أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين (ادوارد سعيد انموذجا)















المزيد.....



عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين (ادوارد سعيد انموذجا)


سلمان رشيد محمد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 5810 - 2018 / 3 / 9 - 13:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين (ادوارد سعيد انموذجا)
يبدو ان داخل كل واحد منا شخصا اخر لايعرفه ... (يونغ)
عقدة كيس الحاجة عقدة نفسية اجتماعية ذكرتها الكاتبة السورية وفاء سلطان - اشجع كاتبة عربية بعد المصرية نوال السعداوي – في مقال لها بعنوان (الضحية وعقدة كيس الحاجة) اكدت فيها ان هذه العقدة تصيب المثقفين والمتعلمين من اتباع الاقليات الدينية والمذهبية والاثنية كالمسيحيين والشيعة والكورد والعلويين واليهود والامازيغ والاقباط والدروز والايزيدية والصابئة والكورد الفيلية والتركمان الذين يعيشون ضمن محيط العالم الاسلامي (العربي السني) (بتصرف). وكيس الحاجة هو استعارة تاريخية من الكاتبة وفاء سلطان من عهد الامان (العهدة العمرية)الذي اعطاه الخليفة عمر بن الخطاب للمسيحيين في اورشليم او القدس (كانت تسمى ايليا) بعد الغزو العربي لبلاد الشام سنة 638 (15 هجرية) بشروط مذلة عديدة , اهمها ان يقوم المسيحي بحمل كيس فارغ معه من اجل ان يحمل حاجات او اغراض المسلميين مجانا في الاسواق وعند الحاجة (اي حمال عند الطلب) , وذكرت الكاتبة ان المسيحيين وغيرهم من ابناء الاقليات الاخرى عندهم احساس بالنقص والدونية امام الاغلبية السنية في العالم الاسلامي , بسبب الخوف المزمن والتبعية التاريخية والارتهان للسلطات الحاكمة عبر التاريخ ,مما شكل ذلك لهم عقدة نفسية واجتماعية خطيرة تجلت بصور عدة اهمها التملق والمديح والتبني المطلق لخطابات العرب المسلمين , والتماهي المطلق مع جميع المسارات الاجتماعية والمقولات السياسية والمطارحات الثقافية التي تنادي بها او تدعو لها , اي الرضوخ للمركزية السنية باجلى صورها واشدها تطرفا وتسلطا . وذكرت صراحة (تتشكل عقدة النقص في سنوات العمر الأولى، إذ يلاحظ الطفل الذي ينتمي إلى الأقلية المضطهدة بأنه يُعامل من قبل المجتمع بطريقة تختلف عن كيفية معاملة الطفل الذي ينتمي إلى الأكثرية، ويعجز عقله الغض أن يفسر سرّ ذلك التمييز وتلك المعاملة المهينة . مع الزمن تتشكل لديه قناعة بأن الخلل يعود لسبب فيه وليس في المجتمع نفسه ، إذ لا يعقل أن تكون الأكثرية على خطأ وهو على صح! لتسلبه تلك القناعة ثقته بنفسه وتولد لديه كرها لذاته وتزداد حدة مع الزمن , لتسيطر لاحقا على جميع سلوكياته . وشاعت الماركسية اكثر مما شاعت ين صفوف الاقليات المسيحية والعلوية والكردية نظرا لحجم المعاناة التي عاشتها تلك الاقليات , شاعت بين صفوفهم لانها حملت لهم احلاما وردية , واملا ان يجدوا لديها مهربا من الاضطهاد الديني والطائفي والعرقي الذي تعرضوا له , وشاعت بينهم ايضا عقدة النقص اذ كانوا ولايزالون يعانون من تلك العقدة ومن اثارها المدمرة , ليس هذا فحسب , بل الاضطهاد في احيان اخرى يولد اضطرابا نفسيا اخر تشعر من خلاله الضحية انها ملزمة بالدفاع عن الجاني حتى الاستماتة , ويطلق على هذا الاضطراب النفسي اسم عقدة ستوكهولم) . وبعد ذلك عممت الكاتبة وفاء السلطان هذا المنهج – كما قلنا - على ابناء الاقليات الاخرى التي تعيش في العالم العربي اليوم واهمهم الشيعة والمسيحيين والعلويين والدروز وغيرهم , وذكرت انهم مصابين بعقدة (كيس الحاجة) في التبني المفرط لمقولات واراء الاغلبية العربية الاسلامية السنية وعدم التجاوز عليها بالنقد والتقويم او التحليل لخطابها ومتبنياتها . واكدت ان سبب تقدم اليهود وتطورهم الاقتصادي والسياسي والعسكري هو تحررهم من هذه العقدة ومن المركزية العربية والاسلامية . والمفارقة ان ابناء هذه الاقليات المضطهدة قد وجدوا في اطروحة التسامي عن الطائفية منفذا او مبررا نفسيا في عدم انتقاد تلك الاغلبية والخوف منها , وحجة جاهزة في الركون الى تلك العقدة والاستسلام لها . وقد قارب موضوعة التحليل النفسي للانتلجنسيا العربية (النخبة المثقفة) المفكر السوري جورج طرابيشي واطلق على عقدة المثقفين العرب امام الاب الميت تسمية الخصاء (اي اعتبرهم مخصيين بهذه الصورة) . وهذا التملق من قبل اتباع الاقليات المذهبية والدينية والاثنية للاغلبية العربية الاسلامية والخوف من انتقادها وتقويمها من الاتهام بالطائفية والشعوبية والعمالة , انما هو السبب الاساس لتراجع مفاهيم التنوير والعقلانية في هذا العالم العربي والاسلامي , باعتبار انه يمثل السبب الاساس الذي جعل اهل السنة يعيشون وهم التفوق والاستعلاء وتضخم الذات والنرجسية باعلى صورها , الامر الذي ساهم بتراكم السلبيات وترسيخ التوهيمات وتورم العصبويات التي يعيشونها منذ اكثر الف عام .
