|
المعرض العام.. بين الفن والشخصنة
سوزان التميمي
الحوار المتمدن-العدد: 5625 - 2017 / 8 / 30 - 22:53
المحور:
الادب والفن
الفن التشكيلي هو هذا الخلق لشيء جديد يختلف عما يمكن أن تراه العين وذلك بصياغة مختلفة وتشكيل مستوحى من الواقع ومتماس معه لكنه يحمل بصمة الفنان ورؤيته وفلسفته، والفن التشكيلي وبالنسبة للفنان هو وسيلة لتفريغ الشحنات النفسية والمشاعر أو التجارب الإنسانية المختلفة في سياق أحداث تؤثر فيه كما يؤثر في المجتمع، فالفنون وسيلة للتعبير والاتصال والمشاركة الوجدانية للتجربة الجمالية التي تولد المتعة بالصيغ التشكيلية. لذا كان لِزاما على من يحملون على عاتقهم مسؤلية تقييم أعمال فنية سواء كلجان تحكيم في مسابقات أو كأساتذة للفن الإلمام الكامل والاستيعاب لكل الحركات والتيارات الفنية واستيعاب فكرة الاختلاف سواء كانوا ينتهجونها أو تتماشى مع أساليبهم وأفكارهم أم لا.. وليس من المشين أن يتبنى أحدهم وجهه نظر ما أو أيديولوجيا معينة حتي ولو أنها تفتقر إلى تقديم المشهد الفني العالمي اليوم. ولكن بعض من هؤلاء الذين يحملون صكوك التقييم التشكيلي وكأنهم حاملي اللواء لإجازة الفنانين واستمرار بعضهم أو طرد آخرين من المشاركات الفعالة مثلهم مثل الناقد الذي يجب أن تتوفر فيه الحيادية في المقام الأول وألا يتبنى اتجاه فني دون آخر فما بالنا لو أن هذه الأحكام لم تكن تخضع لتقييم الاتجاه الفني فقط.. ولكنها أيضا يحكمها العلاقات الشخصية والمصالح المشتركة.. فبما نسمي هذا التقييم؟!!!!، من المفترض أن يمارس الفنانون التشكيليون نشاطهم ضمن الإطار الثقافي العام للمجتمع ومن ثم فقد كانت النوافذ التي تقدمهم هي معارض وفاعليات مؤسساتهم الفنية الموكلة بدعم النشاط الفني والثقافي فهي المرآة لتطور الفنون وفاعلياتها بشكل مستمر. معارض "المرفوضين": من هذا المنطلق دعوني أسرد لكم قصص "المرفوضين" ففي تاريخ الفن الحديث وفي ربيع عام 1863، قدم " ادوار مانيه" (1832-1883) لوحة إلى مُحكمي "الصالون" بباريس، فرفضت كما رفضت مئات اللوحات غيرها لفنانين عظام منهم كلود مونيه، وكميل بيسارّو، وأوغست رنوار، وألفريد سيسلي وبول سيزان، وإدغار ديجا، وأرمان غيومان والفنانة بيرت موريسو.. رفع الفنانون المرفوضون الناقمون التماسا إلى الإمبراطور نابوليون الثالث، الذي رجح ان يكون هناك شيء من الإجحاف في قرارات المحكمين وسمح بتنظيم معرض خاص بالرسوم والمنحوتات المرفوضة؛ أطلق عليه "صالون المرفوضات" والذي كان نقطة تحول في تاريخ الفن فحتى لو لم يستقبل جمهور باريس وقتها هذا المعرض بالترحاب.. فقد هاجم الصحفيون والنقاد الأعمال الفنية المعروضة، وأطلق الصحفي والناقد الفني (لوروا) على العارضين اسم الانطباعيين مستعيراً ذلك من لوحة مونيه «انطباع: شروق الشمس» وذلك في مقالة تنضح بالسخرية اللاذعة. إن أهم مميزات الفن الحديث هي حصول الفنان على حريته، وغياب وصاية فنانين نظراء لهم، والابتعاد عن السلطة والطبقة المهيمنة اقتصاديا، وجهاز الدولة، وظهور الأساليب المختلفة الخاصة بكل