أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - اشياء لا تموت!















المزيد.....

اشياء لا تموت!


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5862 - 2018 / 5 / 2 - 02:49
المحور: الادب والفن
    


اشياء لا تموت!
د. مظهر محمد صالح
يستطع الغروب في مساء ربيع أوائل سبعينيات القرن الماضي ان يضعني في قبضة الظلام او الاستسلام لعصف الرياح قبل ان استقبل ذلك الرجل الغريب القادم الممتليْ والمتوسط القامة بعد ان فقد دربه وهو يبحث عن منزل سيدة شاعرة في اخدود سكني من بغداد يلفه الهدوء وتحيطه السكينة ولا يعلوها الا صوت رؤوس النخيل العالية التي تداعبها الرياح والتي تتسلل الى نوافذ المنازل دون استئذان يذكر! تسائلت في سري لابد ان تلك السيدة الشاعرة تنتمي لواحدة من المدارس الوجدانية الادبية ولو كانت تنتمي لمدرسة مجردة شديدة الواقعية لكانت الزيارة حقا في وقت لايستحق الاسف في هذا المساء الشديد الكآبة ! وواصلت في نفسي انه بالتاكيد رجل لم يفرغ قلمه اويتوقف عقله الذي لم يستغرقه الظلام طالما يبحث عن بصيص الحكمة الذي تؤلقه اعمدة الشعرفي بلاد الرافدين والذي جاء اليها ليهناء بها!

قلت له من هي هذه الشاعرة ياترى ؟فاجابني انها بنت العراق لميعة عباس عمارة! اجبته اطمئن انها تسكن قريبا وعلى بعد كيلومتر واحد ..سارافقك حتما!

وتسائلت منه ياترى من انت؟ فاجابني انا الكاتب والاديب اللبناني محمد عيتاني!قلت هل انت من ترجم كتاب راس المال لكارل ماركس الى العربية؟اجابني نعم .ففرح الرجل بعد ان اقتربت دوائر معرفتنا ببعضنا وسردت له باْسى وانا في عنفوان الشباب واندفاعته الثقافية العفوية الحادة، بان كارل ماركس كان قد رهن معاطفه الثلاثة قبل ان يصرح بطبع كتابه راس المال ليعتاش على عوائدة هو واطفاله و ظل ماركس حبيس منزله يخشى برد لندن لفقدانه وسائل الدفيْ خارج بيته!انها قصة حزن ختمها حقا ماركس بفقدان ثلاثة من ابنائه بسبب الجوع والمرض ! تأسى الرجل في جولتنا ونحن نتناول قصص الحزن الانساني الماركسي في هذه الثلاثية (المعاطف الثلاثة وفقدان الاولاد الثلاثة) وقال ان ترجمته الشخصية لكتاب راس المال كانت تشوبها بعض النواقص،وان ما صدر عن دار التقدم في موسكو ربما كان افضل!! لعل الكثير لا يعرف بان مطامح ماركس في مطلع حياته الفكرية كانت ادبية بحتة ، الف ديوانا للشعرومسرحية شعرية ورواية عنوانها(سكوربيت وفيليكس)وهو طالب في المرحلة الجامعية،قبل ان تستلهمه جدلية هيغل والمدارس والتيارات الفكرية الاقتصادية والاجتماعية السائدة.

لم تغيب عني،وانا اصطحب تلك الشخصية الادبية القادمة من لبنان، بالنسخة المنشورة عن دار التقدم السوفيتية في موسكو من كتاب كارل ماركس في راس المال كي تعيدني ذاكرتي الى استعراض رواية واقعية عراقية جرت احداثها على النحو الاتي:

عندما اُحتلت وزارة الدفاع اثر انقلاب الثامن من شباط 1963 ,انقضت على مكتب الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم شلة من الطبقة العسكرية المهاجمة التي اخذت تعبث بالموجودات الشخصية للزعيم الوطني الذي قضى نحبه في دار الاذاعة العراقية رميا بالرصاص.وقد التقط احد الضباط المهاجمين على مكتب الزعيم وعلى سبيل المصادفة نسخة من مجلد كتاب كارل ماركس - راس المال الذي كان موضوعا في مكتبة الزعيم الشخصية وكانت تلك النسخة هي الطبعة العربية الكاملة الصادرة عن دار التقدم في موسكو ،واطلعني عليها وقتها نجل ذلك الضابط قبل خمسين عاما وهو يروي تفاصيل الحدث ! لا ادري ربما كان لدى الزعيم الراحل الوقت الكافي لقراءة هذه الموسوعة الفلسفية في علم الاقتصاد الكلاسيكي/راس المال! لكن بالتاكيد لا اجد ما يسوغ ان الضابط او نجله ،قد قرئا حقا كتاب راس المال نفسه لدواعي ايديولوجية!!

