أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - جولة روحية وفكرية - قراءة في كتاب -تجوال- للكاتب الألماني هيرمان هسه















المزيد.....

جولة روحية وفكرية - قراءة في كتاب -تجوال- للكاتب الألماني هيرمان هسه


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5886 - 2018 / 5 / 28 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


كالعادة، شعرتُ بالحاجة لقراءة شيء دسم وسريع في الوقت ذاته. عندما نشهد فترة انخفاض في معدلات القراءة، يتوجب علينا أن نقرأ كتبًا قصيرة. هذا ما توصلت إليه مؤخرًا. اخترت كتاب "تجوال" للكاتب الألماني الحائز على جائزة نوبل هيرمان هسه وترجمة طاهر رياض. كتب هسه هذه النصوص – الشعرية والنثرية – في عام 1920 في فترة اقامته في سويسرا، ولهذا تبدو طبيعة سويسرا الجميلة حاضرة بقوة في ثناياه، مع أن أغلب كتابات هسه تزخر بمثل هذا العشق الرومانسي للطبيعة.

في نص "بيت المزرعة" الذي يبدأ به الكتاب، نجد اشارات واضحة لنزعة هسه للسلام والتعايش ورفضه للحدود، حيث يقول، "لو كان هناك آخرون كثيرون يشمئزون من الحدود بين البلدان كما أشمئز أنا، لما بقي من أثر للحروب والمعوقات منذ زمن." ومع انني اتشارك معه مثل هذا الحلم السامي إلا انني أعرف بأنه مستحيل لأن طبيعة البشر التنافسية تمنع ذلك واختلافات الثقافة قد تجبرنا أحيانا على حماية الثقافة السامية من تلك الأدنى منها. ويتكلم هسه أيضا عن رؤيته للحب، العام والمغاير لما نعرفه ونتصوره، حيث يقول، "أنا عابد لكل ما هو قليل الاخلاص، للمتغير، للفنتازي. ليس من همومي أن اقف حبي على مكان واحد صغير على هذه الأرض. أؤمن أن ما نحبه ليس إلا رمزا. فإذا استحال الحب ولوعًا بشيء واحد، بإخلاص واحد، بفضيلة واحدة، عندئذ ينتابني الارتياب." ونجد في النص، كما في كل الكتاب، نزعة صوفية تبحث عن الرب والوصول إليه بطرق أخرى غير اللاهوت والمؤسسة الدينية، حيث يقول، "إن طريق الخلاص لا تتجه الى اليمين أو اليسار: إنها تتجه إلى قلبك أنت، هناك فحسب تجد الله، وهناك فحسب تجد السلام." ذكرني كل هذا بحوارات كثيرة مع الاصدقاء ممّن وجدوا الإله بهذه الطريقة. في هذا النص الرائع يقارن هسه بين الأم والوطن ويعتبر الوطن الحقيقي داخل الانسان والأرض الأم بعد الموت ويتحدث في فقرات كثيرة عن روحه البدوية التي ترفض الاستقرار ويؤكد على نفي صفة المزارعين عنه، لأنه باحث وليس شخصا يدخر. لكنه يعتقد في نص "ممر جبلي" – وهو نص ساحر في وصف الطبيعة – بأن الطرق ستعيدنا الى الوطن في النهاية، ويقصد داخل الانسان، حيث نقرأ، "كل الطرق لا محالة رادتنا، نحن الجوّالون، أيضا الى مواطننا."

في نص "مقبرة ريفية" الشعري، وكما في نصوص أخرى لاحقة، نستشعر ترحيب هسه بالموت واعتباره راحة أبدية لا يخاف منها، حيث كتب، "أيها الهانئون، المضطجعون تحت ستوركم، والمستكنون إلى قلب الأرض الرؤوم." وقد تكرر ذلك بشكل مرعب في نص "الجوال يخاطب الموت" في هذا الكتاب أيضًا.

واصلت القراءة لأبحر مع هسه. لكم يشبهني هذا الرجل في توقه الغريب لأمور متناقضة. تذكرت الكثير من الحوارات حول موضوعات مشابهة. كانت سطوره ملهمة ونسيت معها مرور الوقت. انه يتوق للبحث عن السلام الداخلي والتخلص من الحنين والهروب الى ذاته – لكنه لم يرضَ بأي شيء اقترحه – لأنه في النهاية مزاجي. انه روح بوهيمية تبحث عن السلام والحب الحقيقي بمنظور خاص. في نص "بلدة صغيرة"، نقرأ، "إن نصف رومانسية التجول على الأقل، هو نوع من التوقان للمغامرة ليس إلا. ولكن النصف الآخر هو توقان من نوع آخر – إنه الاندفاع اللاواعي نحو تبديل وتبديد المشتهى. نحن الجوالين شديدو المكر – فنحن ننمي تلك المشاعر التي يستحيل تحقيقها، ونبعثر الحب، المفترض أن يتوجه للمرأة، باستخفاف بين المدن الصغيرة والجبال، بين البحيرات والأودية، بين الأطفال على قارعة الطريق، والشحاذين على الجسر، والأبقار في مراعيها، بين العصافير والفراشات. إننا نفصل بين الحب وموضوعه، إذ الحب وحده يكفينا، وبالطريقة نفسها، فنحن الجوالين لا نتقصى غاية أبعد من السعادة التي يمنحنا إياها التجول، مجرد التجول."

