أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد الفاهوم - قراءة في كتاب محمد المزوغي ما للإلحاد من مقولة















المزيد.....



قراءة في كتاب محمد المزوغي ما للإلحاد من مقولة


وليد الفاهوم

الحوار المتمدن-العدد: 5886 - 2018 / 5 / 28 - 23:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة في كتاب محمد المزوغي
تحقيق ما للإلحاد من مقولة
(منشورات الجمل ط1 .. 2014)
وليد الفاهوم

أنصح من لا يستطيع تحمُّل الآخر وقبوله كما هو ، أيّاً كان ومهما كانت عقيدته مخالفة ، ألّا يقرأ هذا النص ولا هذا الكتاب المشار إليه أعلاه . وذلك على الرغم من أنّني مقتنع أنَّ المتديِّنين المتزمّتين لا يقرؤون سوى الكتب الدينية ، مثل الشيخ الشعراوي الذي صرَّح مرَّةً أنه لم يقرأ في آخر أربعين سنة من حياته سوى القرآن الكريم ، كما أعلم من تجربتي الخاصَّة أن القلَّة القليلة منهم تقرأ مقالاتي أو ما شابهها . فهذا الكتاب لا يشكك في المعتقدات الدينية وحسب إنّما ينسفها من أساسها بمنهجيَّة العقل النقدي .. خاصَّة وأنَّ أكثر ما يضر الفلسفة هو التخاذل النقدي والمهادنة مع الدين والتأرجح ما بين العقل والايمان والحيرة وعدم البت ، كما يقول الكاتب . فهذا الكتاب كما يقول صاحبه في المقدِّمة هو نقد للدين في العمق (ص9) . وهو يعرِّف الإلحاد بأنَّه نكران وجود الله، والخلق من عدم، والعناية الإلهية وخلود النفس والبعث . ويتابع بأنَّ الربيع العربي هو في الواقع ربيع الوهّابية الصهيونية ، حيث ازدادت حِدَّة الخطاب الديني واكتسح الفضائيات والشبكات العنكبوتية وعاد بنا إلى القرون المظلمة، والهوَس الديني، وسياقة الناس كالقطيع إلى المساجد وإلى جحيم الشريعة . وتكون النتيجة أن يجُر العنف الديني الناس إلى الإلحاد . طبعاً الكاتب ملحد وضد العنف بالمطلق .
في تصوُّر الإله .. وفي ما يدفع الناس إلى الإلحاد
لقد اختلف المسلمون فيما بينهم ومع باقي الأديان في تصوُّر الله ، منهم مَن تأثَّر بمشبِّهة اليهود ، فالحنابلة يعتقدون أنَّ لله أعضاء ، وهنالك رهط من المسلمين يؤمنون بالحلولية ، أي أن الله يحل بالإنسان ، ويرفضون فكرة التعالي المطلق (ص 15) . ويعتقد آخرون أنَّ الله نور ساطع وله عرش وأنَّه خلق نفسَه ، ويعتقد قسم آخر أنّ له جُمَّة وعلى شيئ مِن الإنسان . وهنالك مَن يعتقد أن ليس كمثله شيئ . ولا تختلف الوضعية في المسيحية ولا في اليهودية .. يتبادلون التهم ويكفِّرون بعضهم بعضاً من قرن إلى قرن ... أمّا الأساطير الصبيانية فنجدها في كل الكتب المقدّسة وهي في الواقع ينبوع الإلحاد كما يقول المزوغي (ص 33-34) . إنَّ حال أهل التشبيه في الإسلام واليهودية "أشد من حال من يعبد الأصنام" كما قال القاضي عبد الجبار (ص 139) وقد كان من المعتزلة . إنَّ لاهوت العهد القديم كله تشبيهي ، يصوّر يهوَ كإنسان متقلِّب يغضب ويقهقه ويلعن ويتسامح .. وهو عنيف بشكل عُدواني ، يقتل ويبيد الشعوب (ص 141) ، وفي خرافات التلمود الله يئنُّ ويجهش بالبكاء ، يزمجر مثل الأسد أربع مرات في الليل عندما ينهق الحمار ويعوي الكلب ويتجشّأ الرضيع وتتحدّث المرأة إلى زوجها ! في العهد القديم يقوم يهوَ بأعمال لا تليق بقداسته ، ويقول فولتير أنَّ التوراة المحشوّة بالخرافات لا توحي بأنها كتاب مقدّس أملاه الله ، وإنها كتاب "وضعه سكّير جاهل" (ص 36) خاص بأبناء إسرائيل ، صفوة الخلق وشعب الله المختار دون باقي البشر . وأساطير التلمود تضجُّ وتزخر بالخرافات ... ولا تقل الخرافات عند المسيحيين والمسلمين مثل ولادة المسيح من أم عذراء نكحها الروح القدس ، بيد أنَّ له إخوة .. ويتابع المزوغي بأن كل ذلك مخالف للعقل ومذِل له ومحتقر للإنسان . في الخلاصة .. العهد القديم والتلمود أسقطا على الله صفات إنسانية ، كما هم أنفسهم أو كما يودّون أن يكونوا ، في كلام يدمِّر الكتاب المقدس تدميرا . لقد استمدَّ المسلمون من ترسانة خرافات اليهود الكثير ، وهو ما يُعرف بالإسرائيليات .. والباحث الرصين