فنان. وفي مصر ومنذ سنوات قليلة كانت هناك سابقة جديرة بالذكر ففي مايو 2014 بدأ الجدل بعد إعلان نتيجة الفرز للمعرض العام، وشعور العديد من الفنانين بعدم التقدير لأعمالهم، خاصة من لهم خبرة فى الحركة التشكيلية، ودعى وقتها بعض الفنانين المستبعدبن لاجتماع عاجل فى نقابة التشكيليين. وقيل عن سبب الرفض أنه لكثرة الأعمال! فلماذا لاتتوافر أماكن كافية لهذا المعرض السنوي الكبير حتى لا يُحرم فنان له تجربة مميزة ومتفردة من العرض. وهناك سبب آخر تم طرحه لرفض بعض الأعمال في ذلك العام، فقيل أن قرارات اللجنة لا تناقش ولا يطعن عليها رغم أن معظم المستبعدين لهم مشاركات دولية ومقتنيات وجوائز داخلية وخارجية تشهد لهم. وكان الدكتور محمد العلاوي أحد الفنانين الذين رفضت أعمالهم فى عام 1996 وهو أحد أبرز نحاتي مصر المعاصرين فأوضح وقتها عن تعجبه من رفض اللجنة لأعماله - وكان معه الحق بالطبع- وقتها قرر النقيب الراحل د.حسين الجبالي، عمل معرض بالنقابة فى نفس وقت المعرض العام لعرض جميع الأعمال المرفوضة تحت عنوان "المرفوضون"، فالفنان مسئول عن نفسه ولا يجب ان يُستثنى أحد، وكان رئيس قطاع الفنون التشكيلية الأسبق محسن شعلان لا يضع شروطا لقبول الأعمال، وعلى الأقل لابد أن يشفع تاريخ الفنان له فى قبول عمله. وأوضح الدكتور صلاح المليجى حين كان رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية أنه كرئيس للقطاع لا يستطيع التدخل فى شئون لجنة الفرز، وبخصوص اشتراك بعض الهواة من غير أعضاء النقابة فهذا معتاد ويتم من خلال الحصول على تصريح من نقابة التشكيليين، وهناك بعض معايير خاصة باللجنة لقبول الأعمال مثل المفهوم الفنى وحداثته وتفرده. إذا كان قد ذكر وقتها أنه غير مسئول عن قبول الأعمال أو رفضها أي أن القطاع ليس مخول لذلك في دورة المعرض العام!! وبهذا فقد خبت مصداقية المؤسسات الثقافية والفنية لدى المرفوضين والخارجين من حساباتهم فمن يعيدها؟! وكيف؟!
مرفوضة.. وأفتخر: حين تم الإعلان مؤخرا عن بدء التقديم للمعرض العام في دورته 39 لعام 2017، اهتم بعض الأصدقاء بالاستبسال في إقناعي بالمشاركة هذا العام من منطلق أن هذا من حقي، ويجب عليّ ألا أتركه بعد كل هذه السنوات من الكفاح الفني والمشاركات الفعّالة والدؤوبة في الحركة التشكيلية والثقافية التي أدعي أني حاولت من خلالها تطوير فني وفلسفتي، ومن ثم وبعد جهد طويل منهم وافقت على التقديم بالرغم من مقاطعتي لهذه المعارض لسنوات فلم أشارك في المعرض العام سوى مرة واحدة وبعدها قررت ان أحترم عقلي وفني وألا أضعهما في ميزان لا يحكم بمعيار الفن وإنما بمعايير أخرى. وهكذا وقعت أمام نفسي للمرة الثانية في هذا العام في شرك السعي إلى دولة المؤسسات الفنية.. وحين ظهرت نتيجة الفرز ولم أجد اسمي ضمن قوائم المقبولين، لم أغضب بقدر ما تعجبت أن المنظومة لازالت كما هي رغم مرور سنوات وتغير سياسات وحكومات ومتغيرات تصورت كغيري أنها قد تُغير الكثير من أساليب المحسوبيات القديمة. مصادفة تحدث صديق مع أحد المسؤلين عن اختيار الأعمال