أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد كاظم غلوم - بعض مسالك ومهالك الحبّ في التراث الادبي العربي















المزيد.....

بعض مسالك ومهالك الحبّ في التراث الادبي العربي


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 5663 - 2017 / 10 / 8 - 23:19
المحور: الادب والفن
    


بعض مسالك ومهالك الحبّ في التراث الادبي العربيّ

مسالك الحبّ ليست دائما مفروشة بالعشب ومحاطة بالظلال وهدأة المشاوير وتقافز الوشوشات والتغزل بين الألسن والاسماع ، تتناقلها العيون والآذان وتلوّح بإيحاءاتها الى الاحاسيس كي تنتشي فرحا وسعادة فما قيل في " طوق حمامة ابن حزم الاندلسيّ يعدّ من النوادر والنزر اليسير وقد تكون وعاءً صغيرا أمام بحار الحيف والظلم والعنت والعسف تجاه الحبيبة ، هناك مسالك اخرى مفزعة وتثير الرعب بحيث تجعلك ترتجف خوفا وتثير الهلع والفزع والخوف المفرط وكأنك تمشي في غابة غير محروسة ولا تعرف متى تكون أضحية منذورة لعذاباته وبلواه ، وقد تكون اكثر دموية وفزعا من مسالك الكراهية التي اعتدنا ان نعيشها سنوات مابعد الاحتلال الاميركي لبلادي ، وقتذاك كنا نخاف المرور في الحيّ القريب منا وفي شوارع كنا نسميها شوارع الموت ودروب اللاعودة وما نقوله في لهجتنا العاميّة بأنها " درب الصدّ ما ردّ " .
ومادمنا نعيش أهوال وتراجيديا الدم الآن وصنوف القتل والتدمير النفسي ، فليكن حديثنا عن الموات بدافع العشق المفرط وغرائب المحبّ وطيشه وهلعهِ وأصناف الجريمة التي يرتكبها العاشق مما لا تخطر على البال بسبب ظواهرها التي قد لا تصدق ، وهذه فسحة عاجلة نجول فيها عمّا قرأناه من كتب التراث العربي عن دموية الحب وجنونه وغرائبيته وصلف العاشق وقسوته اللامتناهية التي قد تفوق ما يعمله الارهابيّ من صنيع بشع بحق عدوّه الان ؛ مع الفرق ان الحبيب المهووس الى حدّ التقديس للحبيبة يصرّ على فناء حبيبته بأبشع طريقة من طرائق الموت وهنا يتساوى الكره الاعمى والحبّ الاعمى معاً وكأنهما عملة واحدة وشفرَتي مقصٍّ تعملان سويةً على تمزيق وخرق فستان المحبة .
ولكن قبل أن أسرد حكايا التراث عن إجرام الحب وجنونه ، إذ صدمني قبل فترة قصيرة خبرٌ مهول جدا تصل البشاعة به الى حد لايصدق ابدا ، ولا أخفي ان هذا الحدَث الإجرامي القذر حثَّـني على كتابة هذا المقال ؛ فقد عرفتُ حبيبين تعلّقا ببعضهما منذ بضعة عقود وكان حبهما من العمق والإيغال في النفس بحيث يستحيل ان يفتر وتحلّ وثاقه اية أزمة او مشكلة ما مهما تعقّدت وتفاقمت وكنت أظنهما يفوقان عشاق بني عذرة في الهيام والصبابة .
هذان العاشقان افترقا فجأة وانفصم حبل التوادّ والتعلّق وحلّت الكراهية بينهما الى حدّ المقت مما حدا بالعاشق ان يرتكب جريمة غادرة يصعب ان يمارسها إنسان سويّ ملأ قلبه العشقُ سابقا وأبدله بالكره لاحقا فتحيّن الفرصة المناسبة اثناء خروج حبيبته الاولى من دوامها وقام برشّ وجهها بحامض الكبريتيد المركزّ او مانسميه " التيزاب " او " ماء النار " .
ولكم ان تتصوروا مدى التشويه والبشاعة التي رسخت في ذلك الوجه الذي كان مبهراً مشرقا وهّاجا بالطلعة الجميلة وما سبب لهذه الانثى من عمىً أخفى ضوء رؤيتها في عينها اليمنى وآثار تشوهات اخرى في عينها اليسرى لكنها اي اليسرى لم تفقد بصرها كلياً .
ولنعد الى مصائب وحكايا التراث ؛ فكثيرةٌ هي الروايات التي وردتنا من التراث الادبي العربي عمّا يسببه الحب من جنون يصل احيانا الى الجرم والإصرار على ارتكابهِ دون اية حالة ندم حينما يصل الى ذروته وقد يؤدي الى الهلاك ليس على الحبيب وحده بل ينسحب هذا الهلاك على الحبيبة المسكينة عند اشتداد الغيرة وتمنِّي الاستحواذ على مَن نحب مادمنا على قيد الحياة ولا نكتفي بهذا بل نريد ان يرافقنا المحبّ الى العالم الاخر .
فما يقال عن الحب وجنونه وإجرامه الهائل ليس ضرباً من الوهم والخيال والميتافيزيقيا ؛ وكم من الحقائق العجيبة التي لاتكاد تصدق أصابت العاشقين اذ تحفل قصص التراث بالغزير من الحكايات المؤلمة ودعوني أذكر بعضا منها نزرا يسيراً من بطون كتبٍ حفلتْ من قصص الحبّ كثيرا .
روى أبو حيّان التّوحيديّ في كتابه « البصائر والذّخائر » ، قال : إنّ شخصاً اسمُه " عبد العزيز بن دُلف " دعا بجاريةٍ له كان يرى الدنيا وجمالها وروعتها بعينيها ، يهيم بها حبّا الى حدّ الهوس والخبل ، لو فارقها هنيهة واحدة ، وفي لحظة جنون عجيب اختلط معه الهيام والتعلّق ؛ قام بضرب عنقها وقتلَها إصراراً عامداً . فقيل له : لمَ فعلتَ ذلك؟ فقال : مَخافةَ أن أموتَ في حبّها، فتبقى هي بعدي تحت غيري .
ويعلِّق التّوحيديّ، قائلاً : هذا نمَطٌ من الجنون قلما يصل اليه عاشق في أمم وشعوب الارض كلها .

