أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق الحاج - أنا.. والمخيم.. !















المزيد.....

أنا.. والمخيم.. !


توفيق الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 5645 - 2017 / 9 / 20 - 18:31
المحور: كتابات ساخرة
    


أنا والمخيم..!!
توفيق الحاج
اقترح على مذيع محترم لقاء مع إذاعةجمهورية إيران الاسلامية وقد سبق ان أجرى معي لقاء لإذاعة القدس في ذكرى غسان كنفاني ..ولما سالت عن الموضوع قال المخيم ..! شعرت بهزة خفيفة و رحبت دون تردد!
كانت أول الصور.وأول الوعي (سما سودا) تحيط بي.. عرفت فيما بعد أنها خيمة جرس تضم عشرين مهاجرا من بني محمد والى جوارها خيام صغيرة وكبيرة كثيرة تمتد على مدى النظرفي(الحصوة) أرض للانصارمن قبيلة زعرب! لم يكن محمد هذا نبيا..وانما فلسطيني مقهورمن الاف فلسطينيي النكبة الذين اجبروا على الرحيل!
صور اخرى خمسينية ضبابية التقطتها وأنا على كتف ابي لسوق الخان ..والجامع الكبير..والحمض حلو.. وسحاحير الجوافة والبلح والمراجيح!
جهة البحرترابط سواف رملية ذهبية نقية تشوهها سطور رمادية من عمارات أفقية قرميدية بقوالب اسمنتية.. كل عمارة فيها 4 غرف وكل غرفة 3م2 بلا حوش.. وكان نصيب ( أبو محارب) ورهطه غرفتين وجاره خليل النادي غرفتين اخريين..!
فراشنا الوثير كان بقايا رمل السافية وأمي تهيئ بيدها خندقا بيننا وبين الجدار يحيط بنا لصد الكفار من بني (بق) حشرة كريهة الرائحة تمتص دمنا وباليد الأخرى (اللامضة) تتلقطه بها ليذهب الى جهنم وبئس المصير..! تعلقها على الحائط عند النوم وقد خففت اشتعالها لتتكفل طوال الليل بإنضاج ما في الفوالة .. وفي الصباح نجد فولا شهيا يصبح علينا ولا فول مطعم أبو طلال في غزة!
كان القرميد الداكن شتاء يسرب علينا اربعينية كانون و قطرات المطر فنتلقاها بصحن هنا وطنجرة هناك ومن سوء حظي ان الصحن كان دائما فوق بطني في مكان نومي وكانت أي حركة مفاجئة تعني حماما باردا!
وفي الصيف كان القرميد ذاته يبخل علينا بنسمة الهواء لتصبح الغرفة خزان غسان وزنزانة فيها 5مساجين! وغدانا سلطة (حبتين بندورة وقرن فلفل عليهن ابريق مية) فيسخن ابي وامي ويتشاحنا ونضطر الى مشاهدة الفيلم الاكشن حتى نهايته!
كنا نخرج عصرا هربا الى السوافي من حولنا ونلعب حدر بدر وسبع جور واللي بتحيا واشقح يادينار والحيبة.. ونلعب بالبنانير وعجم المشمش وان كثر ننقعه لنخفف مرارته ونحوله الى حلويات مشمشية..!
ونعمل دراجات وسيارات باسلاك وعجال من اغطية كازور.. ونقود دحول في ازقة الحارة .. ونجمع لفقرنا المدقع اوراق التوفي على انها اوراق مالية ! ونطير الطائرات الورقية من جريد ووق وعجين وياويلنا ان وقعت اقدامنا الطرية في صماتة يوليو ..! عندها تنشوي لنعاني ليلا من رمد العينين فتقوم امنا الطبيبة بوضع تفل الشاي او زلال البيض عليها!
كانت مدرسة القمل الطينية مدرستناالاولى تبعد 3كم نخترق اليها شتاء لاصة وبرك مخيم العقاد وقد ابتلت (شنتة) الشرايط بما فيها من كتب ودفاتر ونحن نرتجف من البرد كصيصان وقعت في المقر!