استقبلت الشاعرة لميعة عباس عمارة وعائلتها ضيفهم الاديب الكاتب اللبناني الكبيرمحمد عيتاني بالحفاوة العراقية.ومن ثم تعرفت الشاعرة عليً وقدمت لي ثنائها على ماقدمته لضيفها القادم من قلب بيروت بعد ان اضل طريقة في واحدة من اخاديد بغداد الرائعة الجميلة المحاطة ببساتين نخيلها . جلست معهم في صالون الاستقبال لبرهة احتسيت قدحا من الشاي بناء على اصرار الشاعرة،ومن ثم تكاثف الاحساس بالحضور لدي في دقائق معدودات، تبادل فيها الاديبان الشعروالقصائد والرؤى والافكاربسرعة البرق لتتوارى فكرة النهاية في مجلس ضم عملاقي الادب في شرق المتوسط.فكان عليً ان اترك المكان واغادر دون نسيان قاسي باْنني جئت لهدف محدد من نوع اخر!

ظل عشق لميعة عباس عمارة للبنان لايقل عن عشقها ومحبتها للعراق وهي القائلة ،بعد ان منحتها الدولة اللبنانية وسام لبنان بدرجة فارس:(على اي صدر احط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام...) .قرأ لها شاعر المهجر ايليا ابو ماضي شعرا وهي في سن الثانية عشر معلقا يومها:(ان في العراق مثل هؤلاء الاطفال،فعلى اية نهضة شعرية مقبل العراق..!).

مات صاحبي محمد عيتاني قبل ربع قرن في20 اذارعام1988 وهو ينعي لبنان في واحدة من رواياته قائلا:...الوان الخريف الشقراء والحمراء المخيفة في كل مكان ......سرح (كامل) بصره مرتعشا على الصخور الباردة وجذوع الدوالي العالية واغصان اللوز البنية الحمراء...اين انتي الان يا ايام العز....!).ظلت روايته (اشياء لا تموت) حية لانه يرى فيها الفرح والاحلام ونهاية المسار والمصير.

تأثر عيتاني بالكاتب الوجودي الفرنسي البير كامو دون تأثره بجان بول سارتر ولكنه لم يخفٍ ميوله اليسارية في واحدة من رواياته التي يقول فيها....عندما كنا طلبة ثانويين او طلابا جامعيين،ناجحين اجمالا،وبديهي اننا لم نجد امامنا سوى الحركة التقدمية اليسارية اللبنانية كي ننضوي تحت لوائها لتغيير هذه الحياة القذرة...!

يرى عيتاني ،القاص العبثي الساخر الطيب القلب والسريرة، في الشر بانه صناعة ذكورية تتلخص في اساطير المجد وحلم الامة وحلم العقل و اوهامه وسر الحضور,وهي الفرصة الاخيرة اذ تقوم الاقدار دائما على فرصة اخيرة ولكنها لم تبدل من حتمية النتيجة...ولكنه يمسك في النهاية بكلمتين او رصاصتين تفهم منهما النهاية الحتمية.في حين بقت الانثى عنده سر الوجود...فهي استراحة القلب ورغبة النفس وعشق الجسد.....!

من صفوة الكلام ،اين نحن اهل العراق من شاعرة بلادي ابنة الرافدين لميعة عباس عمارة.بعد ان توسط ديوانها الشعري الاخير(عراقية) وديوانها الشعري الاول(الزاوية الخالية) ديوانها المؤثر الذي حمل عنواناً(يسمونه الحب)!!

كشفت لي زميلتي في السلك الوظيفي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بانها كانت واحدة من طالبات تلك الشاعرة في احدى ثانويات بغداد يوم ان صدر ديوانها( يسمونه الحب)مستدركة القول ان درس الادب العربي الذي كانت تقدمه لهن مدرستهما لميعة عباس عمارة بنفسها كثيرا ما كان يتحول الى مبكى للانسانية وان انهارا من الدموع الممزوجة بالحزن والفرح كانت تذرف وهي ملتهبة من عيون طالباتها جهارا دون ان يفقدن الامل في المستقبل !!
ختاما:فمثلما لم تغيب منطقة البحر الابيض عن راس بيروت وهي تقدم اطلالتها لشاعرة العراق لميعة عباس عمارة و دون ان تغفل لبنان اديبها الراحل محمد عيتاني،فلم يغيب الفراتيين زرقته عن شاعرة العراق مهما طواها المهجر وهي في ثمانينيات عمرها....فمازلت البلاد كلها تنتظر لحظة الولادة ، لتمنح شاعرته وسام رافديها قبل ان ياخذنا الظلام الى اخاديده الداكنة !!
انتهى
بغداد في 23 تموز 2013



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع !
- جيفارا والعراق
- موعد مع الإمبريالية
- مأدبة الغداء العاري..!
- مختبر الحرية
- عمار الشابندر ... رجل السلام


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - اشياء لا تموت!