أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - سينما الأصوات الصامتة في سوريا















المزيد.....

سينما الأصوات الصامتة في سوريا


بشار إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1485 - 2006 / 3 / 10 - 11:36
المحور: الادب والفن
    


لم يكن اختيار المخرج السوري الشاب ميار الرومي اسم «سينما صامتة»، عنواناً لفيلمه، اختياراً عابثاً، إذ يبدو تماماً أن المخرج يريد، منذ اللحظات الأولى لفيلمه، أن يهجو شيئاً ما في بلده، وسنجد أن الصوت سوف يعلو في الفيلم، على الرغم من صفة «الصمت» التي جعلها سمة للسينما، وربما السينمائيين السوريين.
الفيلم عنوانه «سينما صامتة»، ولكن حتى اللحظات الصامتة فيه، كانت قادرة على التعبير، بطريقتها الخاصة، ربما بسخرية مريرة، أو مفارقة فاضحة. والكاميرا هنا ليست بريئة من الدلالات التي تحاول الايحاء بها!.. والمخرج الذي يبدو في لحظة أنه يلعب بالكاميرا، لم يكن كذلك، وربما هذا ما يمكن أن يعيب الفيلم في النهاية، إذ أن القصدية الهجائية تبدو مسبقة، والفيلم، أو المخرج، لا يتركان المشاهد يصل إلى ما يريدان قوله نتاج عملية مشاهدة الفيلم، وحدها، بل ثمة محاولة لتشريبها للمشاهد بالملعقة!..
أصلاً، هذا الفيلم هو لصالح المعهد الذي لا زال ميار الرومي (لحظة تصوير الفيلم عام 2001)، يدرس فيه. لكن المثير أن الفيلم وجد طريقه للعرض على القنوات الفضائية العربية، وأصبح بمثابة بيان سينمائي، يتناقله المهتمون على أقراص، وأشرطة!..
صحيح أن الفيلم حافل بالمكاشفة الجرئية، لكنها لم تصل إلى ما فعله محمد سويد في فيلمه الجميل «عندما يأتي المساء»!.. هنا وهناك، ثمة حال من الدخول في القول الصريح، على إيقاع الانفلات الذي يؤمِّنه الشراب!..
يأخذنا محمد سويد في فيلمه، إلى الطقوس ذاتها، منذ «قلي قطعة السمك»، إلى «قلي لينين نفسه».. ونتداعى منهارين، كما الشاعر بعلبكي، أمام بطّة حمام إفرنجي، يتقيأ وفي السمع أهازبج الثورة التي انتهت إلى العبث.. بينما يتركنا ميار الرومي نستكشف ما جرى، دون أن نرى منه سوف الباقي في كأس رياض شيا، والإحمرار المتسرب إلى بياض العيون المنهكة..
يبني سويد الطاولة، ويعمّرها، ويعلو فوقها الكلام، الاعتراف والمكاشفة، والنقد الجريء.. فيما يهدم الرومي الطاولة، ويمسح عنها الآثار، حتى «جاط السلطة الفارغ»..
ولكن ما علاقة الثورة بالسينما؟.. سيبدو هذا السؤال نافلاً آن نتفق على أن السينما هي ثورة أصلاً، ليست فقط بالمعنى البصري، بل مع ذلك، قبله وبعده، على المستوى الاجتماعي والسياسي، الفكري والثقافي، والتعبير الجمالي..
من هنا كان الحضور للصوت المتذمّر، إن تحدث أو صمت (رياض شيا، أسامة محمد، بندر عبد الحميد)، وللصوت المتحوّل من حقل النقدي السينمائي إلى المعارضة السياسية (حكم البابا)، وللصوت اللاعن (عمر أميرلاي)..
ليس انتقاء عبثياً، هذا الذي قام به ميار الرومي، فهو السينمائي خارج الإطار الرسمي للسينما السورية (المؤسسة العامة للسينما)، يريد أن يهجو السينما الرسمية، عبر السينمائيين الرسميين أنفسهم.
من هنا كانت «سينما»، على الرغم من أن بندر عبد الحميد سيعلن عن عدم وجود سينما سورية، بل وجود أفلام سورية فقط، لا يزيد الجيد منها عن عدد أصابع اليدين، ويرى أن هذا الجيد من الأفلام، «فيه موزاييك إنساني، ومحلي، ووطني، وكوميدي، وتاريخي.. وحرية رأي، وكلام حلو.. وفن»..
ومن هنا ستكون «صامتة»، على الرغم من التبرّم العالي الذي سيبديه كل من رياض شيا وحكم البابا، ويتفقان في النهاية على أنهما «ما بدنا سينما، بدنا شوية كرامة»!.. على الرغم مما يثيره هذا الطلب من سخرية على ملامح حكم البابا نفسه..
يمارس أسامة محمد الكثير من التهذيب، والديبلوماسية، عندما يقول إن فيلمه «نجوم النهار»، الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما، ذاتها، ممنوع من العرض الجماهيري!.. المنع شفهي.. لا يوجد قرار مكتوب.. لكنه ينفذ عملياً.. والفيلم لا يعرض إلا في المهرجانات، أو العروض الثقافية، في الأمسيات، والندوات، في المراكز الثقافية، أو في البيوت!..
