أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - موحدون تحت مظلة الخوف















المزيد.....

موحدون تحت مظلة الخوف


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 5765 - 2018 / 1 / 22 - 07:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



"أنا عار.... أنا خائف"، كانت تلك الجملة الاولى التي نطق بها آدم حين ادرك عريه بعد تناول ثمرة المعرفة حسب اسطورة الخلق، وقد كان الاغريق القدماء يصنفون غريزة الخوف في المرتبة الثالثة من ناحية قوة تأثيرها على الانسان بعد حب الذات والفخر. أدرك السياسي أهمية توظيف غريزة الخوف لتعزيز السلطة السياسية في الانظمة المستبدة والديمقراطية على حد سواء، فانتهج الطغاة سياسة تسليط الرعب المباشر على رعاياهم أو مواطنيهم عملاً بنصيحة ميكافيلي القائلة بأن الحاكم الذي تخافه رعيته أكثر ثباتاً وقوة من نظيره الذي يحبه الناس. أما الانظمة الديمقراطية، ففي الوقت الذي تتجنب فيه سياسة الترهيب - على اعتبار أن الديمقراطية أساساً هي وعد بتحرير الانسان من الخوف-، إلا ان عدداً من تلك الانظمة تعمد الى تخليق حالة من الفزع الجماعي من أعداء وهميين أو مبالغ بخطورتهم لتمرير أجنداتها وكسب التأييد الشعبوي . الابن الخائف بتوسل الحماية من أبيه مقابل الطاعة والاذعان لكل اوامره، والشعب الخائف يستجدي حماية الحاكم في مقابل التكيف مع سياساته والتهاون في حقوقه الدستورية. تمثل تلك السياسة علامة مميزة في مسار الديمقراطية الامريكية وربيبتها الفتية في العراق ، وقد استلهمت تلك الانظمة من نظرية هوبز في العلاقة بين الحاكم والمحكوم لأضفاء مسوغات اخلاقية على سياساتها في تخليق أجواء الخوف بين مواطنيها لتعزيز سلطتها وضمان تعبئة الحشود المؤيدة.

خلافاً لاعتقاد ارسطو بأن الانسان بطبيعته حيوان سياسي، يرى توماس هوبز أنه ليس بكائن اجتماعي أصلاً ، فهو مسكون بهاجس الخوف على حياته من الاّخر، ويميل الى الاستحواذ على أكبر قدر من الثروة والقوة والنفوذ والجاه، ويساوره شعور دائم بالشك والخوف من الآخر، مما يجعل المجتمع دون دولة في حالة صراع وفوضى وحرب (افتراضية)، حرب الجميع ضد الجميع، ولذا فان الحل بنظره تمثل في نشوء الدولة على قاعدة - عقد اجتماعي- تخلى فيه المحكوم عن حرياته وحقوقه مقابل توفير الحماية له من قبل الحاكم، وهو عقد لا رجعة فيه ، وعلى عكس لوك وروسو يشترط هوبز ان لا إعتراض على الحاكم ولا حرية للمحكوم من أجل تجنب الفوضى وتأمين الامن والسلام، وعلى الحاكم -من وجهة نظر هوبز - ان يوظف غريزة الخوف لدى الفرد كقوة رادعة، و تثقيف رعاياه لتجنب ما يراه هو شراً و خطيرا، مستغلا المؤسسات التربوية والاعلامية والكنيسة.

