع حقّ لنا أن نسميه مجتمعا متعاونا؛ لأن السماحة وتقبّل الرأي الآخر هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها أن نتعايش مع الآخر ونتعاون معه على ما نتفق، وحتى إذا اختلفنا في الآراء والتوجهات تبقى السماحة هي صمّام الأمان الذي يضمن فضّ النزاعات بوِدّية مهما كانت حدتها. والتي تقتضي بالضرورة (التحمّل والمداراة) مِن الحكومة والأفراد تجاه الرأي المخالِف في الحقل السياسي أو الديني أو أي شيء آخر؛ لأنّ هذا الاعتراف الرسمي بحق الآخر في مشاركته الحياة السياسية العادلة يعني إشعار الآخر بالمساواة بعيدا عن الإقصاء لكن شريطة أن يتقبل الآخر النظام ويعترف به ويبتعد عن العنف والنظرة الشمولية التي تستبطن الإقصاء وعدم الاعتراف والتمرد. مما يعني الاعتراف بإرادة الأغلبية وترتيب الأثر عليها في دائرة العمل والتطبيق، فلابدّ - إذن- من الأخذ بنظر الاعتبار الحقوق السياسيّة وغير السياسيّة للأقلّيات في ذلك المجتمع. لكن تبقى إرادة الأغلبية ليست أبدية بل هي رهينة مقبولة بشكل مؤقّت وتكون معتبرةً إلى زمان الحكومة التالية، فربّما يتمّ استبدال مقرّرات بمقرّرات أخرى، فالمقرّرات السياسيّة ليست دائميّة، بل هي رهينة الأمة والفعالية الانتخابية وهذه هي أهم القيم لنظرية "سيادة الشعب"وخارج هذه السيادة يعني التبادل العنيف، ومن ثمّ النفي والمطالبة بالإزاحة الرمزية والوجودية على أسس طائفية تقوم بجعل المنتمي لوطنه غريبا، والقريب للطائفة - وإن كان خارج الوطن- قريبا، فإنّ هذا النفي لايولّد إلا سلب الآخر حقه على أسس المواطنة .

الرابع: (تأسيس للفضاء الديمقراطي) ومن أجل تحقيق النظام الديمقراطي في واقع الحياة يجب أن يتحلّى أصحاب القدرة أيضا بهذه الأخلاق والقيم، فهذه الأخلاق والقيم ينبغي أن تجري في أوصال الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة، وهذا لا يتيسّر إلّا إذا تمّ تزريق هذه القيم والأخلاق الديمقراطيّة في مناهج التعليم والتربية السياسية والاجتماعية للأفراد، سواء أكان في محيط الأسرة أم في المدرسة أم في الجامعة وحقول العمل الاجتماعي الأُخَر، فالناس ينبغي أن يعيشوا هذا الجو، حيث إنّهم عندما يسلكون الحقل السياسي، فإنَّ تحمّل الآخرين يبدو لهم أمرا طبيعيّا، ولا يكون أمرا صعبا جدّا وغير اعتيادي. فإذا تحمّل الإنسان المخالف له في المدرسة فعندما يصل إلى مقام سياسي يكون بإمكانه تحمّل المخالف له برحابة صدر، ولكن إذا كان ذهنه في المدرسة مشحونا بعنصر التعصب والدوغمائية فإنّه لا يتحمّل من يجلس إلى جانبه في البرلمان والحكومة ويخالفه في العقيدة السياسية، فهذه الأمور يجب أن تتكرّس وتتوغّل في واقع المجتمع وتدخل صلب عملية النظام التربوي في المجتمع.

الخامس : (الإرهاب) ضمن حدود الممكن السياسي لكن في ظلّ حماية الدم العراقي فهو المقدّس الوحيد فوق الجميع حتى الوطن يجب أن نعيد النظر في الخطابات القائمة على النظرة التضحوية الشمولية وإحلال الحرية والعدالة والوسطية حتى لو تعارضت مع بقاء الوطن كمكوّن بلا روح، فالوحدة لاتعني الهيمنة بل التعددية والمشاركة وألّا تحوله إلى كابوس؛ لأننا ساعتئذ علينا أنْ نبحثَ عن حل عُقَلائي يبعد عن الناس العنف المفرط الذي يهدد وجود الشعب العراقي وهو يتعرض إلى الإبادة. نعم الإبادة هناك، علينا أن ندرك أن هناك حراكًا إقليميًّا من أجل إبادة مكونات معينة من هذا الشعب، فعلينا أنْ نفتح حوارًا مجتمعيًّا واسعًا لمناقشة المصير؛ لأن المهمّ هو الإنسان، وهناك مسؤولية أخلاقية وشرعية على من يتصدى إلى هذا الأمر أو يناقشه .



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارهاب والقوة الناعمة في الفن في أعمال صفاء السعدون
- مكارمُ الأخلاقِ - قيمةٌ العدلِ أُنموذجًا -
- الشك المنهجي لدى فلاسفة اليونان
- المعرفة عند افلاطون
- المعرفة عند أرسطو
- المعرفة في الفلسفة الاسلامية
- الهويّة وتحوّلاتها في السرد مقاربة في روايّة (يحدُث في بغداد ...
- التأويل ورهانات السياسة في التراث الإسلامي
- الانسان الكوني مقاربات في فضاء التواصل
- الاطروحة المرفوضة والاطروحة المقبولة
- تأويل اقبال للنص - في ضوء العلوم المعاصرة -
- راهنية الفساد وتجلياته في العراق
- مقاربات في الاخلاق
- عودة الدين الى الفضاء العمومي في الغرب
- القول اليوتوبي علاقته بالتاريخ ورهانات الحاضر
- حزب العدالة والتنمية -اشكالية التواصل والفراق -
- لكل عصر رهاناته وتحولاته الكونية
- مفهوم العقل قد شهد تحولات
- شاعرية الاغتراب عند حسام الدين الالوسي
- قبول المختلف، ورهانات التنافس


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - انفتاح المعرفة ضرورة اليوم