لن ينزعج عمر أميرلاي من هذه الحالة، ويقول إنه يسعى لأن يحقق فيلماً جيداً، حتى لو كان بالتحايل على الدولة!.. الاحتيال على الدولة، هذا ما يعلنه أميرلاي الذي يؤكد: «علاقتي مع الدولة بدأت صراعية، واستمرت صراعية.. أنا لا أحترم هكذا دولة.. ولا أقبضها.. ولا أعتبرها ممثّلة لقدرات هذا المجتمع، أو إمكانياته، ولا مواهبه.. ولا هي جديرة بما يمكن أن يقدّمه هذا البلد»..
الدولة التي تتحكم بكل مفاصل العملية الانتاجية السينمائية، والتي بدأ فيلم ميار الرومي الحديث عنها، منذ اللقطة الأولى، باستغراب رياض شيا من أنهم «في المؤسسة خايفين، وطلبوا من الرومي أن يشرح لهم كل لقطة يريد تصويرها، وكيف».. هي الدولة ذاتها التي «قرصها» عمر أميرلاي في أكثر من فيلم، وفاجأها!.. وهاهو يعترف قائلاً: «أنا ما في مرَّة صورت الشيء اللي قلته للدولة.. يمكن خداع الدولة.. خداع من أجل إنجاز الفيلم»..
هل هذا الاحتيال مشروع؟.. شخصياً، لا أعرف الاجابة على هكذا سؤال، إلا بسؤال آخر، ينبغي البحث في إجابته، والسؤال يقول: ما الذي يجعل السينمائي السوري يلجأ إلى الاحتيال؟..
يتحدَّث فيلم «سينما صامتة» عن احتيالات عمر أميرلاي الفنية، على الدولة، وسيقوم الفيلم ذاته، ومخرجه ميار الرومي، بما يشبه ذلك.. ويكرّر ذلك في أكثر من مشهد، ولقطة.. وإلا ما معنى أن يستبدل نقرة الكلاكيت، بصفقة كفين، وأن يصوّب كاميرته إلى تلك الموظفة السينمائية، المحجبة، والغارقة في أوراقها (الرسمية طبعاً)؟.. الموظفة لا تنتبه للكاميرا.. ولا يرفّ لها جفن.. حتى عندما حدث التصفيق.. إنها سادرة في أوراقها.. والكاميرا تتحرك يساراً وتتوقف عند صورة الرئيسين: حافظ، وبشار الأسد..
وما معنى أن يجعل المخرج، أحد العاملين في المؤسسة، يقف أمام الكاميرا، هكذا، صامتاً، يقاوم ابتسامة تكاد تتسرب إلى ملامح وجهه الخالية من أي معنى؟..
يتحدث المخرج رياض شيا عن تجربته في فيلم «اللجاة».. ويشرح كيف قطع نفسه عن مشاهدة السينما أربع سنوات، فيما أسماها «العزلة المعرفية»، والعيش في عالم خاص، ربما من أجل منع تسرب مؤثّرات.. وينتهي إلى التمييز بين «السينما» و«الفيلم»، معلناً أنه «يمكنك أن تعمل فيلم كل ثلاثة أشهر.. لكن عمل السينما شيء آخر».. فيأتي مشهد من فيلم «اللجاة»، حيث الأغنام تُقاد إلى الحظيرة، وتُكوى بالحديد، والنار..
فيلم «سينما صامتة»، وخلال مدته (25 دقيقة)، يحاول أن يتناول مشكلات السينما السورية، دفعة واحدة.. «في العالم يأتي المخرج إلى التصوير، وكل شيء جاهز.. أما في سوريا فالمخرج معنيّ بالعمل في الكثير من التفاصيل.. آخر ما يعمله المخرج هو عمله كمخرج.. يشتغل في التواقيع.. والموافقات.. يصل إلى اللحظة التي ينبغي بها العمل كمخرج وهو منهك تماماً».. يقول شيا..
«الفلاحون لا يأكلون بطاطا»!.. إذن السينمائيون لا يصنعون سينما، والجمهور لا يشاهدها.. و«المشكلة في المستودع».. يقول بندر.. والفيلم ينتقل إلى المستودع، حيث نرى صوراً من حفظ غير نظامي للأفلام.. الأفلام مكوّمة على الرفوف، وعلى الأرض.. في أكياس خيش.. ونرى صالة العرض البائسة..
حكم البابا، يتبرم من لعب الدولة على الزمن، ويربط بين ما يراه سياسة المؤسسة، وسياسة الدولة: «عش على أمل فيلم عشر سنوات.. وسوف تناله.. وبهذا تنتهي حياة المخرج بفيلم، أو اثنين، أو ثلاثة في أحسن الأحوال»..
بندر يسأل المخرج: «هل تريد العودة إلى هنا بعد الانتهاء من الدراسة»؟.. وإذ يجيب المخرج بنعم.. ينبهه بندر إلى أنه سوف يعاني.. وينبغي له أن يمتلك قدرة على التحمل.. قدرة خاصة.. ويختتم الفيلم قائلاً:«تحمَّل بدون تواطؤ.. تحمَّل المعاناة مع شيء من المرح، حتى لا تصاب بالجلطة.. وخلّي دائماً معك بنت لطيفة.. تخفف عنك الأعباء»..



