أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - عبد الله المحيسن والسينما السعودية















المزيد.....


عبد الله المحيسن والسينما السعودية


بشار إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1359 - 2005 / 10 / 26 - 12:13
المحور: الادب والفن
    


ربما يبدو لدى الكثيرين أنه من الصعب الربط فيما بين المملكة العربية السعودية، والسينما، حتى بات من المألوف أن تكتفي المصادر العربية، التي تحاول التأريخ للسينما في السعودية، الاكتفاء بالقول: «لا توجد دور للعرض السينمائي في المملكة العربية السعودية، ولكن هناك سوق كبير لشرائط الفيديو. وتُنتج في السعودية أفلامٌ تسجيلية، وأفلامٌ قصيرة، ولكن عددها محدود للغاية، ورغم وجود نشاط تمثيلي في المسرح والتلفزيون، إلا أن أول فيلم روائي سعودي لم يُنتج بعد».
وإذا ما شاءت هذه المصادر الاستطراد، سنقرأ أن «أول مخرج سينمائي سعودي هو عبد الله المحيسن، الذي درس في لندن عام 1974، وأسّس شركة في الرياض عام 1975، وأخرج ثلاثة أفلام تسجيلية: الأول عن مدينة الرياض بعنوان «تطوير الرياض» عام 1976، والثاني «اغتيال مدينة» عام 1977، والثالث «الإسلام جسر المستقبل» عام 1982».
وهذا الاقتضاب، في الحديث عن السينما السعودية، لا يستطيع أن يخفي الكثير من الحقائق، أو التناقضات، التي تنكشَّف في المسافة ما بين الدور والمساهمة السعودية، في مجال الإعلام العربي، المقروء والمسموع والمرئي، على الأقل في الصحافة والتلفزة، والتي وصلت إلى ذرى عالية، على المستوى الكمي والنوعي، على السواء، من جهة، والانكفاء عن المساهمة في مجال السينما، من جهة ثانية. اللهم سوى في كونها السوق الكبير الذي تتّجه إليه أنظار السينما المصرية، والأجنبية، خاصة عبر الفيديو المنزلي.
وعلى هذا، نعتقد جازمين، أن المملكة العربية السعودية، التي حقَّقت منذ مطالع السبعينيات، قفزات هائلة على مستوى التنمية المجتمعية، والتطوير والتحديث، في مجال الشباب والرياضة والصحة والتعليم، والنمو السريع في مجال الاقتصاد، والدور الكبير في مجال السياسة، والانفتاح على العالم أجمع، عبر المؤسسات الإعلامية التي تنتج كبريات الصحف العربية، وأبرز المحطات الفضائيات.. لم تجد ذاتها معنية كثيراً بمنح السينما الاهتمام المناسب، أو بذل الجهد في إطارها!.. على الأقل لاعتبارات اجتماعية خاصة.
عبد الله المحيسن.. مؤسس السينما السعودية، ورائدها..
الآن، وفي وقت تدور الكاميرا لتحقيق أول فيلم روائي طويل سعودي، يجري تصويره بعنوان «ظلال الصمت» للمخرج السعودي عبد الله المحيسن، كما يتم تداول الحديث عن قرب افتتاح أول دار عرض فيها، يمكن القول إن السينما السعودية، مازالت في المربع الأول، على الرغم من مرور نيف وثلاثين سنة، من عمر تجربة المحيسن، الذي تقول المعلومات الأكثر تفصيلاً، إنه من مواليد مكة المكرمة عام 1946، برز عشقه للفن في سن مبكرة، فدرس التصوير في «جلوستر كوليدج أوف آرت» عام 1969، وتابع دراسته في «الأكاديمية الملكية البريطانية للإنتاج» عام 1971. ودرس الإخراج والتصوير والسيناريو السينمائي في «لندن فيلم سكول» عام 1974.