بالعودة الى التجربة الامريكية وربيبتها العراقية، عبثاً نبحث عن محطة زمنية في التأريخ الامريكي لم يهيمن فيها هاجس الخوف الجماعي من مخاطر مفترضة أو مبالغ بها،و يقلق يوميات المواطن الامريكي اليوم هاجس الخوف من احتمال حصول عملية ارهابية تنفذها منظمة اسلامية في الاراضي الامريكية، ويعيش حالة دائمة من التوتر، لما يردده السياسيون ويمتلئ به الفضاء الاعلامي يومياً. في أجواء الفزع الشعبي يمكن تمرير حزم التشريعات والاجراءات التي تهدف ( حماية المواطنين)، فتلقى قبولا شعبياً واسعاً وجاهزية للتخلي عن بعض الحقوق الدستورية والمكاسب الديمقراطية، ( برنامج التنصت والرقابة الذي كشف عنه سنودن كان فضيحة مدوية للنظام الديمقراطي، ومع ذلك مر دون ان يسبب استياء شعبياً واسعاً، طالما ان المبرر حماية المواطن من الارهاب، بل أصبح سنودن عدواً خطيراً للشعب لنشره الحقيقة).
لا شك في أن من واجب الدولة توعية مواطنيها لما يتهددهم من مخاطر واتخاذ ما يلزم لحمايتهم، إلا أن الادارة الامريكية و بانتقائية واضحة تعمد الى شحن الاجواء بالفوبيا الجماعية من الارهاب الاسلاموي لاستثماره سياسياً، بينما تحرف أنظار شعبها تماماً عن ارهاب و أعمال مسلحة من قبل منظمات متطرفة لاتقل خطورة، ولئلا نبدو وكأننا نطلق الاحكام جزافاً، لنرجع الى وثائق المؤسسات الامنية ذاتها.
استناداً الى التقرير الامني الذي قدم مؤخراً الى الكونغرس عن النشاطات الارهابية في الخمسة عشر عاماً الماضية،بلغ عدد ضحايا الارهاب الاسلاموي 119 أمريكياً في الداخل والخارج، اي بمعدل 8 سنوياً، بينما سقط 106 في عمليات ارهابية نفذتها منظمات ومليشيات اليمين الامريكي المتطرف اي بمعدل 7-8 ضحية سنوياً. في الحالتين هناك ارهاب منظم تقف وراءه ايديولوجيا متطرفة، ولكن في الحالة الاولى يمتلئ الفضاء الاعلامي وخطابات السياسيين بالتحليلات والتقارير اليومية، وفي الحالة الثانية تكاد تكون التغطية الاعلامية معدومة تماماً.
الخطر الأكبر الذي يهدد حياة المواطنين الى جانب الارهاب، القتل الجماعي العشوائي باطلاق الرصاص على المواطنين في الاماكن العامة والجامعات والمدارس ودور العبادة، فحسب احصائيات نشرتها (يو أس توداي) يسقط من المدنيين ما يزيد على 188 سنوياً في عمليات قتل جماعي - أي اكثر من ضحايا الإرهاب الإسلاموي من الامريكان بعشرين ضعفا-، تنسب عادة الى مجرمين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، ومع ذلك فشلت جميع المحاولات و لعقود في اقناع الكونغرس للتصويت على قوانين تحد من انتشار الاسلحة وخاصة الاوتوماتيكية منها، بل رفض المشرعون ولأكثر من مرة قانونا يمنع شراء السلاح دون شهادة تثبت سلامة الصحة العقلية لحامله.
في اكتوبر عام 2001 وصلت مغلفات بريدية ملوثة بالانثراكس الى مكاتب صحفية و اثنين من اعضاء مجلس الشيوخ، اصيب فيها 12 ومات منهم خمسة أشخاص، وقد كان الاعتقاد حينها انها من فعل القاعدة أو العراق، فكتبت الواشنطون بوست والنيويورك تايمز لوحدهما في شهر واحد 1192 مقالاً أثارت فيه الرعب بين الناس، وما ان حامت الشكوك حول العالم الامريكي بروس ايفن الذي كان يعمل في مخابر الجيش، وتبين ان القضية لاعلاقة لها لا بالقاعدة ولا بالعراق، توقف الاعلام عن النشر فى قضية الانثراكس و لم يعد مهماً أمر تغطية القضية وتوعية الشعب بمجرياتها ، وقد بقي المتهم تحت المراقبة حتى انتحر بعد 7 سنوات.

انتهج قادة العراق سياسة الخوف لضمان التصاقهم بالسلطة وتهييج قواعدهم الانتخابية، ولا نعتقد ان ذلك كان حصيلة دراسة لتاريخ السياسة الامريكية أو تأثراً بنظرية هوبز، فمعظمهم يتمتع برصيد معرفي متدني و خبرة فقيرة في ادارة الدولة، الا انهم ادركوا فاعلية سياسة الخوف بفطرة المغرم بالسلطة. عمدت الاحزاب الشيعية الى تذكير قواعدهم بطغيان وطائفية نظام صدام والمقابر الجماعية وخطر عودة البعث الى الحكم، بل لم تتوقف عن وصم اي نشاط احتجاجي على انه بتحريك من ناشطي النظام السابق، علماً أن أحزابهم كانت ملجأ لبقايا البعث، وحين ادركوا انتهاء صلاحية تلك الاسطوانة المستهلكة، وبعد ان بات خداعهم واضحاً لقواعدهم قبل خصومهم، اهتدت قريحتهم السلطوية الى إشاعة الخوف من العلمانية وخطرها المزعوم على المثل والقيم الاسلامية، والتي مسخت هي الأخرى في ظل ادارتهم للدولة.اما القادة السنة فقد كان خطابهم الدائم يتمحور بشكل مباشر وغير مباشر على استثارة مخاوف أبناء طائفتهم من التفرد الشيعي في الحكم و الثأر الطائفي.

اذا كانت الدولة الامريكية بقوة مؤسساتها العملاقة تشكل مناعة ضد النتائج الكارثية لسياسة صناعة الخوف، فان اثارة المخاوف الطائفية والقومية والتلاعب بمشاعر المواطنين وخلق فوبيا جديدة ضد العلمانية والقوى المدنية في دولة ذات مؤسسات هرمة كالدولة العراقية، سيقودنا حتماً الى نفق أكثر عتمة.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟ الجزء الثالث
- هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟ الجزء الثاني
- هل تصنع النصوص الدينية بمفردها إرهابياً؟
- رسل -التنوير-العدمي
- أساطير الليبرالية الجديدة الحلقة 2
- أساطير اللبراليه الجديدة
- طيف ماركس الذي لا يختفي الجزء الرابع
- طيف ماركس الذي لا يختفي الجزء الثالث
- طيف ماركس الذي لا يختفي الجزء الثاني
- طيف ماركس الذي لا يختفي
- العولمة إلى أين؟
- من انتخب ترامب ولماذا؟
- الجالية العراقية والثورة السياسية في أميركا
- الملحدون الجدد والدارونية الاجتماعية الحلقة الثانية
- للالحاد مدينته الفاضلة -الحلقة الاولى
- الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الأخيرة
- الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الخامسة
- الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ / الحلقة الرابعة
- الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الثالثة
- الديمقراطية وسلطة المال عبر التأريخ - الحلقة الثانية


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - موحدون تحت مظلة الخوف