أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - موسى راكان موسى - الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (4/ أسماك ماركس)















المزيد.....

الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (4/ أسماك ماركس)


موسى راكان موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5649 - 2017 / 9 / 24 - 02:58
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
    




(( عدا المجانين ، جميعهم يتحدث لغة البداهات . عدا المجانين ، جميعهم منغمس في الأحداث . عدا المجانين ، جميعهم يؤمن بوثن النصر )) .



***


يُقال أن (أفضل مكان ليختبئ فيه اللص هو مركز الشرطة) ، إذا ما هي أفضل الطرق لإخفاء المعنى أو الما وراء الحدث ؟ ، الإجابة : الإنغماس في الحدث ؛ الخنادق جاهزة ، ما على المرء إلا النزول فيها . طبعا هذا الأمر عند المُنغمسين فضيلة أخلاقية ؛ هاكم أفضل من إنغمس و أرخ للثورة الروسية (تروتسكي) ، و الذي يكون حسب القائلين بعقلانية ثورة أكتوبر أحد عقولها (الموجه و الخطيب و المُجادل و مؤسس العكسر الأحمر ... إلخ) .


علم التاريخ يتجنب الإنغماس في الحدث بل إنه ليُعطي الحدث موقعا هامشيا في التحليل ، فما يهمه هو المعنى أو الما وراء الحدث ، لذلك يلجئ لفعل إحترازي و هو ترك مسافة زمنية بينه و بين الحدث (فمثلا عند مؤرخي التاريخ المعاصر يعتبر الحدث حدثا تاريخيا إن مرّ عليه عقد من الزمن على الأقل ــ لكن كتبة التاريخ الآني يغامرون أو الأصح يقامرون على حساب علم التاريخ في إنغماسهم بالحدث لذا تقترب كتابتهم من أن تماثل الكتابة الصحفية) .


يجري تعريف الإيديولوجيا بدلالة كونها تحريف معنى الأشياء أو إخفاء معانيها ، و بذلك يمسي تعريفها غارق في التجريد ، لكن الإيديولوجيا ليست مجرد معنى محرّف لشيء أو معنى مخفي لشيء (هكذا فقط) ، لكنها شعور بل تجربة (و لنقل وجدانية) تعطي معنى محرّف أو تخفي معنى ؛ الخنزير في فكر العرب المسلمين مثلا ، هذا الكائن (مقرف) (قذر) في فكرهم ليس لأنهم تعاملوا معه مباشرة ، و ليس لأنهم سمعوا رجل الدين أو القرآن يتكلم عنه بالسوء فقط ، بل لأنهم خاضوا تجربة وجدانية حكموا من خلالها عليه بأنه (مقرف) (قذر) ، الخنزير (مقرف) (قذر) بسبب شعور داخلي لا بسبب مقولة عقائدية مجردة فقط .


الإيديولوجيا ليست في الإبتعاد عن الواقع فقط ، الإيديولوجيا أيضا الإنغماس في الواقع (أو الأصح الحدث) ، بل إن الإبتعاد عن الواقع أرحم من الإنغماس فيه ؛ فلفهم الواقع يحتاج المرء أن يبتعد أو يتراجع ليزن الأمور و يقيّمها ، بينما إنغماسه يجعله يعتقد أنه فاهم ، و هو في الحقيقة ليس إلا واهم ، و لا يعني هنا كون المرء متوهم أن لا ينجح أو أن لا يحرز شيئا ذا قيمة ، لكنه يعني أنها لكارثة (أم المصائب) لو تصادف توهمه مع نجاحه ، فما الذي سيُفهمه أنه برغم نجاحه يبقى واهم ؟! .