المشاركة فسأله عن اسمي وسبب رفضي لعلمه أني "مجتهدة" على حد تعبيره.. فأجابه ببساطة (أنا معرفهاش)!!!! هل من المفترض على من يتقدم كفنان أن يكون من المعارف أو بتعبير أوقع من المحاسيب.. فكون حضرته لا يعرفني فهذا ليس عيبا فيّ بل في متابعته هو شخصيا للحركة الفنية والثقافية خارج دائرة أضواء النيون والصالونات الفخمة، فأنا أعمل بالحقل الثقافي والتشكيلي منذ عام 1996 بشكل مستمر وتحت ضوء الشمس الذي يضر بعيون البعض. لقد نشأت بأسرة كان فيها أستاذي الأول وقدوتي جدي الفنان "أحمد التميمي" وهو نحات من الرعيل الأول للفنون الجميلة ومن الجيل الذي سافر بعثات لتعلم الفنون بباريس ونادرا ما كانت تخلو القصور الملكية من عمل له فكانت منحوتاته من الصقور والنسور الخشبية التي اشتهر بها علامة من علامات ذلك العصر، وكف عن نحت الصقور والنسور بعد ثورة 23 يوليو 1952 حتى لا يوصف بأنه من راكبي الموجة، ومن ثم فقد تعلمت منه قبل القراءة والكتابة كيف أرسم وأعبر عن نفسي من خلال ألواني وكيف أحترم هذه الموهبة ولا أخضعها لأهداف أحد.. فكان هذا أول دروس الفن في حياتي ولم أزل لم أتجاوز العاشرة من عمري. قال سلفادور دالي: " أمتلك وعيا دائما بأن كل شيء يتماس مع حياتي فريد وغير عادي وكامل ولاذع أيضا".. فكان أستاذي الثاني منذ الطفولة هو الأستاذ الدكتور "زكريا الزيني" رحمه الله، الذي كان وأسرته أصدقاء لأسرتنا الصغيرة وكان دائم المتابعة للوحاتي ورسوماتي، أذكر يوما أنني قصرت في دراستي فقامت والدتي بتمزيق رسوماتي كعقاب لي.. وحين شكوت للدكتور زكريا ابتسم ابتسامة ودودة وقال لوالدتي: "على فكرة اللي يقطع لوحة بيدخل النار" تعلمت منه كيف يكون الفنان كبيرا وعظيما بتصرفاته وتواضعه. ومرت السنوات وحين دخلت كلية الفنون الجميلة تتلمذت على يد الدكتور حسين الجبالي والدكتور فتحي أحمد رحمهما الله والدكتور أحمد نوار والدكتور حازم فتح الله وأساتذة وفنانين أقدرهم وتعلمت منهم الكثير فكل منهم وضع بصمة غالية داخل نفسي وإبداعي وتوطدت صداقتي وقتها بأستاذي الدكتور السيد القماش رحمه الله والذي دعمني نفسيا في العديد من المواقف والفنان محسن شعلان وهو الذي دفعني لإنشاء دار إيزيس للفنون والنشر بعد تخرجي بسنوات وبعد صدمات الحياة العملية الكثيرة. وبعد التخرج من كلية الفنون الجميلة أكملت دراستي العليا في مجال النقد التشكيلي بأكاديمية الفنون ودرست آليات النقد على يد الدكتور نبيل راغب والدكتورة نيهاد صليحة رحمهما الله والدكتور زين نصار وكان أستاذي في على الجمال وصديقي الذي دفعني للكتابة الدكتور صلاح قنصوه، وكانت مشرفتي في رسالة الماجستير الدكتورة ماجدة سعدالدين التي كانت نعم الأستاذة والإنسانة.. ومن ثم فقد وضعني الله أمام عمالقة تتلمذت على أيديهم وتعلمت منهم كيف يكون الأستاذ والفنان. شاركت بأكثر من مائة معرض جماعي وقمت بعمل 9معارض خاصة كان أولهم عام 2000 وآخرهم 2016، شاركت بمعارض دولية وحصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير من مؤسسات فنية لها وضعها الدولي.. ومن