#بشار_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جديد مجلة «الوردة»: وماذا لو فاق أبو زهدي؟..
- تعاونية عمان للأفلام.. سينما الشباب في الأردن
- الفلسطيني يحضر بموته.. رحيل المخرج مازن غطاس
- عدنان مدانات.. بحثاً عن السينما
- هموم شباب لبنان في صورته السينمائية
- أسئلة شباب السينما المصرية المستقلة
- ثلاث سنوات على حاجز سوردا
- السينما المستقلة في سوريا
- مشاهد من الاحتلال في غزة1973
- ألمودوفار في سينما الرغبات
- فلسطينيات بعيون إسرائيلية
- عطش.. الذات الفلسطينية.. في المرآة السينمائية
- فيلم (ارتجال) لرائد أنضوني.. ميوزيكال دافق من فلسطين إلى فرن ...
- هل تصلح الناقدة السينمائية ما أفسده المدير التلفزيوني؟..
- في «القارورة» لديانا الجيرودي.. «بضع حكايات» عن المرأة والحر ...
- قبلتان.. على اسم برهان علوية
- عن المخرج جان شمعون
- عبد الله المحيسن والسينما السعودية
- عن فيلم «الجنة الآن» للمخرج هاني أبو أسعد


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - سينما الأصوات الصامتة في سوريا