أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو أبو يامن - ليس بالجبن وحده يحيا الإنسان















المزيد.....

ليس بالجبن وحده يحيا الإنسان


عبدو أبو يامن

الحوار المتمدن-العدد: 1464 - 2006 / 2 / 17 - 09:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ليس بالجبن وحده يحيا الإنسان العربي، سواء :أكان جبنا دنمركيا أو فرنسيا، وليس على أوروبا وحدها يعتمد الإنسان العربي، هذا ما علينا تحقيقه والعمل له في المنظور القريب وعلى المدى البعيد.
لذلك يجب فك الارتباط الأبدي الذي شددنا أنفسنا به إلى أوروبا، اقتصاديا وسياسيا وقانونيا وثقافيا وتجاريا. فالقانون إما فرنسي هو أو إنجليزي، والمناهج وأساليب التدريس والخطط التعليمية إما فرنسية، أيضا، أو إنجليزية، والثقافة إما سكسونية أو لاتينية، واللغة إما فرنسية أو إنجليزية، وأحيانا لغات أوروبية أخرى كالألمانية والإسبانية وغيرها، وهكذا وهكذا..
ما الذي جعل العرب مرتبطين بهذا الرابط الوثيق الذي لا ينفصم إلى أوروبا؟
وما الذي جعل المغلوب مبهور بثقافة الغالب؟
وما الذي جعل الضحية واقعة في حب الجلاد؟
هل هو نوع من الحب المرضي؟ أم هل هو نوع من ( المازوخية ) التي تتلذذ بإيقاع الألم بها وتستمع بالقسوة تفرض عليها؟
وهل يصدق على هذه الحالة مقولة ابن خلدون التاريخية الشهيرة: ( من أن المغلوب مولع أبدا بتقليد الغالب) ؟
فالغرب، وتحديدا فرنسا وإنجلترا، منذ حملة ( نابليون بونابرت) على مصر في أواخر القرن الثامن عشر وهو القيم على حياة العرب، والمتحكم فيهم سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وهو المثل والقدوة، وهو بصيص النور في نهاية نفق التخلف العربي والظلام العربي، هذا كان هو التصور السائد لدى الشريحة الكبرى من المثقفين والمصلحين والمفكرين وعلماء الدين.
ولعل الباحث المنصف يستطيع أن يتلمس لهم عذرا مقبولا في نظرتهم تلك؛ فأوروبا كانت السباقة إلى النهضة الحديثة، وأوروبا هي التي استطاعت أن تبث ثقافتها وقيمها وتشيع لغاتها وبالذات الفرنسية والإنجليزية في أرجاء مستعمراتها.
وهؤلاء المبهورون والمعجبون والذين لا يرون خلاصا إلا بأن نسير سيرة الأوروبيين في الحضارة؛ فنأكل كما يأكلون، ونشرب كما يشربون، ونكتب من اليسار إلى اليمين كما يكتبون، ونشغل أوقات الجد بما كانون يشغلون به أنفسهم، ونزجي أوقات الفراغ بما كانوا يرفهون به على أنفسهم، ونعلم أولادنا كما كانوا يعلمون أولادهم، ونقرأ من الكتب ما كانوا يقرأون، أقول: هؤلاء كان لهم بعض العذر؛ فالزلزال الذي حدث حدث بين أيديهم وتحت أقدامهم، والبركان الذي انفجر انفجر في ساحتهم وأصم آذانهم وأعمى أو كاد يعمي أبصارهم..
ثم هذه الحضارة الأوروبية هي حضارة جديدة فاتنة مغرية لعوب مبهرة، في مقابل حضارة قديمة عتيقة بالية متهالكة قد طال سباتها وعلاها غبار الإهمال والنسيان والجمود، أو هكذا يظن على الأقل بها.
حضارة جديدة فاتنة بفنونها وآدابها ومسارحها وملاعبها، وفاتنة بمخترعاتها ومنتجاتها، فاتنة في جدها وفي لعبها، ومبهرة في قوتها وعنفوانها، ومبهرة في سلمها في حربها.
هذا الحضارة الأوروبية كانت جديرة بأن تخلب الألباب، وتعشي الأبصار وتصم الآذان، وكانت خليقة بأن يروها الخلاص الوحيد من حالة التخلف والجمود والموت الذي يعيشونه إن كان الموت يعاش.
وعين المبهور والمعجب كليلة عن أن تبصر العيوب أو تلتفت إليها، وهذه المرحلة هي، إذا قسناها بمراحل عمر الإنسان، هي مرحلة الطفولة الحضارية، هذه الطفولة التي تعجب بكل جديد يلج عليها حياتها حتى إذا اختبرته وبلته وعرفت أصله وفصله وزالت عن عينيها غشاوة السذاجة وبردت في نفسها طرافة الجديد وفتنته تنبهت إلى ما كان عن عينها خافيا، وفطنت إلى ما كانت عين الرضا تزينه، فعافت ما أحبت، وملت ما كانت به مبهورة، هذه هي طبيعة الأشياء ومنطق الأمور.
وإذا كان هذا المتوقع في أول اتصال لهم بهذه الحضارة، وفي أول تجربة لفتنتها، فليس من المتوقع أبدا ولا من المنطقي أبدا ولا من المعقول أبدا أن يغضوا الطرف عن مآسيها وما أكثرها، وأن يتناسوا جرائمها وما أبشعها، وتجاوزاتها وما أخطرها، ومخالفاتها للذوق الحضاري والعرف الإنساني والقيم الإنسانية وما أكثر ما خالفت كل ذلك.
جرائم على مستوى الأرواح؛ فالجزائر بلد المليون شهيد، هذا المليون قتل على يد القوات الفرنسية، وقل مثل في سائر أقطار العالم من المحيط إلى الخليج، من الشمال الأفريقي ومرورا ببلاد الشام وبلاد الرافدين وانتهاء بمصر.
أضف إلى ذلك نهب الثروات وامتصاص الخيرات، وتأجيل النهضة العربية عن القيام وذلك من جراء مواجهة الاحتلال والضريبة التي يقدمها الشعب من حياته وماله وقوته، وسلخ للهوية الوطنية، والمحاولات المستميتة للقضاء على التراث العربي والثقافة العربية واللغة العربية، وتفريغ العقول من معاني العزة والكرامة والاستقلال، وغرس النخب الحاكمة والمثقفة وتوليتهم المناصب الإدارية، ومراكز السلطة ومواقع القرار، والدفع بالنخبة المثقفة المستسلمة التي تربت على أيديهم وتشربت أفكارهم وقيمهم إلى كراسي القيادة الفكرية والثقافية والإعلامية في الصحافة والجامعات والإعلام.
