أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - مآثر السريان في المشرق - قراءة في كتاب عصر السريان الذهبي لفيليب دي طرازي















المزيد.....

مآثر السريان في المشرق - قراءة في كتاب عصر السريان الذهبي لفيليب دي طرازي


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5728 - 2017 / 12 / 15 - 18:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يضم كتاب "عصر السريان الذهبي: بحث علمي تاريخي أثري" للمؤلف فيليب دي طرازي – اللبناني ذو الأصول الحلبية – نبذة مختصرة وشاملة عن تاريخ الأمة السريانية وجهودها في الترجمة ونشر المعرفة وكل اسهامات السريان في فن الرسم والخط والعمارة، فضلاً عن نبذة رائعة عن أهم أديرتهم وكنائسهم ومكتباتهم ومدارسهم في العراق وسوريا ولبنان وجنوب تركيا الحالية. يتحدث الكتاب ايضاً عن علاقات السريان بالاقباط والأحباش والأرمن والعرب وملوك بيزنطة والأترج والكرج والمغول والامارات الصليبية. انه بحث مهم يقع في 130 صفحة ثرية بالمعلومات والاوصاف الدقيقة للعديد من الأديرة والمخطوطات والأناجيل.

يركز دي طرازي على فكرة ان السريان هم من ابتدعوا الكتابة ويربط ذلك بالفينيقيين، لكنه يغفل عن فكرة مهمة هي أن الفينيقيين قد ابتكروا الابجدية وليس الكتابة. اعتقد ان هذه المعلومة لم تقدم بصورة دقيقة أبداً.

عن علماء السريان، في مجالات غير اللاهوت، نقرأ ما كتبه دي طرازي، "إذا ضربنا صفحا عن علماء السريان ذوي الصبغة الدينية، فمن لم يسمع بيوحنا بن ماسويه († 857) رئيس أعظم مدرسة في بغداد ازدحم الطلاب على أبوابها، وهل من يجهل اسم يعقوب الكندي († 861) فيلسوف العرب، أو اسم حنين بن إسحاق († 876) شيخ تراجمة الإسلام ورئيس الفلاسفة والأطباء، أو اسم موفق الملك بن التلميذ (1081-1164) الملقب بسلطان الحكماء إلخ؛ فلا غرو إذا أطلق المؤرخون والأدباء على الأمة السريانية — كما سلف القول — لقب أميرة الثقافة وأم الحضارة."

وعن مدارس السريان نقرأ عن مدرسة المدائن – التي أسسها ططيان الآشوري – ومدارس الرها ونصيبين وانطاكيا وقنسرين – التي أسسها الفيلسوف الكبير سويرا سابوخت في القرن السابع، وقد امتاز سويرا هذا بعلومه ومصنفاته الفلسفية والفلكية، وعلى يده وصلت الأرقام الهندية إلى العرب. كما نقرأ عن مدارس رأس العين وقرتمين ودير برصوما ودير البارد. ويضيف دي طرازي، "أسس السريان في كل مدينة أو قرية استوطنوها مدرسة أو أكثر، حتى بلغ عدد مدارسهم في بلاد ما بين النهرين وحدها زهاء خمسين مدرسة من أرقى المدارس وأوسعها. قال البحاثة السيد أحمد أمين: كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تُعلم فيها العلوم السريانية واليونانية."

يتكلم دي طرازي عن دور السريان في نشر المسيحية في الحبشة وعلاقاتهم بالاقباط وتاثيرهم على الطقوس في الكنيسة القبطية. ويتطرق للحديث عن العلاقة بالأرمن والعرب، نقرأ، "ثم إن البطريرك يوليان الثالث (688-709) نصب أسقفا للعرب التغالبة يقال له يوسف، ونصب قرياقس البطريرك (793-817) ثلاثة أساقفة للعرب: أولهم الأسقف يوحنا للكوفة، ثانيهم الأسقف داود وقد وضع عليه اليد في دقلا عاصمة التغالبة، وثالثهم الأسقف عثمان، وهو الخامس والأربعون في عداد أساقفته."