وسبق ان ذكرنا في مقالات عدة ظاهرة الخصاء وعقدة كيس الحاجة عند الانتلجنسيا الشيعية في العراق , واسبابها وتمظهراتها وتجلياتها ورسوخها على ارض الواقع في مقالات عديدة في موقع (الحوار المتمدن) , واكدنا خطورة استفحالها وتمددها حتى اصبحت تشكل مايقارب ثلاث ارباع توجهات المثقفين والمتعلمين الشيعة , ونجدها بصورة ظاهرة جدا في توجهات واراء القوميين والشيوعيين (وخاصة السابقين منهم ) , وبصورة اقل عند الاسلاميين , وتكاد تنعدم كليا عند الليبراليين الحقيقيين . الا انه وبعد معركة الموصل وتحريرها من تنظيم داعش السني الارهابي عام 2017 من قبل القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي , ظهر لنا جليا ان المسيحيين العراقيين يقاربون الشيعة في الاصابة بعقدة كيس الحاجة او (متلازمة ستوكهولم) , فبالرغم ان المسلمين العرب من اهل السنة ينظرون اليهم باستعلاء واحتقار لافت , ويعتبرونهم نصارى ومنحلين وانجاس او احدى طوابير الغرب وعملائه , ورغم الاعمال المشينة التي قام بها ضدهم الارهابيين السنة من القتل والخطف والسبي والاغتصاب وغيرها , ورغم ايضا قيام اغلب جيرانهم من المسلمين بسرقة بيوتهم والتجاوز على كنائسهم واديرتهم اثناء هروبهم ونزوحهم من مدنهم في الموصل وغيرها من المناطق , الا انهم يتوددون اليهم ويبررون افعالهم ويتبنون خطابهم , بل اصبح عدو اهل السنة هو عدوهم اتوماتيكيا مثل ايران او الحكومات العراقية بعد 2003 , واما الحشد الشعبي الشيعي الذي حرر مدنهم واعادهم لبيوتهم وارجع ممتلكاتهم فقد اضحى اعدى اعدائهم , واخذوا يطلقون عليهم تسمية الميليشيات نزولا لتوجهات المركزية الاسلامية السنية وسطوتها , وكل ذلك من اجل حيازة المقبولية والاعتراف من تلك المركزية اولا , واثباتا لوطنيتهم ومدنيتهم وتحضرهم امام اشد الناس احتقارا لهم ثانيا , واحساسهم بالنقص والدونية والضعة امام السنة العرب ثالثا . ولاحاجة لذكر اسماء اولئك المخصيين وتوجهاتهم واراءهم بهذا الشان فهى موجودة وبكثرة في المواقع والمقالات والدراسات التي ينشرها الكتاب المسيحيون وخاصة في موقع (عينكاوة) مثلا , واما الاراء والتعليقات التي تطرح في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيرها فحدث ولاحرج , (ويستثني من ذلك طبعا الكاتب المعروف الاستاذ طلعت ميشو) , وكلها تريد ان تقول ضمنيا (اشهدوا لي عند الامير) , وبالطبع نعرف جيدا من هو الامير الذي يتزلف له المثقفين والمتعلمين المسيحيين ومن قبلهم الشيعة المخصيين , فضلا عن الكورد والفيليين والتركمان والصابئة واليهود العراقيين والايزيديين وغيرهم .