هذه النخب والقيادات الفكرية والسياسية هي كانت رأس الحربة المتقدم للاحتلال والاستعمار، وهي التي كانت تمهد الأرض، وتهيئ النفوس والعقول وتجعلهما قابلين للاختراق، وتزين للسذج وطلاب الشهرة والمتسلقين على أكتاف القيم والمبادئ العمل لصالح الأعداء والتخندق في خندقهم والمحاربة على جبهتهم، مستغلين في ذلك مواقعهم وشهرتهم ومكانتهم وثقة الشعب بهم كونهم منهم وفيهم، ومن بني جلدتهم كما يقولون.
هذا التاريخ الاستعماري البغيض، وهذه الحملة عليه لا يعني عدم الاستفادة منه ومن حضارته وتقدمه، هذه الاستفادة التي تفرضها طبائع الأشياء وقوانين التطور، وتؤكدها وثائق التاريخ وتجارب الأمم.. ولكن أن تكون الاستفادة من موقع القوة لا الضعف، ومن موقع الحرية لا الجبر، الحرية التي تبقي على ما يصلح لنا وتنفي ما عداه، الحرية التي تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، وهي الحرية التي تعرف معنى العزة والكرامة والاستقلال.
لذلك آن الأوان للتوجه صوب الشرق، الصين والهند وماليزيا واليابان؛ فقد جربنا الغرب عقودا وعقودا، وبلوناه قرن في أثر قرن، فما زادتنا التجارب إلا يأسا وإحباطا وخيبة؛ فالنظرة إلينا هي ذات النظرة لم تكد تتغير، والعداء التاريخي هو ذات العداء لم يكد يزول، والخوف المرضي ( فوبيا) من الإسلام والعروبة هما هما، والكراهية المتأصلة منذ الحروب الصليبية وما قبل الحروب الصليبية هي سيدة الموقف.
هذا هو الغالب وهذا هو التي تثبته الأفعال الواقعة الواقعية، لا الأقوال التي تلبس لبوس الكذب والرياء، وتتدثر بدثار الدبلوماسية الناعمة، وإن كان ملمسها هو بملمس الثعابين أشبه.
وإلا ما معنى هذه الحملة الشعواء الظالمة على كل ما هو إسلامي وعربي، بحجة محاربة الإرهاب تارة، ومقاومة التطرف والعنصرية تارة ثانية، والقضاء على خصوم الحضارة وأعداء التقدم تارة ثالثة؟
وإلا ما معنى معتقل ( جوانتانامو ) ، وما حدث ويحدث في سجن ( أبي غريب ) والمعتقلات السرية الأمريكية المبثوثة على خارطة العالم؟
وإلا ما معنى محاربة الرموز الدينية وتدنيس المقدسات الإسلامية والاستهزاء، وإهانة كل ما هو عربي وإسلامي، في الوقت الذي تمتنع فيه الصحيفة الدنمركية سيئة السمعة( جيلاندز بوستن ) قبل ثلاث سنوات عن نشر رسوم مسيئة للمسيحية؟!!
وإلا ما معنى المطاردة للعرب والمسلمين في كافة أرجاء العالم، والاحتجاز من غير توجيه تهمة، والسجن من غير محاكمة، والإجراءات التعسفية التي تتخذ ضدهم في المطارات ومراكز الشرطة وأقبية المخابرات؟!!
آن الأوان _ إذن _ للتوجه تلقاء الشرق فهو أقرب إلينا من ناحية الإرث الثقافي، والبعد المعرفي، والتركيبة النفسية، وهو أقرب إلينا في المرجعية والنموذج، هذه المرجعية القائمة على الحدس، والإيمان بالماورائيات ( الميتافيزيقيا ) ، وهو – فضلا عن ذلك – ليس بيننا وبينه كل هذا التاريخ الحافل بالاستعمار والاستغلال، وأنهار الدم التي جرت في فلسطين والعراق ومصر وبلاد الشام عامة وغيرها من بلاد العروبة، وليس بيننا وبينه – كذلك – حروب صليبية تقفز إلى الأذهان وتقف حجر عثرة كلما لاحت في الأفق بوادر تفاهم أو تقارب.
ثم إن الشرق لم يصدر إلينا مشاكله، ولم يتخلص من كوارثه على حسابنا، كما تخلص الأوروبيون حين زرعوا الكيان الصهيوني في قلب العروبة أرض فلسطين الطاهرة، معيقين بذلك كل محاولات النهوض والتقدم، ومجهضين بذلك كل مشاريع التحرر والاستقلال والإصلاح بحجة وجود إسرائيل في المنطقة كأكبر مهدد للأمن فيها.
وإذا كانت أوروبا تفاخر بعراقتها في التاريخ، ووراثتها لتراث اليونان والرومان فإن الشرق، وبشهادة المنصفين، أعرق عراقة وأرسخ قدما في ميادين الحضارة الإنسانية والمدنية، لولا عمليات الطمس والتجاهل والإهمال واللامبالاة التي مورست بحق هذه البقعة من العالم؛ حين استولت على دوائر البحث والإعلام والجامعات، ومراكز المعرفة ودور النشر عقلية غربية أحادية إقصائية لا ترى لونا إلا اللون الأبيض، ولا تقر بشيء إلا إذا كان يونانيا أو رومانيا، إما جهلا أو تجاهلا، أو عصبية وعنصرية بحسن نية حينا وبسوئها أحيانا أخرى.
فآن الأوان – إذن – للإسراع في هذا التوجه؛ وليعلم هذا المسئول الدنمركي أن العرب لن يموتوا جوعا إن قاطعوا أجبان بلاده ومنتجاتها كما يزعم، والأمر قائم بعد على المصالح المشتركة والتبادل التجاري والاحترام المتبادل وحرية البيع والشراء، إما أن نضرب على أيدينا ونساق بالسوط والكرباج لكي نبتاع منتجاتهم ونستهلك صادراتهم مكرهين لا طائعين ومجبرين لا مختارين فهذا ما لم نسمع به في القديم ولا في الحديث، ولعله ليس ببعيد أن يحدث هذا في هذا الزمن الحاضر العجيب المليء بالعجائب!!



