أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلال مجاهدي - التخلف الحضاري العرب-إسلامي بين الرؤية الحداثية و التأصيلية















المزيد.....

التخلف الحضاري العرب-إسلامي بين الرؤية الحداثية و التأصيلية


جلال مجاهدي

الحوار المتمدن-العدد: 5790 - 2018 / 2 / 17 - 01:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الصراع الفكري الدائر في العالم العرب-إسلامي بين الحداثة و التقليدانية هو صراع تاريخي فاق القرن من الزمن و لا زال يلقي بظلاله على ميادين مختلفة , هذا الصراع الذي نشأ إثر التماس الثقافي الذي تسبب فيه الغرب إثر قيامه باستعمار دول الشرق, لا زالت له انعكاسات على المستوى الديني و الثقافي و الفلسفي و الأدبي و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و قسم المجتمعات إلى قسمين , فريق الحداثيين و فريق التأصيليين و لم يتوقف الامر عند اختلاف وجهات النظر فقط, بل اتخذ الأمر صبغة حرب فكرية شاركت فيها جهات و جبهات متعددة من وسائل الاعلام و مثقفين وأحزاب و أفراد و دول و هيئات و حركات , بل تعدى الصراع دائرة الفكر و التجريد إلى استعمال العنف بأشكال مختلفة, و كانت دائما بؤرة التوتر تتمثل في تحميل أحد الفريقين تهمة التسبب في التخلف الحضاري عن الغرب , و هكذا جرت العادة أن يدعي الحداثيون بأن سبب التخلف راجع إلى لاعقلانية و رجعية ثقافة المجتمعات العرب-إسلامية التي تحتوي على بنيات تكرس التخلف و ينسب التأصيليون و على رأسهم الإسلاميون سبب التخلف إلى كون النهضة الحضارية لا يمكن أن تتم بثقافة اجنبية و أن الاستغناء عن الثقافة الأصلية هي في حد ذاتها هزيمة حضارية لا يمكن معها الحديث عن اية نهضة حضارية و هكذا نشأ خطان فكريان تصارعا على طول عقود من الزمن و لا زال الصراع محتدم إلى غاية أيامنا هاته , فهل هذا الصراع له مبرراته المنهجية و المنطقية أم مجرد صراع تجريدي غير واقعي و غير منهجي ؟

الإجابة عن السؤال تبدأ من تأصيل المعطى البحثي منهجيا , فالبحث عن سبب التخلف أو التقدم الحضاري يتعين أن يعنى بدأ بمعرفة أسباب التقدم , أو أسباب التخلف و ذلك باتباع المنهجية التاريخية الواقعية, بمساءلة التاريخ و الأحداث الواقعية عن الأسباب الحقيقة وراء ذلك مع التحلي بالموضوعية المطلوبة وذلك بأخذ مسافة كافية من الطروحات المنحازة المتفشية هنا و هناك , لذلك فإن أول شيء يتعين البحث فيه هو سبب التقدم أو التخلف الحضاري كمعطى بحثي محض .

