مجدى خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1488 - 2006 / 3 / 13 - 10:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عرف عن الزعيم الخالد سعد زغلول عندما كان محاميا إنه كان يرفض الترافع في قضية لا يثق في عدالتها وحق صاحبها. ورغم أن حق الدفاع عن المتهم مكفول حتى ولو ارتكب أعتي الجرائم إلا نه كمحامي ذو ضمير إنساني متوقد كان يرفض الترافع في قضايا يعرف أن أصحابها يستحقون الإدانة وهذا حقه. شخصية بهذا الضمير اليقظ والوطنية الخالصة كان طبيعيا عندما دخل العمل السياسي أن لا يقبل ظلم فريق من المصريين لمجرد اختلافهم في الدين عن الأغلبية المسلمة. ولهذا لا توجد شخصية في التاريخ المصري الحديث عليها هذا الإجماع الوطني من المسلمين والأقباط مثل شخصية خالد الذكر الزعيم سعد باشا زغلول. في العصر الليبرالي الذي كان نجمه سعد زغلول تبوأ الأقباط أرفع المناصب واحتلوا مساحة عريضة من النشاط السياسي والاقتصادي تفوق نسبتهم العددية بكثير، وذلك لأن معيار الوطنية والكفاءة والأمانة هي المعايير التي سادت وآمن بها سعد باشا زغلول، ولم يتح سعد زغلول هذه المساحة من المشاركة للأقباط فحسب وإنما كان سعيدا بذلك، لأن هؤلاء الذين دفعوا دماءهم في مواجهة الاحتلال ، والاستعمار الإنجليزي الذي نفاهم معه كما قال سعد باشا لم يراعي نسبتهم العددية فلماذا لا نتيح لهم الفرص المتكافئة كمصريين حتى ولو احتلوا من المناصب ما يفوق نسبتهم العددية، تراجع هذا المناخ، الذي كان استثناء في التاريخ المصري منذ غزو العرب لمصر، وبعد حوالي ثلاثة عقود عاد مرة أخرى التمييز الديني بقدوم العسكر واستفحل في عهد السادات ومبارك.
تذكرت سعد باشا وأنا أطلع الأسبوع الماضي على رسالة وصلتني بالبريد الإلكتروني عن أستاذ مرموق وفاضل هو د.سالم أحمد سالم أستاذ طب الأطفال بكلية طب المنيا، والذي رفض ضميره الوطني والأخلاقي والإنساني أن يقبل ظلما بينا وقع على تلميذته ميرا ماهر رؤوف فقدم استقالته محتجا على هذا الظلم الصارخ .وقد دخل الأستاذ الفاضل التاريخ بالفعل، لأنه قدم هذه الأستقالة المسببة في فترة عصيبة من تاريخ مصر يتعرض فيها الأقباط لكل أنواع الظلم والاستباحة – أنها صرخة موجهة إلى كل صاحب ضمير في مصر أن يحذو حذو هذا الرجل الشجاع ولأهمية الاستقالة وتاريخيتها أعرض نصها هنا
استقالة لإهدار حق المواطنة بسبب الدين
د.سالم أحمد سلام أستاذ طب الأطفال بطب المنيا
السيد الأستاذ الدكتور/ رئيس جامعة المنيا
السيد الأستاذ الدكتور/ عميد كلية الطب جامعة المنيا
تحية طيبة وبعد
أرجو قبول استقالتى من رئاسة قسم طب الأطفال احتجاجا على الممارسات المعادية لحقوق المواطنة وعلى الظلم الذى مورس أثناء امتحان الجزء الثانى من ماجستير طب الأطفال دور نوفمبر 2005 ضد الباحثة ميرا ماهر
رءوف الطبيب المقيم الأقدم بالقسم من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس بسبب ديانتها، والذى كان يهدف إلى إعاقة تعيينها المستحق فى وظيفة مدرس مساعد بالقسم، وأيضا احتجاجا على تقاعس إدارة الكلية والجامعة فى معالجة هذا الأمر الخطير رغم الظلم الواضح لذى يمكن إثباته الذى مورس ضد الباحثة والذى حاولت تنبيه المسئولين له ولكن قوبلت بإجابة وحيدة متكررة تحمل الرغبة فى الابتعاد عن هذا الموضوع الشائك.. أو بالهجوم الظالم على من خلال اتهامى بخلق موضوع فاشل.. رغم أن الذى يخلق أى موضوع هو من يبدأه فعليا وليس من يحاول التماس المساعدة فى حله بهدوء.
أطالب بالتحفظ على أوراق إجابة الامتحان التحريرى للجزء الثانى من ماجستير طب الأطفال دور نوفمبر 2005 وبكافة كشوف الامتحان الشفهى والاكلينيكى (العملى) مع اعتبار استقالتى هذه مسببة تستوجب التحقيق.