#عبدو_أبو_يامن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متعلمون ولكن!!
- دلالة المقاطعة والبحث عن معنى
- فلسفة السؤال، والثقافة المفقودة
- فرنسا شيراك، والبحث عن دور
- متى أكتب؟!
- كليلة ودمنة في أراب ستان -6-
- كليلة ودمنة في أراب ستان -5-
- رسالة تداعي الحيوانات على الإنسان، الملحمة الإنسانية الخالدة
- قديس
- كليلة ودمنة في أراب ستان – 4 –
- كليلة ودمنة في أراب ستان – 3 –
- كليلة ودمنة في أراب استان -2-
- كليلة ودمنة في أراب ستان -1-
- هذا بوش أم هتلر.. لا أستطيع التمييز بينهما؟!! - 2-
- هذا بوش أم هتلر.. لا أستطيع التمييز بينهما؟!! - 1-
- قنوات التدجين الفضائية العربية!!
- ماذا يريد هؤلاء؟ ( زورق الإنقاذ ) 3
- قضية سيد القمني، تضامن أم ضمانات؟
- ماذا يريد هؤلاء؟ ( الليبراليون الجدد ) 2
- ماذا يريد هؤلاء ( الصحوة الإسلامية )؟؟ 1


المزيد.....




- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو أبو يامن - ليس بالجبن وحده يحيا الإنسان