أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسين درويش العادلي - نحو أُمّة عراقية سيّدة حُرّة أصيلة















المزيد.....

نحو أُمّة عراقية سيّدة حُرّة أصيلة


حسين درويش العادلي

الحوار المتمدن-العدد: 377 - 2003 / 1 / 24 - 16:43
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

الحلقة ((3))

الذات العراقية .. والمضمون البُنيوي
 

 

 


   * التلازم بين إنجاز أية ذات وبين المضمون البُنيوي الذي تعتمده وتختزنه هو تلازم جوهري لا غنى عنه لتحديد الشخصية المجتمعية والهوية الوطنية لأية أُمّة ،.. فالأُمم لا تتشكّل اعتباطاً ، وليس لصُدف التلفيق من فعلٍ جوهري في إنجاز أية ذات حقيقية فاعلة ومُنتجة ومُتجذّرة ، وليس للوجود الكمّي لأي شعب من قيمة فيما لو افتقد المضمون والمرتكز البُنيوي الذي يهب للكم الكيف وللإطار الصورة وللبرواز المعنى والخصوصية والرسالة والغاية ،.. من هنا فلا وجود حقيقي لأُمّة بلا مضمون مُحدد ، ولا مضمون من دون معالم ومرتكزات بُنيوية واضحة تعتمدها الأُمة لتحديد ذاتها ووجودها ونكهتها المميزة بين الأُمم ،.. لذا فأي إنهيار حقيقي لأية أُمة إنما هو في عمقه انهيار لمضمونها المتصل بمرتكزاتها البنيوية .
   وكلما كانت المرتكزات البنيوية حقيقية غير زائفة وجوهرية غير طارئة ومتناغمة غير متعارضة ، تتوحد وتتكامل على أرضية مشروع مُستوعب لكافة خصوصيات الأُمّة ومديات النهوض المتقدم بها .. كلما أُنتجت أُمّةً متماسكة ومُبدعة قادرة على الفعل والبقاء ، وأي غياب لأي جذرٍ مضموني أو خلل في أي أُسٍ بنيوي سيعود بالإضطراب والتصادم والإندحار لذات الأُمة من الداخل بما يُهدد وجودها الكياني ككل .
  
   * وإنطلاقاً من أنَّ صيرورة أية أُمّة تتشكّل من خلال تكامل العناصر الأساسية في مرتكزاتها البنيوية وصولاً لإنجاز ذاتها وهويتها ووجودها النوعي المتميز ، وأنَّ وحدتها وقوتها وتراصها سلباً أو إيجاباً مقترن بوحدة وقوة وتراص أنظمتها الذاتية المُشكّلة لكينونتها في الوجود ،.. إنطلاقاً من هذا ، فإننا نزعم : أنَّ كافة مظاهر الخلل والإندحار في تجربتنا العراقية طيلة العقود الثمانية الماضية ، إنما هي تعبير جلي عن أنَّ ذات وهوية أُمتنا العراقية لم تُنتج بعد بشكل متوازنٍ ومُتكاملٍ وأصيل .
   والسبب الأساس يتمثل بافتقاد الأُمّة العراقية للمضمون البنيوي على المستوى الوطني الشامل والمتناسب مع وجودها المقترن بولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921م ، ورسم حدودها النهائية مع زوال الإستعمار البريطاني المباشر وتشكيل التركيبة الوطنية العراقية على ما هي عليه الآن ،.. فهذه التركيبة التي تحددت تقسيماتها العِرقية والطائفية والثقافية وتحددت بها الدولة العراقية القائمة والتي هي تركيبة حديثة قامت على أنقاض العراق التأريخي المعروف .. لم تجد مَن يُحدد لها الذات ويُشكّل لها المضمون وفق أنساق بنيوية سليمة تأخذ بنظر الإعتبار الولادة الجديدة للعراق سياسياً واجتماعياً وحضارياً ،.. وهذا ما يُحاول المقال تسليط الضوء عليه كجزءٍ من وعي الذات وتشخيص مرتسمات تجربتنا العراقية القادمة .

