سابعاً : المنشأ الخارجي ، ونريد به تدخل العديد من المراكز القوى الأجنبية في إيجاد معادلات الصراع الداخلي سواء بالتدخل المباشر أو من خلال الطوابير المُعلنة والخفية أو من خلال أخطاء وحماقات وكوارث السلطة فيما أنتجته من تدويل لقضايانا جعلت العراق حلبة لصراع الإرادات والنفوذ والأطماع الخارجية ،.. كل ذلك أسس ويؤسس لصراعات مُعقدة وعميقة ربطت وتربط مصير بلدنا بجملة من العوامل الخارجة عن إرادته واختياره .
كما نُريد أيضاً بالمنشأ الخارجي للصراعات ، شيوع عدم الإستقرار في محيطنا الإقليمي وتميّزه بالصراعات المتواصلة ، الأمر الذي انعكس وبشكلٍ مباشر على واقع بلدنا باعتباره جزءاً من منظوماته السياسية والإجتماعية والثقافية ، فهناك الصراعات المتأتية من عدم تثبيت الحدود الثنائية مع أكثر من دولة ، ومشاكل المياه ، ومشاكل مصادر الطاقة ، ومشاكل التدخل في الشؤون الداخلية ، ومشكلة الشعب الفلسطيني ، ومشاكل الهجرة والتنمية والإرهاب ..الخ ، فكافة هذه الصراعات تُلقي بظلالها على واقعنا العراقي .
تجفيف منابع الصراع الكارثي
نقول الصراع الكارثي هنا ، لأنَّ الصراع السلمي المنضبط بالأُطر القيمية والأخلاقية والقانونية والوطنية ليس فقط مما لا ضرر كارثي فيه ، بل هو إيجابي ضمن سُنن إنتاج الإبداع وتفعيل الحركية الإنسانية في الميادين المختلفة ، فصراع الأفكار والرؤى والتجارب هو المُنجز للتحدي والوالد للجديد والمُجذّر للحقائق على تنوعها ، وهنا فدينامكية الصراع فيما لو تأطّرت بالأُطر الصحيحة ستُنتج جوهراً مجتمعياً ووطنياً نابضاً بالحياة والحركة والهظم والتمثيل والإنتاج ، لذا يمكن اعتباره شرطاً للحركية المُبدعة .
أمّا فيما يتعلق بالصراع المنتج للكوارث الإجتماعية والسياسية والوطنية ، فهو مما تجب المباشرة الواعية والفعلية لتجفيف منابعه من قِبَل كافة النُخب والشرائح والحركات والمدارس الفكرية والسياسية والإجتماعية ، كونه يقود لنحر الأنا الوطنية المُعبّرة عن وجودنا وكياننا العراقي في حاضره ومستقبله .
إنَّ أهم البُنى التي نستطيع من خلالها تفادي الصراعات الكارثية المُهددة لتجاربنا العراقية القادمة ، تتمثل بما يلي :
أولاً : الإتفاق على مُركّب بُنيوي يضمن تلاقي خطوطنا المدرسية والسياسية على أرضيته الجامعة والمشتركة ، والذي يضمن مصادرة التقابل المنغلق والصراع الحاد بين منظومات كل فريق ،.. وهنا ستتمكن ذاتنا الوطنية من إنجاز وحدتها المضمونية كأساس تستنده في إنتاج الرؤى والبرامج والمشاريع الخاصة بالدولة والسلطة والمجتمع .
والمُركّب البُنيوي الذي نراه ممكناً وجامعاً لخطوطنا السياسية واتجاهاتنا المدرسية ، يتمثل بثُلاثي : الأصالة والحداثة والتنمية ، وهذا ما تناولنا بحثه في دراسة (( نحو أُمّة عراقية سيّدة حُرّة أصيلة )) كأساس تقوم عليه مجمل بناءات الأنا العراقية في تموضعاتها كافة .
إننا نرى ، أنَّ صراعاتنا البُنيوية يمكنها أن تُنتج جوهراً بُنيوياً نوعياً فيما لو انفتح أحدنا على الآخر على أرضية هذا المُركّب ، بما يضمن اشتراك خطوطنا المدرسية في إنضاج تجربة وطنية صالحة ومتقدمة ومزدهرة ، يجد فيها الكُل ذاته ، الديني والقيمي والحداثي في حركية يُكمل بعضها بعضاً دونما أدنى انغلاق أو استلاب أو تخلف أو تقهقر .