أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جاسم العايف - قتلٌ واضحٌ .. علني *














المزيد.....

قتلٌ واضحٌ .. علني *


جاسم العايف

الحوار المتمدن-العدد: 1463 - 2006 / 2 / 16 - 12:02
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


- لماذا تقتلني ؟
- لأنك من الضفة الأخرى.
ستندال
اكتب عن اخي ... لا لكونه اخي فقط... اكتب عنه لأنه نموذج جيل كامل، أعقبته أجيال أخرى، غُيِّب وغُيبّت في حروب عبثية تافهة لا معنى لها، حروب فعلتها النزعة (البونابارتية) المتجسدة بثقافة التخلف، والمستهينة بالحياة الإنسانية، المتشحة بالنظرة القومية الكاذبة والعنصرية وبضيق الأفق السياسي، ومتوهمة القوة ومنطقها كحل وحيد لازمات ومشاكل البلدان والشعوب المتجاورة منذ آلاف السنوات.. وبالقوة وحدها حكم على مئات الآلاف من الشباب العراقي لان يتحولوا وقودا لحرب سحقتهم وسرقت أمالهم وحيدت قدراتهم في البناء والأحلام، وأحدثت خللا واضحا في الحياة الاجتماعية وقيمها المدنية السلمية بالنزوع الفعلي لتكريس قيم العسكرتاريا وعنف جنرالاتها الفاشلين والمهزومين والذين لا يجيدون غير حوار البنادق والمدافع والراجمات والدبابات وهندسة الخراب والفناء راهنين الوطن وتاريخه المضيء، والانسان وكل ما له علاقة بالحياة والوجود الانساني تحت سطوة وقساوة وبشاعة ووحشية آلة الحروب القاهرة الجبارة البربرية المدمرة.
اخي هذا الذي حقق حلم امي، الامية النواحة البكاءة ،التي كانت إلى جانبي وسألتني ما هذا؟ مؤشرة اتجاه مجمع كليات باب الزبير العائد الى جامعة البصرة، وبعد ان أوضحت لها ذلك ردت قائلة: "أتمنى دخول ابني من هنا" وهي تؤشر على باب مجمع الكليات الواسع حيث دخل اخي منه وكان بانتظاره انشوطة القرار 200 وتعديلاته والذي يحرم علىالعراقي وفي اوائل السبعينات الانتماء الى أي حزب اخر الا حزب البعث ومنظماته فقط، والذي وضعوه حول رقابنا جميعا بالقوة والقسوة في حدودها القصوى لان نبصم عليه، دخل اخي الكلية وبعد كد وكدح خرج متخصصا بإدارة الاعمال والمخازن، وسيق من بدء تخرجه إلى الخدمة العسكرية وجحيمها المقصود... كان يأتي معفر الجبهة محترق الوجنة من لفح شمس الجنوب ورمال صحراء الزبير، متورم القدمين، ممزق الملابس، مسلوب الإرادة قائلا بأسى وانكسار: " الا توجد طريقة أخرى لخدمة الوطن وعلمه سوى هذه الطريقة المهينة؟!" ..وبعد ان انجز ما عليه، عينته دائرة الخريجين في (دائرة ..... البصرة) الا ان مديرها، عضو فرع الحزب في ذلك الوقت، رفضه ورفض شهادته العلمية الموثقة والمصدقة، ورفض معه خدمة العلم والوطن و جنسيته وشهادته العراقية لكونه ليس بعثيا ولا من عائلة بعثية كذلك, ولان دائرته والتي ورثها عن سلفه (عفلق) مغلقة تجاه غير البعثيين ... لأشهر بقي اخي منتظرا حتى حصل على عمل في دائرة حديثة التكوين وعمل أمين مخازن بكل جد وتفان واخلاص.. وكانت نزاهته وعفته وخلو يده وسلوكه مما يعيب، فخرنا جميعا, و كان حرصه على المال العام ونظرته المشوبة بالإجلال له ولعائديته الاجتماعية تسبب لاخي النكد والأذى والجور خاصة مع من أوتمن عليه بسبب (البعثية) فقط ، وانحاز مديره إليه لان الرجل- هرب بجلده خارج العراق ومات كمدا هناك - كان عفيفا وذا قيم نادرة ، في زمن بدا فيه انهيار القيم واضحا ومؤشرا على الانحدار إلى الهاوية و التردي.. وخاطبه ذات يوم بكتاب رسمي موثق لدي حتى الآن قائلا:"إلى السيد هاشم .../ أمين المخزن المركزي/ الأمين".
لم يتركه صدام ولم يعبأ بأمانته وعفته، وساقه إلى خدمة الاحتياط للمرة الثانية قبل حرب عام 1980 بشهرين، وظل اخي ينتقل من مكان ومن موضع ومن حفرة طوال سنوات الحرب، يخبئ حياته وأحلامه وآماله وأسرته، والتي كونها حديثا، متحاشيا الموت الذي يهم به في كل لحظة، حتى مزقت جسده قذيفة حرب، ولم تسأله تلك القذيفة ان كان بعثيا أم لا.. ؟.
حينما أمسكت به، ووضعته في حفرة ، بلا ساق ولا يد، مهشم القفص الصدري، مدمى الوجه،استذكرت بكاءه المتواصل يوم أجلسته في رحلة الصف الاول ، في نهاية الخمسينات ، ترى أكان كذلك باكيا حيث اهلت عليه التراب في صحراء النجف...؟؟و خلفته وحيدا الا من صلاة الوحشة، والتي دفعت ثمن قراءتها لقارئ مجهول و بعد أن سجل اسمه واسم أمي في ورقة محتشدة بالأسماء والهوامش, اختفى بين غابة التوابيت القادمة صباحا من الجبهات.
هل تحدثت عن أخي فقط ؟؟ أم عن أخوة ملايين العراقيين الذين سد النظام ألبعثي الفاشي أفقهم من جميع الجوانب وفرض عليهم التعاسة والشقاء مكرسا وجودهم اليومي ودفق حياتهم وشبابهم القادم لمحارق الفناء في حروبه المتواصلة... قتلى بمنتهى الوضوح والعلنية والمجانية.. وإذ يرقدون الآن في مقابرهم فان رقادهم الأبدي هذا لم يكن إلا الشهادة القاسية والحقيقية على زمن تميز بالتواطؤات الإقليمية والدولية، غيرعابئ بنا-حتىاللحظة- وبقتلانا الذين امتلأت بهم المقابر وابتلعت الارض الحرام والسواتر الترابية ما تناثر من بقايا أجسادهم.
____________________
*من اجل أخي الصغير( هاشم) الذي قتل بتاريخ16-17 /2/1987خلال حرب النظامين العراقي والايراني



