|
خرج باكراً لكسب قوت يومه فلقي حتفه في ساحة الطيران
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5763 - 2018 / 1 / 20 - 13:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استيقظ أحمد على غير عادته صباح هذا اليوم، إذ كان على عجلة من أمره كما يبدو.. طبع قبلة بحرارة على خد ولده الصغير ليس مثل كل مرة، فهذه المرة كانت القبلة بحرارة أكثر وحنان مع حسرة خرجت بألم كادت أن تشق أضلاع صدره العليل.. غسل يديه ووجه بالماء البارد، إذ كان السخان قد تعطل عن العمل منذ يومين ولم يصلحه لأنه يأتي كل يوم آخر ساعة من النهار، الأمر الذي يعيقه دائماً عن قضاء حاجات المنزل حينما تصاب بالعطل. توجه أحمد إلى مطبخه الصغير لإعداد وجبة الإفطار بنفسه، متحاشياً استيقاظ زوجته، لأنها كانت ساهرة طوال الليلة الماضية مع ولدها الصغير الذي كان يتألم من مغص حاد ينتابه في كل ليلة، فتظل الأم ساهرة بجنبه الى أن يأتيه النوم. قلى بيضتين على وجه السرعة، ووضع إبريق الشاي على النار وسخّن قرصاً من الخبز، وبعد لحظات التهمها كالنسر الذي ينقض على فريسته، وارتدى ملابس العمل بسرعة فائقة وغادر المنزل.. ركب أحمد أول سيارة صادفته وهي متجهة إلى الباب الشرقي حيث مكان عمله.. كانت عربة الخضار بانتظاره، فهو يذهب إلى علاوي جميلة عصراً ليشتري الخيار والطماطم والبصل والباذنجان والبطاطا، ويضع كل هذه المواد في العربة، ثم يأتي في الصباح الباكر لبيعها على الناس المستطرقين، وهو ينادي على بضاعته: "مال اليوم رخيص وتازة، جوه السوك، كيلوين بألف، وين أبو الجديد... وين الشراية". وهذه عادته في كل يوم. أحمد لم يمتلك غير هذه المهنة، حيث راح يمارسها منذ سقوط النظام، وحينما يسأله بعضهم: "ما عندك غير هاي الشغلة؟!"، يرد عليهم: "الحمد لله والشكر خوش شغلة ومستورة.. ورزق حلال أحسن من خمط هواي من السياسيين". ودائماً ما تجد أحمد يتحسر، كونه لم يكمل دراسته، وقد اكتفى بالشهادة الابتدائية بسبب الظروف القاسية، التي مرت على البلد جراء السياسات الخاطئة للنظام السابق. لكنه يرد على نفسه ويقول: "ربما أنا أفضل من غيري، فمعظم خريجي الكليات والمعاهد يقضون أوقاتهم في المقاهي، تعصف بهم ريح البطالة والإفلاس. لم يدر بخلد أحمد أن ثمة حزاماً ناسفاً يرتديه أحد البغال البشرية كان بانتظاره، يريد أن ينهي حياته البائسة هذه ويحرم أسرته الصغيرة من المبالغ الضئيلة التي تحميها من مرارة العوز في هذه الزمن المرّ. ركن أحمد عربته على الرصيف، وهي ممتلئة بالخضار في ساحة الطيران وسط بغداد، بين عدد من الباعة، ومن الناس المتوجهين على أعمالهم كالعادة... وإذا بانفجار ذلك الحزام الناسف الذي كان يرتديه الإرهابي اللعين، فيصعد لهيب النار والدخان إلى كبد السماء، ليصل سنانها المصحوب بالشظايا الى جسده النحيل، وما هي إلا هنيهة وإذا بأحمد جثة هامدة مرمية على اسفلت الشارع إلى جانب عربته المتفحمة والتي تسري بها النار، وسط صراخ وضجيج تداخل بعضه بعضاً، وجثث هنا وهناك لأناس آخرين من المارة ومن أصحاب البسطات، فصار المكان كأنه يوم القيامة. وأعلن المدير العام لصحة الرصافة الدكتور عبد الغني الساعدي ارتفاع حصيلة انفجار ساحة الطيران إلى 26 شهيداً كان أحمد واحداً