وأنه فور الانتهاء من دراسته، أنشأ «الشركة العالمية للإنتاج السينمائي بالرياض»، ربما من أجل إنشاء استوديوهات حديثة، يمكن لها التأسيس لصناعة الفيلم السينمائي في المملكة. وكان أن أخرج عدة أفلام تسجيلية: (تطور الرياض 1976، اغتيال مدينة 1977، الإسلام جسر المستقبل 1982، الصدمة 1991)، كما أنجز مجموعة من أفلام الرسوم المتحركة، ومسلسلات تلفزيونية، منها مسلسل «الوعد الحق» عن قصة لطه حسين، وسهرات تلفزيونية منها «صديق من الرياض»، و«حتى لا يذبل الورد».
«اغتيال مدينة».. عن بيروت، التي تنام وفي عروقها نذير عاصفة
ربما يبدو من الطبيعي تماماً أن يمنح المخرج السينمائي عبد الله المحيسن أول أفلامه للحديث عن بلده، في صعوده نحو التحديث والتطوير، والتقدم لأخذ مكانته اللائقة، خاصة عند مطالع السبعينيات، فكان فيلمه «تطور مدينة الرياض» عام 1976، والذي نال جائزة «نفرتيتي الفضية» من مهرجان القاهرة الدولي للأفلام التسجيلية العام 1976.
ولكن ما ينبغي معرفته أن فيلمه الأهم، هو الفيلم الثاني الذي جاء بعنوان «اغتيال مدينة» عام 1977، والذي نراه اليوم بعد قرابة ثلاثين عاماً من إنتاجه، لنجد أنفسنا أمام نص بصري متماسك، لمخرج يعرف منذ البدء مفهوم الفيلم التسجيلي، وقدرته، وأهميته، في مجال خلق الوثيقة البصرية التي تقرأ الراهن وتفكك ملابساته، وتستشرف المستقبل، وتنشده..
يرصد المحيسن فيلمه «اغتيال مدينة» لمدينة بيروت، التي درس في إحدى مدارسها الداخلية، وهو في مقتبل العمر، فصارت بيروت جزءاً من تكوينه، من هويته الثقافية، ووجدانه، ذاك الذي يكشفه عمق التفجّع والتألّم لمصاب بيروت، وذاك الأمل الكبير في تمكّنها من الخلاص مما حاق بها، كما يكشفه مقدار الحب الذي صاغته الكلمات والصور والموسيقى، في فيلم مبدع ومؤثر..
«اغتيال مدينة»، الفيلم التسجيلي الوثائقي القصير (مدته 16 دقيقة)، هو أنشودة أمل لخلاص بيروت من المؤامرات التي تحيق بها، ونجاتها من براثن الدمار والقتل والتخريب، لتعود كما عرفها المخرج، مدينة الشمس والبحر، مدينة السلام والمحبة.. تماماً كما يبدو الفيلم مرثية لكل الخسارات الفادحة التي نزفتها بيروت، للناس الذين قتلوا، أو نالت منهم الجراح، أو روَّعتهم الحرب، للتاريخ الذي تكسّرت حجارته على عتبة الحرب، وللجغرافية التي تشوَّهت تفاصيلها، على إثر وقع خطوات القنابل المدمّرة.
دقيقتان من الرسوم المتحركة، يجعل منهما المخرج بمثابة مقدمة للفيلم. دقيقتان تحاولان تصوير الصراع العالمي، في مرحلة التقاطب الدولي الشديد، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال دلالات بسيطة، ومعبّرة، تبين رجلين، أحدهما: عاري الساقين، بسرواله القصير، والقامة الناحلة الطويلة، والقبعة المتطاولة إلى أعلى، وجراب المسدس المتدلّي على خاصرته. وثانيهما: قصير سمين، يرزح تحت المعطف الثقيل، ذي اللون الأحمر، والقبعة المستديرة..