يدرك أنَّ 80% من القرآن هو يهودي . المسيحيون والمسلمون يقتاتون من العهد القديم وشرائعه وأساطيره المتهافتة الغائمة المدمرة للعقول البشرية (ص 148) ، يورد محمد المزوغي بعضها ... كخرافة الحيَّة التي كان لها أرجل والتي عوقبت بخسف أرجلها بعدما وسوس لها الشيطان بإغراء حواء وآدم بالإقتراب من شجرة المعرفة وأكل التفاحة أو التمرة ... ويكون العقاب الجماعي لآدم وحواء والبشرية جمعاء بالسقوط إلى الأرض .. فالخطأ أو الخطيئة فردي ، والعقاب الجماعي يفتقر إلى العدالة ويتنافى مع العدالة الإلهية ومع مفهوم الرحمة الإلهية (ص 51) . وإن الإله في أسطورة السقوط هذه يشبه أولئك الطغاة الذين يتلذذون بالممارسة الطغيانية لسلطتهم الواهنة (ص 52) . إنَّ اليقين الإيماني ضد الشك العقلاني ، يقول المزوغي (ص 56) ، فيذهب جميع المؤمنون إلى الذهنية المتحصنة في وثوقها . كَتَب المسيحيون ضد اليهود ، والمسلمون تحالفوا مع اليهود والنصارى على حد سواء لكنهم اتهموهم بالتحريف . وتحصَّن أهل الإيمان كل في داخل منظومته وكلٌ تعصَّب ضد الكل ثُم فيما بينهم وكانت الشحناء والبغضاء ثم القتل والذبح في الحروب الدينية أو الحروب باسم الدين . لقد سجن المسلمون أنفسهم في النص القرآني منذ 15 قرن ، وحنّطوا أفكارهم منذ ذلك الوقت فلم يتقدّموا ، وخضعوا لهلوسات الفقهاء واللاهوتيين والتأويلات البهلوانية . يتحدّث المزوغي عن سلطة الإجماع ، والتي بحسبها لا يمكن للناس أن تجتمع على خطأ ، "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ، مع أن الإجماع لا يحل المشكلة ، كثيراً ما يكون رأي الأقلية هو الصحيح ، وإذا نظرنا بعمق نرى أن في كل إجماع فُرقة أو مذهب يناقض الآخر . قال الله : إسألوا أهل الذكر ولم يقل إسألوا أهل الجماعة ! لقد كان الرازي والقاضي عبد الجبار في عصرهما ضد أهل حُجّة الإجماع . كما أن هنالك إختلافات جوهرية في أطروحات أهل الديانات التوحيدية وفي مفهوم الله ، كما جاء . كلٌ يتصوّره بحسب إدراكه ومدى وعيه .
إنَّ ظروف الزمان والمكان تؤثِّر في العقيدة والسلوك الديني ، فعندما صلّى الناس وراء محمد بإتجاه القدس كانت الكعبة قبيحة والتوجّه إليها كان سلوكاً وثنياً ، وعندما تغيّرت القبلة صارت الكعبة حسنة . يعتقد الملحدون أنَّ هنالك إختلاف نوعي بين الفضيلة والرذيلة والحق والباطل والصدق والكذب ، وإنَّ المعايير أخلاقية واضحة وليست مرهونة بظروف الزمان والمكان . فالفضيلة بيّنة والرذيلة بيّنة بالعقل وبالوجدان . تحت عنوان بطلان النبوة ، يكتب المزوغي عن إجماع المؤمنين على أنَّ الله أرسل أنبياءه رحمة للعالمين ، لكن هذا الإدعاء غير مطابق للواقع ، ألحروب التي شنّوها والجيوش التي قادوها وسفك الدماء .. تثبت العكس ، ثُم إنَّ آدم يعصى ربه ويأكل من الشجرة المحرّمة ، ونوح يلعن قومه ، وابراهيم يكذب ويعترف بكذبه ، وموسى يقتل ويدّعي أن الله كلّمه ، وداوود يزني ... (ص 99) . وقصة أيوب لا تصدَّق بالعقل ، ثُمَّ لماذا ينزل الوحي على أناس مختارة ، ولماذا يتحيَّز الله ويخص شعب دون آخر ؟ "دولباخ ومن قبله بألف سنة الرازي الطبيب سأل أهل الإسلام قائلاً : من أين أوجبتم أنَّ الله اختص قوماً بالنبوة دون قوم وفضلهم على الناس وجعلهم أدلّة لهم وأحوج الناس إليهم ؟" (ص 100) لماذا اختلفوا في الطقوس والعبادات ؟ لماذا يُؤلهون أنفسهم ؟ "إنَّ الله وملائكته يصلّون على النبي ، أي أنَّ الله ينزل ليصلي على إنسان فان" . هذا عدى عن الترهيب والتهديد والوعيد ونشر الرعب والخوف في أهل العقول أو المفترض أن يكونوا أهل عقول ... لقد قالت الأشعرية : أنَّ أفعال الله لا تخضع لمعايير أخلاقية ، وهذه هي الطامَّة الكبرى (ص 107) . هذا عدى عن الخوارق التي لا تركب على عقل ، والمعجزات التي تحطِّم العقل والمنطق وتدمِّر إنسانية الإنسان (ص 111) . ينسخ الأنبياء شرائع بعضهم البعض ويختلفون فيما بينهم . ومنهم من شرعن القتل والنهب والسلب والإيذاء والإيلام ، والكتب المقدسة مملوءة بالخطاب المزدوج والتناقضات الصريحة (ص 115) ، وعن حروب الأنبياء حدّث ولا حرج (ص 116) ، فكثيراً ما يلقيها الأنبياء على كاهل الله جاعلين منه إلهاً عنيفاً محارباً ، وهذا ما يجر الناس إلى الإلحاد . لقد ورث المسيحيون والمسلمون العهد القديم عن اليهود بأنَّه كلام الله ! الذي يعج بالعنف وإراقة الدماء بل وبالإبادات الجماعية ، فينزل الله ليحارب مع المؤمنين رحمةً بالإنسانية ! لقد قال أوغسطينوس أنَّ علينا قراءة النص المقدس قراءة رمزية ، أيُّ رمزية في الإبادة الجماعية ؟؟؟ ليس في كل ما بالعهد القديم من باب الإستعارة وقابل للتأويل (ص 118) يحاول أوغسطين وأمثاله تبرير ما جاء به (ص 119) ، والأنكى أنَّ هؤلاء لا يعارضون الإبادة الجماعية التي أمر بها يهوَ اليهود حيال الكنعانيين .. لم يعارضوا النزعة العدوانية التي أمر بها يهوَ (ص 110) . والغريب أن حروب الإسلام تأتينا على نفس النسق ، وتبرر بأنها أمر الله ، وما نحن إلّا أدوات بيده ، "ما رميتَ إذ رميتَ ولكن الله رمى" كما جاء في القرآن (ص 121) . أوغسطين وأضرابه رفضوا تعدد الزوجات لكنهم برروها في عصرها بحكم العادة والتقاليد والحاجة . يشوع يذبح أهل عاي بأمر الرب ، "وأحرق يشوعُ عايَ وجعلها تلاً أبدياً خراباً إلى هذا اليوم " (ص 124) ، وتلك الأعمال الوحشية التي قام بها يشوع يزحزها أوريجينس عن معانيها ويحيلها إلى شبكة من الرموز والإستعارات المعقدة حتى أخرج العهد القديم من بعض محتوياته التاريخية لعدم الدخول في مأزق القراءة الحرفية بالتأويل المجازي بحسب غرض المؤوِّل ! حتى لو كانت التأويلات ويلات خيالية تنمُّ عن اختلال ذهني عبثي ، لأنّ إله العهد القديم إلهٌ دموي . من يجرؤ على انتقاد داوود وأعماله المشينة ؟ بيار بايل تجرّأ في القرن السابع عشر ولقي عقابه ! داوود هذا قتل من أسرى الموآبيين الثلثين واستعبد الثلث الآخر ، وكانت له أفران لحرق الأسرى ، "وأخرج الشعب الذي في مدينة ربّه وجعله على المناشير وعلى نوارج الحديد ... وأدخلهم في أفران اللّبن " (ص 133) وقد جاء في مزاميره "يهشِّم الله رؤوس أعداءه" ، وينشد ضد بابل "طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة" (ص 137) .
حتى إله المسلمين يتحوّل إلى محارب في القسم المديني من القرآن ، فيأمر بقتل من لا يؤمن به ، ويأمر بأسر وسبي من له تصوّر آخر (ص 140) . مثل هذه المواقف يجرّ الناس إلى الإلحاد (ص 140) . المسيحية كما الإسلام في بداية عهدها كانت تدعو إلى السلم والمسامحة وإلى إشاعة روح المحبة والأخوة واللحمة والتكافل . ثم بالتالي تطاحنا مع المخالفين بقسوة وبصراعات دمويّة مجنونة ، وبحروب أهليّة ، في المسيحيّة مع الهراطقة ، فكانت محاكم التفتيش ، وفي الإسلام مع المنافقين والمرتدّين ، فكانت حروب الردة . "لقد أجمع المؤرّخون (على ) أن المسيحية الأولى قد أُضطهدت وقدّمت الضحايا والشهداء ، وامتنعت عن استخدام العنف ، وشجبت الإكراه في الدين ، ولم تنتهج هذا النهج المسالم إلّا لأنها كانت ضعيفة" (ص 174) . وعندما قويت ارتكبت المجازر وجاءت بوحش محاكم التفتيش لاستئصال الوثنيّة والهرطقات . المسيح ذاته قال في لوقا 19:54
"وأما أعدائي ، أولئك الذي لا يريدون أن أملك عليهم ، فأحضروهم إلى هنا واذبحوهم قدّامي" ! تماماً كما يفعل المحافظون الجدد (ص 173) ، وكما فعلت الجيوش الرومانية من مذابح لفرض العقيدة بالقوّة... لكن المسيحية شهدت تطوراً لم تشهده اليهودية ولا الإسلام وإن كانت ليست بأقل وحشية في جرائمها ضد الإنسانية . ماذا تصنع اليهودية الصهيونية الآن بالفلسطينيين ؟ ماذا يصنع المحافظون الجدد والمسيحية الصهيونية اليوم بدوَل العالم الثالث ، وبالعرب وبالمسلمين وبالمسيحيين المشرقيين ؟ ماذا يصنع الإسلام السياسي بالمسلمين أنفسهم ؟ والإسلام ما زال يعج بالحروب والغزوات والقتل والسلب والنهب والسبي .. ومحمد أصلاً في القرآن المديني رزقه تحت زحمة الغنائم ، طرد بني قينقاع من المدينة وأفنى بني قريضة عن بكرة أبيهم ... المسلمون المعتدلون في مأزق رهيب . ويتابع المزوغي ، "الحل هو إما القيام بمراجعة تاريخية لأحداث السيرة ومحاولة تطهير وتنقية وطمس ما يمكن طمسه ، ورفض بعض عناصرها ... أو تقبّلها كلها دون تحوير أو تأويل" (ص 179) . الحل في تهوية التاريخ بين كل فترة وفترة لأن الزمان والظروف في تغيّر مستمر . الحل في الفصل التام بين القرآن المكّي والمديني ، بين أخذ الناس باللين وبين أخذهم بالقوّة والعنف ، كما قال المفكّر المستنير محمود محمد طه السوداني وأُعدم بسبب ذلك في أواسط ثمانينيات القرن الماضي بفتوى من الأزهر . أيُّ عقل سليم يقبل بالدخول في طفلة بنت تسع سنوات وبالمفاخذة لمن هي دون ذلك السن ؟ أيُّ عقل سليم يقبل برضاعة الكبير ، وبالزواج من زوجة الإبن بالتبني ، وبالسبي والرق وما ملكت أيمانكم ؟ (ص 180-181) . الكاتب يخجل أن يكون مسلماً ، ويخجل أن تقع بلده تونس تحت وطأة الوهّابية (ص 184) ، لذلك يعيش في البرازيل . فالمزوغي لا يطعن في الذات الإلهية لأنّه ينكر وجودها أصلاً ؟ الخرافات والوهم والذبح باسم الدين أوصله إلى هذه النتيجة .
المزوغي يقول أنَّ كل الأديان السماوية في التنكيل سواء ، وهنا أضيف بين قوسين الديانات غير السماوية ، كالبوذية المتعصِّبة في ميانمار وأفعالها المشينة والمتوحِّشة وحرب الإبادة ضد الأقلِّية المسلمة من عِرق الروهنكا ، كما تروِّج الوهّابية والإخوانية اليوم وكأن الحرب في ميانمار (بورما سابقاً) هي حرب دينية ، بيد أنَها بحسب رأي اليسار العالمي والعربي هي حرب قومية بامتياز . ولنعد إلى موضوعنا ، يتابع المزوغي بسؤال استنكاري .. ما الفرق بين قصَّة داوود وأوريا الحتّي وزوجته باتشيبع وبين خالد بن الوليد وقتله لمالك بن نويرة والزواج من امرأته ليلة قتله ؟ يروي لنا التراث أنّه ضرب عنقه "وأمر برأسه فجُعل مع حجرين ، وطُبخ على الثلاثة قدراً ، فأكل منها خالد تلك الليلة" (ص 136) . ولا ندري إن كان ذلك قبل الدخول أو بعده ، ولا يتكلّم التراث عن شعور تلك المرأة المسكينة ! ويتساءل كيف لا يصبح الإنسان ملحداً أمام هذه المشاهد المرعبة ؟ (ص 186) . وقد أفتى إبن تيميّة بقتل المنافق من غير استتابة ! (ص 187) لأن محمد أفتى قبله بالمِثل يوم فتح مكة ، أهدر دم عبدالله بن سعد ومِقيَس بن حبّابة وعبدالله بن خطل ! والنبي وخلفاءه الراشدون قتلوا الأسرى والنسوة الذين كانوا يؤذون الرسول بالهجاء دون استتابة ... ابن تيميَّة يشرعن القتل على الهوية استناداً على أقوال الرسول ، ويُعتبر كتابه "الصارم المسلول" أعنف كتاب في التاريخ (ص 190) . يورد فيه ابن تيمية حادثة ذبح الجعد بن درهم المسلم ، قال : "ضحّى به خالد بن عبدالله القسري يوم الأضحى بواسط" ، لأنّه زعم أنَّ ابراهيم لم يكن خليل الله ولم يكلِّم الله موسى ... وما الفرق بين هذا وبين التضحية بصدّام حسين يوم عيد الأضحى ، بُعيد احتلال الأمريكيين للعراق سنة 2003 ؟ أو بين هذا وبين أعمال النازيين الوحشية ضد اليهود والغجر والشيوعيين ؟ أو بين هذا وبين ما يفعله الإسرائيليون الصهاينة بالفلسطينيين !؟ (ص 191) . كتب عمر بن عبدالعزيز المعروف عنه أنَّه كان شديد الورع ، إلى عامل له : "فلا تدع صليباً إلّا كُسِّر ومحق ، ولا يركبنَّ يهودي ولا نصراني على سرج ..." (ص 194) وصالحَ أبو عبيدة بن الجرّاح أهل الشام النصارى و"اشترط عليهم حين دخلها على أن لا يحدثوا فيها بيعة ولا كنيسة" (ص 195) ، وأجلى عمر بن الخطاب نصارى نجران اليمن وأسكنهم نجران العراق ... وحين جاءوا إلى علي فيما بعد يطلبون العودة نهرهم وأذلّهم (ص 196) . وكان تعامل المسلمين مع العجم إمّا أن يسلموا أو يدفعوا الجزية صاغرين ، أمّا مع العرب فالحال أدهى وأمر .. إما أن يسلموا أو يُقتلوا (ص 197) . ولا بأس أن يقاتَل أهل الشرك بكل سلاح .. بتدمير المنازل والتحريق بالنار وبقطع الشجر والنخيل ويُتبع مُدْبرهم ويقضى على جريحهم وتقتل أسراهم (ص 198) . وما يحدث اليوم من أمر داعش هو بحسب آيات السيف في القرآن المديني ، والتاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي ! يقول الكاتب : "إذا تواصل الأمر على هذه الشاكلة ، وهو متواصل بالفعل ، فإنَّ مآل الإسلام هو الإندثار والإضمحلال التام" (ص 204) . تحت عنوان سعادة الإنسان دون الله يتساءل المزوغي : أي حكمة في مخافة الله أو أي حكمة تنفع المعرفة دون مخافة الله كما قال الغزالي ؟ إنَّ تفعيل طاقات العقل والذهن هو ترياق الحياة (ص 215) . يصف أرسطو العقل بأنَّه إلهي خالد ويقول شيشرون أن كل واحد توصّل إلى معرفة نفسه فيه شيئٌ إلهي (ص 201) . أما باسكال فيضرب القداح ، يقول : راهِن على وجود الله فإنْ لم يكن موجوداً لا تخسر شيئاً ! أي مضاربة هذه ؟ أيُّ لعب بالأرقام والرهانات والحسابات ؟ أيُّ صبيانية هذه كما يقول فولتير . مع الإيمان يغيب العقل (ص 219) . طقوس المتديِّنين هي جحيمهم في هذه الدنيا ، صلاة وصوم وتقشُف ووهم من أجل الفوز بالجنَّة ! الملحد صديق البشر والمؤمن كارههم . قال فرنسيس بيكُن : الإلحاد يترك للإنسان العقل والفلسفة والتقوى الطبيعية ، أما الدين فهو طاغية يتحكّم بعقول البشر ويحددها (ص 231) . الإلحاد لا يكون إلّا ثمرة دراسة معمقة ولا يثير الحروب ولا يسبب القلاقل . الإنسان الملحد واع بالضرورة وسوف يُغيِّر وجه العالم (ص 232) ، يهابه الناس الذين يعيشون على الكذب والنفاق وتفشّي الوهم والخوف والرعب الدائم من مكر الله (ص 233 ، 238) . قال أبو بكر : لو أنَّ قدمي في الجنّة والأخرى خارجها فلا آمنُ مكر الله! (ص 238) . حتى الملائكة لا تأمن مكر الله كما يتحفنا الإمام الغزالي في غيبياته وترَّهاته (ص 240) . والغزالي هو كبير صنّاع الخرافات الإسلامية .. يروي لنا عن داوود الذي تصفه التوراة بالدمويّة أنّه "بكى أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموعه وغطى رأسه" (ص 241) . فماذا يصنع المعرّي مع تلك العقول المثقوبة بالجهل ليقول لنا "حياة ، ثم موت ، ثم بعث ، حديث خرافة يا أم عمرو" (ص 243) . وخُرافة هو شخصية من العرب القدماء ، كان واسع الخيال ، يتخيّل أشياء ويحدِّث الناس بها على أنّها حقيقة ، يكلِّم الجن والعفاريت الموجودة في رأسه وفي خياله المريض ... روى لنا الغزالي عن الرسول أنه قال : "أكثر أهل الجنّة البُلْه" ، أي ينبغي تحبيب البلاهة لعامة الناس كي يسهل انقيادهم بإيمانهم الأعمى (ص 244) ، جاء هذا في إحياء علوم الدين للغزالي ، عدا عن خراريفه في "الدرّة الفاخرة في كشف علوم الآخرة" (ص 247) ، إنتبهوا "علوم الآخرة" ! فبماذا يختلف هذا الغزالي عن خرافة ؟ .. إنَّ منبع مثل هذه الخرافات في الديانات السماوية هي اليهودية التي أثّرت على المسيحية والإسلام ، أُكرر أن ثمانين في المئة من القرآن أصله يهودي ، وعشرة في المئة من المسيحية ، والعشرة في المئة الباقية هي من الزردشتية بتأثير سلمان الفارسي على محمد . خاصة وصف الجنّة والجحيم والخيالات المريضة المرعبة . يقول الكاتب أنَّ "أهل الأديان يعتقدون بأنهم يُدخلون التقوى بالرعب ، لكن في الحقيقة لا يولِّدون في الأنفس إلّا النفور والهلع" (ص 255) . ويعتبر القرن السابع عشر قرن الفلسفة والإلحاد (ص 261) ، والآخرة عالم أسطوري (ص 271) ، وتقديس الموت ساديَّة المؤمنين .. فيعتقدون أنَّ الحياة وهم وحلم ، والآخرة يقظة ! (ص 272) ، "يرهبوننا بظاهرة طبيعية مثل الموت ... الحصيف يعلم أنَّ الموت نهاية طبيعية" (ص 273) . إنَّ الخوف من الموت راجع إلى الجهل بحقيقته . الموت ليس بشر ولا بخير (ص 274) ، الموت هو التحرر من كل آلامنا ونهايتها . وحين يكون لحياتك معنى ولموتك معنى فأنت سعيد . الموت هو تمام حد الإنسان ويساوي بين الناس . نخاف من الموت لأننا نجهله ، وعلاج هذا الخوف هو العلم والعلم فقط (ص 276) . تبّاً للجهلاء الذين يوزِّعون كتيِّبات عن عذاب القبر ، ويتطوَّرون مع العصر بتصوير أفلام فيديو عنه (ص 279) ، عذاب القبر هو من صُنع الجهل والرُعب والخوف والأوهام ، ومن يروِّج له سادي ومن أكثر الناس شراً (ص 280) .