منهم فضلاً عن 90 جريحاً، وسط العاصمة بغداد. وقال الدكتور عبد الغني الساعدي في تصريح صحفي تناولته وسائل الإعلام المختلفة، إن "هذه الحصيلة هي في عدد من مستشفيات بغداد وهناك بعض الحالات الخطرة فيما بينهم". وأضاف الساعدي ان "مستشفى الكندي سجل ثمانية شهداء و48 جريحاً، فيماً مستشفى الشيخ زايد استقبل أكثر من 32 جريحاً و14 شهيداً". وتابع أن "مستشفى الجملة العصبية سجل وصول أربع حالات استشهاد و10 جرحى خمسة منهم في حالة خطرة". الساعدي أكد توفر كافة الاحتياجات الضرورية الطبية في جميع مستشفيات الرصافة. من جانبها أعلنت وزارة الداخلية استشهاد وجرح 81 شخصاً إثر التفجير الإرهابي المزدوج في ساحة الطيران وسط بغداد. رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، من جانبه دعاً السلطات الأمنية إلى بذل قصارى جهدها للقبض على مرتكبي التفجير الإجرامي الذي استهدف المواطنين في ساحة الطيران وسط بغداد. وذكر مكتبه أن "رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، أدان بأشد العبارات التفجير الإجرامي على المواطنين في ساحة الطيران وسط بغداد"، داعياً السلطات الأمنية إلى "بذل قصارى جهدها للقبض العاجل على مرتكبي هذه الجريمة". وأضاف أن "مرتكبي هذا العمل الارهابي يؤكدون مجدداً طبيعتهم الإجرامية وافتقارهم لأبسط القيم الانسانية والاخلاقية كما يثبتون عداءهم الاعمى للعراق وشعبه باستهدافهم المواطنين المدنيين العزل". وعبّر معصوم عن "عزائه ومواساته لذوي شهداء وجرحى الحادث"، معرباً عن "ألمه البالغ لوقوع العشرات من المواطنين الأبرياء جراء الحادث".
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجال الدين وتقنين الفساد
-
سرقوا حتى رزاق المخبل!
-
هل للسحر واقع خارجي؟
-
فلسفة كانت السياسية والاخلاقية(1)
-
الشيخ ابو سريع والحمار المدفون
-
اللعبة الامريكية بعد داعش
-
شيوخ الوهابية يبثون التخلف والجهل
-
مفهوم الالحاد في القرآن
-
الأحكام العقلية عند كانت
-
السعودية.. ابن سلمان هل هو مهديهم الموعود؟
-
لماذا كانت أعرض عن الزواج؟
-
المركز وازمة الاقليم
-
حلم الاكراد ولد ميتاً
-
القصيمي.. من وهابي الى ملحد 1 /3
-
الاعراف... بين الزرادشتية والاسلام
-
مصطفى محمود.. ونشره الخرافة
-
المرأة السعودية تتنفس الصعداء
-
استفتاء الإقليم وتبعاته
-
خرافة أسمها الحسد
-
الثورة الروسية الكبرى هل حققت اهدافها؟
المزيد.....
-
-فايننشال تايمز-: الغرب يبحث خطة تتخلى سلطات كييف بموجبها عن
...
-
في يومهم العالمي.. المعلمون والمعلمات أولاً
-
أول تعليق من حزب الله على مصير هاشم صفي الدين خليفة نصرالله
...
-
-إيران وإسرائيل في قبضة دائرة الانتقام-- فاينانشيال تايمز
-
واشنطن بوست: جنديات إسرائيليات يؤكدن -نحن غير محميات- وهذا
...
-
إحصاء: مواطنو بلدين عربيين في صدارة -غير المرغوب فيهم- بأورو
...
-
أبرز ما يميز درونات -Cube- الانتحارية الروسية
-
صواريخ كروز عراقية مطورة تضرب هدفين إسرائيليين في حيفا والجن
...
-
استهدف طواقم الإسعاف.. القصف الإسرائيلي يوقف العمل بمستشفيات
...
-
فقدان الاتصال مع هاشم صفي الدين وسط تقديرات إسرائيلية بمقتله
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|