تعود نزعة هسه للسلم بوضوح في نص "الجسر" حيث يدين ظروف الحرب واستمرارها بتلويث الحياة وتوقه لعالم بلا حروب ليستمع لصوت السماء بهدوء بروحٍ جديدة. وفي نص "الأبرشية"، يفاجئنا بنزعته الروحانية ومديحه للاهوت الذي هاجمه في صباه، حيث يقول، "يتعامل اللاهوت بدماثة مع الجواني، مع الأشياء الاثيرة، التسامي والخلاص، الملائكة والأسرار المقدسة." ويتساءل ان كانت حياة القس تلائمه لكنه يسارع لنفي ذلك بسبب طبيعته المتقلبة ومزاجيته العالية.

في نص "المزرعة" يناقش هسه طبيعة الحياة في الريف وجمالها، ويقارن ذلك بكثر التفكير والقلق، حيث يكتب، "من شأن الشقاء المطبق ان يجعل الانسان عميق التفكير." ويعبر عن اكتشاف الحياة الأكثر أهمية في قوله، "الوجود المحض لا يحتاج الى أي مسوغ، ويغدو التفكير مجرد لعبة، ويكتشف المرء أن: العالم جميل والحياة قصيرة." ويكتب، "أغنية الأبدية هي التاريخ الوحيد الذي أعترف به للعالم."

وفي قصيدة "مطر"، راقت لي أبيات عن القلب الذي يشعر ولا يفكر، مع أنني غالبًا ما أمجد العقل. يقول هسه، "كم أنت ممزق أيها القلب، كم أنت سعيد لتحرث بلا تبصر، لتفكر بلا شيء، لتجهل كل شيء، سوى ان تتنفس، سوى أن تحس."

ومن أجمل النصوص في الكتاب، ما كتبه هسه عن "الاشجار". بصراحة يمكن أن اقتبس كامل النص ولن أندم على ذلك. يقول، "لقد كانت الأشجار بالنسبة لي على الدوام الواعظ الأشد نفاذا وتأثيرا. اني لأبجلها وهي تعيش في قبائل أو مجموعات اسرية، في الغابات والبساتين. ويزداد تبجيلي لها في وقوفها منفردة. إنها اشبه ما تكون بالاشخاص المتوحدين. ولا أقصد النساك الهاربين من ضعفهم، بل العظماء المعتزلين من البشر، أمثال بيتهوفن ونيتشه." ويواصل، "الأشجار معابد قدسية. من يعرف كيف يكلمها، من يعرف كيف يصغي إليها، يمكنه تعلم الحقيقة. إنها لا تعظ بإلقاء التعاليم والوصايا، ولكنها تبشر، غير معنية بالتفاصيل، بالقانون الأقدم للحياة." ويعتبر الشجرة أصل كل شيء، "تقول الشجرة: النواة مخبوءة فيّ، والشرارة، والفكرة، أنا حياة مقبوسة من الحياة الأبدية." ويقوده ذلك للحديث عن الوطن والعودة الحتمية إليه، "ليس الوطن هنا ولا هناك، انه في داخلكم، أو لا وجود له ألبتة." و"كل الدروب تؤدي الى الوطن، كل خطوة ولادة، كل خطوة موت، وكل قبر أم." ويعتبر ان الاصغاء للاشجار يمنحنا كل الحكمة التي تختزلها حياتها الطويلة، "من تعلم كيف يصغي الى الاشجار لا يعود يبتغي ان يكون شجرة، انه لا يبتغي إلا ان يكون ما هو عليه. ذلكم هو الوطن: تلكم هي السعادة." انه نص مذهل بكل معنى الكلمة.

نجد فجأة ان الطقس يثير في هسه ما كتبه عن "الطقس الماطر" كل الافكار المتعلقة بتناقضات الانسان. وجدت الكثير من هذه الأمور تمسّني وكل ما أفكر فيه بين الاستقرار والتجوال الدائم، حيث نقرأ، "ما من مفر. لا يمكنك أن تكون متشردا وفنانا وتبقى في الآن نفسه مواطنا، متماسكا، صالحا، وإنسانا معافى." ويطالبنا بتقبل ذواتنا كما هي، "كل الأشياء في داخلك، الذهب والطين، الفرح والألم، ضحك الطفولة ورهاب الموت. تقبل كل شيء، ولا تتجنب شيئا، لا تحاول أن تكذب على نفسك. انت لست مواطنا متماسكا، انت لست يونانيا، لست متآلفا، أو سيد نفسك، ما أنت إلا عصفور في عاصفة." ويرثي حال الانسان مرهف الحس، حيث يكتب، "يا له من قرد مسكين، من مبارز لخياله في المرآة، هذا الانسان – خصوصا الفنان – خصوصا الشاعر – خصوصا أنا!" وما أشبه هذا بحالنا.

