أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - خمارة دليلة والزئبق -5-














المزيد.....

خمارة دليلة والزئبق -5-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5748 - 2018 / 1 / 5 - 12:41
المحور: الادب والفن
    


كانت أحاديث وحكايات الزبائن في الخمَّارات بسيطة وحزينة تثير الخوف والشفقة لأنها تحاكي الواقع. وكان يحدث أن يصير جو الخَمَّارة أكثر حَميميّة حين يمر بها أحد رموز الضيعة غير المنتظرين وهو في طريقه إلى الصلاة في النُذُور أو في الذكرى المقامة على بعض الأموات، أو حين يكون في جولته المعتادة في الزقاق والزواريب. ها أنا أبتسم في هذه اللحظة وأنا أتذكر كيف دخل الشيخ رضوان البسندلي برفقة الشيخ أبو يونس وطلب من مدير الخَمَّارة أبي جليلة كأس عرق على عجلٍ. إلا أنَّ المدير قد رفض تحقيق طلبه بحجة أنَّه لا يجلس في خمَّارته هكذا لوجه الله ويبيع بل مقابل.

غضب الشيخ وصرخ بأعلى صوته: "لا تشتروا قطة في كيس قبل أن تروها، ولا العرق في الدمجانة قبل أن تجربوا كأساً منه."
أجابه أبو جليلة: " كل ديك على مزبلته ملك يا شيخ، وأنا الملك هنا."
ردّ الشيخ بامتعاضٍ: "كل راهب على منبره عفيف."
تدّخل أبو يونس وقال: "دعه وشأنه يا رضيوان، لا يمكنك أن تسأل عن ضرطةٍ دافئة من كلبٍ ميت."
ابتسم أبو جليلة وسأل مناكفاً: "لما لا تتوقَّف عن الشرب يا شيخنا وتتفرَّغ للعبادة؟"
أجاب أبو يونس: "شيخنا لا يستطيع الوقوف على ساقٍ واحدة، الكأس هي ساقه الثانية."
قال الشيخ رضوان:"ولما لا تغلق خمَّارتك وتجلس في بيتك وتتمتع بحياتك بعد أن جمعت ما يكفي من المال، بدلاً من الضحك على ذقون الفقراء."
ضحك أبو يونس وقال: "لكل خمَّارة عَوْجاء مالك أعْوَج."
ضحك كل الزبن في الخمَّارة، ضحكا الشيخان بدورهما وغادرا وهما يلعنان ويشتمان بشكلٍ معيب البخلاء والمنافقين وأصحاب الخمَّارات والدكاكين في الضيعة.

وما زلت أذكر أيضاً لقائي الأول مع أبو نضال في خمَّارة دليلة والزئبق. كان يجلس هناك هادئاً لدرجة اِعتقدت معها أنَّ سلوكه وتفكيره في غاية التوازن، ثم لعنت في سري أولئك الذين يتكلمون عن اضطرابات نفسية اِنفصامية يعيشها الرجل، غير أنَّه نهض فجأةً وطالبنا بالصمت مُدّعياّ أنَّ ثمة اِتصال هاتفي مُستَعجِل قد وصله للتو من بلدٍ بعيد من أحد الرفاق القادة الذي يعمل معهم جنباً إلى جنب على مستوى النطاق الأممي. ومع هذا بقي سلوكه في نظري طبيعياً واحترمت رغبته، لكني تفاجأت أكثر حين سمح له صاحب الخَمَّارة بتناول سماعة التلفون رمادي اللون إذ أنَّني لم أسمع صوت أي رنين. رفعها إلى أذنه وبعد عدة ثواني سمعت صوته الواثق الواعد وهو يرعد بالعربية الفصحى:
"أهلاً بك رفيق لينين!"
ثم صمت قليلاً وكأنَّه حقاً يستمع إلى الطرف الآخر. تابع حديثه:
"رغباتك أوامر يا رفيق، سننفذها بحذافيرها، لا تقلق سأخبر الرفاق بخطتك الجديدة."
صمت ثانيةً ونظر إلينا، هزّ رأسه، حرّك يديه بقلقٍ، ثم قال:
"دعنا قليلاً يا رفيق من السياسة، أخبرني: كيف حال الرفيقة ناديجدا؟"
"جميل، جميل، أسعدتني الأخبار."
"إذا كان الرفيق تروتسكي في جوارك أرجو أن تصلني به، لديّ ما أقوله له"!
"بالتوفيق رفيقنا العزيز لينين، رافقتك السلامة."
ثم تتكرّرالإسطوانة:
"أهلاً، أهلاً بالبلشفي الغالي تروتسكي. ما هي الأخبار لديكم؟"
ما أن انتهت المكالمة حتى غادر الدكان تاركاً الندامى يسقطون في واحةٍ من الحيرة والحزن.
*****

هناك تعرّفت على أبو فواز، شاب نحيل الجسد قصير القامة، بوجهٍ مُدوّر وتقاسيم ناعمة، كان في نهاية عقده الثالث، كان يرتدي غالباً طقماً أبيض اللون مع قميص أسود أو طقماً أسود اللون مع قميص أبيض، وكان حذاؤه نظيفاً وأنيقاً يتناسب مع قدميه الصغيرتين، كان يشرب كثيراً، يدخن سجائر البولمول الواحدة من عقب الأخرى، يتكلم قليلاً جداً ولا يسكر. سمعت من صاحب الخمَّارة أنَّه من عائلة غنية وبالتالي فهو من الزبائن الدَّسَمين، وأنَّه يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية ولذا يسرقُ كل يوم علبة سبِيرْتُو من قسم الإسعاف، يشربها عادةً في المساء، إذ أنَّ كؤوس العرق لم تعد تفعل فعلها في جسمه، يشاهد مقاطع من أفلام ممنوعة ويخلد للنوم...

وهناك تعرّفت أيضاً على أبو جميل وأبو نزار وآخرين، ولكل منهم حكايته وجاذبيته، لكن شخصية وفيق هي التي لفتت انتباهي أكثر من غيرها بعد أخبرني أنَّه خبير في ميكانيك وكهرباء المصاعد، كان يبدو مختلفاً عن أترابه من سكان المغارة، يجلس في الخمَّارة ومجموعة مفكات براغي لا تفارق جيوب أفروله الأزرق. ولأنني كنت أبحث عن فرصة للتدريب العملي في المجال الميكانيكي وأحتاج للنقود من أجل الحياة الجامعية وددت أن ألتقيه في حالة صحوٍ كي أخبره عن رغبتي بالعمل معه لإكتساب الخبرة العملية.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمارة دليلة والزئبق -4-
- خمارة دليلة والزئبق -3-
- خمارة دليلة والزئبق -2-
- خمارة دليلة والزئبق -1-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -الحلقة الأخيرة-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -16-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -15-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -14-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -13-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -12-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -11-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -10-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -9-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -8-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -7-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -6-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -5-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -4-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -3-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -2-


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - خمارة دليلة والزئبق -5-