وقد يعترض احدهم على هذا التصنيف بالقول : ان ماذكرته حول عقدة كيس الحاجة عند هؤلاء المثقفين الشيعة والمسيحيين والكورد غير صحيح , لان هؤلاء المثقفين سبق ان اعلنوا تساميهم عن هذه الهويات المذهبية والدينية والاثنية الى فضاء القيم الكونية والاشتراكية والقومية والوطنية والتوجهات العلمانية والعصرية الاخرى, وهم سبقوا ان بينوا انهم ليسوا شيعة او مسيحيين او كورد او اي هوية تقليدية او بدائية اخرى . في الواقع ان هذا الاعتراض من قبل هؤلاء المثقفين هو اعتراضا عقلانيا وموضوعيا , لان من طبيعة الانتلجنسيا التسامي عن المنظورات البدائية والتقليدية الى فضاء القيم الكونية والحداثوية , ولكن هذا النسق السائد في الغرب وغيرها من دول العالم المتقدمة والمترفعة عن البنى البدائية والمتخلفة , لاينطبق كليا على الدول الطائفية والعصابية والدينية , ليس لانها لبست قناع الثورية واليسارية والوطنية والمدنية كذبا وزورا وخداعا فحسب, بل لان البنى التقليدية استمرت هى من تتحكم بالقرار والسيادة من خلف الستار , وبالتالي فان هذا التسامي لايشمل بالمطلق الانتلجنسيا العربية والاسلامية التي ترجع في اصولها الاجتماعية الى احدى الاقليات الاثنية والمذهبية والدينية , لسبب بسيط وهو : انهم لم يعيشوا اجواء الحرية والمدنية والعلمانية والليبرالية الحقيقية , التي تتجاوز تلك الهويات البدائية والمتخلفة , بل عاشوا ضمن بيئات ومجتمعات طائفية وعنصرية تنظر اليهم بعين الشك والريبة والتخوين , وتطلق عليهم جميع مفردات التكفير والانحلال والاباحية والعجمة وغيرها . فمن الطبيعي بالتالي ان تخرج لنا جيلا موتورا او مازوما يحمل عقدا نفسية واجتماعية لاشعورية , تطفح على السطح من خلال اراءه وطروحاته ومقولاته السياسية والثقافية التي يحاول فيها ان يرضي هذا السيد الوهمي في ضميره المدجن , الذي يطالبه في كل الاوقات تقديم فروض الطاعة والولاء لسيادته , من خلال ليس تبني اراءه ومطارحاته الفكرية والايديولوجية فحسب , بل والمزايدة عليها وترسيخها وتاصيلها , لذا فليس من المستغرب ان تجد المثقفين من اتباع الاقليات هم (ملكيون اكثر من الملك) في تبني خطاب المركزية السنية والرضوخ لمنطلقاتها السياسية وفي جميع المطارحات والمواقف حتى قد يصل التطابق والتماثل الى مايقارب المائة بالمائة , وهو امر نادر الحدوث في عالم الفكر والسياسة الذي يستند الى مفاهيم النسبية والتاويل والتعددية الثقافية , الا اللهم كان ضمن مسار التبعية والاذعان والخضوع المطلق . لذا فان من سوء حظ هؤلاء المثقفين انهم وقعوا تحت نوعين من الاستهداف :
الاول : المتخيل الاجتماعي للمركزية السنية التي تنظر بعين الريبة والاحتقار للاقليات المذهبية والدينية والاثنية التي تعيش ضمن محيطها الجغرافي والسياسي , والذي انساب اليهم من التراث العربي والاسلامي ابان دول الاستبداد الاموية والعباسية والعثمانية .
الثاني : الاستهداف الحكومي الذي قامت به الحكومات القومية والثورية بعد الحرب العالمية الثانية للاقليات الذين تبنى اغلبهم المنطلقات الاشتراكية والليبرالية والقومية المعارضة لتلك الحكومات الاستبدادية , فوضعتهم بالتالي في خانة العمالة والتبعية والتخوين .
فكان بالتالي استهدافا مزدوجا وفاعلا وعلى جميع الاصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية الاخرى , ومن الطبيعي ان يكون له تداعيات وترسبات نفسية لاشعورية على المثقفين والمتعلمين من تلك الاقليات الاثنية والمذهبية والدينية تظهر من خلال اليات دفاعية وصور متباينة بين مثقف او اخر , (واللاشعور يتكلم اكثر من لهجة كما بين فرويد) او بين فئة او اخرى بحسب الاستعداد النفسي والفروق الفردية والاجتماعية اهمها :
1 . التمرد عليها ومواجهتها وتعريتها ثقافيا ونفسيا واجتماعيا من خلال الكتابات الفكرية الرصينة والمواقف السياسية التحررية , كما تجلى ذلك في كتابات علي الوردي وادونيس وجورج طرابيشي ومحمد اركون ووفاء سلطان وعبد الخالق حسين وغيرهم (وذكرنا تفاصيل ذلك في مقالنا السابق - المركزية السنية والاقليات في العالم العربي) . وطبعا هذا الامر يتطلب ليس ارادة قوية وشجاعة نادرة وشخصية متميزة وفاعلة في التجاوز على الاب الميت (ولاينال الانسان حريته الا عندما يقتل اباه - كما اثبت ذلك فرويد) , وانما المعرفة التامه بهذه المركزية وسطوتها وتاثيرها على تلك الاقليات والخطابات التي تفرضها واليات الضبط والتدجين والخصاء التي تمارسها , وخبرة اركيولوجية ونفسية بهذه الاقليات وحالاتها وعقدها والمسارات التي فرضت عليها , وبما ان هذه الشروط الصعبة والمعقدة قلما تتوفرعند عامة المثقفين والمتعلمين , ناهيك عن العامة , فان التمرد على هذه المركزية المتكبرة والمتسلطة ومواجهتها وتعريتها وتفكيكها ونقدها نجده امرا نادرا وخطابا شحيحا , وسبق ان اكد فرويد ذلك بقوله (ليس كل الابناء عندهم الرغبة بقتل الاب) .
