أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - الدولة الظاهرية والدولة الباطنية















المزيد.....

الدولة الظاهرية والدولة الباطنية


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5703 - 2017 / 11 / 19 - 18:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


النظام الدولي الجديد لا مركزي ولا طرفي، ولا يعترف بحدود ولا يتقيد بحواجز، ولا بسيادة وطنية أو قومية. إنه نظام عائم. أغلب دول العالم عومت نفسها ووضعته في خدمته، وعلى مقاسه.
إنه نظام عالمي، سيادته عالمية، يأكل الخاص ويضعه في خدمة العام. وقوده المجتمعات الهشة: فهو منظم الهجرات والانتقالات البشرية، ويعمل على إلغاء التباينات والفوارق بين جميع الناس والمجتمعات من الناحية الشكلانية.
إنه نظام سلطوي دولي، ليس له قوانين ناظمة تحد من توسعه وتمدده أو تغطي آليات حركته، كما أنه غير مقيد بأخلاقيات الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحق والعدالة.
هذا النظام لا يعمل شاقوليًا أو أفقيًا كما كان سائدًا في الحرب الباردة. آلية حركته الحالية أهليلجية، شبكة عنكبوتية، قوته متمركزة في خلاياه البعيدة والقريبة. لا يتقيد بمكان أو حواجز، متحرك، يدور، ويُدور العلاقات الدولية من تحت لتحت، أي في الباطن، بعيدًا عن النظر والرؤية، وموجود في كل مكان. يعمل مثل خلية النحل، أو كعمل الخلية الحية.
إن خطابنا السياسي والفكري كمعارضة محلية وعالمية، تجاوزه الزمن، لأن النظام الدولي تجاوز ما كان سائدًا، فعام، وعوم الدول والمصائر، وأضحى يدير العالم من الأعلى، محطمًا كل القيم والمبادئ التي كانت سائدة في السابق، في الحرب الباردة: كالسيادة السياسية والسيادة الوطنية والحدود الوطنية.
وفي طريق نشاطه، يعمل على إلغاء الشكل السابق للمجتمع في البلدان المتقدمة والمتخلفة.
إنه نظام سياسي في شكله السياسي الظاهري، بيد أنه نظام باطني، يخفي ممارساته وتوجهاته ويختبأ وراء مفهوم الإرهاب في انتشاره: فهو شبكة معقدة من المبادلات السياسية والمعلومات والعلاقات. نظام أكثر سلطوية وأكثر تنسيقًا وتماسك للعلاقات والمصالح البينية بين دوله في الحرب والسلام وتوزيع الأدوار والأهداف. ومسيطر على المجال العام كله على المستوى الدولي، متجاوزًا الحدود والهوية والحواجز ومفاهيم الوطن والقومية والأخلاق والقيم. ويتحرك وفق آلية دقيقة ضمن جملة أشكال التحكم السياسي.
يفتقد هذا النظام إلى مفهوم جامع. ربما هذه التعمية ضرورية لاستمرار نشاطه وتوسعه.
ففي غياب معارضة واقعية موازية له، ومساوية لقوته، كقانون الفعل ورد الفعل، سيبقى اسمه النظام الدولي الجديد كما وصفه جورج بوش الأب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحلفاءه.
في الحقيقة، هو نظام بربري، لا أخلاقي ولا إنساني، وعنصري ويمكننا تسميته ما نشاء. إنه يسحق كل الأرث الإنساني السابق عليه، كالثقافة والتراث والآثار ومجمل الحضارة التي كانت قائمة. اعتقد أنه نظام سادي، حاقد، مملوء بالأفكار المريضة التي كانت سائدة في الحضارات المهزومة المكسورة، التي كان لديها رغبة في التشفي من الخصم، كحرقه وحرق كما يمت له بصلة، كحرق الأشجار والأطفال والنساء والمواشي والزاد والبيوت والمدن والقرى. باختصار هو نظام تدمير ممنهج كاره للحياة والوجود.
في هذا النظام المعني، هناك تأكل في المفاهيم التي كانت سائدة فيما كان في السابق، في نظام القطبين: كالدولة والديمقراطية وحقوق الإنسان دون إنتاج مفاهيم تتناسب مع ما يجري على الصعيد العالمي. في الحقيقة هناك تصحر في هذا الجانب.
إن تأكل الدولة، واستقلالها عن وظائفها أضحت جزء من النهج الذي يمارسه النظام العالمي على دوله وبالتالي على شعوب هذه الدول. لم تعد الدولة دولة والوطن وطن. والتهميش يطال كل المكونات الاجتماعية سواء في البلدان المتخلفة أو المتقدمة.
لقد تغير موقع ومحتوى الكثير من المفاهيم بتبدل الظروف والشروط المنتجة له، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول العام 2001، كمفهوم الهيمنة، السيطرة، المركز والأطراف، الاستقلال، تقرير المصير، التمركز الاقتصادي على الذات، الدولة الوطنية، النظم الأقليمية.