ويتطرق دي طرازي لمشاهير السريان ممن نالوا درجة مقربة من العرب، حيث نقرأ، "وأول من نال القربى لديهم حين الفتح العربي هو منصور بن يوحنا السرياني، الذي أصبح وزيرا للمالية في عهد الخلفاء الراشدين. أما ابنه سرجون، وحفيده يوحنا المشهور بالقديس يوحنا الدمشقي († 749) فقد توليَا ديوان الأعمال والجبايات في عهد الخلفاء الأمويين." ونقرأ أيضاً، "وأثبت جميع مؤرخي السريان أن إثناسيوس برجوميا الرهاوي ولاه الخليفة عبد الملك بن مروان (685-705) الإدارة المالية في القطر المصري، وكان عهده في تلك الوظيفة عهد خير وبركة وإقبال على الدولة الأموية، وذكر ميخائيل الكبير أن مروان َّ الخليفة (744-750) لدى ارتحاله إلى حران ببلاد ما بين النهرين خف لاستقباله أيونيس الرابع بطريرك السريان (740-755) في هدايا وافرة وتُحف نفيسة حملها على ً خمسين جملا؛ فرحب به الخليفة ترحيبًا جميلا وكتب له فرمانًا عام 746 للميلاد، خوله بموجبه الولاية على جميع الشئون البيعية."

يذكر الكتاب العديد من أطباء السريان وعلاقتهم بالعرب والمغول، فنقرأ، "العلامة حبيب أبو رائطة التكريتي في القرن التاسع، وروفيل وبنيامين الطبيبان اللذان قرأ عليهما مار ماري علم الطب، والفيلسوف الكبير يحيى بن عدي († 974) في عهد المطيع لله (946-974 م) وعيسى بن زرعة (943-1008 م) في عهد القادر بالله (911-1031 م) والشيخ يحيى بن جرير التكريتي، وأخوه أبو سعد الفضل التكريتي وغيرهم. وفي السنة 1223 قِتل الطبيب الكبير أمين الدولة أبو الكرم صاعد بن توما ً البغدادي اليعقوبي، كان ممتازا بسيرته وعلمه فأعزه الخليفة الناصر (1180-1225م)."

يتحدث الكتاب ايضا عن المغول وما فعلوه في دير مار بهنام قرب الموصل، "غزا التتر دير مار بهنام بجوار الموصل عام 1295م، وسلبوه أمتعته وكنوزه، فقصد الربان يعقوب رئيس الدير ملك ملوك التتر واسترجعها، ثم وافى الملك نفسه في عظماء دولته وحرمه، فزار ضريح القديس بهنام، وأهدى إليه هدية، وسجد له وندم على ما صار، وأصدر الأمر بأن تُ َ نقش فوق قبته كتابة باللغة الإيغورية أي التترية إقرارا بفضل مار بهنام، وتأمينًا لحياة رهبانه، وهاك تعريب الكتابة: "يحل سلام الخضر بهنام ولي الله ويستقر على القآن وعظمائه وخواتينه." ومن هنا يبرز سبب وجود كتابة إيغورية في الدير." ويتضح لنا ايضا عمق العلاقات مع الملوك ودور السريان في الوساطة بين الدول لتحقيق غايات معينة تخدم دولهم منها ما ذكر في هذا النص، "أما ملوك الكرج فلم تكن علاقاتهم مع السريان بأقل من ملوك سائر الأمصار، وقد أثبت ابن العبري في تاريخه الكنسي أن جمال الدين وزير الموصل أوفد إغناطيوس الثاني (1143-1164) مفريان المشرق مصحوبًا بأسقفين إلى جورجي ملك الكرج سنة 1161 لإطلاق الأسرى المسلمين، فخرج الملك إلى لقائهم واحتفى بهم بمجالي السرور والاستحسان، وأنجز مرغوبهم ودفع إليهم الأسرى، وكان المفريان والأسقفان يقيمون الحفلات الدينية في كنائس الكرج مدة إقامتهم في تلك البلاد. هكذا توفق المفريان في مهمته نظرا إلى ما كان له من النفوذ والاحترام في بلاطي مملكة الموصل ومملكة الكرج."