2 . الكبت : وهى عملية نفسية لاشعورية تتم في نطاق اللاشعور تحول دون خروج الرغبات المؤلمة او المحرمة الى مجال الشعور . وهذا الموقف للاسف اتخذه الكثير من اولئك المثقفين والمتعلمين الشيعة والمسيحيين والكورد لمواجهة المركزية العربية الاسلامية السنية التي قمعتهم واقصتهم واذلتهم من خلال الية كبت تلك الممارسات الاقصائية والافاعيل التخوينية والعبارات المسيئة والمفردات المشينة , وتجد ابلغ دليل على كبتهم لتلك الممارسات والمفردات والاهانات هو التوتر والانفعال والغضب عند طرح هذه الاشكالية عليهم او مناقشتها او حتى مجرد الرغبة بطرحها على بساط البحث .
3 . التسامي : وهى عملية تحويل الطاقة النفسية السلبية الى مسار اخر مقبول اجتماعيا وثقافيا . وهو احد الاليات التي اعتمدتها الانتلجنسيا المخصية في العالم العربي وهو التسامي عن الاشكالات الطائفية والاستهدافات الاثنية والدينية من قبل المركزية السنية لهم من خلال التسامي عنها الى فضاء المنظورات الكونية والاشكالات العصرية والمذاهب الفلسفية والادبية كالماركسية والوجودية والبنيوية والتفكيكية وغيرها , لمعرفتهم بعدم رغبة الوسط الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي تتحكم به تلك المركزية المتسلطة بطرح تلك الاشكالات ومناقشتها او تحليلها وتعريتها .
4 . النكوص : وهى الية تقوم بمقتضاها الذات بعملية الارتداد او العودة النفسية الى مرحلة نمو سابقة . وهذه الالية اعتمدتها الانتلجنسيا المخصية ايضا في عدم مواجهة المركزية السنية او نقدها ودراستها , وتبلور ذلك بصورة واضحة بالعودة والردة الى تبني المنطلقات الاسلامية والدينية , او الهروب الى نحو النضالات القديمة واستعارتها والوقوف عندها , كما نجد ذلك ظاهرا في اجترار الشيوعيين مواقفهم القديمة ضد نوري السعيد ومعاهدة برتوسموث وغيرها , وكل عملية نكوص او هروب نحو الماضي تاخذ سياقها وسطوتها من احباطات الحاضر .
5 . التعويض : عملية نفسية تقوم بها الذات بقصد التغلب على الشعور بالقلق والضعف والدونية من خلال التفوق في ميدان اخر . وهى من اهم الاليات التي اعتمدتها الانتلجنسيا الشيعية والمسيحية والكوردية لمواجهة الاحساس بالدونية والحقارة والعجز امام المركزية السنية , من خلال التعويض والتفوق في مسارات اخرى , كان تكون فكرية صرفة او تنظيرات ايديولوجية او فلسفية تجريدية , او الانغماس بالشان الادبي كالشعر والرواية والقصة والنقد الادبي , وهذا النمط الاخير نجده سائدا بافراط في الوسط الثقافي العراقي بصورة , ليست كبيرة جدا , بل ومريبة لانستطيع تفسيرها الا الرغبة بالتعويض والهروب من تلك الاشكالات المستعصية الى فضاء الشعر والرواية والقصة والمسرح , فليس من المصادفة ان نجد العراق الدولة العربية الاولى في هذه المسارات الادبية (كما ونوعا) وفي مجال الحصول على الجوائز الابداعية العربية . وقديما قال ماركس (ان الشعوب لاتطرح على نفسها الا المشاكل التي تستطيع حلها) .
6 . التقمص : وهى الية دفاعية لاشعورية يقوم بمقتضاها الفرد بالميل الى الاندماج بشخصية غيره او تقليدها , لانها توفر له حاجة معينة لم يستطع اشباعها سابقا في احدى مراحل حياته . وهو مانجده بوضوح عند الانتلجنسيا المخصية وتماهيها مع الشخصيات البطولية او الفلسفية وتقمص شخصياتها وافكارها من اجل تعويض حالة الاستلاب الذي تعيشه بسبب تهميش المركزية السنية لهم , لذا تجد هذا ظاهرا في التماهي مع ماركس او سارتر وكامو او ماركوز او جيفارا وغيرهم .
7 . التبرير : وهى احدى اهم اليات الدفاع اللاشعورية التي يقوم بها الانسان العصابي من خلال اتهام الاخرين بالسلوك الخاطىء بدل توجيهه نحو المسبب الحقيقي . وهى من اهم الوسائل الدفاعية التي قامت بها الانتلجنسيا الشيعية والمسيحية والكوردية المخصية من اجل التخفيف من الم الضمير والشعور بالاثم وضغط المجتمع , والتخلص من الاتهام بالانهزامية والرضوخ لسطوة المركزية السنية من خلال الية نقل المعركة الى مسار اخر , وتبرير فعل تلك المركزية باقصاء الاقليات من خلال اتهام الاقليات نفسها بالعمالة والتبعية والتخلف.