في نص "الكنيسة"، يعبر هسه مرة أخرى عن رؤيته الخاصة للتدين وطريقة العثور على الإله، الطريقة البعيدة جدا عن رؤية أي مؤسسة دينية، حيث يكتب، "مقدسة هي الصلاة، مطهرة من الخطايا، كأنها أغنية. وذاك الذي يصلي حقيقة، لا يرجو شيئا، إنه يعيد عرض حاله ويعدد احتياجاته، مغنيا معاناته وشكرانه، كما يغني صغار الاطفال."

وكما هو توقه للوطن، نراه يتوق لوالدته – المرادف للوطن في نظره – حيث يكتب في نص "إستراحة الظهيرة"، ما يلي، "لو كانت أمي ما تزال على قيد الحياة الآن، لكنت فكرت بها وحاولت أن أبوح لها بكل شيء، ان اعترف لها بما ينبغي أن تعرفه عني."

في نص "سماء غائمة"، يتحدث مرة أخرى عن المزاج – بطريقة ملائمة جدًا لما يمر به أي إنسان. انه كتاب يخاطبنا بقوة وتشعر بأنه قد كُتب من أجلك. يتساءل اذا ما كانت السماء الكئيبة هي التي تنعكس علينا أو أن روحنا الكئيبة تعكس صورتها على صفحات السماء. ويذكر نصيحة لكل حزانى العالم، "ثمة بعض العلاجات الناجعة لدحر الكآبة: الغناء، التدين، شرب النبيذ، تأليف الموسيقى، كتابة القصائد، والتجول." واضيف أنا قائلاً، "والرقص".

في الكتاب بحث عن الهدف واعتراف بتغير رؤى الشخص عند تقدمه في السن، حيث نقرأ، "ما من مركز لحياتي، إن حياتي تتأرجح بين اقطاب عديدة وأقطاب متعاكسة، توق الى الاقامة من جهة وتوق الى التجوال من جهة أخرى. رغبة في الوحدة والانعزال هنا ونزعة الى الحب والمخالطة هناك." ونقرأ، "لقد بجلت الحياة بإخلاص على أنها جوهر، وأدركت من ثم ان بإمكاني معرفتها وحبها باعتبارها وظيفة فحسب." ويرى أن لا نهائية للهدف في حياة الانسان، "ما من هدف بلغته كان هدفا. كل درب اتخذته كان انعطافا. وكل راحة كانت تلد توقا جديداً."

ختامًا، انه كتاب رائع يخاطب الانسان وسيمر الوقت عند قراءته سريعًا. انه نص صريح عن مشاعر الإنسان وهمومه وأحلامه. لا تفوتوا قراءته.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفول الأصنام - اعلان نيتشه الحرب على الدين والأخلاق والفلاسف ...
- رسالة الى المؤرخ والصديق عمر محمد - أدمن عين الموصل
- رومانسية سوداوية - قراءة في -أزهار الشر- للشاعر الفرنسي شارل ...
- المنفى والوجود واللغة - قراءة في المجموعة الشعرية -مديح الطا ...
- تأملات في الإنسان والوجود والإلوهية - قراءة في كتاب -تصوف- ل ...
- اطلالة على قصور اسطنبول - قصر بيلارباي
- مآثر السريان في المشرق - قراءة في كتاب عصر السريان الذهبي لف ...
- رؤية محايدة لمشاهدتي الأولى لفيلم الرسالة
- الاسلام في عيون مبشر أميركي - قراءة في كتاب -الاسلام أو دين ...
- ابحار في فهم الذاكرة والنوستالجيا – قراءة في رواية -الجهل- ل ...
- إطلالة على الأدب الأرمني - قراءة في المجموعة القصصية -عندما ...
- تفكيك المبادئ والمواقف – قراءة في رواية إدوارد والله للكاتب ...
- بعث بدائي ورغبات مكبوتة - قراءة في كتاب علم نفس الجماهير لسي ...
- فيلم لعبة المحاكاة: دروس في تقبل الاختلاف
- آسيا الصغرى وإيران - جسور بين الحضارات
- الفردوس المفقود - العراق في عيون الرسام الإنجليزي دونالد ماك ...
- بغداد في عيون مبشر إنجليزي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر
- الأيديوجيات الشمولية – خطر محدق وخوف مبرر
- انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك ...
- حوار الأمس واليوم - قراءة في كتاب -محاورات برتراند راسل-


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - جولة روحية وفكرية - قراءة في كتاب -تجوال- للكاتب الألماني هيرمان هسه