يذكر دي طرازي بعض ما اصاب كنائس السريان من نكبات، فنقرأ، "تشير تقاليد السريان بطور عبدين الى أن تيمور لنك الطاغية انتزع من كنائسهم وأديارهم كل ما كان فيها من حلي وحلل ومصاغات لا تُقدر بثمن." ويذكر تدمير دير مار بهنام وكنيسة فاروقان،« وهو لفظ سرياني معناه في العربية مخلصنا. ويتكلم عن "كنيسة مار يوحنا المعمدان في الرها ابتناها نونا مطران الرها (457-471 م) في مطلع عهد مطرانيته على سوار عجيبة من الرخام الأحمر وكانت تشتمل على زهاء مائة نافذة مشبكة بقضبان حديدية، يدخلها شعاع الشمس ولا تدخلها الطير، وقد شغلها الفرنج الصليبيون عام 1098ودبجوها بأجمل زينة، ومع تداول الزمان احتلها المسلمون وحولوها إلى جامع، أطلقوا عليه اسم جامع عين الزلخة." فيما اقتصر البطريرك ميخائيل الكبير، على ذكر كنائس الرها التي دمرها العرب وهي: (١) 12الكنيسة الكبرى. ) (٢كنيسة الرسل. ) (٣كنيسة مار توما. ) (٤كنيسة مار ميخائيل. ) (٥كنيسة مار قزما التي كان فيها المنديل المطبوع عليه وجه السيد المسيح. ) (٦كنيسة مار جرجس. ) (٧كنيسة الفاروق. ) (٨كنيسة والدة الله المعلقة. ) ٩و (١٠كنيستان أيضا باسم والدة الله. )(١١كنيسة الأربعين شهيدا الكبرى. ) (١٢كنيسة ثانية باسم الشهداء الأربعين. ) (١٣كنيسة المعترفين غوريا وشمونا وحبيب، في باب الساعات. ) (١٤كنيسة مار إسطفان. )(١٥كنيسة مار ثئودورس إزاء القلعة. أما كنيسة مار أفرام فلم يحتلها العرب لأنها خارج المدينة." ونقرأ أيضاً، "ثار المسلمون في دمشق؛ فهدموا كنيسة »مرتمريم« القاثوليقية، وكانت كنيسة عظيمة كبيرة حسنة، أُنفق فيها مائتا ألف دينار، ونُ ِهب ما كان فيها … من حلي وستور."

يذكر الكتاب أهم الكنائس في عموم المشرق ومصر أيضاً، لكنني ركزت على اقتباس ما ورد ذكره عن كنائس وأديرة السريان في العراق. نقرأ، "الكنيسة الخضراء في تكريت: كانت كاتدرائية فخمة شيَّدها المفريان دنحا الثاني (688-728م) تيمنًا باسم سالفه أحودامه أول المفارنة الذين سكنوا تكريت، ثم أُطلق عليها اسم »الكنيسة الخضراء واتخذها المفارنة منذ القرن الثامن مركزا لهم، فبالغوا في تزيينها وتنميقها، إلا أنها نُهبت في السنة 1089 ونزعت أملاكها وحللها الفاخرة واستحلها الفاتحون وملكوها، وما برحت أطلالها ماثلة إلى الآن." وهي الكنيسة التي قام تنظيم داعش الارهابي بتفجيرها مؤخراً. ويذكر دي طرازي ايضا، "فقد بقيت لهم عام 1236عشرون ألف كنيسة كما كتب كيرلس الثالث البطريرك القبطي إلى البطريرك أغناطيوس الثالث السرياني في القرن الثالث عشر." ونقرأ عن كنائس العراق ايضاً، "تصاوير كنيسة المفارنة الكبرى في تكريت: تكريت مدينة في العراق بين الموصل وبغداد، تُعد إحدى عواصم السريان وقاعدة مفارنتهم، وكان لهم فيها شأن عظيم دون سائر المدن، فشيدوا فيها كنائس جمة، أكبرها وأفخمها كنيسة مار سرجيس ومار باخس التي قام بتأسيسها المفريان بريشوع (669-684) ) وعني كثيرًا بزخرفتها وزينها بتصاوير رائعة تبهر الأبصار حتى أصبحت — كما قال المفريان ابن العبري — من أظرف الكنائس وأبدعها، واحتوت على أضرحة بعض المفارنة، وقد ح ِفر على كل منها في السطرنجيلية اسم المفريان المدفون فيه وتاريخ سيامته ووفاته، ولم يسمح المفارنة للنساطرة أن يشيدوا لهم كنيسة في تكريت حتى القرن الثامن، فابتنوا عام 767 كنيسة على شاطيء دجلة خارج سور المدينة." ونقرأ ايضاً، "تصاوير كنيسة السريان في بغداد: من الكنائس التي تجلت فيها براعة فن التصوير كنيسة بغداد السريانية الكبرى في عهد الخلفاء العباسيين، فإنها احتوت من عجائب الصور ما أدهش الناظرين، وقد قصدها الناس من الآفاق."