وقد وجهت سؤال الى استاذ النقد الثقافي بكلية الاداب - جامعة ذي قار ومؤلف كتاب (الاساطير المؤسسة للعقل الثقافي العراقي- دراسة في جينالوجيا الثقافة العراقية) الدكتور ناجي الركابي حول صحة ادعاء العلمانيون (الشيوعيون والقوميون) الذين يرجعون باصولهم الاجتماعية الى احدى الاقليات مثل الشيعة والمسيحيين والكورد بالتخلص من تلك الهويات الفرعية والبدائية وتساميهم عن المنطلقات المذهبية والدينية فاجاب (لايستطيع انسان ان يتحرر من الخميرة الثقافية التي رافقت تشكيل وعيه , تلك الخميرة - وان تندثر واقعا - لكنها تظل فعالة في اعماق لاشعوره وتتحكم بمجمل الخيارات التي يتخذها . فالماركسي يتحدث عن شعوره الطائفي الذي تخلص منه , بينما نحن نتحدث عن الخميرة المؤسسة التي تتشظى كمجموعة من الشفرات المؤثرة التي تتخذ اشكالا شتى للتاثير , لذا نجده يتخذ حالة العداء والتربص لذلك الشعور بعملية ثارية , واعتقد ان عملية الثار من تلك الذكرى تزداد مع ازدياد سطوة الخميرة الثقافية على وعيه , وكانه يريد محوها او التقليل من شانها) . في الواقع ان العملية الثارية التي ذكرها الدكتور الركابي تتجلى بصورة ظاهرة عند الانتلجنسيا الشيعية المخصية , ولاتوجد عن المثقفين المسيحيين والكورد وباقي الاقليات الا ضمن نطاق محدود , ونرى تجلياتها العيانية في الهجوم على الهوية وتمظهراتها وتجلياتها المذهبية والدينية والاجتماعية والسياسية والاستهزاء والسخرية منها , بل وربما يتصاعد الامر الى تبني رؤية السلطة القومية والطائفية المعادية لها مذهبيا وسياسيا , من حيث الاتهام بالتخوين والاباحية والعجمة والشعوبية وغيرها , ولاحاجة الى تكرار ماذكرناه سابقا من ان خطاب السلطة بعد انقلاب 1963 قد سار بهذا الاتجاه من حيث الاستهداف المباشر للشيعة والهجوم عليهم , ومن ثم رضوخ المثقفين والمتعلمين الى هذا الخطاب والانقياد له .
وقد يذكر احدهم ان هذا الكلام اذا كان ينطبق على المسيحيين والكورد وباقي الاقليات فانه لايشمل الشيعة في العراق , لانهم في الاصل ليسوا اقلية في المجتمع , وانما يشكلون الاغلبية من جميع المقاييس (العددية والعربية والمذهبية) , وان الاحساس بالاقلية وتبعاتها اللاشعورية وعقدها النفسية لايشملهم . في الواقع ان من طرح هذا السؤال المشروع فاته شيئا مهما دخل على خط النسق الثقافي العراقي بعد انقلاب 1963 وهو معادلة التاثير السياسي والسلطوي الذي قامت به الدولة العراقية . فالشيعة قبل هذا التاريخ لم يكن عندهم ذلك الاحساس بالنقص والدونية امام الاخر, بل العكس هو الصحيح , فنحن مثلا عاصرنا اجدادنا وهم يفتخرون بانهم شيعة ويتهمون الاخرين بالخروج عن الاسلام الصحيح المتمثل عندهم باهل البيت وموالاتهم , فيما اختلفت النظرة عن الذات عند الجيل الذي يليه (الاباء والاعمام), حيث اصبحوا ينظرون لهويتهم الشيعية - ليس بازدراء وسخرية واستهزاء فحسب - بل ويرددون – دون وعي – مايذكرونه الاخرون عنهم من الاتهام بالخيانة للامة العربية المفترضة والمتخيلة والعمالة والتبعية والتخلف والفساد وغيرها, وهذا الخطاب لم ياتي من فراغ - طبعا - وانما جاء ضمن سياق تلقين حكومي واتهام سلطوي وايحاء رسمي منظم , ساهمت به الانتلجنسيا الشعية المخصية نفسها من خلال مؤسسات الدولة واهمها التربية والتعليم والجيش وغيرها . واذا كان هناك من يقول : هل تريدنا ان نعود الى الماضي الكئيب وتبني الهويات التقليدية والاعتزاز بها على غرار ماكان يفتخر به اجدادنا السابقين ؟ في الواقع لااحد اليوم ينادي بالعودة الى بعث الهويات التقليدية والبدائية في العالم العربي - رغم انها مازالت تتحكم بالكثير من الامور والتوجهات من خلف الستار - وان العالم اليوم وصل الى مرحلة التسامي حتى عن الهويات الوطنية والقومية الى الهويات الكونية والقيم الليبرالية العصرية , الا انه وبالرغم من ذلك اقول : ان من يتبنى الهوية التقليدية المذهبية والدينية والاثنية عن وعي وشعور واخلاص هو افضل من يتبنى تبعات هذه الهوية لاشعوريا , او يقع تحت تاثير السلبيات التي الصقت بها عن لاوعي , فالهويات التقليدية للاقليات في العالم العربي عانت من استهدافات واتهامات جعلت الكثير – او الاغلبية – من اتباعها يتاثرون بتلك الاتهامات الوافدة من المركزية السنية والحكومات القومية والعروبية , ويخضعون لتوجهاتها الثقافية لاشعوريا , وهو الامر الذي سيلقي عليهم تبعات سلبية وخطيرة , وعقدا نفسية واجتماعية موتورة , انعكست بصورة او باخرى في كتاباتهم وخطاباتهم من حيث المديح والتملق والدونية لتلك المركزية وتاصيل انماطها وافكارها وحتى مركزيتها , كما في عقدة كيس الحاجة التي ادرجناها سابقا وعقدة الخصاء والحنين للاب الميت وتنادر استكهولم وغيرها .