بينهما تتموضع الكرة الأرضية، الأول يشير إلى السماء، ويقتطف قطعة من الكرة.. الثاني يشير إلى الأرض، ويقتطف قطعة أخرى.. هل هذا يعني أن الأول يعتبر نفسه مُنتدباً لـ «مهمة إلهية»، وأن الثاني جعل من نفسه الوكيل الحصري للدفاع عن «مصالح البروليتاريا»؟!.. أم تراه المخرج أراد القول إن كل منهما يتحجج بهذه، وتلك، من الادعاءات ليلهي الآخر بها، ولكنهما في النهاية متكاملان، فالأفكار والأهداف والمصالح، تتلاقى، وإن ظهرت على هيئة تنازع؟!..
من التنازع على الكرة الأرضية، ينتقل الرجلان للتعاون على شجرة الأرز. أحدهما يرفعها، ليزرع الآخر تحتها متفجّرة. وإذ يشعلان الحريق، يبتهجان، يتصافحان منتصرين!.. ويحصل الانفجار.. فينتقل المخرج من الرسوم المتحركة، إلى الصور المتحركة، كأنما هو ينتقل من عالم الافتراض، والتحليل، الذي أوحت به الرسوم المتحركة، إلى عالم الواقع، والمشاهدة، التي تقدمها الصور الحيّة.
يبدأ الفيلم، عملياً، بمشهد امرأة لبنانية، تنوح عند قبر عزيز عليها.. وفوراً يأتيها صوت تعليق، يحاول مخاطبتها بكل الأسى.. هذه المرأة المتشحة بالسواد، المنكوبة بفقد الأعزاء، لعلها هي بيروت ذاتها، أو نموذجها.. «بيروت التي تنام، وفي عروقها نذير عاصفة».. «بيروت الواقعة في المسافة ما بين الجرح والبحر».. وناس بيروت الأبرياء، الباحثين عن لحظة نور، ونقطة ماء..
«ماذا فعلت اليد باليد؟.. لماذا انغلق القلب على القلب؟.. أية لوحة رسمتِها يا أصابع الموت؟.. بيروت.. أي طائر مدّ مخالبه في القلب منك؟.. يا مواسم الحزن، لقد أطلْتِ على قلوبنا، واعتصرتِ الرحيق من شفاه أطفالنا.. هذه بيروت التي كانت.. هذه بيروت التي صارت.. يا قذائف الموت.. أي بريء ستوقعين عليه قصاصاً لا يستحقه؟»..
يترافق هذا التعليق، مع مشاهد وثائقية قاسية، عن بيروت الحرب، والدمار، والقتل، والميليشيات التي تعدّ نفسها لحروب العبث.. والمسيرات والمظاهرات الصاخبة.. ومشاهد من القتال العنيف في شوارع بيروت.. جثث وقتلى.. أطفال.. جرحى.. انتشالات من تحت الركام..
مرابض مدفعية ثقيلة، ترجّ الأرض.. والتعليق يدعو: «يا نار اخطئي هدفك»!.. وصور ومشاهد المهجرين والمشردين، تقول إن من نجا من القتل، وجد نفسه طي التهجير والتشريد من بيته، ومن مكانه، في مأساة إنسانية عظيمة، سوف تبقى ندبة على جبين الذاكرة، التي تنام على قلق!..
ينتقل الفيلم إلى «مؤتمر القمة السداسي» الذي انعقد في الرياض، لإطفاء النار المشتعلة في شجرة الأرز.. سنرى حضور الأمير فهد بن عبد العزيز، وندرك دوره المحوري في التوصل إلى عقد هذه القمة، ووقف إطلاق النار.. كما نرى مشاهد من المشاركة السعودية في «قوات الردع»!..
تتوقف تلك الجولة من الحرب، ونذهب إلى مشاهد هادئة.. عجائز يسيرون في شوارع بيروت الخالية.. دمار.. وتبدأ عملية إزاحة الركام، والشروع بالإعمار.. وتبدأ عودة الحياة إلى بيروت.. فقد «آن للأنواء المحمومة أن تنحسر عن جبين لبنان»!.. وأن تنجو بيروت من محاولة «اغتيال مدينة»..