بشكل مختصر , نورد بأن التاريخ يحدثنا بأن العالم عرف عدة حضارات متقدمة عن غيرها على طول المرحلة الزمانية التي أنتجت الحضارات و هكذا يحدثنا بأن التقدم الحضاري لم يقم استنادا على إيديولوجيات معينة أو ثقافة معينة أو ديانات محددة بل إن تنوعها يشهد بذلك و عندما يذكر حضارة بلاد الرافدين و الحضارة الفرعونية و الحضارة اليونانية و الحضارة الأندلسية فهو يذكرها كنتاج لبلورة تراكمات لخبرات و معارف و علوم إنسانية تم الاهتمام بها وتطويرها و استثمارها واقعيا بشكل جيد و حين يتحدث عن بداية تقدم الغرب , فهو لا يخرج عن هذا الإطار حين يخبرنا بأن مرد ذلك هو استثمار التراكمات العلمية , مما أدى إلى إحداث طفرة تقنية باختراع الآلة البخارية في بريطانيا و ما تلاها من اختراعات استثمرت إمكانية مكننة الصناعة بتقنية قوة البخار و حين يتحدث عن التنوير و الحداثة فهو يجعلها نتيجة لا مسببا, فالثورة الصناعية أحدثت تغييرات اقتصادية و اجتماعية نتجت عنها تغييرات فكرية و ثقافية توجت بدخول أوروبا في عصر التنوير و الحداثة , لذلك فإن تقدم الغرب بصفة عامة لم يكن بسبب تغييرات في بنيته الثقافية بل بسبب تغييرات في البنيات الكلية التي تسببت فيها الثورة الصناعية و التي تسبب فيها مباشرة استثمار التراكم العلمي البشري و الاهتمام به بشكل جيد , لذلك و طبقا لهذا المنظور فإن سبب تخلف العالم العرب-إسلامي الذي كان متقدما في السابق حين أنتج الحضارة الأندلسية , راجع إلى تخليه عن الاهتمام بالعلوم وعدم تطويرها واستثمارها و أن اهتمامه بها في العصر الحالي جاء متأخرا زمانيا و ليس بالشكل المطلوب حيث لا زال يعاني معظم ما يسمى بالشرق من منتوج تعليمي سيء جدا ,لا يشجع على الابداع و البحث العلمي و التقني بقدر ما يعتمد على التلقين و الحفظ و على مناهج تعليمية فاشلة و لا يعتمد لغة العلوم التي هي الإنجليزية بقدر ما يولي اهتماما بلغات متجاوزة كالعربية و الفرنسية مثلا و التي أصبح من المستحيل أن تستطيع اللحاق بسرعة تطور الانجليزية و نفتح القوس هنا لنشير بأن عدم دخول العالم العرب-إسلامي إلى عالم التقنية و الصناعة التكنولوجية هو حكم آخر بالتخلف عن ركب الحضارة و بالبقاء رهن التبعية للغرب المتحضر و تكريس لوضعه كمستهلك لا كمنتج و كعالة على الحضارة الغربية .

نعود الآن لتساؤلنا الأول لنستنتج أن ببساطة أن مسألة التخلف أو التقدم الحضاري ليست رهينة بالحداثة أو الدين , بل إن نشوء الحداثة كان مستقلا عن الوعي بها و عن الإيديولوجية التي تبنتها و كانت هي مجرد نتيجة من نتائج الثورة الصناعية بأوروبا و هنا أيضا نشير بأن الدين الإسلامي لا يمنع أو يحظر التعلم و العلم و العمل و التطوير بل يشجع على ذلك و من تم فهو لا يحمل في بنيته ما يحول دون التقدم الحضاري أو ينقضه و قد برهن على ذلك بإنتاج الحضارة الأندلسية , لذلك فإن المنهجية التي اعتمدها فريق التأصيليين و الحداثيين على حد سواء , كانت مجرد منهجية سجالية كلامية لا تستند على حقائق تاريخية أو وقائع ملموسة أو باتباع منهجية علمية مقبولة و هنا أيضا لا يفوتنا أن نذكر بأن البحث في مسألة الثقافة يخضع لمناهج علم الاجتماع و نشير في هذا الإطار بأنه عكس ما كان يسعى إليه مناصرو التيارين على حد سواء , فإن الذي حدث هو أن مسار التطور الثقافي للمجتمعات العرب-إسلامية كان مسارا هجينا جمع بين الثقافة الغربية و الاسلامية و فق آلية التشكيل أو التهجين الثقافي مما جعل كلا التيارين معا في حالة نشاز واضحة و نضيف بأن ما كان يحاول كلا الفريقين القيام به ,هو القطع مع الواقع و مع التاريخ الذي ليس شيئا آخر سوى امتداد للماضي في الحاضر و الحاضر في المستقبل و ذلك إما بالقفز إلى الوراء و إرجاع عقارب الزمن إلى الماضي بتبني شكل ثقافي تاريخي يتعلق بالنموذج الثقافي لمجتمع بداية الاسلام أو بالقفز إلى الأمام باستيراد قناع النموذج الثقافي الحداثي لمجتمع أجنبي نتج عن صيرورات تاريخية واقعية معينة و غني عن البيان أن القفز على الواقع و على التاريخ و على المناهج لا ينتج فكرا , لذلك ظلت العديد من أطروحات الصراع المقدمة من كلا الطرفين سواء التي تنتقد العقل التقليدي العرب-إسلامي أو تنتقد العقل الحداثي العربي و تكيل الاتهام لهذا الطرف أو ذاك بالتسبب في التخلف الحضاري غير مستندة على حقائق الواقع و التاريخ و تعاني من الخلط الفكري المتأثر بالمنطلق و المنطق السجالي المتأثر بالصراع .