ويبدو ان ادوارد سعيد (الذي ولد في الاصل في مدينة القدس) كان من المسيحيين الذين وقعوا تحت تاثير (عقدة كيس الحاجة) من خلال التملق المطلق للمركزية العربية السنية في تبرير اعمال الديكتاتور السابق صدام حسين وانتقاده للمعارضين له - وعلى راسهم الكاتب العراقي المعروف كنعان مكية بعد اصدار كتابه (جمهورية الخوف) ووصفه ب(خنزير غينيا) لتهجمه على الحقبة البعثية في العراق . وتصاعد به الامر ان كتب سعيد في اذار 1991 اثناء عمليات قمع الانتفاضة الشعبية مقالا ذكر فيه (ان الزعم ان بان العراق قصف مواطنيه بالقنابل الكيمياوية تكرر غالبا , وهذا الزعم هو في افضل الاحوال غير اكيد . وهناك على الاقل تقرير حربي واحد صادر عن كلية الحرب الامريكية اعد حين كان العراق حليفا للولايات المتحدة , وهو يزعم ان ايران هى من قصف الاكراد في حلبجة بالاسلحة الكيمياوية) . وبالطبع ان هذا المقال لايحوي على التدليس وتبرئة النظام البعثي الديكتاتوري من قصف الكورد في مدينة حلبجة بالكيمياوي فحسب , بل في استناده على تقرير امريكي يعلم ادوارد سعيد جيدا انه يفتقر للمصداقية , بسبب الدعم الامريكي للنظام البعثي في العراق ابان الحرب مع ايران , وغض النظر عن اعمالة وتجاوزاته في مسارات حقوق الانسان وغيرها . (ويمكن الاطلاع على اراء ادوارد سعيد بهذا الشان في كتاب كنعان مكية (القسوة والصمت) وكتاب محمد غازي الاخرس (خريف المثقف في العراق)) .
ان السؤال الذي يطرح نفسه : مالذي يجعل مفكرا كبيرا واكاديميا متمرسا مثل ادوارد سعيد يبرر الفعل الاجرامي لديكتاتور صغير في الشرق الاوسط , يسيرعكس ارادة التاريخ ويمارس اسوء الاعمال واحطها , وهو يعلم جيدا واكثر من غيره - بحكم الموقع والوعي والثقافة – خطورة تلك الممارسات وانحلالها وسقوطها وفق جميع المستويات الانسانية والعقلية والقانونية ؟ فهل من المعقول ان تجد كاتبا مغمورا او منعزلا في اماكن نائية - وربما محجورا عليه جغرافيا وثقافيا - يعرف تلك الممارسات الديكتاتورية وخطورتها وتجاوزها على ابسط الشرائع الدولية , فيما يفتقر ادوارد سعيد - المفكر المابعد – حداثوي - الى الوعي بتلك الحالة , الظاهرة بافراط على السطح وبشكل لابس فيه او تاويل ؟ ان الجواب على ذلك هو : ان ادوارد سعيد يعلم علم اليقين بتلك الممارسات وخطورتها وسقوطها , ولكنه لايستطع الاعلان او التشهير بها وتعريتها خوفا من المركزية العربية السنية التي تقدس الزعيم الاوحد الذي قام بها وهو صدام حسين , وبالتالي فهو نزولا عند رغبة هذه المركزية وسطوتها وتمددها , والخوف من تاكيد تصوراتها عن الاقليات وعمالتها المفترضة عندها ,والخشية من استحضار المتخيل الشائع عنها واتهامها بالتبعية ومولاة الغرب والرضوخ لمتبنياته ومطارحاته السياسية والثقافية , فانه ياخذ بالقفز على افكاره ومواقفه واخلاقياته بصفته فردا من الانتلجنسيا , وراح يطرح التبريرات عن تلك المارسات الاستبدادية والاشكالات عن مدى صحتها او واقعيتها .
وكذا الامر في انتقاده لموضوعة الاستشراق التقليدية التي يعتبرها اغلبية العرب نوعا من المؤامرة الثقافية والسياسية ضد العرب والمسلمين , فقد عمل ادوارد سعيد على ترسيخ الصورة النمطية والمتخيل الشرقي ضد الاستشراق (من خلال تغذية سياسات شعبوية متجذرة بعمق في عدائها للغرب) – حسب وصف كنعان مكية - حتى انتقده المفكر الكبير الراحل محمد اركون بهذا الشان قائلا (انه غير جدير بالكتابة عن الاستشراق لانه في الاخير فلسطيني !!) .
ان ادوارد سعيد ومحمد اركون ومحمد عابد الجابري هم اول ثلاثة مفكرين من العرب استخدموا منهج ميشيل فوكو في تحليل الخطاب والسلطة والابستمولوجيا ودور المعرفة في تشكيل الحقيقة , وهى اخر المناهج الحديثة لما بعد البنيوية ومابعد الحداثة التي ظهرت في اوربا في الستينيات من القرن العشرين الماضي , وشكلت انعطافة هائلة ومفصلية في تحديد التوجهات الفكرية والمعرفية وتفكيك السرديات الكبرى والمقولات الرئيسية التي شكلت العقل الغربي , الا ان ادوارد سعيد ومحمد عابد الجابري قد استخدموا المنهج المعرفي لاغراض ايديولوجية محددة قد تكون عروبية او طائفية او سلطوية , فيما اختلف عنهم محمد اركون باعتماده هذه المنهجية لاغراض معرفية وتنويرية صرفة دون الميول السياسية والتوجهات الايديولوجية , فجاءت اراءه وهى اقرب ماتكون الى العلمية والموضوعية والحيادية .
