أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد كاظم غلوم - ليتني أعيش مع أقوام الهونزا















المزيد.....

ليتني أعيش مع أقوام الهونزا


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 5625 - 2017 / 8 / 30 - 18:10
المحور: المجتمع المدني
    


ليتني أعيش مع أقوام الهونزا

حين تتفاقم الهموم وتكثر البلايا والرزايا والمنغصات بالشكل الذي لايمكن للانسان ان يطيقها ويحتملها في وطن عاقٍ بأهليه ؛ يظل الانسان باحثا عن مأوى وملاذ آمن ليعيش بقية حياته هانئا بعيدا عمّا يعكّر حياته من كل انواع الغرائبية التي تعشعش في بلاده .
ولكن مثل رجل هرم مثلي أقعدته السنون وكسحَهُ العمر الطويل الحافل بالاسقام وأنواع العجز وضعفت فيه الهمّة والعزم وهزمتْهُ الارادة ؛ يلوذ باحثا عن مجتمع سليم ولو كان بذهنه ويسافر بخياله اليه وهذا ما ظفرت به اخيرا عن مجتمع ناءٍ فوق سطح الارض بمسافة ليست بالقصيرة .
فلو أتيح لك ان ترتقي سفوح جبال الهملايا وتقطع مسافة (6230 ) قدما فوق سطح معمورتنا ، متسلقاً قبيل ان تصل الى قممها بمسافة قليلة ؛ سترى العجب العجاب عن قوم ماعاشوا حياة الحضارة ولا ناموا في أسرّتها الوثيرة ولا حتى لامستهم بأناملها الناعمة ، أقوام لايتجاوز عددهم ( 35 ) الف نسمة يتّصفون بخجل نسبي امام الغرباء لكنهم كثيرو المزاح مع بني جلدتهم .
يسمونهم قبيلة " الهونزا " ويسكنون في مقاطعة نائية تسمى " غاراغورام " وهم محسوبون اداريا وإقليميا ضمن دولة الباكستان حيث يستقرون في اقصى شمال البلاد في أعالي الجبال ولا توجد بينهم وبين المدن الباكستانية اية طرق مواصلات سالكة سوى ممرات نيسمية يقطعها السابلة وبغالهم وبقية حيواناتهم مشيا على الاقدام في سفوح الجبال لكنهم يختلفون عن أقوام بلادهم في انهم يتخاطبون بلغتهم الخاصة ولايعرفها مواطنوهم من الباكستانيين ، ويعيشون جنّة العزلة ؛ سعداء بوحدتهم رغم فترات الجليد والبرد التي تعتريهم وهم في الأعالي ، هانئين بلا صراعات سياسية وعنف وطائفية كالتي يعانيها مواطنوهم الباكستانيون ، أصحاء بلا أمراض العصر السائدة فينا مثل السكّري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب ، أجسادهم خالية من رهاب السرطان وقوامهم فارع الطول وسحنتهم ناصعة البياض يمتازون بالنحافة ولن تجد بينهم بدينا مفرط السمنة وقد اطلق عليهم لقب " المجتمع الاكثر سعادة " في هذه الارض بسبب الصحة الوافرة التي يتميزون بها والعمر المديد الذي يعيشونه اذ في الاعمّ الاغلب يتخطى معدل عمر الانسان الهونزيّ الى المئة عام وقد يبلغ مابين 120--- 140 سنة ، اضافة الى انهم – نساءً ورجالاً – يتميزون بالخصوبة في التناسل والإنجاب ولا ينقطع نسل الابوين حتى لو طال عمر الزوجين الى ما بعد التسعين سنة .
أما طعامهم فهو من صنع أيديهم ومن زرع سواعدهم في حقولهم التي من المحال ان يبيعوها للآخرين فمن يبع أرضه كمن يبيع نسله وفق أعرافهم وتقاليدهم ويشريون المياه النقيّة الزلال من العيون والينابيع الدافقة التي تدرّ عليهم من قمم الجبال وسفوحها مباشرةً وقبل ان تجري وتتشعب في مجرى الارض حاملة الاطيان والاوساخ والملوثات الارضية والغبار والاتربة العالقة في الهواء ، وكل موائد الطعام الخاصة بهم تحوي البقوليات الطازجة والخضار التي يزرعونها بأنفسهم والفواكه التي يقطفونها وخاصة المشمش اذ يعتبرونه مادة رئيسية لابد من تناولها يوميا ويعملون على تجفيف ماتبقّى من موسمه للاستفادة منه في المواسم الاخرى حيث يعتقد بان ثمرة المشمش سواء طازجة ام جافة لها قدرات عجيبة على التصدي لأية أمراض سرطانية قد تداهم أجسادهم ؛ لهذا من المحال ان تجد فردا منهم ابتلي بهذا المرض اللعين ، كما ان الأجواء العالية تتمتّع بأوكسجين نقيّ جدا وخالٍ من الملوثات الصناعية وعوادم السيارات والأتربة والغبار ومداخن المصانع .
هؤلاء معتادون على الاكل القليل بما يكفي البدن اذ يتناولون وجبتين في اليوم ومن المحال أن يأكلوا فيما بين الوجبات ، تراهم يكرهون البطنة ، فالبطنة تُذهب الفطنة كما تؤكد الامثال العربية السائرة وقلما يتناولون اللحوم سواء كانت حمراء او بيضاء ونادرا ماترى الدهون في موائدهم ، ومعدل السعرات الحرارية التي يتناولونها تتراوح بين 1800—1900 سعرة بينما ينهم الاميركي مثلاً مايزيد على (3300 ) سعرة حرارية يوميا .
اما عن مدى اهتمامهم ومتابعتهم بما يحيطنا من احداث سياسية ومشاكل اقتصادية ونزاعات فكرية وصراعات عسكرية فانهم لايعرفون شيئا عنها ولا يريدون ان يعرفوا منغّصات الحياة والانشغال بالسياسة مما ينقص العمر ويزيد الاسقام مفضّلين ممارسة الرياضة صباحا والجري صعودا ونزولا بين السفوح طقسا يوميا لابد من ممارسته كباراً وصغاراً ، وبعد انتهاء التمارين الرياضية يبدأون بعقد جلسات تأمل خاصة بهم تشبه الى حدّ كبير طقوس رياضة " اليوغا " لمدة نصف ساعة لتهدئة النفس وتغذية الأعصاب بالسكينة والراحة وزيادة قدرة العقل على التركيز لتكون اعمالهم اليومية في الكدح والنشاط الإنساني على أكمل وجه ، فليس غريبا ان يؤكد أحد المهتمين الدارسين لهؤلاء القوم وهو البريطاني " روبرت ماكريسون " ان من يعيش نمط افراد " الهونزا " كفيل ان يزداد عمره بين 40—60 سنة اضافية حيث هدأة البال وراحة العقل بعيدا عن ضوضاء الحروب وهياج السياسة والسياسيين ، والطعام الكافي الصحي المنتقى من جنى الأيادي الطيبة بلا أسمدة كيمياوية خضارا وفاكهة ، والماء الزلال الدافق من ينابيعه البكر ، والهواء الخالي من التلوث البيئي والمشبع بالاوكسجين الصافي المُعافي في القمم العليا قبل ان ينزل الى سفوح الارض ويتسرب في خناق الحضارة وملوثاتها وأدرانها التي لا تحصى .
وبسبب انعزال الهونزا عن العالم الخارجي تماما فان المنظمات والهيئات المعنية بالمعمّرين وعدد سنوات عيشهم لاتلتفت اليهم ؛ فلديهم من كبار السنّ مايفوق أعمار المسنين المعمّرين الذين نقرأ عنهم في وسائل الاعلام مثلما تتميز اليابان بكثرة معمريها الذين فاقوا المئة وعشر سنوات ، فالهونزي قد يصل عمره الى مابعد المئة وثلاثين سنة وهو في صحة جيدة وبعافية تامة دون ان يُذكر إعلاميا ويعيش نسيا منسيا في مكمنه النائي في الاعالي .
أنا عن نفسي وددت وأنا اقرأ عن هؤلاء صفاتهم وطبيعة عيشهم وجمالية عزلتهم وطبيعة الوحدة المؤنسة التي يتميزون بها وتمنيت ان يقبلوني واحدا منهم لكنهم يأبون ان يضموا ايّ فرد راغب للعيش معهم ولو كان من مواطني دولتهم ويتحسسون ان سمات الحضارة الضارة وغير المرغوب فيها ستعمل على تلويثهم وربما تنتقل عدواها اليهم في المقبل القريب والبعيد ؛ فالباب والنافذة التي تأتيك بالريح اغلقها واسترح خاصة ان تلك الريح غالبا ماتحمل في تياراتها الكثير من عوامل التلوّث والتسمم الحضاري التي نستنشقها يوميا .