التعارض بين الفلسفة والدين
الفلسفة هي أصل كل العلوم التي تثبُت بالبرهان والتجربة والعقل والشك ، بيد أنَّ الدين يعتمد على الإيمان واليقين . يقول فولتير في مقالته عن الإلحاد : أنَّ أساطير الكتب المقدسة هي التي أوقعت الناس في الإلحاد ، لكن الفلسفة خلّصتهم منها . وبحسب فولتير إذا كان الله غير موجود يجب اختراعه (ص 326) ، والعلم حرر الإنسان من الخرافة وسعى إلى إسقاط السلطة الدينية والإكليريكية (ص 328) ، لأنه يعتمد العقل والحكمة . فولتير لم يعلن إلحاده لكنه دمَّر أُسس الديانة المسيحية ... وفلاسفة الوهّابية مثل أبي يعرب المرزوقي (ص 293) ومن قبله ابن حنبل وابن تيميَّة وابن القيّم الجوزيَّة دمَّروا العقل الإسلامي ، حتى أنَّ ابن تيمية كفَّر الغزالي وقذفه بالقُرمطيّة والباطنية (ص 298) ، فقال : من لم يؤمن بكل ما جاء به محمد فليس بمؤمن مهما بلغ من الزهد والعبادة ... لاهوت الشيطان قد استحوذ على فكر ابن تيمية يقول الكاتب ، حتى الحيوانات البريّة لم تنج من هوسه ، فقد ألبسها رداء الشياطين وأفتى بإبادتها مثل الحية والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور ... ويقول أنَّ الرسول أمر بقتل الكلاب ! (ص 302) ، وإنَّ الفلاسفة أجهل الناس برب العالمين ويكفي ألّا يعترفوا بالأنبياء حتى يُقصوْن من النوع البشري ! (ص 303) . ويضيف على الغزالي في "تهافت الفلاسفة" ويبزُّه في سقوطهم بعدم اعترافهم بالسحر وقدرة الشياطين على تغيير العناصر الطبيعية . حتى أن ابن خلدون مؤسس علم الإجتماع ، يقول أنَّ هنالك علوم للملائكة تفوق علوم البشر وعلوم خاصة الأنبياء مجاراةً لأهل زمانه . يقول المزوغي أنَّ نقد الأديان وبسط تناقضات الكتب المقدسة ومخاريق الأنبياء هو البوّابة الرئيسية للإلحاد (ص 314) . وإن الدين صالح للجم العوام ككذب صالح ، مخدِّر اجتماعي ! وللأشياء منطقها ، فالله لا يستطيع خلق دائرة مربّعة (ص 339) ، والخلق من عدم خروج عن بديهيات العقل وهو نتيجة الجهل بأسباب الطبيعة والخيال (ص 343) ، للطبيعة قوَّة مستمرّة على الخلق (ص 344) . لقد أدانت الكنيسة كتب دولباخ الذي عاش في القرن الثامن عشر ، وأحرقتها . أشهر ما كتب هو "نظام الطبيعة" و"الجسد السليم" ، والأخير عبارة عن ملخّص للكتاب الأول الذي هو محصِّل الإلحاد في عصره . وقد انتقده هيجل ، رغم أنَّه قال أنَّ الله هو مجموعة القوانين الطبيعية . قال دولباخ : إنَّ فكرة الإله وليدة جهل الإنسان بالطبيعة وثوابتها .. وقد عاشت الإنسانية على عبادة الطبيعة وقواها المهيمنة ، ورويداً رويداً جعل الناس من هذه الطاقة كائناً غير مفهوم ، ثم شخّصوه كمحرِّك وسمّوه إلهاً . وبقدر ما يعلون من شأن هذا الكائن الوهمي ، بقدر ما تضمحل الطبيعة وتسحب حقوقها ، وفي غياب التجربة يتفتّق ذهن الإنسان على الخيال الذي يغذيه الوهم (ص 376) . الصلاة هي بؤس الإنسان وحط من قيمة الله ، وكأنه مثل ملوك الأرض بحاجة دائمة إلى التفخيم والتعظيم والإطراء (ص 386) . الجهل والرعب من المجهول هما من ولّد فكرة الإله