هنا تجدر الإشارة إلى أن على الحداثيين و التأصيليين على حد سواء معرفة حدود الأصالة و الحداثة و عدم جعل المفهومين ميكانزيمات تحليل و عليهما أن يعيا أن تكامل كليهما و إيجاد أرضية مشتركة هو ما سيمكن المجتمعات من تجاوز الثنائية المتصارعة لتسهيل عمليات الابداع, فالحداثة إن كانت مطلوبة في حد ذاتها فيجب أن تقف عند حدود الاستيلاب , فالحداثة الاستيلابية هي إلغاء للذات و انهزام حضاري و لا يمكن النظر إليها إلا كتشرد ثقافي و تحلل ذاتي و قيمي و إنساني و انغماس في قيم الغرب الهدامة للإنسان حيث المادية و الفردانية والفراغ الروحي , أما التأصيلية و الدينية فحدودها فيما هو اعتقادي و هوياتي و ثقافي , أما ما هو تشريعي و سياسي و اقتصادي و علمي و دولتي فإنه خاضع لزوما للضوابط العلمية التي تحترم التراكم المعرفي الذي وصلت إليه العلوم والفكر البشري .



#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التشكيل الثقافي كآلية لمواجهة أحادية ثقافة العولمة
- مطالب اليسار المغربي بالملكية البرلمانية و سؤال الإمكانية
- الفيزياء و إشكاليات ما قبل الانفجار العظيم
- وقفة في حدود العلم - ماقبل الانفجار العظيم -
- الحقيقة ما بين التكون الذاتي و الخلق
- الحياة بين الحقيقة المادية و اللامادية
- الاشتراكية التوزيعية كخط ثالث
- هل تتواجد الكرة الأرضية داخل إحدى الثقوب السوداء ؟
- قراءة في تاريخ الإسلام المبكر – الجزء الثاني – الديانات في ا ...
- قراءة في تاريخ الإسلام المبكر- الجزء الأول – من إثباتات وجود ...
- هل تستطيع الأحزاب اليسارية المغربية اختراق دائرة الواقع السي ...
- الانطلاق من الصفرية و فشل محاولة الفيزياء الكمية لتفسير نشأة ...
- عقلنة الحقل الديني – إشكالية تحديد المجال -
- موقف الاتحاد الافريقي من الحق في تقرير المصير في علاقته بمبد ...
- شخصنة الحكم و السلطة ورم من أورام الدولة
- الأحزاب الاشتراكية المغربية و التغييرات المفاهيمية
- ما بعد المحاولات الفلسفية لتفسير الوجود - مقاربة خاصة -
- على ضفاف مفهوم الديموقراطية
- الاصلاح السياسي كمفهوم و كضرورة
- تشييء الانسان


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلال مجاهدي - التخلف الحضاري العرب-إسلامي بين الرؤية الحداثية و التأصيلية