أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - شيخوخة - قصة قصيرة















المزيد.....

شيخوخة - قصة قصيرة


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 5789 - 2018 / 2 / 16 - 15:15
المحور: الادب والفن
    


-1-
بدأت اشيخَ بشكل متسارع، اشيخ بالأيام لا بالسنين، رصيدي المتبقي ما عاد بالعملة الكبيرة، بل "بالفكّه". قريبا ستغدو الكتابة عسيرة كما المشي. فقط بضع جمل صغيرة ثم أبدأ باللهاث وكأني صعدت جبل ايفرست، لا بل وقد فقدت الوعي قبل أيام بينما كنت أكتب، رباه ما عاد من ضرورة لأنفاسي الثقيلة هذه بعد أن دب العجز حتى في أصابع كفي التي تقبض على القلم لتكتب هذه الخواطر الأخيرة التي أتمنى يوما أن يقرأها ويستمتع بها أحفادي، وأن كنت أخشى أنها لن تنفعهم لأن أطفال اليوم لم يعودوا يقرأون كتابة اليد، وكأن الكتابة على الكمبيوتر اجمل من خط اليد ونكهة الحبر وبريقه الأخاذّ الممتزج بحرارة الروح وعرق العمر.
المهم. يبدو أني نسيتْ أو كدْت، ما أنا مزمع الكتابة عنه من طريف الكلام لأحفادي اللئام.
ها.. تذكرت.. تلك المرة الثانية التي أغمي عليّ بها بينما كانت اصابعي تحرك جنودي الصغار نحو الهدف، أعني الملك الأسود اللعين الذي غزا رقعتي بجيش عرمرم، فكانت خطة حربي مُدهشةً إذ جذبته الى ركن قصي في أرضي، واطبقت قواتي الخناق عليه وأوشك اركان حربي وجنودي أن يجهزوا عليه أو يأتوني به اسيرا.
حين افقتٌ كانت القوات من الجانبين في حالة شذر مذر، الخيول فوق رؤوس الملوك، والجنود نيام خارج أرض المعركة، أو ربما هم جرحى بفعل الأفيال التي داست عليهم دون تفريق بين عدو وصديق.
صراحةٍ استولى عليّ حسدٌ ممتزج بالنشوة لمشهد الموتى الكرام أولئك، الملوك والخيول والأفيال والوزير وجنوده.
نائمين جميعا بسلام كما الأطفال.
رباه.. أتنعم عليّ بميتة هادئة آمنةٍ مثل هذه؟

-2-


البارحة قابلتُ فجأة ابنتي (هناء) على الرصيف خارج محل الساعاتي، لقد أصبحت نحيفة، لكني عرفتها مجدداً. لم أعد أتذكر لِم كنت في الخارج ساعتها، لكنه لا شك أمر مهم دفعني للخروج، لأنه عقب تحطم درابزين الدرج، توقفت عن الخروج تماما.
على أية حال، قابلتها، فكرّتْ لبرهة: يا للغرابة أن أخرج بالضبط هذا اليوم.
بدت سعيدة لرؤيتي، لأنها هتفت" أبي" بحرارة لفحت وجهي بقوة، والتقطت يديَّ بكلتا يديها واحتضنتني بعنف كاد يخلع كتفيَّ.
ابي...لم ارك منذ زمن طويل.. لقد عدت للتو من الخارج...!
دمعت عيناي وغمرني حزن شفيف أمتزج بفرحة اللقاء " ذات يوم منذ زمن بعيد، حين كنت لما ازل قويا قادرا على الركوع لها لامتطائي جوادا اصيلا لها، كانت تردد بابا أنت أحسن اب في الدنيا، تغني لي، ترقص لي بحرية ...يا ألهى ما الحكمة في أن نعيش أكثر مما يجب لدرجة أننا لا نعود قادرين على ألا يكون حضورنا مملا لأحبائنا".
المهم.. يبدو أني نسيت تلك الواقفة في البرد، في عرض الشارع وقد تجمدت يداها الباردتان على كتفي...!
اللعنة.. لقد ضاع رأس الخيط فتشابك الغزل كله.. ها .. نعم تذكرت.. ابنتي هيام.. أو هناء.. لا اذكر.
نعم.. نعم هناء..
" وأنتِ كيف حالكِ يا بنيتي؟ أظنك لا زلتِ متطوعة في منظمة حماية الحيتان أو الفيلة.. لا أذكر...!
"كلا يا ابي، أعمل في الصليب الأحمر.. في.. أفغانستان...!
" أفغانستان؟ عند جلالة الملك داوود رضي الله عنه...!
" داوود؟ قهقهت بقوة " ذهب داوود وجاءت دولة الخلافة وخرب البلد وهناك عشرات المنظمات تعمل لإنقاذ هذا الشعب البائس".
نسيت ابنتي ثانية.. حلّقّت في فضاءات تاريخ بعيد " كان رضي الله عنه يأمر بأن تُنشر أطنان من القمح فوق رؤوس الجبال ليشبع الطير فلا يُقول قائل إن في دولة الخلافة عصفور جائع ".. هكذا كان شيخ الجامع يقول بحرارة في ذات جمعة.
هاهاها.. أذكر أني تجرأت مرّة وسألت بسذاجة " ومن اين للخليفة رضي الله عنه كل هذا القمح يا مولانا؟".
وكانت أول وآخر زيارة لي لمسجد من مساجدنا المباركة الشامخة المنارات وسط الأحياء البائسة...!
وانفجرت ضاحكا بعنف أهتز له كامل جسدي وارتجفت لحرارته اوصالي واضطربت ساقاي.." مشهد المسجد والشيخ البائس الذي يحدثنا عن مآثر الخلفاء والجواري ثم ينعطف فجأة للحديث عن التيمم، ونحن نضيع بين امجاد الخلافة والتراب الطاهر وبؤس واقعنا العاهر.. "
" ما الذي يضحكك يا ابي؟"
"عذرا بنيتي، لقد سرحت في دولة الخلافة...!"
"رحم الله داوود خان.. اليس هذا اسمه؟"
" نعم هذا هو يا ابتي.."
" بالمناسبة.. يبدو أنكِ تزوجتِ يا بنيتي، بالرفاه والبنين يا حبيبتي " هتفت بها وأنا المح خاتما ذهبيا في يدها".
-ابي.. ليس من زواج بعد.. انسيت..." يبدو إنك تنسى كثيرا.. لا بأس يا ابي لا تشغل بالك".
لا أدرى لم الحّت على ذهني فكرة هذا الخاتم في يد ابنتي.

