أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظهر محمد صالح - في انتظار كافكا..!














المزيد.....

في انتظار كافكا..!


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5862 - 2018 / 5 / 2 - 02:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في انتظار كافكا..!

الكاتب:د. مظهر محمد صالح

06/8/2014 12:00 صباحا

في فناء القصر الملكي المرعب، انطلقت حالة اللاوعي في دواخلي وبدأت تتحرك في اللاشيء تحت لهيب الشمس المحرقة التي لم تدرك حرارتها، ولكنها على الرغم من ذلك استطاعت أن تدرك في ثنايا رحلتها وهي تعشق غيبوبتها، ان ثمة ظهيرة خرساء تسكن في نسيان من الظلام في هذه الباحة من القصر المخيف .كان اليوم هو السادس من ايلول من العام 1971 وفي باحة ذلك القصر الذي سمي بقصر النهاية، عدت الى حالة الوعي وأنا لا أمسك بشيء سوى لجام من الرعب يقاوم سعيٍي في البحث عن قطرات ماء كي أطفئ بها عطشي وأسدّ فيها رمقي الذي غدا هو الآخر كورق شائط. تطلعت الى السجّان الذي سيقودني لا محالة الى ثكنة التحقيق الاديولوجي، ومرارات عطشي قد بلغت الزبى ويطاردني الإحساس انهم سيحكمون عليّ بالموت غرقاً! فأشار السجان بابهام أخرس الى صنبور مجاور يقطٌر ماءً ساخناً ليبتل بها لساني الذي غاب عنه النطق. انفتحت في تلك اللحظة بوابة سوداء شديدة الحراسة وهي الإشارة التي اصطحبني السجان من خلالها الى دهاليز التحقيق وهو يكيل الهمس المخيف مع جلاديه، وشعرت هنا من فوري ان سُحب المكائد قد انعقدت وأنها بدأت تحاصرني لا محالة من جميع الجهات، فتهاويت بلا حول ولا قوة، وحلّ بي الوهن ولكن ظلت ثقتي بنفسي متحجرة لم تتزعزع على الرغم من تداعي قوتي وتقوض اركاني. فليس للأشرار من عدة ترهبني سوى العصي والسلاح الناري.
قال لي ضابط التحقيق بعد جلسة طويلة، إننا أمام تجارة هي الاعتراف، فالربح للطرفين والخسارة تتحملها بمفردك. وأعتقد أيها الشاب، أن المقعد الذي تجلس عليه قد خسر فيه الكثير من الساسة والكُتاب والصحفيين! ثم طرح امامي على الطاولة ورقة بيضاء لأكتب عليها أي شيء لا أعرفه..! تناول مني تلك الورقة وهو يتطلع فيها بعمق وأطلق ضحكة صفراء بعد ان استهوته عبارة: هنا مربط الفرس..! والتي أخذ يكرر قراءتها بصوت مرتفع.
انتهيت في الزنزانة 27 الانفرادية وهي المحجر المظلم الذي أتاح لي الاستماع الى حفلات التعذيب اليومية المسائية. فزنزانتي التي شيدت في العام 1970 مع بقية المحاجر الانفرادية قد جرى إعمارها على أرض ملعب التنس أو الملعب الرياضي للعائلة المالكة العراقية في قصر الرحاب أو النهاية. انعقدت أول حفلة تعذيب أمام زنزانتي في ليلتي الأولى ولم أستطع جمع أنفاسي في ذلك الظلام الدامس فبدأت أبحث عن اللاوعي كي أهرب إليه ولم أستطع إيجاد درج للهروب لشدة البكاء وتعالي أصوات المعذبين الذين جرى صلبهم على تلك السلالم. استطعت أن أغلق أذنيّ بفتات الخبز الذي تدافعت عليه بحثاً وأنا اُقاوم فصيلا من النمل المنظم قوي الشكيمة استوطن في محجري. واستشعرت بألا أجعل الحياة عبئاً عليَّ وينبغي أن أتحول حالاً! ولكن ربما تحولت الى شيء صغير، هو أصغر من النمل (أي بشر منمل) ولكن صفوف النمل في ذلك المحجر أمست أمام حالتي المتهاوية، قوى عملاقة هي أكبر من شيء اسمه البشر.
استذكرت حينها الكاتب الروائي فرانز كافكا في روايته الكوميدية المرعبة: التحول، يوم تبدل البائع المتجول كريكور سامسا الذي كان يعيش مع والديه واخته، الى صرصر ضخم وكيف انه عاش أقصى حالات الاغتراب والعزلة المقيتة حتى قضى نحبه!
وهكذا ففي محاجر التعذيب أصبحت أكثر قدرة على التبدل.! فبين فصيل النمل الذي تبدل الى بشر في القدرة والوعي والغطرسة وبين تحولي الى نملة ضئيلة تستمع الى شدة الفزع وتقاوم الرعب الذي تطلقه أصوات المعذبين وبحرية عالية في حفلات التعذيب وهي مستمرة في البحث عن فتات الخبز لتغلق به المسامع في عالم من اللا آدمية!، قلت في سري، إن وجودي في عالم المعذبين شيء لا يمكن مقاومته إلا (بالتنمل البشري) والبحث عن فتات الخبز بحرية واسعة.
خرجت يومها من بوابات قصر النهاية ضمن أعاجيب الدنيا السبعة وبيقين واحد بأن الجلاد هو إنسان يتبدل الى وحش كاسر في حفلة التعذيب حتى تكتمل الأطراف الثلاثة في رواية كافكا: التحول.. ولكن التحول او التبدل في هذه المرة سيطال: الضحية والنملة والجلاد في محاجر وزنزانات قصر مرعب اسمه النهاية!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشياء لا تموت!
- ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع !
- جيفارا والعراق
- موعد مع الإمبريالية
- مأدبة الغداء العاري..!
- مختبر الحرية
- عمار الشابندر ... رجل السلام


المزيد.....




- عرض عسكري ضخم ورسائل نارية: الصين تجمع حلفاءها في مواجهة الغ ...
- -جرح لا يلتئم أبدا-.. علاء مبارك يتذكر وفاة نجله محمد
- تظاهرات واشتباكات مع الشرطة في البحرين احتجاجاً على تعيين سف ...
- نتنياهو يترأس اجتماعا لبحث ضم الضفة الغربية لإسرائيل وفرض ال ...
- قمة منظمة شنغهاي.. نحو نظام عالمي جديد بقيادة الصين وروسيا؟ ...
- بوتين: يعود لأوكرانيا كيفية ضمان أمنها ولكن ليس على حساب أمن ...
- العراق.. طلاء كلب باللون الأزرق يثير ضجة في البلاد
- تقارب غير مسبوق بين الصين وروسيا.. هل ينعكس على الصراع في ال ...
- لقاء شي ومودي.. كيف يعاد رسم مسار العلاقة بين الهند والصين؟ ...
- شاهد بالفيديو.. 3 طلاب يحوّلون الخردة إلى دراجة كهربائية ذكي ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مظهر محمد صالح - في انتظار كافكا..!