أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظهر محمد صالح - صبي تحت الشمس..!














المزيد.....

صبي تحت الشمس..!


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5868 - 2018 / 5 / 10 - 01:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صبي تحت الشمس..!
الكاتب:د. مظهر محمد صالح
14/5/2014 12:00 صباحا
د.مظهر محمد صالح
تأبطت جريدتي كالعادة من على أطراف الرصيف المحاذي لمسيري اليومي.. حيث اصطف الى جانب بائع الصحف.. صبي ناهض لفحته أشعة الشمس وجفّت عروق وجهه، وهو يدس نفسه في قميصه متعثراً بين المارة وحركة الناس ويحمل علب المياه الباردة المعدة للبيع. فعلى الرغم من الضجة التي تلاحق حواسه لتعظيم كسبه وإدامة رزقه اليومي، تجده يبتهج عندما يصب المارة الماء البارد في جوفهم ليطلقوا نحو ذلك الصبي ومضة الشعور بالبقاء وصلاح الرزق.
بدا لي ذلك الشاب الصغير مسالماً أليفا ولكن يكابد بحزنه الباسم شظف العيش.. ولم يبق فيه إلا شعور بالبقاء بعد أن تكدرت حياته بهزيمة الفقر التي رقدت في أعماقه وهو يبحث عن طريق مستقيم يأكل منه لقمة عيشه. ساورني الشك وقلبي ثملٌ برحيق الحماس لاْسأل ذلك الصبي عن مدرسته ومستوى معرفته بالقراءة والكتابة؟ أجابني بصمت عميق ورد عليّ بأنه أمي ولا يعرف الأبجدية.. ثم تمتم في سره قائلاً: ألا أيها الرجل الذي تتأبط جريدتك تراني تحت الشمس.. فلا زلت لا أستطيع الغوص لألتقط حرفاً أبجدياً واحداً كالسمكة الضائعة التي تقتش عن طعامها بين ثنايا الصخور المقفرة ولم أستطع الطيران كالنسر حتى أتسلق جدران المدرسة.. وربما أصبحت كالقط الذي يطارده فأر الجهل عكس منطق الغرائز والطبيعة! فأنا أيها الرجل من خسر الكثير بعد أن فقدت والدي وأنا طفل صغير سحقته الحرب! قلت له انس الماضي.. أجابني: لن أنسى الماضي وأنا أكابد على رصيف لا ماضٍ فيه.. وأخذ يدفع بدمعة ساخنة أحرقتها الشمس واستقطرها من جو الذكريات بالأب المفقود والماضي المجهول الذي لا يحمل الابتسامة الا الحزينة.
غادرت ناصر ذلك الصبي الكادح تحت سياط الشمس اللاهبة وقناني الماء البارد ترقد في راحة يديه.. وقلت في سري.. يا أسفاه لا يمتلك الماضي أية هدنة تسمح للصبي ناصر بعد في التفكير بالمستقبل! فقد سحق الماضي الكثير من الآباء ليكون الأبناء فدية البخلاء من المارة على أرصفة الحياة. ولكن تبقى الأعمال جميعها مبجلة تحت الشمس ما دامت نقية نقاء المياه.
لم تفاجئني تلك الثانوية الأهلية لطالبات النخبة التي جرى افتتاحها في الدار الصغيرة المجاورة لداري وهي لا تضم سوى بضعة صفوف أو قاعات قليلة للغاية. سألت فرّاش المدرسة وأنا أتذكر سعة ثانويتي قبل أكثر من خمسة عقود، هل في هذه الثانوية مرسم او مختبر للكيمياء وهل ثمة ساحة ألعاب رياضية أم مسرح؟ فسرعان ما تظاهر فرّاش المدرسة بالدهشة، فأجابني منفعلاً.. كلا بالتأكيد.. ولكن هذه المدرسة الثانوية تنفرد بشيء لا مثيل له في سابق أزمانكم؟ قلت له وما شكل هذا التفرد؟ أجابني: أمام كل تلميذة في هذه الثانوية جهاز حاسوب تتواصل فيه مع دائرة المعارف الافتراضية في العالم، سواء من فنون مسرحية أو تجارب علمية أو حلول نظرية! قلت له نعم انه التعليم الرقمي في القرن الحادي والعشرين، يختلف عن حالنا في أزمنة الحرب الباردة.
استسلمت لرحمة المساء بعد أن غابت الشمس عن الجميع.عندها أيقنت أن الصبي ناصر بائع الماء على أرصفة مدينتنا، قد أغرقته مياه الأمية ومخالب الجهل مرتين! فإذا استطاع الإفلات من مخالب (الأمية الأبجدية) في المرة الأولى وهو يتسلق سياج مدرسته في يوم ما، فإنه لم ينج في المرة الثانية من مخالب (الأمية الرقمية) التي تفصح عن عداوتها المسرعة تحت قذائف الشمس اللاهبة في كل يوم!! .



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفط والحليب من دين واحد
- نساء في اقتصاديات العمل
- فندق الاسرار!
- سرب الحمام..!
- العتاد المسروق
- جزيرة السعادة..!
- في انتظار كافكا..!
- اشياء لا تموت!
- ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع !
- جيفارا والعراق
- موعد مع الإمبريالية
- مأدبة الغداء العاري..!
- مختبر الحرية
- عمار الشابندر ... رجل السلام


المزيد.....




- حفتر يعين نجله صدام نائبا له
- ترامب عن خطة إسرائيل بشأن غزة: تذكروا السابع من أكتوبر
- ثلاثة خيارات صعبة أمام حزب الله
- اغتيال صحفيي الجزيرة.. هل تنجح إسرائيل في إسكات الحقيقة؟
- ترامب عن قمته مع بوتين: ربما خلال دقيقتين سأعرف ما إذا كان س ...
- بقيمة 7.7 مليار دولار.. -باراماونت- تبرم عقداً لبث -يو إف س ...
- جورجينا تستعرض خاتما.. هل تتزوج رونالدو أخيرا؟
- ليبيا: خليفة حفتر يعين نجله نائبا له - فما هي مهامه؟
- دوجاريك: إسرائيل تقتل الصحفيين لمنعهم من نقل ما يحدث بغزة
- كيف حاولت إسرائيل تبرير جريمة استهداف صحفيي غزة؟


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظهر محمد صالح - صبي تحت الشمس..!