نهرع جائعين مرهقين مزحومين وياما عملها بعضنا على حالهم وانزفوا كما زفة العريس الى بيوتهم! ونلجأ في المساءالى كانون ستنا مريم ونسترخي بعد دمسة العدس على صوتها وهي تخرفنا عن (نص انصيص ) ومقالب حديدون مع الغولة) فنطلق لخيالاتنا العنان..! ثم نذهب في غيبوبة لذيدة لنجد انفسنا صباحا تحت اللحاف الابيض الثقيل !
ذكريات طفولة في المدارس بائسة لكنها غالية.. الحلاق (ابو داهود) يحلق بخبز عند باب المدرسة على نمرة 2 وجبجب ام حسين وفلفل احمر ابو شحدة2..والزي الازرق الموحد والحليب المالح مع زيت السمك اجباري وعصا اللوز والاستاذ الكشر المخيف والمدة ع البنك وفشل كل المحاولات للفوز بكرت طعمة.. والرش الجماعي بالدي دي تي.. والطابور الاسبوعي مسافة 4كيلومتر الى حمام الهنا في صيانة الوكالة وسوء الحظ في صرة المؤن..! وعلب البلوبيف التي لطالما جرحتنا وقطع الصابون الصفراء ورائحة الكاز المنبعثة من (البابور) وحنفية الماء العامة وتطاحن جرار النسوة!
كان من حسنات هذا المخيم ان اختلط الحمامي بالبشيتي بالمجدلاوي باليافاوي باللداوي .. وبين الجار والجار بساطة ومحبة وسهرة و طاقة للتبادل الطبيخ والحلويات!
ويأتي شهر رمضان الى المخيم بمهابة وشوق رغم العطش وكذب الصغار بصوم نص نهار..!
فرحة تتجلى قرب اذان المغرب عند الجامع حيت يلعب الختيارية السيجة والدريس والاولاد يلعبون كرة القدم وحدر بدر وما ان يصعد (ابو العظم ) ليؤذن وتضيء مئذنة جامع البلد حتى نهلل ونتجارى الى بيوتنا.. وندخل على غرفة سيدنا ابو محارب وحوله اولاده وكناينه واحفاده على مائدة ارضية واحدة.. ناكل غالبا فت عدس ونشبع بسرعة لنسمع السمسمية والف ليلة وليلة وننام لنحلم اننا نطير كالطيور نجري ونمرح ونتبول .. لنصحو مع نقرات المسحر..اصحى يانايم وحد الدايم .. لنجد المكان رطبا وفضيحة! وهات ياضرب بالقنو وتسخين ميه وحمام وتراضينا الام بالدبس والجبنة البيضا ! وفي الليالي المقمرة نلاحق المسحر وبنته حتى يختفي!
عشنا في المخيم الخمسينات والعدوان الثلاثي وخطاب ناصر في الازهر (مش حنسلم ) يلعلع من راديو ( احمد الفران) الوحيد في الحارة وكان عبارة عن سحارة مرفق بها 24كباية .. تطفو الان أمامي صورة وجه ابي ودموعه تترقرق في شبه عتمة والخلق منتشرين على سفح السافية يدعون !(يارب انصر مصر)
شردنا الى المواصي وامي تحمل صندوق عرسها على راسها لما سمعنا عن مذبحة القلعة التي قام بها اليهود بعد محمد علي! وعدنا في 7 مارس لنجد ان (أبو طلب)جدي لامي المختار الأمي الكريم الشهم قد توفى!
كنا نحتفل بعيد النصركل عام بمهرجان في (الاستاد) .. شفنا شوان لاي رئيس الصين واحمد الشقيري..و شاهدنا سينما في الهواء الطلق ..والعابا نارية.. وصورا للزعيم جمال تهبط من السماء .!.
عشنا في المخيم الستينات وهزيمة حزيران .. كانت صدمة رهيبة للحلم الغض وزلزالا مرعبا للوعي وشردنا مرة أخرى الى الاحراش لتنقذنا العناية الالهية من العطش بنبع ماء .. ونعود الى المخيم لنجد ان ستي (ام طلب) التي تركناها قد لحقت بزوجها المختار في غيابنا.
عشنا في المخيم حرب الكرامة وحرب الاستنزاف وكان الكل يبتلع لسانه عندما يهدر راديو ابي (جاءنا البيان التالي..)! وظهر العمل الفدائي بريئا نقيا لتلوثة الرعونة والغرور والشقاق والنذالات والعملاء ..! و بعدما قطع شارون المخيم كما تقطع صنية النمورة بشوارع واسعة لمرور الدوريات العسكرية!