يذكر الكتاب مشاهير المعماريين السريان، اكتفي بذكر من عرف منهم في العراق، "المطران جبرائيل البرطلي († 1300) كان له حظ من فن الهندسة، وهو الذي تولى بناء دير الشهيدين يوحنا ابن النجارين وأخته سارا في برطلي سنة 1284."

وعن دور السريان في الموسيقى، نقرأ، "تسلسلت الألحان السريانية قديما من أفواه الأجداد إلى الأبناء والحفدة بطريقة التقليد، ولم تكن حين ذلك مقيَّدة بضوابط تصونها من التغيير والتلف، ولأجل ذلك طرأ عليها بعض الاختلاف في عرضها لا في جوهرها باختلاف اللهجات في البلدان والمدن والقرى. هكذا أصبح لبلاد ما بين النهرين نغمة غير نغمة بلاد الشام وبلاد آثور، فنبرة الرها مثلا غير نبرة نصيبين، ونبرة آمد (ديار بكر) وميافرقين غير نبرة جرجر، ونبرة ماردين غير نبرة طور عبدين، ونبرة تكريت غير نبرة الموصل وبغداد وقراهما، وق ْ س على ذلك نبرة حلب، فهي تتفق مع نبرات حمص وحماة والنبك وصور وسواحل لبنان." ويذكر الكتاب قائمة كبيرة بأهم المرنمين واهم الموسيقيين واهم الالوان الموسيقية وكذلك دخول التقاليد الغربية للكنائس السريانية الكاثوليكية وغيرها من معلومات حول اهم الآلات الموسيقية المستخدمة في كنائس السريان. نقرأ عن مشاهيرهم في العراق، "المطران إقليميس يوسف داود (1879-1890) ) أولع بالموسيقى البيعية، فنظم جوقة من أرباب الكهنوت وشبان الموصل وعلمهم الأنغام الطقسية، ثم ألف نشائد بديعة على قدود رخيمة لأغلب أعياد السنة، ورتَّب قداسا حبريٍّا سريانيٍّا على أصول الموسيقى الأوروبية، وقد عني بكل ذلك عندما كان قسا في الموصل مسقط رأسه. وخلف المطران يوسف داود في ذلك مخطوطا ضخما، رفعه هدية بنوية إلى البطريرك أغناطيوس فيلبس الأول عركوس ."

عن الخط والكتابة، يعيد دي طرازي قصة ابتكار الكتابة غير الدقيقة، لكنه يذكر امور صحيحة بخصوص الخط السرياني، حيث نقرأ، "وقس عليهم الأرمن، فإنهم إلى القرن السادس كانوا يكتبون بالخط السرياني، وكذا العرب فإنهم تعلموا الكتابة من السريان … والخلاصة: أن جميع الأمم القديمة المشهورة تعلمت صناعة الخط الشريفة من الأمة السريانية."