-طيب ولم الخاتم إذن، أكيد هو خاتم زواج أمكِ...أعني.. هدية من أمك.. أعني.
- ابي..." قالت بحدّة " هذا الخاتم فقط لأبعاد المتطفلين.. لا أكثر ولا اقل...!
فكرت في سرّي " يا إلهي تُبعدُ منْ؟ وهي لا شك في الخمسين، أو ربما الستين.. لا أذكر"، قهقهت ثانية بقوة لا تقل عن الأولى.
-أبي تقهقه ثانية ماذا حصل، أوقُلت شيئا جديرٌ بالضحك". انتبهت لنفسي.. "ركزّ يا ولد، لا تُنفر الصبية منك"
-عذرا بنيتي أظن أني بدأت اخرّف.
– لا بأس يا أبي.
فكرّتْ.. "أظن أن من الأجدر بي أن أودعها الآن وأعود الى مخبأي وجنودي الراقدين على الطاولة.. يجب أن أنهي اللقاء كي اخلف في ذاكرتها بقية عطرة عنّي عقب رحيلي".
- صغيرتي أرجو أن نلتقي قريبا.. ربما قريبا جدا.. ارجو أن تأتي بأطفالك لأراهم.. مُشتاقٌ لهم جداً وأود اللعب معهم كما كنا نلعب معا انا وأنتِ.
- امرك يا ابي، سأفعل؟
شرد ذهني مجدداً.. أهي هيام أم هناء...!
المهم ...لا أذكر.. لتكن من تكون فما عادت للأسماء قيمة.
- وداعا حبيبتي هنادي وعذراً على ... خيالات الشيخوخة.
لمحتُ دمعة تترقرق تحت الرمش.. التقطت كفّي وقبلتها، وقبلّت جبهتي وهمست.. "هناء يا أبي
هناء".. وقهقهنا معاً.
بالمناسبة نسيت أن أسألها ما إذا كان عندها أطفال، أم انهم الآن رجالٌ في الثلاثينات والأربعينات...!
أو إن القطار قد فاتها.. الله اعلم...!
وأنا اليوم آخر من يعلم...اللهم لكَ حكمة لا شكّ أجهلها...!



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وتعود مصر كما عودتنا ...كبيرة بحجمها .. بقلبها .. بروحها و . ...
- هل لدينا حقا تيار وطني وديموقراطي؟
- الى الإسرائيلي الكريم .. إسرائيل هي من اوصلت الأمور الى هذا ...
- الى الإسرائيلي الكريم .. إسرائيل هي من اوصلت الأمور الى هذا ...
- رحبوا بالتحالف الجديد واذهبوا إلى خانة المعارضة
- الأرض بتتكلم فارسي
- العراق .. هذا العليل المشاغب
- تفضلوا للرضاعة يرحمكم الله !!
- امريكا .. إيران .. إسرائيل ... إنهم حلفاء فأحذروهم
- العرب في مطار اربيل .. هذا هو البديل الأمريكي الإسرائيلي يا ...
- ثياب الإمبراطور الجديدة
- إذا نطق الحذاء فصدقوه .. فخير القول ما قال الحذاء ..!
- عن الحذاء ( قُدس سرّه الشريف )
- هذا حذاء بألف عمامة
- إتفاقية الإنتداب الجديد – اين حق الشعب بالتعويض والإعتذار ؟
- الإتفاقية ..جاءت لمن ومن المستفيد حقا وصدقا ..!
- بركات الحسين .. إحتلال .. بركات الرضا .. رقائق بطاطس حلال
- عن الخوف الذي كتب دستور شعب مستباح
- جهود السيستاني الأريب في نشر المذهب الحبيب
- وللإتفاقية المذلّة من يدعمها بحماس وحبور


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - شيخوخة - قصة قصيرة