كبرنا وشبنا .. وكبر المخيم وشاب فبدت البيوت كما لو انها علب سردين وضاقت الازقة.. واحتلت الواح الاسبست مكان القرميد وبدا اثر نعمة الشمينت والليخم واضحا وكلمات عبرية تغزو المكان .. بوعيل ..عابودا .. ماتاناه..بيسيدر .. توف ميئود ..مناهيل ..كيسف واصبح في كل بيت راديو ثم مسجل ثم تلفزيون وكا ن العامل في اسرائيل ماكل الجو لدرجة تراجعت معها صورة الموظف و اهل العروس كانوا يشترطون ان يكون العريس عاملا! كان احتلالا ناعما يريد ان ينسينا بحلويات عيليت همنا المقيت ..!
أيقظ فينا اكتوبر73الحلم وظهرت معجزة العبور..لكن سرعان ماعدنا للغيبوبة بعدما تبين انها فقط عملية تحريك!
و انطلقت الانتفاضة من زواريب المخيم دون واسطة او ريموت وسرعات ماركبتها وتاجرت بها كل الفصائل والقبائل لتجهضها وتقضي عليها بخطايا لا تغتفر!
وعرفنا من خريجي مدرسة المخيم اشخاصا اصبحوا فيما بعد قادة ورموزا في فصائل أنانية مراهقة.. احبت لنفسها كل شيء الا الوطن !
عرفنا طبيب اطفال..نزيل معتقلات ومرج الزهور..قائداعنيدا ارتقى في النهاية شهيدا بقصف اباتشي كما توقع.. !
وعرفنا شابا جامعيا طموحا وفقيرا ..نفي الى الخارج ليعود مع عائدي اوسلوا قائدا امنيا ثريا!
وعرفنا فتى لاحق اليساريين بماءالنارأيام المجمع ثم اعتقل طويلا ليخرج محررا ويرتقي ببطء الى رأس القائمة!
وعرفنا فتى خجولا صموتا .. (البسة بتاكل عشاه).. تحول فجاة الى اسطورة امنية ملء الاسماع حد الخرافة!!
وعرفنا رجالا قضوا..واخرين لازالو ا المتاريس في كل مكان وعرفنا أيضا أشباه رجال تلونوا بكل الالوان!!
هذا هو المخيم الذي اليه انتمي واعيش كما الوطن.. مخيم انصهرت ازقته وزواريبه في شراييني ولولاه لما كنت على هذا المستوى من الوعي والادراك والعناد والتوقع والحساسية !
هذا هو المخيم سيرة حياة ونبع طفولة وروح هوية ومدرسة قيم وعنوان فخر ورحلة معاناه وفيض مشاعر وقصائد شاعر والبوما حميما مكتظا بالاف الصورمن دم ولحم !
مخيم هو ذاكرتي لاتنطفئ.. وبعض وطني يذوب على وتر!
أكتب ما اكتب وانا اسمع ان حماس قد حلت الادارية وصدقت توقعاتي انها ستنزل عن الشجرة بسلم مصري ..! لكن السؤال يتردد في المخيم بين تفاؤل وتشاؤم: هل المصالحة حقيقية هذه المرة ام أنها نسخة طبق الاصل من مصالحات كالحة بمية مالحة ؟! وهل ما فشلت فيه مكة ..ينجح فيه شارع الهرم ؟!
الله يا الله..أنت القوي القادر .. توكلنا عليك ووكلنا امرنا اليك في كل المسائل .. فانظر ما أنت بنا فاعل..!



#توفيق_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا ..والشعبية..!
- أبوس القدم.. وأبدي الندم..!
- رسالة من تحت الماء..!
- حسبة عرب..!
- مصالح يا صالح..!
- واحد..اتنين الجماعة وين؟!
- زمبليطة
- فات المعاد..!
- عباس اااخر..!
- أم الارهاب..!!
- 11صورة سيلفي..!
- لا عزاء لساخر..!
- اشتباك ..في زمن ماينوس..!!
- كسب المنجمون ولو خدعوا..!!
- تاريخنا بلبلة .. لابد من غربلة..!!
- الجنة فيها كهرب..؟!!
- توقعات ونهايات..!!
- مش اخوان ولا مسلمين..!!
- السابع بين متجنح وتابع !!
- ومن الغزل ما قتل....!!


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق الحاج - أنا.. والمخيم.. !