وقبل ان نختم هذه الدراسة اود ان ابين ان كثير من القراء يذكرون ان ماعرضته من العقد النفسية والاجتماعية في مقالات سابقة عن الانتلجنسيا المخصة وماادرجته من الادلة والبراهين القاطعة بهذا الشان , لم يؤثر على المثقفين الشيعة والمسيحيين والكورد وغيرهم من ابناء الاقليات المصابين بعقدة كيس الحاجة قيد انملة , وكانك تتكلم عن مثقفين اخرين يقطنون في الهند والصين , وان اصرارك الدائم على طرح هذا الموضوع , انما هو نوعا من العبث وضياع الوقت والجهد الذي يمكن استغلاله في موضوعات اخرى . في الواقع وقبل الاجابة عن هذا الاشكال المشروع يجب ان نذكر بان المثقفين والمتعلمين في العالم العربي – وخاصة العراقي – قلما تكون مرجعيتهم الرئيسية للمنطلقات الفكرية والمعرفية هى (الثقافة) (اي النظام المعرفي والنتاج الموضوعي والعقلاني الرصين) وانما مرجعيتهم الرئيسية هى الاقانيم الثلاث (الذات والسياسة والايديولوجيا) , فاذا تخلص من الذات وقع في اتون السياسة , واذا تسامى عن السياسة وقع في مستنقع الايديولوجيا , وهكذا الامر . واما اذا كان تاثير الاقانيم الثلاث مجتمعا على فرد واحد - كما يحصل على الاعم الاغلب في العراق - فان النتيجة ستكون توليفة غرائبية وعصائبية من الاراء السريالية والخطابية التي تفتقر للمنطق والموضوعية والعقلانية , وهذا الامر وان كان يرجع الى تطورات محلية وتحولات اقليمية واختراقات دولية عدة , ولكن يمكن ادراج السببين الفاعلين :
الاول : ان اغلبية الانتلجنسيا العراقية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية - والتي للاسف وقع عليها نمط الخصاء – لاترجع في اصولها الاجتماعية الى الطبقة البرجوازية العليا او الوسطى وانما ترجع الى فئات الطبقات الدنيا او المهاجرة من الريف الى المدينة او من سكنة القرى تحديدا , او من بيئات مقصية طائفيا من الجنوب الشيعي او مهمشة اثنيا من الشمال الكوردي والمسيحي , فانها من الطبيعي بالتالي ان تنقل عقدها واشكالاتها وسلبياتها الى الميدان الثقافي والسياسي .
الثاني : قوة الاختراق الحكومي والسلطوي للوسط الثقافي العراقي بعد انقلاب 1963 وتمدد الدولة على المجتمع وتلاشي مؤسسات المجتمع المدني وظهور بوادر تاسيس الدولة الريعية النفطية التي كان اول مشاريعها هو شراء ذمم المثقفيين واقلامهم , ومن ثم اخصائهم وتدجينهم وترويضهم من خلال الترهيب بالقمع والتخوين والاقصاء , والترغيب بالمناصب والوظائف والاموال .
لذا فاني على يقين بان الانتلجنسيا التي وقع عليها نمط الاخصاء من المثقفين الشيعة والمسيحيين والكورد وغيرهم , وبعد ان اطلعوا على مقالة الكاتبة وفاء سلطان حول عقدة كيس الحاجة , والمقالات الاخرى الخاصة بهذا الشان , فانهم قد اصيبوا بما اطلق عليه فرويد (الجرح النرجسي) , لانهم حتما وجدوا ان ماذكر من ادلة وبراهين ومعطيات عقلانية وموضوعية قد انطبقت عليهم كليا , وبشكل لايمكن لااحد انكاره او نفيه , والدليل الفاعل عندنا هو عدم ظهور اي مقالة او دراسة حتى الان ترد على هذه التهمة او تحللها او تنفي مصداقيتها , بل هناك تواطوء ضمني – او صريح - على تهميشها او (التغليس) عنها او تناسيها حتى تضيع في غياهب التاريخ , فكان الحل الاوحد عندهم - لمواجهة هذا الجرح النرجسي - هو الاصرار على نمط الخصاء والرضوخ لمسبباته , والايحاء بان المنطلقت والاراء والمطارحات السياسية والثقافية التي ذكروها سابقا - والتي اتهموا من وراءها بانهم مخصيون ومصابون بعقد الاقليات مثل كيس الحاجة وغيرها - بانها اراءهم الشخصية التي استخلصوها من العقل والوعي والثقافة التي يحملونها , وليس بالتالي لهذه العقد (والسفسطة التي ذكرتموها) اي تاثير واقعي او نفسي عليهم , فليس مصادفة ان تجد وراء كل مقالة او دراسة تتناول نمط الخصاء وتجلياته وتمظهراته الثقافية والسياسية عند الكتاب من اتباع الاقليات , مزيدا من الاصرار على نفس الاسباب والافكار السابقة , وكانهم يريدوا ان يقولوا (في ذل الخصاء عزتي) على نسق العبارة الشهيرة (في ذل الحب عزتي) , فضلا عن ذلك , ان الخصاء ارتبط في العالم العربي - وبفضل المركزية السنية التي