والجميع يراه من منظوره الخاص (ص 394 ، 395 ، 396) . لقد دعم فكرة إمكانية وجود ملحد فاضل كلٌ من بيار بايل ومن بعده ديدرو ودولباخ وهيوم (ص 404) . لا نجد شخصين يتفقان على فكرة الله أو على معناها ، فكل واحد يصنع لذاته إلهاً خاصاً به كما يتصوّره هو بحسب طبعه واستعداداته وملكاته الفكريّة وخيالاته وأفكاره المسبقة (ص 419) . حتى أنَّ العرب القدماء صنعوا آلهتهم من التمر ويأكلونها عندما كانوا يجوعون ... من هنا ينفذ الكاتب إلى ماهية الذات الإلهية وعدم وجودها أو ما يسمّيه "البراهين على عدم وجود الله" . فيحدِّثنا عن سبونفيل وإلحاده الإيجابي ، وهو الجزم بأن الله غير موجود ، وليس الإلحاد السلبي وهو نُكران وجوده القريب من اللاأدرية (ص 427) . يقول أنَّ وجود الشر وتفشّيه هو مشكلة الأديان . مشكلة تجابه المؤمنين فقط ، لأن الملحدين يعتقدون أنّ الشر موجود ويجب الإعتراف به ومجابهته ، والشر بيّن بذاته . لكن الحال بالنسبة للمؤمنين مختلف ، فهم في عجز تام عن تفسير طغيان الشر في عالم مصنوع من قبل إله قدير ورحيم وحكيم مسيّر للعالم (ص 428) ، و"الحقيقة هي أنَّه ليس أمامنا من مخرج ولا سبيل إلى تفسير جميع الكوارث والشرور إلّا بالقول بأن الله غير موجود" (ص 430) . يقول على لسان سبونفيل أنّه كلما عرف الإنسان أكثر كلما كان اعتقاده بالله أقل (ص 432) . يعتقد المؤمنون بأن الله خلق الإنسان على صورته ، وهذا تكريم للإنسان ، لكن لو تمعّنا أكثر في هذا القول تشككنا أكثر ، وأن الإنسان انحدر من القرد هي نظرية أقرب إلى العقل وأكثر قبولاً لدى سبونفيل ، وهذه النظرة المادية للإنسان رحيمة أكثر من النظرة اللاهوتية العنيفة والقاسية (ص 433) . البشر من فصيلة الحيوان ومن غير المجدي كراهيتهم أو احتقارهم (ن. م.) . لذلك لا يعتبر الكاتب نيتشه ملحداً ، فكرهه عن البشرية وإشادته بالحرب ودعوته للإبادات الجماعية للضعفاء والمرضى ، فكر اعتمدت عليه النازية فيما بعد ، عمل مشين يبعده عن نقاوة الفكر الإلحادي ، ويُدخله في في خانة المشوّشين الداعرين كما قال تولستوي ، وأخلاقه هي أخلاق آكلي لحم البشر . من كان ليتوقّع قبل مئة عام بأن هذه الفصيلة المتحدّرة من القردة ستصل القمر ؟ (ص 433-436) . يقول فرويد أن وجود الأديان مجرّد وهم وهذيان وأحلام هذيانية (ص 437) ، وأن تكون ملحداً ليس أنّك ضد الله ، فكيف تكون ضد شيئ غير موجود ؟ كما يقول سبونفيل (ص 436) . ويتساءل المزوغي ، من الذي لا يحب إلهاً رحيماً وعطوفا ؟ هذا شيئ ذاتي ، لكنه غير كاف للإعتقاد به ، إنّه حلم ، من يستطيع أن يبرهن حلماً ؟ من المستحيل أن نصنع إلهاً من حلم أو رجاء أو رغبة ذاتية . الأديان تبيع للناس أوهاماً وهذيانات كما جاء على لسان فرويد . ويتابع المزوغي .. الممكن هو ما لا يتنافى مع نفسه ، والأشياء المتناقضة فيما بينها لا يمكن أن تكون صحيحة . فالله متناقض صاحب وجهين ، رحيم ومنتقم ، غضوب وحنون ، فمن يحبه إما مجنون أو كاذب كما قال دولباخ ، فمن المستحيل حب كائن لا يثير في النفس غير الرعب (ص 448) .