ثم فالعجب هو أن معيار الرفض كان لأني (معرفهاش!!!). المعرض العائم 2017: إن مناقشة وعرض موضوع مؤهلات القبول أو المشاركة في المعرض العام لا يعني أبدا التشكيك في مستوى الأعمال المقبولة أو حتى الفنانين الذين وجهت إليهم الدعوات المباشرة بالمشاركة - دون الخضوع للجان الفرز- فهم زملاء وأصدقاء أعلم تماما دورهم في الحركة التشكيلية وأنهم فنانون يحترمون إبداعهم، لكني أعرف أيضا الكثير ممن استبعدت أعمالهم لمجرد أنهم بعيدون كل البُعد عن المصالح أو الشللية، وإذا كان هناك مجال متسع في مساحة العرض لقبول عدد أكبر من الفنانين الجادين بقاعات قصر الفنون المقرر أن يُقام المعرض به؛ ولما كان هناك المجال لهذه الدعوات التي تميز بين فنانٍ وآخر حتى لو كانوا بنفس المستوى الإبداعي أو اللأسلوب الفني أوالتاريخ الفني المتقارب، هذا وقد كانت استمارات الصالون "المعرض العام" تخلو من اسم القومسير العام له وتم التنويه فقط أن لجنة التحكيم (مسؤلة عن مهمة الحفاظ على المستويات الفنية التي ترقى لهذا العرض الكبير وتعمل على إثراء العرض) ومن ثم فإن الأعمال المختارة اشتملت على أسماء 49 فنان في مجال التصوير، 15 فنان في مجال النحت، 19 فنان في مجال التصوير الضوئي، 12 فنان في مجال الخزف وفنان واحد في مجال الخط العربي، وفي مجال الفنون الفطرية 4 فنانين، وفي مجال التجهيز في الفراغ عمل واحد، وفي مجال الرسم 8 فنانين، و14 فنان في الجرافيك، وفي مجال فنون النسيج عملين فقط وفي التصوير الجداري3 فنانين، أي أنه تم قبول 128 فنان فقط، وبالرجوع لقاعات قصر الفنون التي تتسع لمشاركة ما يقرب من 400 عمل وأكثر حيث أن النحت والخزف والتشكيل في الفراغ لا يشغل مساحة من جدران القصر المخصصة لعرض اللوحات وهذا يعني أن اللجنة ستقوم باختيار أكثر من نصف المعرض بشكل شخصي.. فهل هذا يعطى مصداقية للمعرض العام والحدث السنوي الذي ينتظره الفنانين؟!! ومن ثم فمن خلال هذا السرد أتسائل متى سيرسو المعرض العائم على شاطئ الفن وتكون فيه الغلبة للقيمة التشكيلية وحدها دون أن يدعمها مكان الفنان أو وظيفته وعلاقاته؟؟
#سوزان_التميمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-وصيفات- فيلاسكيز ومزاوجة الفن والسلطة.. فأيهما يخلد الآخر؟
-
أعرفه.. تمامًا
-
لا أحدَ إلا أنتَ.. أنا
-
بعضُ وردٍ لهُ.. من دمي
-
استعادة «محسن شعلان»
-
دفوف الصبر
-
لحن الغياب (قصة قصيرة)
-
بين الحكمة والحزن.. لحظة
-
ثلاثية الصمت (لون الحزن- ظل الوحدة- طعم الغياب)
-
الشخصية الفنية للمبدعات التشكيليات المصريات
-
أثر البيئة الاجتماعية والموروث الحضاري في الأسلوب الفني
-
عزيزي الرجل الشرقي
المزيد.....
-
هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!
-
رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ يبحث عن
...
-
رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري
-
على طريقة الأفلام.. فرار 8 أشخاص ينحدرون من الجزائر وليبيا و
...
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|