يعمد المخرج المحيسن إلى توظيف كل ما يمكنه، من وسائل فنية، للخروج بفيلم تسجيلي وثائقي متميز، ففضلاً عن الصورة المنسوجة بمونتاج متناغم، والتعليق الذي يلامس حافة الشعر، رقّة وأسى، تلعب الموسيقى التصويرية التي صاغها الموسيقار عمار الشريعي، دوراً هاماً في خلق الأجواء النفسية المناسبة، من توتر وقلق، ووجع وتفجّع، وأمل واستبشار، بأن «لا حرب في لبنان بعد اليوم».. الأمل الرجاء..
«الإسلام.. جسر المستقبل»
حقق المخرج عبد المحيسن فيلمه الثالث «الإسلام.. جسر المستقبل» عام 1982، ونال بفضله الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة سنة 1982. وهو فيلم تسجيلي طويل (مدته 47 دقيقة)، يحاول أن يبني رؤية بانورامية شاملة للعالم الإسلامي، الأمر الذي يكاد يكون نادراً في مجمل التراث السينمائي التسجيلي العربي، على الأقل. ولعله أثقل كاهل الفيلم.
يختار المخرج البدء بفيلمه من مدينة القدس. وتنطلق اللحظات الأولى من التعليق، ليؤكد على أهمية بيت المقدس، في الإسلام، باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين. مقصد الإسراء، ومنطلق المعراج.. ويمضي لمتابعة تاريخ المدينة، ما بين تحريرها على يدي صلاح الدين الأيوبي، وسقوطها تحت سنابك الاحتلال الإسرائيلي، مبيناً الممارسات الاحتلالية ضد القدس.
ينتقل الفيلم إلى الدعوة التي وجهها الملك فيصل بن عبد العزيز، للامة الإسلامية لوحدة الصف، من أجل الدفاع عن كيانها، وصيانة مقدساتها، فكان في العام 1969، أن تم انعقاد أول مؤتمر إسلامي، في الرباط بمشاركة 25 دولة، وأصبحت فلسطين والقدس قضية الإسلام وقضية المسلمين، كما شهد عام 1971، ميلاد منظمة الوحدة الإسلامية..
يعود المخرج للتأكيد على قناعته بأن ثمة تواطؤ دولي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، للنيل من العالم الإسلامي، فنرى بريجينيف وكارتر، بالصورة الحية هذه المرة، وليس بالرسم المتحرك، كما سبق، يتبادلان المصافحات والقبلات..
وعلى الرغم من استخدام سلاح النفط، كسلاح مؤثّر وفعّال، للحدّ من تأييد الدول الكبرى لإسرائيل، عام 1974، إلا أن الأحداث التالية بينت أن الدول الكبرى لم تسع إلى تفهم العالم الإسلامي، بل أمعنت في سياساتها المضادة، فكان لبنان من الضحايا الأولى، على اعتبار أنه كان يمثل مركزاً للنشاط المالي والتجاري، ونموذجاً للتعايش السلمي.. كما ذهبت مصر في مسارب كامب ديفيد.. بمثابة مقدمات من أجل ضم الجولان 1981، غزو لبنان 1982، مدعومة بأحدث الأسلحة الأمريكية..
على الجانب الآخر، يذهب الفيلم إلى أفغانستان، حيث يتناول مسألة تدخل السوفييت 1979، الذي أدى كما يرى المخرج إلى «فرض حكم عميل».. والتعليق يقول: «إن التدخل الخارجي في أفغانستان وفي لبنان، يؤكد الحاجة إلى تضامن إسلامي يحقق السلام، ويبعد المنطقة عن الأحلاف والصراعات.. ذلك لأن الدول الكبرى، في الشرق والغرب، لا يهمها أن يسود السلام ربوع العالم الإسلامي، ولا تسمح له بأن يحلّ مشاكله بعيداً عن أحلافها وصراعاتها، فهي تؤمن بسياسة من ليس معنا فهو ضدنا»!.. وإذا كان لأحد أن يتحفَّظ على دقة أو عمق التحليل، الذي يقدمه المخرج، ورؤيته للوضع العالمي حينها، إلا أن أحداً لن ينكر أنه يسمع كلاماً يتكرر اليوم بعد أكثر من ربع قرن على لحظة إنتاج الفيلم.