الحصيلة النهائية وشيئ من النقد
ينطلق سبونفيل من موقع علماني ديموقراطي ، لكن وبحسب قناعتي ليس بالضرورة أن يكون العلماني ملحداً مثله ، العلماني يقدم العلم على الإيمان ويفصل ما بينهما ، فالعلم شيئ والإيمان شيئ آخر ، العلم يثبت بالعقل والتجربة والبرهان ، والإيمان تصديق بالقلب ، ولا يمكن مجادلة الإنسان في إيمانه . العلماني يحترم المؤمنين ويعترف بالرأي الآخر ، خاصةً إذا كان ديموقراطياً . العلماني ( بكسر العين من العلم وفتحها أي أنه ليس بكهنوتي) يفصل بين الدين والفكر الديني البشري وبين الدين الثابت والسياسة المتقلِّبة أي بين الدين والدولة ، ويفسح المجال للمتديِّن أن يتديَّن بحريّة تامة كذلك للملحد أن يكون كما يشاء . فلا إكراه بالعقيدة . فقتل الملحد يجيء من ضعف الإيمان والجهل والخوف ، تصوّروا لو كان المزوغي يعيش في العالم العربي لا في البرازيل ، ماذا سيكون مصيره ؟ في هذا العالم العربي والإسلامي المتعصِّب ، وقد ازدادت وتيرة تعصُّبه في الآونة الأخيرة ! والتعصُّب هو حمل الإعتقاد على أنَّه معرفة تُفرض بالقوّة ، فالدوغماتية والإرهاب يغذّي بعضهما البعض ، وهذا خطأ ضد العقل ، فالتديُّن وعدم التدين حق . وللمزوغي الحق بأن يكفر ويُلحد شريطة أن لا يُؤذي الآخرين ، وهنا لا أقصد شعور الآخرين . فالشعور يختلف من شخص لآخر . له الحق بأن يقول : الإعتقاد بالله مبني على جهل الإنسان للطبيعة وجبروت الطبيعة (ص 439) . له الحق أن يقول : أفلاطون يعتقد بأن الفضيلة هي التشبه بالله ، لكن إله الأديان السماوية القاسي الظالم ، المتعالي ، المتجبِّر ، المنتقم الذي لا يتَّبع غير هواه .. مثل يهوَ الذي يأمر بقتل الأغيار وغزوهم وسلبهم ونهبهم وطردهم من ديارهم ، هو إله أناني لا أخلاق له ! لكن بين هذا والإله الرحمان الرحيم المحب فرق شاسع . لقد كان على المزوغي أن لا يخلط بين الصفات الإيجابية والسلبية لله ، أن ينقد ازدواجيّة الله ، أن لا يكون الله ماكراً أو خير الماكرين ، ولا يعمم ذلك على جميع الأديان ويرفضها بالمطلق . لقد قال لينين أنَّه من الحماقة أن يعلن الإنسان إلحاده في مجتمع متديِّن بالفطرة ، كي لا يفقد تأثيره وصلته مع الناس ، ولا أظنُّ أن المزوغي أحمقا . لكنه يكتب من فورة غضب واحتجاج على الوضع القائم ! وهو يختُم كتابه هذا بمناجاة دولباخ الملحد ، التي تصلح لأن تكون مناجاةً للمؤمن بأن الله في داخله يوجِّهه بالطاقة الكونية الإيجابية التي تتحكم بالكون وتسيِّره نحو الخير والحب وصالح البشرية ، يقول دولباخ : "يا إله ، أيها الأب الذي اختفيت عن ابنك ! أيها المحرِّك غير المفهوم والمخفي الذي لم أستطع اكتشافه ! أُعذرني إذا كان عقلي المحدود عجز عن التعرُّف عليك في طبيعة كل شيئ بدا لي فيها حتمياً ... إذا رفضتُ الإعتراف بوجودك فذلك لأنّي لم أعرف ما يمكنك أن تكون ولا وضعك ولا الصفات التي يمكن إضفاءك ... لكن يا الله ، إذا كنت تحب مخلوقاتك فأنا أحبهم مثلك ... إذا كنت صانع العقل فأنا أصغيت إليه دائماً واتمسكت به ، إذا كانت تعجبك الفضيلة فإنَّ قلبي دائماً قد شرَّفها ..."
ويضيف المزوغي : "وهكذا يتكلَّم الإنسان العربي لو تخلَّص من وهم الألم وكسر أغلال دينه وإرهاب وُعّاظه الوهّابيين الذين عمّقوا جروحه وفتكوا بعقله وجسمه" (ص 452) . أما أنا ، الإنسان العلماني ، أقول أنَّ الله في قلبي ، وأنه تلك الطاقة الإيجابية الكونيَّة ، أنَّه الخير المطلق ، أنه ذو الوجه النوراني الواحد اللا متناه في الكِبر ، وأنا وعقلي قبس منه متناهي في الصغر ، وعلاقتي به هي علاقة محبَّة لا تعرف الخوف . وأقول أيضاً أنَّه علينا تمحيص تراثنا الديني وفرز القمح عن الزؤان وتهوية التاريخ بين الفترة والفترة ، والفصل بين الدين والدولة ، والفصل بين الدين والفكر الديني ، ومواكبة روح العصر والتجديد الديني ، حفاظاً عليه من الإنقراض .. وأن يكون الدين في خدمة الإنسان لا أن يكون الإنسان في خدمة الدين ورجال الدين ونرجسيَّة الإنتماء الديني . لأن الدين الخالص هو موروث حضاري ، وأخلاقياته وقيَمه الإيجابية هي ضرورة إجتماعية من أجل البشر وصلاح البشرية . ومن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر أو يلحد .. لكن أن يعمل لصالح الإنسانية جمعاء ، وذلك بهدف تعزيز ثقافة التنوّع والإختلاف ، واحترام الآخر ، وعقل واجتهاد الآخر ، وايمان الآخر .. وتعزيز ثقافة الحياة .



#وليد_الفاهوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -تهافت الفلاسفة- أخطر ما كتبه المسلمون عن الإسلام
- قراءة في ثلاثة كتب لجورجي كنعان .. تاريخ الله ، الله هو القض ...
- نقد الفكرالمهادن مرّة أخرى
- التطبيع والعطر الإماراتي
- سر المعبد
- ستبقى التوراة تحكم العالم؟
- كفى !!
- أول أيار
- علم القرامطة كان أحمرًا
- العولمة والأصولية والإسلام
- فاطمة المرنيسي.. هل شهرزاد تغيّرت أم نحن؟
- عن التخلُّف والزواج المبكر
- أكتوبر والوردة الحمراء
- حقوق المرأة حقوق الإنسان
- نعم دفاعاً عن الحزب


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد الفاهوم - قراءة في كتاب محمد المزوغي ما للإلحاد من مقولة