اسسته - بالوطنية والمدنية والعصرية والشيوعية والقومية والثورية , حتى يمكن القول بان هذه المصطلحات والكلمات اصبحت عندنا مرادفة للخصاء , ليس بسبب ان الايديولوجيات كانت جسرا لتبرير فعل الخصاء والتصالح معه فحسب , وانما لانه اصبح متماهيا مع ابناء هذا الجيل الذي تبلور - كما قنا - بعد الحرب العالمية الثانية , وربما نحن نشهد افوله وانقراضه بحكم عامل الزمن والعمر , فاغلبهم - او ربما جميعهم - قد وصلوا الى اراذل العمر , وقد اثروا - للاسف - حتى بالجيل الذي يليهم من الشباب , وهو جيلنا الذي تعرض للخصاء تاثرا بالجيل المؤسس الذي قبله . وجيلنا هذا الذي ولد في النصف الثاني من القرن العشرين , هو اخر جيل مخصي في العراق عاصر الدول والحكومات القومية البعثية السابقة , وخضع لمنطلقاتها السياسية وتوجهاتها الايديولوجية والثقافية , انه جيل (هاملت) المتردد والمسلوب الارادة , الذي قتل السلطان اباه ونكح امه وهو مشغول بالقراءة والثقافة والاحلام . ونحن الان نشهد ميلاد جيل جديد اخذ بالتبلور والتشكل في العراق , لم يعاصر لك الدولة وسطوتها , ولم يخضع لتدجينها واخصائها وترويضها, وهو الجيل الذي واجهه داعش والارهاب وقضى عليه في عرينه وحاضنته وبيئته السنية الاسلامية , انه جيل (فاوست) الطموح , الساعي وراء الحرية والمجد , الذي باع روحه للشيطان من اجل ان يكون له مكان تحت الشمس .
ان هذه الدراسة لاتاتي في اي حال من الاحوال من باب تحريض الاقليات على السنة والدعوة الى التمرد السياسين والانتفاضة الفكرية ضدهم , وانما تاتي في سياق الثورة على المركزية السنية وتعريتها وتحليلها ودراستها , لان العالم العربي لايستطيع ان يدخل باب التنوير والحداثة الا من خلال النقد والتقويم والتفكيك لجميع الخطابات السياسية والثقافية والاجتماعية التي استندت عليها تلك المركزية , وبما ان الانتلجنسيا العربية (الاسلامية السنية) الرسمية لاترغب بالنقد - وليس عندها الارادة بذلك - لانه ينال من المركزية والهيمنة والسلطة التي يمتلكونها (سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا) , والخوف من الشماتة الدينية من المسيحيين واليهود والشماتة المذهبية من الشيعة والعلويين والاثنية من الكورد والامازيغ , فان الامر منوط باصحاب الاقليات التي يجب عليها الاخذ بيد العرب المسلمين الى مصاف التنوير والعقلانية والحداثة من خلال المبادرة بالنقد والتفكيك والتحليل الى (جميع المسلمات الضمنية التي تتحكم بالانتاج الفكري العربي دون ان تظهر للسطح , انها البنية الاثيرية التي لاترى بقدر ماتؤسس) (حسب تعبير اركون) .



#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل خالف الشيعة مبدا العدل في احكامهم الفقهية ؟؟
- هل صحيح ان النساء تحب الاوباش ؟؟
- انتلجنسيا بلا شهداء(ماسبب انعدام المثقفين الشهداء في العراق؟ ...
- لماذا اهمل مشروع الشيخ علي الشرقي الاصلاحي ؟؟
- جدلية الديمقراطية اولا ام المجتمع المدني ؟
- الانساق العراقية الفاعلة (العراقي اسير انساقه)
- المركزية السنية والاقليات في العالم العربي
- مقاربات نقدية في مؤلفات عزيز السيد جاسم ومشروعه الفكري
- لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟؟ (القسم الثاني) ...
- لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟؟ (القسم الثاني) ...
- لماذا خذلت الانتلجنسيا العراقية علي الوردي ؟؟ (القسم الثاني) ...
- الليبرالية دين العصر ..
- العراق ليس في محور المقاومة ..
- هل يقبل العرب العراق كما هو ؟؟
- هل ان جميع العراقيون عملاء ؟؟ تطور مفهوم (العميل) في العراق ...
- هل ان جميع العراقيون عملاء ؟؟ تطور مفهوم (العميل) في العراق ...
- هل ان جميع العراقيون عملاء ؟؟ تطور مفهوم (العميل) في العراق ...
- هل ان جميع العراقيون عملاء ؟؟ تطور مفهوم (العميل) في العراق ...
- تحولات الطبقة الوسطى(البرجوازية) في العراق خلال (150) عام (1 ...
- تحولات الطبقة الوسطى(البرجوازية) في العراق خلال (150) عام (1 ...


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين (ادوارد سعيد انموذجا)