أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - محمية الغربان















المزيد.....

محمية الغربان


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 5773 - 2018 / 1 / 31 - 01:18
المحور: الادب والفن
    


(5)
محميّة الغربان (القسم الخامس من قصيدة إنسان الجمال)
*************************************

(لماذا لا يعبأ الناس بالموت؟
لأن الحكام يطلبون ثمناً باهظاً للحياة)
لاوتسه، كتاب التاو، ت. هادي العلوي.

(رفضني الجميع، ورفضت كل شيء
ولا عزاء لي حتى في الفكر
فكل ما أحببت
أخذه الموت مني والجنون
وبقيت وحدي، تحت أنقاض سمائي، أحصي الموتى)
ريتسوس، البعيد، ت. رفعت سلام.


سيدوري تستغرب وتسأل جلجامش:
أما تبْتَ من الحياة بعْدْ؟!
فجئتَ تسعى..
موتٌ واحدٌ وأفجعك إلى هذا الحد
فكيف صرت تسعى إلى الخلود..
ألتشهدَ أكثر من أنكيدو يموت؟!

من لم يضطربْ..
كأنه مرّ من هنا وما سمع كلّ هذا الهراء والأنين
وما خبر هذا العالم الخرِبْ.

وأحياناً يصبح النهر الذي يروينا
هو نفسه النهر الذي يغرقنا؟

البندول المخادع
ينفلت يميناً
ويندفع يساراً
وبنضوب شحنته يتململ عند الوسط كثيراً
فيقتنع الجميع غالباً بفكرة الاستقرار..
يتجاهلون مغزى الحركتين
ويظلّون منقسمين
حتى يداهمهم اضطرابٌ جديد
فيوقنون أخيراً بضرورة الحركة الثالثة للديالكتيك!

المخيّلة خصبةٌ جداً
جرّبْ أن تصيح: الحبال
فينصب الخيال
لمن يكره مئات المشانق
لا شيء يدهشني
في القادم من الجانب القاتم من العالم
وأنا أرى النسخة السالبة للصورة
ولا يدهشني
تشوّه المعالم في غرف التحميض
لا يدهشني
سوى انخداع البصيرة بالأوهام البصرية.

في لحظةٍ خرافية
تختلط الأحداث
فتتبدّى كخطإٍ جينيّ وكلعنةٍ وراثية..
قالت الخاتون:
"أما الآن فلنجلسْ
ونراقب كيف يرتكبون الأخطاء"!
أما المستشارة فقالت:
"فلتكن خلاقة..
هذه الفوضى"!
أهي دعابة سوداء
أم مفارقة أسطورية؟
أقَدَر هذه البلاد أن يكون
في بداية كل تأسيسٍ ثمة عانس؟!
فيكون لطْفٌ
ويكون خُلْفٌ
ثمّ يسود الخراب..
إن الخطايا ستظل دوماً فضيحة النوايا..
ألسنا محظوظين جداً
لأننا ولدنا وعشنا
في البلد المثالي
للتدرّب على الجحيم؟!

وقالها الابن أيضاً بكل وضوحٍ فاضح
ولم يحاججه أحد
فلتكن هذه البلاد "الجبهة المركزية للحرب ضد الإرهاب"
- أكبر حفرةٍ لطمر نفايات العالم -
وبعد امتلاء الحفرة
اشتكى الجار القريب والبعيد
من روائح القمامة الكريهة
- والآن.. فلتردموا الحفرة
- بمن فيها؟
- بلى.. وبما فيها!
فلتسرعوا..
أسرعوا بردم الحفرة..

لقد عشنا زمناً ناصع السواد
وركبنا رؤوسنا من قلة الجياد!
هنا الأرض تُحرث
لدفن الموتى
والبذور تُبذر
لأسراب الجراد.

ما أكثر الثقوب في هذه الأوطان
تغربل شعوبها كذرّات فائضة عن الحاجة.

السلطة رغبةٌ عمياء
تبغض التحرّك الطليق للأفراد والنموّ الحرّ للأشجار
وتعشق دمْج الأشياء والأحياء
في نظامٍ أو قالبٍ أو تابوت.
اصطياد الريح بشبكة
او إغراق سفينة
في قطرة ماء
أو تنازع الفيل والأسد
للفوز بقلب نملة
ليس أكثر عبثاً
من تنكيل الحرب بشعبين
حتى الاقتناع بالتفاوض بين حاكمين!

يحمل ذكرى حربٍ ما
يحمل دائماً ذكرى حربٍ ما
حروب لا يشهد نهايتها قط
حروب يصدف دائماً أن يشهد بدايتها..
دفنّا الكثير من الأصدقاء لكننا لم ننجُ بعْدْ
أنت تقول أنني نجوتُ
لتورّطني فقط في حربٍ جديدة..
إنْ داهمتك الحرب فتشبّثْ بحمامة بيكاسو
الحرب لعبة روليت روسية
لا تخطئك رصاصتها طوال الوقت.

قوس النصر اللامع للمدينة
النصف الظاهر من دائرة الحرب!
يستعرض تحته المنتصرون البطولة
والنصف الثاني من القوس
مطمورٌ مع جثث القتلى تحت الأرض
فلا تسألوا عن الخسائر
ولا تسائلوا الحروب عن الأخطاء والضحايا
إنّ الخطايا لا تخطئ أبداً
إنّ النصرَ هو النصفُ الثاني من الهزيمة!