   * ولقد حاول العديد من مفكّرينا الإجتماعيين والسياسيين تلمس التكوين المضطرب للذّات والشخصية العراقية الحديثة وما أُفرِز على أساسه من تجارب ، فطرحوا نظرياتهم الراصدة لمكامن هذا الإضطراب البنيوي ، فقرروا أنَّ الصراع ناجم عن إختلاف أنظمة القيم الإجتماعية إمّاجرّاء اختلاف الحاضن الإجتماعي كالإختلاف بين قيم البداوة وقيم الحضارة ، أو جرّاء اختلاف الحاضن البيئي كاختلاف قيم الريف وقيم المدينة ، أو جرّاء الإلتحام الصّرف والكامل بالذاكرة التأريخية ، أو جرّاء تأثيرات المناخ أو الأرض أو غزو الثقافات أو لتأسيسات عهود الإستعمار ..الخ .
   ولعل لكافة هذه العوامل تأثيرها هنا وهناك في عملية الإنتاج الكلي للشخصية والذات العراقية ، ويجب عدم إهمالها في التحليل والإستنتاج في الرؤى والحلول التطبيقية القادمة ، ولكن من الخطأ المنهجي التعويل على عاملٍ أو عاملين في منظومة التحليل والإستناج ، فالعديد من انتكاسات هذه الذات لم يكن إفرازاً لتعارض قيمي بين البداوة والحضارة أو بين الريف والمدينة .. فالتجارب المدرسية فكرية كانت أم سياسية أم مجتمعية والتي شهدها العراق طيلة العقود الثمانية المنصرمة كانت في جانبٍ منها عبارة عن صور لتعارض قيمي وفكري ومدرسي ناجم بدرجة كبيرة عن طبيعة النظرة البنيوية العقدية والثقافية والحضارية للذات العراقية الحديثة ، والتي كانت تحكم قناعة وسلوك العديد من النُخب العراقية وما زالت ،.. أي أن مغذّيات التعارض المُسبب لإضطراب الشخصية العراقية استلهم وجوده هنا من خلفيات ايديولوجية وقيمية وثقافية متعددة شاركت في صياغة تشظي الذات الوطنية العراقية واضطرابها ،.. إضافةً للمغذّيات التقليدية الأُخرى ،.. وهذا هو حال التركيبة المجتمعية ومسائلها والتي تتداخل في تكوينها جملة من المؤثرات العامة والخاصة في إنتاج وصياغة الشخصية والتجارب البنيوية على مستوى الأُمّة .
   وعليه ، فالأوّلى أخذ الذّات الوطنية العراقية كوحدة كلية ثم النظر في مسببات اضطرابها وفشلها في أدوارها الداخلية والخارجية ،.. ولا شك أنَّ لهذا الإضطراب وما أنتجه من تشظي للذات واندحار للتجربة العراقية والذي عبّر عن نفسه من خلال العديد من التجارب على صعيد الدولة والسلطة والمعارضة ، جاء كنتيجة موضوعية لتداخل عوامل عدّة شكلّت البُنى التحتية والمؤسِسة لإندحار التجربة والدور معاً ،.. وهي تندرج ككل ضمن إطار فشل واندحار المشروع البنيوي الوطني المعني بتناول الذّات الوطنية العراقية الحديثة كبناء وترشيد وتنمية وعلى مختلف الصُعُد والتطبيقات منذ عام 1921 م .
 