هذه المفاهيم السياسية، انتجت سياسيًا في فترة زمنية سابقة، كانت في ذلك الوقت ضرورة وحاجة لتسويق الرأسمالية كنمط إنتاج في مختلف تمرحلاتها وتحولاتها.
لقد انتجت مفاهيم كثيرة في المراحل السابقة على الرأسمالية الاحتكارية، وما بعد الاحتكارية، إلى أن وصلت إلى مرحلة متقدمة جدًا تجاوزت فيها مفهوم الدولة والوطن والحدود الوطنية، كما كان سائدًا.
إن السياسات العالمية الحالية مفتوحة الأبعاد على مفاجأت كثيرة ومتعددة، وخياراتها لا حدود لها، لأن الدول الرأسمالية المركزية، لم تعد مقيدة بالقيم السياسية القديمة، والمفاهيم القديمة، كحقوق الإنسان والحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها والديمقراطية والرعاية الاجتماعية.
هذه المفاهيم الذي تم ذكرها فرغت سياسيًا من محتواها نتيجة التطورات الهائلة التي طرأت وتطرأ على الآليات التي تمر فيها الرأسمالية، خاصة في غياب معارضة تقف لها بالمرصاد.
تحولت الدولة في العالم إلى شكل دولة يعمل على مستويين، ظاهري، فوق الأرض والآخر مخفي، متواري أو مستور. الظاهري يمارس السياسة الشكلانية، بطريقة مخادعة وتهويم، وأعلامه مدجن وخاضع لرغبات النظام وتوجهه، ولا يحيد عن الطريق. والدولة الباطنية، الغامضة مرتبطة بشبكة علاقات تحت التحت، تنسق وتخطط وتنظم العلاقات بين وشائج النظام الغائب عن العين.
في الحقيقة لم يبق للدولة الظاهرة إلا الأسم والشكل أما الدولة الباطنية المخفية فهي التي تملك السلطة الفعلية وتدير الحروب البينية في الدولة الواحدة وتمزق المجتمع الواحد وترعى ظاهريًا الهجرة وتقديم المساعدات الطبية والغذائية وكل ما له علاقة بالجانب الإنساني، الناتج عن حروب النظام. وتدفع قطاعات اجتماعية للنزوح أو اللجوء.
إن الدولة الظاهرية لم تعد سياسية، ولا تملك القرار ولا السيادة على دولتها وحدودها، ولا تمون على نفسها، وتترك للدولة الباطنية أن تأخذ زمام المبادرة.
في الظاهر يختلفون، ويتناحرون عبر المنابر الدولية القديمة كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والاعلام، وكأنهم في أجواء الحرب الباردة، وفي الباطن يتعاونون وينظمون مصالحهم وشكل إدارتهم للنظام الدولي وعلاقاته ومصالحه.
ازاحت السيادة الشكلانية للدولة الظاهرية من التداول لتفسح المجال لتكريس السيادة الباطنية على النظام الدولي الجديد. ووضع الجميع نفسه تحت إدارتها وخدمتها. ربما العراق وسوريا وأقليم كردستان وتركيا وإيران والخليج وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة والصين مثلًا صارخًا لما حدث ويحدث. ففي الدول المذكورة، معارضة وحكومة، وضعوا أنفسهم ومواردهم الوطنية في خدمة النظام الدولي الجديد، واستمرار وظائفه: أرض وثروات وبنية تحتية، ومجتمع وجيش ودولة ومؤسسات لمصلحة استمرار هذا النظام.
ليس هناك من أفاق يعيد للإنسان إنسانيته سوى أن يصب نضاله في تفكيك هذا النظام ومحاولة إنتاج معارضة عالمية، تنطلق من الوطن الصغير إلى الوطن العالمي، ويتعالى الناس على الصغائر، وأن يكونوا على مستوى المسؤولية العالمية.
النظام الدولي الجديد أقلع في تثبيت ركائزه ورغباته وتحقيق مصالحه، بقي على المعارضة أن تعد نفسها للمواجهة وتضع حدًا لهذا التوحش المدمر.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية ومخالب السلطة
- انهيار الدولة السورية
- الحداثة والغربة في رواية (الأشجار واغتيال مرزوق)
- عن علاقة الدين والدولة
- عبد السلام العجيلي الأديب والإنسان
- عن المجتمع المدني
- الغربة والسجن في رواية دروز بلغراد
- قهوة الجنرال
- المرأة في رواية “بجعات برية”
- الملك السويدي كوستاف الثاني ادولف
- أرض ورماد
- الانقلاب الثاني في سوريا
- إيلين
- السمكة الذهبية
- شيء من الحقيقة والسوريالية.
- العودة إلى الانقلاب الأول
- الانقلاب الأول في سوريا
- الرأسمالية واقع موضوعي
- النص والحياة
- الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - الدولة الظاهرية والدولة الباطنية