أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - رمضان بين الأمس اليوم














المزيد.....

رمضان بين الأمس اليوم


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 5881 - 2018 / 5 / 23 - 23:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رمضان بين الأمس اليوم
كلما حلت أيام رمضان إلا ونقلتني ، إلى أجواء اعماق الأزمان العيدة ، حيث كانت الرمضانات جميلة بأصوات الغيطة الشجية التي ما برح صداها الطرب يملأ سمعي و يغشى فؤادي ويجذب مخيلة طفولتي لتسرد ما اختزنه الذاكرة من صور الذكريات الأكثر تأثيرا على النفس، والأكبر وقعا في القلب، والأدعى إلى تذكر الشعائر والطقوس الرمضانية العذبة الجميلة التي كانت كلها عبادة وتقرب، وتوبة ومراجعة، وتفكر وتأمل، ومتعة وسعادة ولهو مباح ، وروائح شهية -لازالت روائحها تملأ خياشيمي - لما كانت تعده والدتي رحمة الله عليها ، من "رغايف" -الخبز المحشو بالخضر والشحوم، التي تبز أعظم بيتزات العالم، نكهة و لذة - و البطبوط والمسمن والحرشة والملاوي والتريد والبغرير، والقراشل، والمجمر، و البجماط ، وتافرنوت والملة ، وخبز الدار وغيرها كثير من المخبوزات اللذيذة التي كانت تعدها أمي بحب واتقان كبيرين ، والتي ولازات أذكر جيدا حرص أبي وإصراره على أن ينال ما تيسر منها ، الأهل والأقارب والأسر المتعففة من جيراننا وأصحاب الحوانيت المجاورة لبيتنا وحتى البعيدة عنه ، والتي كنت أنا المكلف ، رغم حداثة سني ، بإيصالها لأصحابها قبل أن أجلس إلى مائدة الإفطار، لا يمنعني عن ذلك لا شدة برد فاس الفارس ولا مطرها المدرار ، ولا يعوقني حرها صيفها القائض .
لكن –ومع كل الأسف-تغيرت كل تلك الجماليات التي كانت تزهو بها رماضانات بلادي في ماضيها البعيد ، والتي كنت انتظرها بشغف ، وأنا طفل صغير ، وامارسها بخشوع ،وأنا مراهق ، وأحييها ، بتنافس خطير ، وأنا شاب ، وأأديها بقناعة ، وأنا راشد ، تغيرت مع زحمة الاغتراب الزماني والمكاني مع كبري ، وتوارى كل ما كان فيها منيرا وملونا ، ويبعث على الأمل ويبشر بالخير والحب والجمال والروعة والكرم والعطاء ، و تبدد ما عرفته من معالم البهجة والتسلية الرائعة ، والزيارات العائلية والسهرات اليلية ، التي كنا نتمتع خلالها بسحر وعذوبة حكايات الجدات ، وغيرها من الطقوس الرمضانية الزاهية التي كانت تستمر حتى السحور، والعالقة بذاكرتي إلى اليوم، رغم أنه لم يبق منها على أرض الواقع الرمضاني شيئ مما كنا ننتظره ، ونشتاق إليه، ونستبشر به مع قدوم كل رمضان ، في ظل ما يعيشه الناس اليوم –إلا من أخذ الله بيده- من لهاث عنيف خلف البذخ والإسراف، والشره ، والمجون والتفسخ ، والتكبر ، والغواية، والتعال، والاستعلاء.