من ذلك مثلا الخلطة الماركسية السحرية (( وحدة النظرية و التطبيق )) ، و سحرها إنما يكمن في دفعها المرء للإنغماس : المرء لا يريد الجلوس و مشاهدة التاريخ يُصنع بإيدي آخرين ، يريد أن يكون هو من (( يصنع التاريخ )) ، فالماركسية لا تغوي بـ(( وحدة النظرية و التطبيق )) بدون قولها (( البشر هم من يصنعون تاريخهم )) و هي بذلك إنما تتضمن (( غائية )) مهما أدعت و أقسمت يمينا غليظة أنها (( لا غائية )) ، و رغم أن براءتها من (( الغائية )) يكمن في (( كيف يصنعونه ؟ )) نجدها تصرّ على غض النظر ؛ ما بين الغائية و العقلانية هناك ترابط ، و هذا الترابط يفترض ضمنيا ترابط آخر بين اللا غائية و اللا عقلانية ، و الماركسية إبتدعت ترابطا (بروكروستيا) ما بين العقلانية و اللا غائية ، فكان نتاج هذا الزاوج الماركسي الآثم شيزوفيرينيا عند أشياع ماركس [ مثلا كالقول بأن الشيوعية أمر حتمي ، لكن الشيوعية ذاتها ليست غاية الماركسية ، لكننا (الماركسيين) نعمل للتعجيل بها ! ] .


ماركس و إنجلز قالا بأن التاريخ عبارة عن طرفين ، طرف معني بالشأن الطبيعي ، و طرف معني بالشأن البشري ، و هذا التاريخ المعني بالشأن البشري صنّاعه هم البشر أنفسهم (لا إختلاف في ذلك) ، لكن كيفية صناعته (و هنا الإختلاف) لم تكن عقلانية (و إن سلمنا بأنهم واعيين بأنهم صنّاع تاريخ) ؛ فالحروب التي جرت إلى يومنا هذا (و الحرب إنما استمرار للسياسة لكن في شكل آخر ــ و بالماركسية استمراية لفن الصراع الطبقي) ، فإن قوادها و المشاركين فيها (و هم على مستوى من التنظيم و التخطيط) يعلمون أنهم يصنعون التاريخ (أو لنقل يصنعون تاريخا) ، لكن حتى بوعيهم فإن صناعتهم له لا عقلانية ، (يقول كارل فون كلاوزفيتز : ليس طبيعة الحرب الموضوعية فقط ، بل و كذلك طبيعتها الذاتية ، ما يجعل الحرب مقامرة) ، فكيف بالثورة التي يختلط فيها أكثر من حابل بنابل و غير ذلك ؟! ، [ يجيب بكل هدوء و برودة أعصاب (( اللوغوس )) ، يصمت قليلا أو يوما بأكمله ، ليفسر إجابته بنفس الهدوء و البرودة (( الديالكتيك )) ، ثم يعود لسباته أو إنغماسه بغدٍ أحمر كله ضجيج و حرارة ] .



تقول ميريام دالون : (( لا يمكنني التخلص من تاريخ مترسب ، إلا بالإرتباط مجددا مع المعنى المطمور تحت الترسبات ، بجعله حاضرا بإحضاره . إلا أنني لن أجده أبدا كما كان في "الأصل" . إن كينونة المعنى لا تقوم على الصراع للبقاء و لا على الإحتفاظ بالماضي ، بل على التجديد )) ، و هذا التجديد بالنسبة للعجائز الحُمر هو تجديد الإنغماس المماثل لتجديد الولاء ، إلا أن هذا التجديد مُعدي ، فلا يكتفِ باللحم المُترهل لكن يمتد للحوم الطازجة و الطرية لتمسي هي الأخرى مثل الأولى منغمسة ؛ طبعا لا تُنكر حسن النية عند العجائز الحُمر ، إلا أن النية لا تسمن و لا تغني من جوع ، و حتما لا تعصم من الخطئ أو تفك طلسم الغلط .