اما ديك الجن الحمصي فقصته المعروفة المتداولة تتناقلها ألسن الناس يحار فيها العقل والجنون معا ، هذا الشاعر أحبّ جارية اسمها " ورد " من نصارى حمص وجمالها يخرق كل التقوى والمهابة والاتزان لدى الرجال ولو كانوا عُبّاداً ضالعين في الزهد والتصوّف والورع حتى قيل انها سمّيت " وردا " لان جسدها يفوح برائحة أنثوية ولا أشهى منها شميما عذبا ، وكان حبّه طاغيا عليه كليّاً ومن شدة غِيرته عليها قتلها شرّ قتلة بحيث قام بحزّ عنقها بالسيف مثلما يفعل الداعشيون اليوم ، ومع ان قتلها كان بوشاية كما يدّعي المؤرخون لكني استبعد هذه الحال ؛ ففي الحب صنفٌ عجيب وغريب ومهلك يجعلك تفقد عقلك تماما وهذا هو سبب شيوع حالات الانتحار وقتل النفس عن عمد نتيجة فشل في الحب او فقدان الحبيب او الحبيبة في ظرف ما وتكاد تكون هذه الظاهرة في قتل النفس عند كل شعوب العالم التي تضيق الخناق على الحب .
يقول ديك الجن في معشوقته " ورد بنت الناعمة " وهو يراها نازفة ميتة أمامه ودموعهُ تهطل مدراراً :
يا طلعة طلـع الحِـمـام عليهـا ---- وجنى لها ثمر الـردى بيديْــهـا
روّيتُ من دمها الثرى ولطالمـا -- روّى الهوى شفتيّ من شفتيها
قد حزّ سيفي في مجال خناقها --- ومدامعي تجري علـى خدّيهـا
فـوحقّ نعليها وما وطأ الثرى ---- شيءٌ أعـزّ علـيّ مـن نعْـليهـا
ما كان قتْـليهــا جناية عاشــقٍ ---- لكنْ أغار من النسيم عليــهـا
أبداً ضننتُ على العيون بحسنها -- وأنِفتُ من نظر الحسود إليها
وكثيرا ما كان مثل هذا الحب العجيب يتجاوز الخبل وشرود الذهن بأشواط فقد قرأت مرةً ان " قيسا بن الملوّح " رأى كلبَ محبوبته ليلى سارحاً أمامه فأسرع وراءه يتبعه لعله يدلّه على مكان تواجد مَن جنّنتهُ حبّاً ، اذ كثيرا ماكانت النسوة والأقوام المتنقلة تصحب كلبها معها على عادة بعض الاوربيين اليوم ، ومرّ بالصدفة وهو يتبع الكلب على جماعة من المسلمين يصلّون صلاة الجماعة في العراء دون ان يراهم بسبب انشغال عقله وحواسه بحبيبته وعاد من نفس الطريق دون ان يظفر بليلاه فناداه احد المصلين اثناء عودته خائباً وعاتبهُ لماذا لم ينضمّ اليهم للصلاة ؟ !
أجاب ابن الملوّح صادقا : والله ما رأيتكم أمام ناظريّ .
لكن المصلّين لم يصدقوه فأنكروا كلامه وعابوا تبريره فكيف لم يرهم وهم حشد كبير ! .
وردّ عليهم غاضباً : لو كنتم تحبون الله كما أحب ليلى لما رأيتموني عابراً ، وانتم كنتم بين يدي الله ورأيتموني ، وأنا كنت بين يدي كلب ليلى ولم أركم فكيف بي اذا تجسّدت ليلى أمامي !!
هكذا هو الحبّ الحقيقي حين يُعمي البصر ويغلق البصيرة وقد يُحدث إجراما ويعبث بالعقل أيّما عبث فأين نحن مما قرأنا وسمعنا من لواعجه وبلواه الآن .
حقا لم يكذب المثل الفرنسي الشائع الذي يقول " إذا أردت ان تعرف مستوى رقيّ شعبٍ ما فَـتَـحَـرَّ عن وضع المرأة واكشفْ عن جوانبِ حياتها بما في ذلك شكلَها الخارجي أيضا " .