إن التأكيد على حقوق المواطنة هى قيمة كبيرة ومدخل ضرورى للعمل من أجل تحقيق نهضة شاملة للمجتمع المصرى فى كل المجالات السياسية والمدنية والاقتصادية والعلمية والثقافية، فلا مواطنة بدون إتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع فى الحصول على كافة حقوقهم دون أدنى تمييز على أساس معايير
تحكمية مثل اختلاف الدين.
والله والوطن من وراء القصد،
د.سالم أحمد سلام
أستاذ طب الأطفال بطب المنيا
وعندما وصلتني الرسالة انتظرت التعليق عليها حتى أعرف القصة أو على الأقل أتحقق من هوية الأستاذ، وأتأكد من صحتها حتى نشرت صحيفة "إيلاف" بتاريخ 6/3/2006 أن الأستاذ الفاضل د. سالم هو منسق الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" بالمنيا، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات في جامعة المنيا، وسبق اعتقاله عدة ساعات أثناء مظاهرات كفاية، كما أحيل لللتحقيق بعد بلاغ امني ضده وضد أساتذة آخرين كما ذكرت ايلاف من قيادات جامعية في المنيا. رجل بهذه المواصفات والوطنية والشجاعة لا يمكن أن يقبل ضميره الوطني هذا الظلم وهذا الانحدار التي وصلت إليه مصر لدرجة أن وصول قبطي لمنصب كبير في جامعة أصبح من المستحيلات، والمعاناة التي يمر بها القبطي حتى يصبح أستاذا تفوق بمراحل معاناة الدراسة والبحث، وتخسر مصر الآلاف من أبناءها المتفوقين نتيجة الفساد والمحسوبية من ناحية ونتيجة للظلم الواقع على الأقباط من ناحية أخرى.
ولعل ما فعله د. سالم يعرج بنا على حركة كفاية وخطابها المتوازن فيما يتعلق بحقوق المواطنة .وقد أطلعت على برنامج المؤتمر الذي عقدته بنقابة المحامين في الفترة 3-4 يناير الماضي تحت عنوان "دولة لكل المصريين" وتحدث فيها كوكبة من الشخصيات المصرية مثل عبد الجليل مصطفي، محمد السيد سعيد، ورؤوف عباس، وعبد الغفار شكر ، ووجيه شكري وآخرين وتناول المؤتمر كافة الجوانب المختلفة المتعلقة بانتهاك الحقوق الأساسية ومفهوم المواطنة والتحديات التي تواجهها على أرض مصر. تناولت المحاور الأخرى كافة الانتهاكات لحقوق المواطنة مثل، انتهاك حق الترشيح على خلفية الانتماء السياسي، ثم النوعي (ذكر وأنثي)، ثم الديني (مسلم ومسيحي) ، وهناك انتهاكات للحق في العمل، وفي الملكية ، وللحقوق والحريات المدنية والسياسية، والحق في تكوين الأحزاب بما في ذلك الحق في الحياة نفسها، بالإضافة إلى الإشكاليات المختلفة فيما يتعلق بمفهوم المواطنة مثل الإشكاليات التاريخية والمواطنة بين المدني والديني وبين الداخل والخارج. ولعل المواطنة بناء على كل هذه المحاور تعد المدخل الرئيسي للإصلاح والتغيير وكما يقول محمد السيد سعيد "المواطنة هى الحد الفاصل بين العصور الوسطى المظلمة والعصور الحديثة التى يبنى على أساسها مشروع نهضوى حقيقى، ولهذا فالمواطنة والعدالة والمساواة هى الأسس التى يمكن أن تنهض بمصر". وهذا المفهوم الشامل الذي تناولته الندوة من خلال نخبة من المتخصصين يعكس أن أزمة المواطن المصري سواء كان مسلما أو مسيحيا تتمثل في انتهاك حقوق المواطنة بمفهومها الشامل، ولكن بالطبع يقع العبء الأكبر على الأقباط بانتهاكات إضافية تصل إلى حد الاضطهاد الديني.
حركة كفاية وغيرها من منظمات المجتمع المدني في مصر تحتاج إلى جهد أكبر وتنسيق أوسع وحركة أسرع واتصالات دولية أكثر والبحث عن عناصر للقوة بخلاف المظاهرات والندوات حتى تستطيع أن تقدم نفسها كبديل للفاشيين المسيطرتين على مصر منذ عقود.
هل رأيتم عضوا في جماعة الأخوان المسلمين يقدم استقالته احتجاجا على ظلم وقع على قبطي؟ أو حتى مجرد أحتج على هذا الظلم؟ أو عند الحد الأدني لم يساعد في زيادة الظلم الواقع على الأقباط؟
هذا هو الفرق بين من يتحرك من أرضية وطنية ومن يتحرك من أرضية دينية.
تحية إجلال وتقدير للدكتور سالم أحمد سالم.
[email protected]
#مجدى_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