أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - قهوة الجنرال















المزيد.....

قهوة الجنرال


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5599 - 2017 / 8 / 2 - 22:34
المحور: الادب والفن
    


رغم إيماني بأن جسد الأنثى مقدس، خطر، لا يمُس، غير أني بدأت أتنازل عنه عضوًا بعد آخر، حتى أصبح لحمي كله ملكًا له. ولا أعرف كيف ضحيت من أجله بتلك اللحظة التي تعتبرها الفتاة لحظة مصيرية في حياتها.
إن هذا النص يعبر عن مشهد مركَّب بلغة أدبية محكمة، مستخدمًا البعد الثالث في رسم معانيه وأهدافه. ولا تخلوا كلمة أو جملة من صور متعددة الألوان، منسجمة ومتناقضة، متداخلة ومتنافرة في الآن ذاته محاولاً الفات القارئ نحو منظومة تقبل الشك كما تقبل اليقين وبهذا يتحقق البعد الثالث في محاكمة ذهنية تجذب المعنى الى حافة التعدد ومساحة التأويل .
يخيل للمرء أن النص يتحدث عن فتاة مقبلة على الحياة بيد أن الأمر مختلف تمامًا، إذ السرد الروائي يتحدث عن مشهد على خشبة المسرح، على أرض الواقع داخل الزنزانة وعن الجدار الأسود العازل الذي يفصل بين الحقيقة والوهم عامداً متعمداً في تأثيث حكاية الهاوية : "كان المكان أبكم بلا نوافذ، يصلح للاغتصاب فقط.. وكان الضوء خافتًا".
إن الانتقالات الفنية من موقع إلى آخر في المشهد الواحد، داخل النص الروائي الواحد، متداخلة بحرفية عالية: الرمز في الواقع، الظل في النور، الفجر في الشفق، انها أشبه بلوحة فنان يعرف مزج الألوان بدقة متناهية، ويوزعها على مساحة البياض الذي يشي بالاشكال داخل المخيلة لتصبح بعد ذلك مساحات لونية تضج بالحياة . أو يهب لرتق اللون الواحد أبعاده في ظله ونوره، ليحوله إلى متعدد، متضارب ومتماهي في بعضه البعض.
هذا التداخل يحِيرُ القارئ أمامه الى درجة التحريض والاستفزاز ويأخذه من راحة باله وسكينته إلى عالم الفن، المركب ويسير معه من حالة إلى آخرى، فيقع في أسر النص الساحر وفاعليته من حيث محاولته القبض على الزمن والمكان: المسرح، الواقع، وحركية الحياة وتناقضات عالم الإنسان والطبيعة .
في هذا الفضاء النصي المتحرك، يتساءل المرء: أيهما النور، وأيهما النور والظل؟ ومن هو الرجل ومن هي المرأة؟ ومن هو القواد ومن هو الجنرال؟ ومن هي العاهرة ومن هو نقيضها؟ وهل يتحدث عن المسرح أم الزنزانة؟
يحول الروائي مشهد الاغتصاب إلى قطعة فنيةعلى خشبة مسرح عائم، تتراقص عليه الإضاءة ما بين الأبيض والأسود الحالك، بين الألم الذي تسببه عتمة الزنزانة والإضاءة المعتمة على الخشبة .
إن النص مملوء بالرموز والدلالات، فيحتار المرء بين ما هو المتخيل وما هو الواقع.
عرى الفاشية من خلال استدعاء الشاعر الاسباني لوركا، ووضعه فوق خشبة المسرح كي يحقق اسقاطاً فنياً يلبي رغبة السرد الروائي في محنته وجمالياتها كما أنه يعبر بحدة، عن عري فاشية الأنظمة العربية وتحولاتها في حماية نفسها من طوفان الحرية، وهو يشير هنا الى النظام السوري. وكأن الواقع هو مجرد مشهد على المسرح: وزنزانة الجنرال وزمنه، زمن الإنسان المكسور، المستلب والمهزوم ليربطه بزمننا ليخفف علينا ثقل الواقع. إنه يلسعنا بإبر مذببة لينطقنا، ليطرح علينا السؤال: ماذا يعني أن يبقى الإنسان في زنزانة عفنة تكثر فيها الفئران متسلقة فوق الاجساد الواهنة في عتمة دامسة.
ونتساءل بحدة ونريد إجابة شافية: من يتحول إلى مسخ على خشبة المسرح، الحياة، الجنرال أم نقيضه؟ الواقع أم القناع. إن التجسيد بين الأنا الحقيقية والمتخيلة يبقى مستمرًا مع النص إلى النهاية. وبين الظل وظله وربطه برباط محكم بين القواد والجنرال والعاهرة والواقع، بين الكذب والحقيقة.
"أقول في نفسي وهي تتراقص أمام الكلمات التي تنتقل من موضع إلى موضع"
ما أجمل الأدب عندما يشحن ذائقتنا الفنية بالألم اللذيذ والفرح. بذاك الوجع المفتوح على الجرح الذي علاه الملح ورتق الالم المزمن داباً كالنمل المتوحش فوق جلدنا ومشاعرنا وأنفاسنا ورؤيتنا: يفضح شكلنا وحقيقتنا، كذبنا وزيفنا. ونقول لأنفسنا: لماذا يحدث لنا ما يحدث؟ ثم نعود لنقول إنه عقل الإنسان، حقل التناقضات الذي يسمح بالدخول إلى عوالمه المتعدد، بجماله وقبحه.
نقرأ النص الروائي ونتأوه ونتوجع ونتألم ونشعر بالحسرة في اللحظة ذاتها:
" كان ممثلًا معروفًا، يقف وحيدًا فوق خشبة المسرح، تلك القطعة السوداء من الليل، كما كان يحلو له أن يصفها، تلك التي تزينها القناديل، وتتراقص على جدرانها الأشباح.. كان وقتها يتقمص روح لوركا ويمد يده للضوء الباهر في تلك الزنزانة المرتفعة.. كان رجلًا جميلًا، وكنــت قــد تخطيــُت ســن المراهقــة بنجاح كبير، وأصبحــت ناضجــة للخطيئــة، مثيرة للرغبات. وعندما التقينــا، طلــب منــي أن أرافقــه إلى سريــر الشــوك، فوافقت. كان يكره الذهب والفضة، ورضيــت أن يكــون خاتمــي وأســاوري من التنك المزخرف وتاجــي ومجوهــراتي مــن الحجــارة الكاذبــة.. وضــع الخاتــم في إصبعــي".
هذه مقاربة مستقلة بين الواقع وعالم لوركا والغجر، عالم الأحرار اللذين يكرهون الأماكن الضيقة والجدارن المغلقة. يكرهون كل اشكال السلطة والدولة والحدود والحواجز. وعالم الجنرال وحدوده وسلطته وأقبيته المظلمة، بين الآسر والعبودية من جهة والحرية من جهة أخرى، بين النور والسلام والقيد.
وهناك من ينقر رأسي:
هل المسرح والواقع مجرد خيال؟
وهل هي مصادفــة في مــسرح مغلــق تتقمــص فيــه الأجســاد أرواح الشــخصيات أمــام المشــاهدين؟
إنها انتقالات صادمة من موضع إلى آخر: " لم أكــن ممثــلاً، ولم نلتــق فوق الخشبة إلا إذا كانــت تعتبــر الحيــاة خشــبة كبيرة".
ثم ينتقل نقلة نوعية ليعري واقعنا الأليم:
"عــلى مرتفــع بائــس مــن الأرض، يفتــح رجليــه كي يطــوق خـصـر المدينــة الملوث بالسخام. وينتقل في السياق ذاته ليقول:
ما لن أنساه ابدًا أننــي كنــت في ثيــاب النــوم.. حافيــاً مقيد اليدين مخفورًا بالحراس المسلحين، داخل سيارة زيل عسكرية. ويكمل:
وتقــول لي إنهــا شــهقت حين سقطتُ. وتقــول إنهــا رفعتنــي وتركتنــي أعيــش داخــل القلــب. داخــل إطــار في القلــب. داخــل قلــب في إطــار مــن خشــب منخــور شــبه منحــرف.. ومنــذ ذلــك الجــدار وحتــى الآن، وأنــا أعيــش هنــاك وحيــدًا؟ لا أعــرف كيــف اصافح؟ لا أعــرف كيــف أرد التحيــة للعابريــن؟ أنــا الــذي رفــض الاعــتراف بأنهــا هبــة الليــل، وأنهــا التقطتنــي مــن الشــارع وأخذتنــي بســيارة بــلا نوافــذ إلى زنزانــة منفــردة بــلا أضــواء ولا أهــواء. أنــا الــذي احــترت كيــف أراها: مقـفـرة كزجاجــة فارغــة؟ أم خيمــة تمشــي عــلى أعمــدة مــن عــاج؟ قنديلًا مطفأ؟ أم بــدرا يتنفس في كيس أسود؟ أم وردة عارية تتباهى بأعضائها التناسلية أمام الرجال؟
كيف نستطيع قراءة هذا النص؟ وكم وكم إساقط اضفي عليه؟ كيف نلتقطه من بين سطوره ونضعه على الطاولة ونشرحه قبل أن يشرحنا. من هو النص؟ نحن أم النص ذاته؟ هل هو عاشق شبق يلهث خلف ممارسة القذارة ؟ أم ماذا؟
من له قدرة على تفكيك النص المتعدد القراءات والتأويلات في رواية رمزية أو مغرقة في رمزيتها، متداخلة الأبعاد، حداثية بامتياز، بيد أنها لا ترهقك، بل تجعلك مستمتعا بوجعك، تتفرج على جسدك الممزق، مسرحك، وجودك، وهو يتمزق بين يديك، وتضحك بملء إرادتك على ذاتك المسحوقة والمستلبة.
في الحقيقة لا أستطيع أن أمر على كلمة دون أن اتوقف أو أشهق لاتزود من مجريات الأحداث، حدث وقع لي، لك، لهذا الوطن السوري، المثقل بالجراح وما زال.

00"قهوة الجنرال، نص روائي للكاتب المسرحي السوري غسان جباعي الذي نال جائزة المزرعة للعام 2014 عن هذا النص ونشر عبر دار النون ـ الأمارات. تقع الرواية في مئة وتسعة صفحات".



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة في رواية “بجعات برية”
- الملك السويدي كوستاف الثاني ادولف
- أرض ورماد
- الانقلاب الثاني في سوريا
- إيلين
- السمكة الذهبية
- شيء من الحقيقة والسوريالية.
- العودة إلى الانقلاب الأول
- الانقلاب الأول في سوريا
- الرأسمالية واقع موضوعي
- النص والحياة
- الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا
- فصل من رواية في الأرض المسرة
- من ذاكرة الجزيرة السورية 2
- لبنان والبحر وهمسات الريح
- رواية يريفان
- من ذاكرة الجزيرة السورية 1
- مقالة في العبودية المختارة
- طيور الشوك
- استراتيجيات الغرب وجاذبية الشرق الأوسط


المزيد.....




- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - قهوة الجنرال