#جاسم_العايف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *الورثة والأسلاف
- حوارمع القاص (مجيد جاسم العلي) رئيس اتحاد الادباء والكتاب ال ...
- ..السؤال .. مجلة تعنى بثقافة المجتمع المدني ..ملف خاص بالقاص ...
- مابعد الانتخابات العراقية ونتائجها
- مجلات
- حفل (السياب) التأبيني الأول
- حول مؤسسات المجتمع المدني في ا لعراق
- الادباء والكتاب في البصرة يجددون احتفائهم بالسياب في ذكرى رح ...
- المشهد الثقافي في البصرة -3
- الشعاع البنفسجي....
- المشهد الثقافي في البصرة -2-
- من اجل انتخابات عراقية حرة و نزيهة
- المشهد الثقافي في البصرة -1
- كاردينيا.. الملاذ والأسى
- هبات النفط العراقي بين القديم والجديد
- اعلى راتب تقاعدي ، لأقصر خدمة فعلية.. في العراق
- ملاحظات حول مسودة قانون اتحاد الأدباءالعراقيين
- رئيس (مؤتمر حرية العراق) في البصرة :ديمقراطيةالفوضى ستعمل لل ...
- قراءة: في اوراق عالم نووي عراقي
- ملاحظات حول الاستفتاء الدستوري العراقي


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جاسم العايف - قتلٌ واضحٌ .. علني *