فعلا كان رمضان جميلا في حينا الشعبي "فاس الجديد" ، عندما كانت حياة ساكنته بسيطة أيام زمان ، وحين كان أهله يصومون رمضان إخلاصاً لوجه الله تعالى ، لا رياءً ولا تقليداً ولا تجلداً لئلا يخالف الناس ، ونفوسهم متشبعة بالتسامح نحو كل الطوائف والديانات والمعتقدات ، وقبل أن تحوله الفتاوى المغدقة في الوعود الباذخة بالصفح والمغفرة ، إلى عبادة تطهيرية صرفة لا يُنتظر من ورائها غير المنافعَ المادّية والتخلص من الشعور بالذنب، والتطهر من مشاعر التوتر وعدم الأمان وتوقع العقاب وغيرها من مشاعر الندم ولوم الذات ، الأمر الذي اقتنع به –مع الأسف-عامة الناس واطمأنوا إلى مفعوله التطهيري ، وقدرته على التخليص من بالذنوب ما تقدم منها وما تأخر، من خلال الأحاديث المحفوظة عن ظهر قلب دون أن تفهم ، والتي بغض النظر عن صحتها أو عدمه ، فهي تعمل على التشجيع على عدم النفور من الأخطاء والذنوب ، التي يرى جمهور الفقهاء أن الأعمال الصالحة لا تكفرها وحدها ، ولا بد من إقامة الحد على مرتكبيها ، حتى لا تعظم لديهم القدرة على معاودتها والاستمرار فيها ، وتصبح حياة لديهم قائمة على انتهاك القيم والمثل والمعايير الاخلاقية والإجتماعية والمبادئ الدينية ، التي لا يقترفها في الأغلب الأعم إلا الشريحة التي تحرص على ألا تكون سوية في تعاملاتها مع الغير ، فتغشّ ، وتكذب ، وتنافق ، وترتشي ، بشكل مستمر، وتلجأ في النهاية ، للشعائر والعبادات ذات الفعَّالية التطهيرية الخارقة ، التي لا تؤدى بغرض التوبة النصوح ، ولا بقصد التخلي عن الذنوب والمعاصي والآثام، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى ارتكابها مرة أخرى في مستقبل حياتهم ، كأي تائب توبة نصوحاً ينعم بعدها بالفلاح والنجاح والسداد والتوفيق، مصداقا لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 31)، وإنما تؤدى بغرض ،العودة إلى ارتكاب غيرها من الموبقات والاستمرار فيها ، بعد الشعور براحة التخلص من مشاعر والإثم الذي تركته تلك العبادات التطهيرية ، ما تجعل المجتمع يبدو جميعه ملتزما دينياً، لكنه لايتورع عن ارتكاب الذنوب والأخطاء في حق الغير والوطن.
وأنهي بقولي هذا : هنيئا لمن عاش رمضانات الماضي ، وتذوق انسجامها مع الغايات الدينية السامية ، ويا حسرة على من يعيش سوداوية حاضره المنقلب على عمق العبادات كما جاءت بها تعاليم الدين وقيمه وأخلاقه المثلى..
حميد طولست [email protected]
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان "



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أشبه قصة -أكلة البطاطس-بقصة -المقاطعة- مع الفارق !!
- المقاطعة ليست جريمة في حد ذاتها !!
- استصغار تأثيرالمقاطَعة !!
- من وحي المقاطعة .
- لا مستقبل لأمة لا تقدس العمل ولا تحترم العامل
- -حشومة- المكبل الخطير لملكة التفكير وإرادة الخلق والإبداع.
- الشارع الباريسي كما رأيته مؤخرا.
- ركل عقائد التخلف !!
- سوء الأخلاق ليست من قلة الدين !!
- من مظاهر عهر التدين الظاهري .
- المساءلة أساس كل إصلاح.
- مكتبات الشارع المجانية.
- دعابة لاسعة من باريس !!
- العاطفة الوطنية !!
- على متن الخطوط الملكية المغربية
- موسم الفضائح الجنسية !
- شؤم الأرقام وقضية بوعشرين !!
- كل منتقدات اليوم ستصبح مألوفة ومتعرف بها غدا..!!!!
- فضائح الاغتصاب المتكررة !!
- متعة عوالم الأحفاد السحرية..


المزيد.....




- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - رمضان بين الأمس اليوم