ما بين مشاهد نادرة من الحرب في أفغانستان، حيث نرى قصف الطائرات السوفييتية لمواقع أفغانية، ومشاهد قوات الإنزال السريع الأمريكية، بدعوى حماية آبار النفط.. يأتي اجتماع العديد من زعماء وقادة العالم الإسلامي في العام 1981، في مكة المكرمة، عند الكعبة المشرفة، «للتضامن، لا لتشكيل حلف ضد أحد»!..
ويستعين الفيلم بشهادات عديدة من شخصيات بارزة من طراز الحبيب الشطي، وأحمد سيكوتوري، الرئيس الغيني، الذي يؤكد أن لإسلام يمثل فلسفة في الحياة، وكذلك هو حضارة تمكن الإنسان من تنمية كل قواه ليكون نافعاً في المجتمع وقادراً على التحكم في بيئته الطبيعية. وضياء الحق، وهو يتحدث عن الباكستان، باعتبارها دولة إسلامية، أنشئت بواسطة المسلمين.. والملك الحسن الثاني، الذي يرى أن البشرية كان في حاجة إلى الدعوة الإسلامية باعتبار إطار حياة ينظم شؤونها..
ومن مشرق العالم الإسلامي إلى مغربه، ومن الراهن إلى التاريخ، ينتقل الفيلم إلى الأندلس، والمساهمة في بناء الحضارة، بالحديث عن قرطبة واشبيلية وغرناطة.. وخدمة البشرية، في مجالات العمارة والزراعة والصناعة والتجارة.. ويرصد التحديات التي واجهتها الحضارة العربية الإسلامية، عبر تاريخها، منذ حروب الفرنجة، واحتلال القدس عام 1092، إلى جنكيز خان، وحفيده هولاكو، وسقوط بغداد.. ومن ثم حملة نابليون على مصر، إلى سايكس بيكو، ووعد بلفور، والممارسات الإجرامية الصهيونية التي كانت ذروتها مجازر صبرا وشاتيلا. (الفيلم إنتاج عام 1982).
يعود المخرج لتبيان دور المملكة العربية السعودية، في مجمل الأحداث، بدءاً من الموقف الشهير إزاء قرار التقسيم، حيث كانت السعودية الصوت المعبّر عن الرفض العربي والإسلامي لإقامة الكيان الصهيوني، على أرض فلسطين، وصولاً إلى مختلف المحطات التاريخية في العالم العربي والإسلامي..
وفي الختام، يوقد الفيلم شعلة الأمل، بإمكانية النهوض، فيستذكر النزعات الاستقلالية، والثورات التقدمية العربية، والمساهمات المميزة، كما في مؤتمر باندونغ 1955، وحركة عدم الانحياز 1961، مؤكداً على توفر الإمكانيات البشرية، والثروات الطبيعية، لخلق أمة إسلامية قوية. ويرى أن هذا ما تخشاه الدول الكبرى، وتسعى لإعاقته..
السيد كورت فالدهايم، أمين عام هيئة الأمم المتحدة السابق، يتحدث عن أهمية منظمة مؤتمر الدول الإسلامية، وشريط الصورة يبين التناسب المضطرد، ما بين سعي الدول الكبرى إلى تدجيج ذاتها بالسلاح المدمر، من جهة، وانتشار مساحات الفقر والمعاناة، من جهة أخرى.. وينتهي الفيلم إلى «أن العمل الجاد على تحقيق التضامن، والإصرار على استرداد الحقوق، والجنوح إلى السلم، هي المبادئ التي رسخها الإسلام. فالإسلام هو الجهاد في سبيل استرجاع الحقوق، ورد العدوان، وحفظ. الإسلام هو السلام القائم على العدل»!..
«الصدمة».. صدام في قلب اللهب!