كيف أبقيتم هذه الهياكل العظمية
فوق أرضكم طوال هذا الوقت
كلّ هذه الغربان في سماءكم
ولم تتقنوا دفن الموتى بعْدْ؟!

مخيمات نزوحٍ أو انتظارٍ أو لجوء
والغوث فاصلٌ فقط
ليواصل أرباب العالم برامج موت الشعوب
الدنيا على سفر
وحقائب التعاسة تمرّ بسهولةٍ من حواجز التفتيش
والحزن يتسرّب من نظام التدقيق
السفينة توشك أن تطلق صافرة القيامة.
موظفة الهجرة تسأل عن أسباب الهجرة
المهاجر يبحث عبثاً
فلا يجد في حقيبته أيّ جواب
أما تكفي أرانب الخوف في عينيه
للإفصاح عما في أعماقه من الرعب؟

رماد الأطفال يتساقط من الغربال
والطفل المجدور لوحده يصيح
- الرمد.. الرمد.. الرمد..
قطفوا زهرة قرنفل وأوهموه بأنها برتقالة
قالوا إنه سيصمت قريباً
لكنه ظل يصيح
- الرمد.. الرمد.. الرمد..
السنونوات تعبرنا عبر المواسم
ودائماً تسمع الصياح نفسه
- الرمد.. الرمد.. الرمد..

والنخب المنخوبة تنخر الكتب القديمة
لتبرهن أن الثبات جوهر الحياة
النخب المنخوبة تلعن العري جهراً
وتمارس العهر سراً
وتؤكّد أننا قد بلغنا أفضل العوالم الممكنة
النخب المنخوبة تغربل المعارف
وتلتهم فتات الشطيرة
وتتغوّط الزيف.

عالمنا لم يعدْ من العوالم الممكنة
الدم المسفوك ضوءٌ أحمر لإيقاف السير
في طريق إنسان الجمال..
قسوة الكائنات المتورّطة في هستيريا الافتراس اللذيذ
وصيحات الفتْك المرحة تهزّ الهواء الخامل..
الشرَه يتنكّر كعاصفة
ليبعثر مدناً وبلداً كامل
محاكمة التعاسة بقياسات وحجوم المرئيات مزاحٌ فظ
أكان هيجل يقصد هشاشة الوجود البشري فقط
حين قال "الحجر وحده هو البريء"؟
ومآسي عصرنا تقول
حتى الحجر لم يعد بريئاً
من العويل والأنين
المتصاعد من تحت أنقاض الركام الحجري.

أتنتظر خروج وطنك من فرنه الحجري؟
هل ستزدرده متفحّماً
أو تقتات أحشاءك؟
الساعة تشير إلى ما بعد الجوع الكبير
ودقات ما قبل الهلاك الأخير
للقطيع البشري..
نباحٌ قارسٌ يحرس الخيام
البرد صراخ الثلج
والصقيع نخاع العظام
قلب الثلج الأبيض يلمع في الظلام
النيران كلها باتت صديقة
إذا أحرقت هذا البرد
وأخرست هذه القشعريرة.

عالم فقد أنوثته وأفرط في الذكورة السادية
يستعين بالفياغرا والفودكا النارية
حبة فياغرا قبل القتل وجرعة فودكا بعد الدفن
إنها حملة إتلاف الشعوب
يقولون إنها شعوبٌ غير صالحةٍ للاستهلاك التاريخي
ويكفي الحروب مجداً
أنها أنقذت الكثيرين من الأوهام
وأرقدتهم بسلام!

الصيف أنهى حروبه
والخريف يُحصي الخسائر
الحطب مفيدٌ دائماً في الشتاء
على الربيع أن يكون أكثر جرأةً
هل يجرؤ؟
هل سيجيء؟!
الشجرة استيقظت منزعجةً
على صياح الأغصان
كلّ غصنٍ يتّهم الآخر بتثبيت الليل
الشجرة فطنت ورفعت رأسها
فرأت السماء يغطّيها ظلُّ الغربان الأسود.

الغربان تكسر أغصان الضياء
والقردة تنشغل بالتقاط الثمار
وينزلق الجميع بقشور الموز..

السيد الناب
يطرق الباب
- لا تفرح يا صغيري هذه اللعبة الخطرة ليست لك
وليست لك هذه الهدية
إنها لأجلي هذه الطعنة!
فقد احتشدت الغربان من كل شتات
واحتجبت السماء بالنعيق الأسود.

من يخاف الموت..
يستحق هذه الحياة!

أهلكني بكم
حبي لكم

الأنهار
خطوط عرض وطول هذه البلاد
والجفاف استثناءٌ ووهلة شذوذٍ في المسار
فمن سيفلت من دائرة الأهوال
ويشهد تبدّل المدار؟!



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شراك اليقين
- فزع الغزلان
- في البرية
- الأجنّة
- إنسان الجمال
- يوميات هيروشيما
- ذبول
- حديقة
- رمزية الحدث
- الغابة في المدينة
- قصيدة حلوى الليل
- أصوات
- عطرها
- إلى سركون بولص
- حلم صيفي..
- ليل الليلك
- زخات
- قالت أمي
- كأنها جريمة.. !
- الأسئلة


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - محمية الغربان