   * من هنا نقول : إنَّ التركيبة المجتمعية التي قامت على أساس هذا التشكيل الوطني لم تفلح خلال العقود المنصرمة في تحديد ماهيتها كبُنية ومضمون وطني مُحدد ،.. فلا الدولة العراقية نهضت بهذا الدور ، كونها أساساً أفُرزت وأُقرّت على أساس البُنى التقليدية المُحتضِنة للتشظي الوطني كالبُنى الطائفية والعِرقية والعائلية ، إضافة إلى أنَّ تشكّلها كان تلفيقياً (( بإرادة ووجوه إنكليزية وبقايا مخلفات الحُكم العثماني )) مما أفقدها شرعية الولادة الطبيعية والموضوعية التي تستطيع من خلالها ممارسة دورها البنيوي إنطلاقاً من وحدتها النوعية مع مجتمعها ،.. ولا النُخب المجتمعية العراقية الأصيلة كانت واعية لأهمية إعادة بناء الذّات الحديثة ، ولا مستوى الإدراك العراقي الشعبي العام كان مؤهلاّ للنهوض بمهام إنجاز الهوية الجديدة ،.. يُضاف إليه أنَّ معظم مراكز القوة والنفوذ السلطوي والنخبوي والتوجيهي والتربوي كانت أجنبية (( في الإنتماء أو الولاء )) سواء على الصعيد الديني أو السياسي أو الإقتصادي أو الثقافي ، فقد أقامت هذه المراكز خطابها وبرامجها ومشاريعها عل أُسس طائفية أو إثنية أو ثقافية ضيّقة على حساب الكُل العراقي ، وفي كثير من الأحايين لم تندمج مع البلد الذي احتضنها بل اختارت العزلة والتقوقع ، وغالباً ما تميّزت نظرتها للأوساط العراقية الشعبية بالإحتقار والتعالي !! إنَّ عدم شعورها بالإنتماء وخلفياتها الثقافية المغايرة للوسط العراقي العام وعدم انصهارها وانخراطها في حركة المجتمع الكلية .. أوجد مراكز نخبوية منفصلة عن المجتمع العراقي أو منخرطة في أوساطه ولكن برؤية منحازة وتجزيئية ضيّقة ،.. لقد تم هذا الأمر لدى أهم المفاصل التأريخية من عمر تشكّل مجتمعنا ودولتنا العراقية ، مما ساعد في تعويم واستلاب هويتنا وذاتنا البنيوية في بُعدها الوطني الجديد الآخذ بالتشكّل تدريجياً .

   * ودون التوسع نقول ؛ لم تفلح الذات العراقية في إنجاز هويتها وقد وجدت نفسها قد تحددت بأُطر الدولة العراقية الحديثة على أنقاض العراق التأريخي المختلف عنها شكلاً ومضموناً ،.. فراحت تتلمس الطريق هنا وهناك لإنجاز هذه الذات وفق مرتكزات ومضامين بنيوية بسيطة أو ناقصة أو مُنحرفة أو متباينة .
   لقد وجدت ذاتنا الوطنية نفسها بين لُجج التحولات والتغيرات الدرامية المتسارعة في تجلياتها الفكرية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية ،.. فيما مثّلت الأُميّة والإستعمار والإنقلابات وتحكّم الأغراب بمراكز النفوذ .. الحواضن لمحاولات بناء الذات العراقية الحديثة ،.. أرادت من خلال هذا الواقع المضطرب والمتداخل والقلق أن تُنجز وجودها الماهوي من دون مشروع بنيوي وطني واضح ومُحدد تقوم على أساسٍ منه كافة برامجها وتجلياتها كوجود جديد يُغاير تأريخه في أكثر عروضه وأنساقه وتطلعاته !! ومن أين لها هذا المشروع البنيوي ومعظم مراكز التنظير والتوجيه والسيطرة كانت جزءاً من تشتت وضياع الذّات الوطنية لا جزءاً من برامج إنجازها وتكاملها سواء على صعيد الدولة أو النُخب المنُتجِة للفكر والطروحات والتجارب الميدانية !! وهنا ، فإنَّ جذر المشكلة العراقية المُنتج لكافة هذه التقلبات النافية للوحدة والإستقرار والنمو المضطرد ، يعود في عمقه إلى الخلل البنيوي الذي أصاب كينونتنا الوطنية بالصميم .

**     **     **



#حسين_درويش_العادلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو أُمّة عراقية سيّدة حُرّة أصيلة


المزيد.....




- مشتبه به في إطلاق نار يهرب من موقع الحادث.. ونظام جديد ساهم ...
- الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟
- بشار الأسد يستقبل وزير خارجية البحرين لبحث تحضيرات القمة الع ...
- ماكرون يدعو إلى إنشاء دفاع أوروبي موثوق يشمل النووي الفرنسي ...
- بعد 7 أشهر من الحرب على غزة.. عباس من الرياض: من حق إسرائيل ...
- المطبخ المركزي العالمي يعلن استئناف عملياته في غزة بعد نحو ش ...
- أوكرانيا تحذر من تدهور الجبهة وروسيا تحذر من المساس بأصولها ...
- ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعدا ...
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في ال ...
- مصر.. الداخلية تكشف حقيقة فيديو -الطفل يوسف العائد من الموت- ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسين درويش العادلي - نحو أُمّة عراقية سيّدة حُرّة أصيلة