يسرد الكتاب قائمة باهم المخطوطات والاناجيل واماكن تواجدها حالياً، سأكتفي ايضا بنقل ما ورد عن مخطوطات واناجيل في العراق، "وصف إنجيل قرقوش حفظ هذا المصحف النفيس مدة أجيال في بيعة السريان بقره قوش إحدى قرى الموصل الشهيرة، ثم نُقل إلى خزانة القلاية المطرانية بالموصل. وفي السنة 1938حمله السيد قرلس جرجس دلال مطران الموصل إلى روما، وأهداه إلى الحبر الأعظم بيوس الحادي عشر الذي أمر أن يُ َ حف َّ ظ في المكتبة الفاتكانية، ثم تولت هذه المكتبة نشره بالطبع بيانًا ً لمزاياه وتعميما لفوائده. وينطوي هذا الإنجيل الفريد على 476 صفحة، طوله 44 سنتمترًا، في عرض 33سنتمترًا، في سمك 11سنتمترًا، وقد كتبه الراهب مبارك بن داود البرطلي (1220-1239) بحروف سطرنجيلية مستبدعة، وزيَّنه بأربع وخمسين صورة ملونة في غاية التأنق والاتقان. افتتح الناسخ الإصحاح الأول بفصل الإنجيل الذي يُرتَّل في أحد تقديس البيعة، أما الصورة الأولى فتمثِّل موسى الكليم بيده قلم، وفي أسفلها صورة يوحنا الإنجيلي، وإلى جانبها أرزة لطيفة هي من أبدع ما نمقته ريشة نقاش. والصورة الثانية تمثِّل ِّ زكريا الكاهن في مذبح البخور وجبرائيل رئيس الملائكة يبشره بميلاد يوحنا. والثالثة صورة العذراء والملاك جبرائيل. والرابعة صورة زيارة العذراء لاليشبع. والخامسة صورة زكريا بيده لوحة مكتوب عليها بالسطرنجيلية »يوحنا اسمه.« والسادسة صورة ِ يوسف خطيب مريم والملاك. والسابعة صورة ميلاد يسوع المخلص. وق ْ س على ذلك صور قتل أطفال بيت لحم، وهرب يسوع إلى مصر، ورجم أسطفانس أول الشهداء ومار أنطونيوس رئيس الرهبان، وشمعون الشيخ، وعرس قانا الجليل، وابن أرملة." ونقرأ، "في المكتبة البطريركية الكلدانية بالموصل مخطوطات منسوخة على ورق أسمانجوني من صناعة القرن الحادي عشر، تترصع فيه الآيات الإنجيلية بمحلول الذهب كأنها النجوم متلالئة في القبة الزرقاء، ً تلك مصاحف نادرة تدل على مكانة السريان قديما في إتقان َ الكتابات المزخرفة والتضلع من الفنون الجميلة وعندما أُجلي السريان كسائر النصارى من مدينة الرها عام 1922 بأمر الحكومة التركية، نقلوا معهم تلك المخطوطات إلى حلب وإلى غيرها من المدن التي استوطنوها."

وعن المكتبات السريانية عبر التاريخ، يسرد الكتاب قائمة بأهم المكتبات، سأورد منها ما ذكره عن العراق، "مكتبة المفارنة في تكريت، لم تكن مكتبة تكريت أقل شأنًا من مكتبة الرها، بل اغتنت بثروة علمية بفضل المفارنة السريان الذين تسلسلوا في كرسيها. واشتهر في تلك المدينة من العلماء ماروثا المفريان († 649 م) وأنطون البليغ (820 م) ويحيى بن عدي († 974 م) ويحيى بن جرير وأخوه الفضل وهما من أعلام القرن الحادي عشر وغيرهم. وكانت خزانة المفارنة غاصة بالمخطوطات النادرة القديمة العهد، وعلى رغم إجهاز الغزاة البرابرة عليها فقد تمكن أدباء تكريت أن يخفوا منها ما استطاعوا إليه سبيلا، وخيفة أن تلحق الرزايا بتلك البقية العلمية الأثرية نقلوا بعضها إلى دير مار متى الشيخ بجوار الموصل، وبعضها الآخر إلى دير والدة الله في وادي النطرون بمصر، وإلى غيرهما من الأديار." ونقرأ عن دير مار متى، "عدت مكتبة دير متى الشيخ من أقدم مكتبات الشرق عهدا وأوفرها ثروة، وكانت غنية بالمخطوطات النادرة التي ذاع أمرها في البلاد، ومن أثمن ما انطوت عليه هذه المكتبة نسخة سطرنجيلية قديمة جليلة تُدعى »هكسبلة« اشتملت على كتاب »العهد القديم،« ويوجد في كل صحيفة منها ستة أعمدة، ولما سمع طيمثاوس جاثليق النساطرة († 823) بأمرها، كتب إلى رئيس الدير في استنساخها، ثم استعان الجاثليق بجبرائيل بن بختيشوع ( † 828) كاتب ديوان الخليفة عبد الله المأمون وطبيبه — في استحضار هذه النسخة إلى بغداد واستكتابها، وكانت هكسبلة دير مار متى المشار إليها مكتوبة على رقوق بخط نصيبيني بديع، وما كاد يظفر بها الجاثليق حتى استدعى ستة نساخ ماهرين وكاتبين من جهابذة بغداد يمليان عليهم، فنسخوها كلها بالشكل الكامل، ونقل الجاثليق عينه ثلاث نسخ عنها بخط يده. وتتابعت غوائل الأكراد على دير مار متى عام 1171و 1261و 1282و1319 و 1361 فقتلوا عددا عظيما من رهبانه، ونهبوا ذخائره وأمتعته ومصاحفه الخطية، فأمست أثرا بعد عين."