لهيب يملأ الشاشة، تطلّ منه منحوتة رأسية لصدام حسين، الذي نسمع صوته، قبل أن نراه، في مؤتمر قمة بغداد، معلناً عن اتفاق كل المجتمعين في بغداد.. «إن الذي يضرب أي عربي بعد اليوم سنضربه كلنا، كل ضمن إمكانياته»!.. تليها فوراً مشاهد من غزو الكويت في الثاني من آب 1990.. دبابات، وحوّامات، ومجنزرات، ومدافع، في قلب العاصمة الكويتية.. ونسمع أحاديث مذهولة.. مصدومة.. مما حدث!..
يبدأ فيلم «الصدمة»، التسجيلي الوثائقي الطويل (36 دقيقة)، بالكشف «الصادم» عن مدى وعمق التناقض، بين القول والفعل، في حال «صدام» الذي نراه يقدم الوعود، ومن ثم ينكث بها، دون أدنى إحساس بالمسؤولية، أو الخجل..
وهذا الفيلم المنتج عام 1991، لعله أول فيلم سينمائي تسجيلي وثائقي عربي، يتناول الكارثة التي صنعها صدام حسين، عندما أشعل اللهيب في قلب المنطقة العربية، بارتكابه الحماقة المنقطعة النظير، يوم أصدر الأوامر لجيشه باحتلال الكويت، تحت حجة «عودة الفرع إلى الأصل»!..
القتل والتدمير.. الإعدامات في الشوارع.. نهب الأموال، والممتلكات العامة، والخاصة.. الحرائق المشتعلة في المباني العامة.. الرعب.. الترويع.. تفخيخ آبار النفط.. يملأ الشاشة، قبل أن يأتي صوت التعليق (يؤديه بشكل مؤثر، الفنان محمود ياسين)، قائلاً: «أصرخ مع كل الضحايا.. أوقظ ضميركم»!..
يبدأ الفيلم حكاية صدام، منذ البداية، أي منذ أن «كان لا شيء»!.. وفق ما يقوله أحد من التقاهم الفيلم، فقام العرب أنفسهم بصناعة هذه الظاهرة؛ «ظاهرة صدام» التي أمدوها بكل أسباب القوة، بدءاً من الاعتراف به، وصولاً إلى دعمه، وتمويله، فنرى صدام في لقاءات حفاوة مع الزعماء العرب، من السعودية، ومصر، والأردن، وفلسطين..
وإذ لم يكن صدام على أهل من الثقة، وفاقداً للمصداقية، تمرّ مشاهد «قمة جدة» التي دعت إليها المملكة العربية السعودية، لحلّ الخلاف العراقي الكويتي.. قبل أن تأتي كلمة الملك فهد بن عبد العزيز، يطلب قوات عربية شقيقة، ودولية صديقه.. وكلمة الرئيس المصري حسني مبارك، يبيّن كذب صدام عليه، بالقول إنه لم يحشد قواته على الحدود، وأنه لن يعتدي على الكويت.. وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مناورات عسكرية بعيدة عن الحدود الكويتية العراقية!.. ذلك قبل أن ينعقد مؤتمر القمة العربي الاستثنائي، الخاص بموضوع احتلال العراق للكويت، والذي تم فيه اتخاذ قرار بالإجماع..
احتلال الكويت، جعل الانقسام العربي واقعاً مجسداً.. ولهذا سنرى، على الرغم من الفواجع التي تتم في الكويت، أن ثمة مسيرات مؤيدة لصدام، تنطلق في بعض الشوارع العربية.. والتعليق يؤكد، في حفلة جلد ذات مؤلمة، قائلاً: «نحن نصنع الطاغوت»!..
صدام يقول: «من يحاول تجزئة أمن العرب لا يريد إلا إلحاق الأذى والضرر بهم».. ومع ذلك فمن الممكن القول إنه لم يشهد العرب فعلاً قاتلاً، كذاك الذي قام به ببرودة أعصاب.. جريمة بذاتها (ولذاتها)، كما هي جريمة في عالم عربي، كان يريد من ينتشله من مأزقه، ويدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني: «لهفي على شباب الانتفاضة»!.. وفي لحظة كان «يهود العالم من الشتات، وعلى ضريح أولى القبلتين، يرقصون ويغنون»، متدفقين من دول الاتحاد السوفييتي، المنهار..