جواد غلوم
[email protected]



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لُقَىً بخِسة في خَرِبة وطن
- العقيدة الدينيّة من التقليد الى العقلنة
- مرثية بعنوان -- مَلَلٌ و عِلَلٌ --
- أخطبوط الفساد في العراق
- زيارةٌ لها في الليلة الأربعين
- ليتني أعيش مع أقوام الهونزا
- الاوطان الحبيسة في كيس الفئران
- لماذا نتقن تشويه وجه الحرية ونطمس جمالها ؟
- حينما تنقلب الحركة الى صمتٍ هائل
- قبلاتٌ بشفاهٍ ريّا لوطنٍ بلا وجه
- الحياةُ حينما تأنسُ الموتَ
- الاشجار وتعلّقها بالموسيقى الراقية
- حصّالة مدّخرات شاعر
- عندما تتسامى غبطة الابداع وتتهاوى حطة الحروب
- لقاءٌ مع صديق محزون
- متى نتحضّر ونرتقي بعيدا عن الوثنيات الجديدة ؟
- قصيدة - وحدةٌ وتوَحّد -
- أممٌ تبتكر وأخرى تنكسر
- موت شجرتَي بيتي ورحيل شجرة روحي الخضراء
- قصيدة / اللقاء الاخير يؤذن بالوداع


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد كاظم غلوم - بعض مسالك ومهالك الحبّ في التراث الادبي العربي