يذكر الكتاب المكتبات الحديثة وجلها في بطريركيات لبنان، كما يذكر ذخائر المخطوطات في أوروبا وشراء الرحالة لها. نلاحظ التنقلات الكثيرة للتراث السرياني بهدف الحفاظ عليه من الضياع، فتارة ينقل الى وادي النطرون بمصر وتارة الى حلب وتارة الى لبنان من دير الزعفران وهكذا.

يختتم الكتاب بالحديث عن علاقة السريان بالغساسنة، حيث نقرأ عن اعتناقهم للمسيحية وانضمامهم للكنيسة السريانية، وعن العلماء نقرأ، "أما العلماء الذين عاشوا في بلاد غسان وكتبوا باللغة العربية فكثيرون، أشهرهم الشاعر المفلق أبو مالك المعروف بالأخطل التغلبي (640-710) وهو يعد من أفاضل الشعراء بجودة نظمه، ومتانة عبارته، وغزارة معانيه، وتفنن أساليبه، ومن أخباره أن أمه ليلى علقت على صدره صليبًا لم ينزعه مدة حياته كلها حتى عند دخوله على الخلفاء الأمويين، وع ِرف لذلك بذي الصليب."

ختاماً، الكتاب مهم جداً ويعطي نبذة شاملة عن مبدعي السريان وآثارهم واديرتهم وكنائسهم ومدارسهم ومكتباتهم ومخطوطاتهم وعلاقاتهم بالشعوب المجاورة، بعيدها وقريبها. لكنه يركز على المشرق ولا يذكر العلاقات بالهند – الملابار – الا قليلا ولا يذكر الامتداد الى الصين. انه كتاب قيم ومدخل جيد للتعرف على تاريخ الأمة السريانية.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية محايدة لمشاهدتي الأولى لفيلم الرسالة
- الاسلام في عيون مبشر أميركي - قراءة في كتاب -الاسلام أو دين ...
- ابحار في فهم الذاكرة والنوستالجيا – قراءة في رواية -الجهل- ل ...
- إطلالة على الأدب الأرمني - قراءة في المجموعة القصصية -عندما ...
- تفكيك المبادئ والمواقف – قراءة في رواية إدوارد والله للكاتب ...
- بعث بدائي ورغبات مكبوتة - قراءة في كتاب علم نفس الجماهير لسي ...
- فيلم لعبة المحاكاة: دروس في تقبل الاختلاف
- آسيا الصغرى وإيران - جسور بين الحضارات
- الفردوس المفقود - العراق في عيون الرسام الإنجليزي دونالد ماك ...
- بغداد في عيون مبشر إنجليزي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر
- الأيديوجيات الشمولية – خطر محدق وخوف مبرر
- انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك ...
- حوار الأمس واليوم - قراءة في كتاب -محاورات برتراند راسل-
- قصص لا تستحق النشر – تجربة لدعم شباب الكتاب العراقيين
- متى نموت؟ - قصيدة
- تمجيد الابداع والوفاء للأرض - قراءة في الكتاب الأول من -هكذا ...
- الأحلام وعلم النفس - قراءة في كتاب -تفسير الأحلام- لسيغموند ...
- بلاد النهرين ومصر القديمة: سمات الإستقرار والإبداع في حضارتي ...
- لمحات عن العراق في القرن السابع عشر – قراءة في رحلة تافرنييه ...
- أحوال أديرة المشرق - قراءة في كتاب -الديارات- لأبي الفرج الأ ...


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كلكامش نبيل - مآثر السريان في المشرق - قراءة في كتاب عصر السريان الذهبي لفيليب دي طرازي