«صدام» المفتون بالقوة التي تبرر القتل، يقيم الاستعراضات العسكرية الضخمة، مزهواً بادعاء الانتصار في حربه الظالمة على إيران، فيما جيل من الشباب العراقي كان يموت على جبهات الحرب العبثية.. «صدام» الموهوم بأن من قاتل ثماني سنوات، يستطيع أن يقاتل مثلها، بينما ستبين الأحداث أنه لن يستطيع القتال أبداً. ليس فقط لأن العراق أنهكته الحرب، أو بسبب القيادة الخرقاء التي ابتلي بها، بل لأن الكثيرين من العراقيين، في الجيش، أو خارجه، لم يقتنعوا أبداً بها..
كان العالم الجديد يتكوّن، حيث «يصبح الخبز بديلاً للإرادة، ويكون الصمت عربون نجاة».. والفيلم يرى أن خالد بن سلطان، ونورمان شوارزكوف، لم يجتمعا لشن حرب، وإنما لدفع الحرب، وحماية السلام..
وفي وقت تتالى مشاهد التحضيرات للحرب، من حيث تدريبات الجيش السعودي، والجيوش الأجنبية، ووصول الجيوش العربية.. لا تتوقف محاولات حقن الدم، والوصول إلى حل سلمي، حدد الملك فهد ركائزه بانسحاب العراق من الكويت، دون قيد أو شرط، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه.. وفي هذا السياق كانت كلمة الرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس المصري محمد حسني مبارك.. وذهب في غبار العبث، لقاء وزيري الخارجية العراقي طارق عزيز، والأمريكي جيمس بيكر، وحضور خافيير بيريز دي كويلار، الأمين العام للأمم المتحدة، وحضور المبعوث الروسي بريماكوف، إلى بغداد. ومن ثم لقاء غورباتشوف وطارق عزيز، في موسكو..
كل شيء كان يمضي نحو الكارثة، وصدام لا يأبه بما يجري حوله، لقد أوصله وهمه، وعناده، وطغيانه، إلى قلب اللهب، دون أن ينتبه. جورج بوش يعلن الإنذار الأخير.. والحرب تبدأ لنرى الجنود العراقيين فرحين بالأسر، الذي بات يعني لهم النجاة من حرب ليست حربهم، ومن موت محقق..
لم يكن من مجال للمرور إلى فرحة التحرير، تلك الفرحة الملبدة بغيوم الأحزان، إلا بالخوض عبر بحر الدم.. تناثر جثث الجنود.. صراخ، ونحيب، ولوعات.. دمار وحريق.. تلوث بيئي حاد.. النفط ومياه الخليج.. حطام بقايا الجيش العراقي.. صورة صدام، منتظراً.. حيث سيندلع اللهيب، مرة أخرى!..
في أفلامه كافة، يصنع المخرج عبد المحيسن رؤية سينمائية سعودية، تتكئ على موهبة أصيلة، صقلتها الدراسة الأكاديمية، وعزَّزها توفر الإمكانيات المادية المناسبة، التي تبدت من خلال التصوير في أنحاء مختلفة من العالم، واستثمار المزيد من الوثائق البصرية، وتوظيفها مترافقة مع التعليق، الذي يبدو سمة هامة، في سينما المحيسن، الذاهبة دوماً نحو تأكيد منظومة من المواقف الفكرية والسياسية، الهادفة إلى تأصيل السياسة السعودية، في القول والفعل، تجاه القضايا العربية، والإسلامية، على السواء. ولعله لن يبتعد عن ذلك في فيلمه القادم «ظلال الصمت»..



#بشار_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن فيلم «الجنة الآن» للمخرج هاني أبو أسعد


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - عبد الله المحيسن والسينما السعودية