جواد غلوم
[email protected]



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاوطان الحبيسة في كيس الفئران
- لماذا نتقن تشويه وجه الحرية ونطمس جمالها ؟
- حينما تنقلب الحركة الى صمتٍ هائل
- قبلاتٌ بشفاهٍ ريّا لوطنٍ بلا وجه
- الحياةُ حينما تأنسُ الموتَ
- الاشجار وتعلّقها بالموسيقى الراقية
- حصّالة مدّخرات شاعر
- عندما تتسامى غبطة الابداع وتتهاوى حطة الحروب
- لقاءٌ مع صديق محزون
- متى نتحضّر ونرتقي بعيدا عن الوثنيات الجديدة ؟
- قصيدة - وحدةٌ وتوَحّد -
- أممٌ تبتكر وأخرى تنكسر
- موت شجرتَي بيتي ورحيل شجرة روحي الخضراء
- قصيدة / اللقاء الاخير يؤذن بالوداع
- التأرجح العقائدي بين العقل وبين النقل
- لو كان الجهلُ رجلاً لقتلتُه
- موعظة الى مدينة النساء
- مَن يحمي الدّين ومَن يفتك به ؟؟
- وطنٌ مفجعٌ ومنفى مُولعٌ
- تحت ظِلّ شجرة نيسان الكاذبة


المزيد.....




- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- الرئاسة الفلسطينية تدين استخدام واشنطن -الفيتو- لمنع حصول فل ...
- فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- الجيش الإسرائيلي يوضح لـCNN سبب الغارة على مخيم المغازي للاج ...
- نتنياهو يخشى إصدار مذكرات اعتقال بحقه ويطلب المساعدة من بريط ...
- قناة عبرية: نتنياهو يخشى إصدار مذكرات اعتقال بحقه ويطلب المس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد كاظم غلوم - ليتني أعيش مع أقوام الهونزا