الإنغماس عند العجائز الحُمر ليس لأنهم عجائز بل لكونهم حُمر (أي ماركسيين) ، فالإنغماس جزء من طبيعة الماركسية كما سلف بنا القول ، و كي تتجاوز الماركسية هذا المُشكل عليها التخلي عن جزء من طبيعتها بالتالي تمسي شيئا آخر غير نفسها ، فليس فقط بالإنغماس تُقرأ الثورة الروسية قراءة مغلوطة بل و به المواقف مُتخذة سلفا و النزول إلى الخنادق روتين عقائدي ، و به لا يُميّز بين واقعية البلاشفة و ماركسيتهم لكن يُميّز بين البلاشفة و الرأسماليين على أساس فرق لا تحالف فيه ، و به تكون الدعوة إلى (( بعث سوفييتي )) من جديد على غرار (( البعث العربي )) كما و به تكون الدعوة إلى تجاوز التجربة السوفييتية إلى أخرى فرانكفورتية (أو يسارية جديدة) ، و أيضا به تكون الدعوة لرجعية ماركسية ما قبل لينينية بسيطة ساذجة عذراء و يُراد لها أن تكون دائما بكرا ، و الكارثة الفكرية في رؤيتهم (( التناقض )) في كل شيء شاملا الوجود و العدم لكن دون أن يروا أن (( التناقض )) في رؤوسهم و فكرهم الذي به يسلكون و يلوكون ، و الكارثة الفعلية حين يمسي الإنغماس تطبيقا على أرض الواقع [ فالإتحاد السوفييتي لم يبنَ بالماركسية لكن بالواقعية ، و ما الكوارث (الستالينية) إلا نتيجة للماركسية نفسها ، أي الإنغماس ، هنا الماركسية أشبه بالبيض ، فسواء وضعت البيض كله في سلة واحدة أم لم لا ، يبقى البيض بيضا و أيضا يبقى قابل للكسر ] .



و أخيرا ، بقول لماركس خارج سياقه الأصلي استعمله في سياق هذا الطرح : (( إن تناقضا كاملا لا يشكل عندهم أحجية غامضة . و في أشكال تجلي الظاهرة المغرّبة عن روابطها الباطنية ، و اللا معقولة عندما تؤخذ معزولة لذاتها ، يشعر هؤلاء بأنفسهم كما تشعر الأسماك في الماء )) ، فعلا يشعر هؤلاء بأنفسهم (( المنغمسة )) كما تشعر الأسماك في الماء .



#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (3/ روجر بابسون : أنها البرجوا ...
- الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (2/ لعنة الديالكتيك)
- الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (1/ كيف نقرأ الثورة ؟)
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (7/أزمة الماركسية = تحقيق ...
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (6/الإشتراكية المحققة)
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (5/لينين الأرثوذكسي الوحي ...
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (4/أورشليم الماركسية)
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (3/فلسفة التاريخ الماركسي ...
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (2/الماركسية ليست ثورة عل ...
- افول الماركسية - ماركس بعد مئة سنة (1/تمهيد)
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (8/تناقض قاتل)
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (7/الفوضوية و الماركسي ...
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (6/وهم الإجتماع المتجا ...
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (5/إضمحلال الدولة)
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (4/إزدراء الداروينية)
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (3/الإرث الهيجلي)
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (2/نقد كلسن)
- افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (1/تمهيد)
- افول الماركسية - التناقض الجدلي و اللا تناقض (5)
- افول الماركسية - التناقض الجدلي و اللا تناقض (4)


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي / أنطونيو جرامشي
- هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات ... / عبد الرحمان النوضة
- بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا / مرتضى العبيدي
- الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر / عبد السلام أديب
- سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية / سفيان البالي
- اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية / سامح سعيد عبود
- أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول) / علاء سند بريك هنيدي
- شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز ... / ابراهيم العثماني
- نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال ... / وسام سعادة
- النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب / سنثيا كريشاتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - موسى راكان موسى - الذكرى المئوية لثورة أكتوبر - (4/ أسماك ماركس)