أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - ثقوب سوداء في الدار البيضاء















المزيد.....

ثقوب سوداء في الدار البيضاء


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 5619 - 2017 / 8 / 24 - 14:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم أكن أعرف بالضبط ، أثناء زيارتي للدار البيضاء ، لماذا رغم كبر المدينة وعمرانها المتنوع ، لفت انتباهي فقط عدد من معالم المدينة .. المتناقضة .. دون غيرها .. مثلت في نظري .. بتناقضها المزعج ، ثقوباً سوداء .. بمعنى نواقص وأخطاء كبيرة .. تتعارض واسم المدينة وشهرتها .. وتعيب المسؤولين عنها . ولعل مكان إقامتي المؤقتة ، قد لعب دوراً ، في جذب انتباهي إلى تلك المعالم .

فعلى مسافة عشرات الأمتار ، أو أكثر قليلاً ، من البيت ، من ناحية الغرب ، يقوم مسجد الحسن الثاني ، على مساحة كبيرة جداً ، منتزعة من مياه البحر الأطلسي . وقد كان الملك يريد أن يضاهي بهذا المسجد .. بحجمه .. وزخرفته .. المساجد الكبرى في العالم .. ويكون لافتاً ، بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة ، ومسجد الرسول في المدينة المنورة . ولعله خوفاً من الخطايا والفناء .. يدخل الخلود " الجنة " .. من باب هذا المسجد .. الذي بلغت تكاليفه ، من المال العام ، والتبرعات القسرية ، والطوعية ، نحو أربعين مليار درهم مغربي . أي ما يعادل أربع مليارات دولار .

وبعد إنجاز بناء المسجد العملاق على الشاطئ الأطلسي ( 1993 ) . بدا صرحاً عمرانياً ، دينياً ، باهراً . لكن ما ينقصه هو العدد الكبير من المصلين ، الذي يتناسب وكبر حجمه ومساحته ، التي تتسع ل ( ثمانين ألفاً من المصلين في باحته الخارجية ، و وخمس وخمسين ألفاً في الحرم الداخلي ). ويفسر المطلعون ذلك أنه لبعده عن مركز المدينة . ما أدى إلى أن يتحول لاحقاً ، إلى موقع سياحي .. بالتوازي مع كونه مسجداً للعبادة .
ويندهش السياح الأجانب ، عندما يقومون بزيارة المسجد ، من البذخ الواضح في الإنفاق عليه ، ومن أنواع التكنولوجيا ، التي تستخدم في تحريك السقف الواسع للحرم .. للتهوية عند تزايد المصلين .. أو للتظاهر بالعظمة . سيما ، في الأوقات الشديدة الحرارة . وفي تستخدم في تحديد القبلة للمصلين ، على مساحة كبيرة بأشعة الليزر .

لكن من يسابون بالاندهاش أكثر هم المغاربة الفقراء ، من سكان أحياء المدينة الفقراء ، الذي يكابدون من أزمات معيشية متعددة .. والجدير ذكره هنا ، أن الملك الحسن الثاني العلوي ، كان مبالغاً في خياره الخلود ، وطريق الجنة ، من خلال الصرح العمراني للمسجد الباهظ للتكاليف الخيالية .. الذي سماه باسمه .
وكان مخطئاً باختيار مكان المسجد البعيد عن الكثافة السكانية .. ورضي أن يوضع المسجد برسم السياحة .
وقبل وبعد ذلك ، هو التضحية بالإنفاق الكبير على هدف غير منتج . فيما الشعب المغربي ، يكابد البطالة ، والاغتراب ، ومن أزمات السكن ، وارتفاع الأسعار . وانخفاض مستوى الطبابة ، والتعليم ، ما شكل كما يراه ابن البد والزائر ، ثقباً أسوداً في بياض المينة .

ولم يخطر ببال الحسن الثاني ، أن هناك ملكاً عربياً مسلماً ، يجري وراء العظمة مثله . لكنه ثري جداً ، وليس بحاجة لجمع المال للإنفاق على بناء مسجده المنشود في الأمارات العربية المتحدة . وهو أعظم بالزخرفة والبذخ من مسجد الحسن في المغرب . واحتل مسجد الشيخ زايد آل نهيان ، المرتبة التي كان الحسن الثاني يتمناها لمسجده .

وبالقرب من البيت من طرف الشرق ، وعلى مسافة غير بعيدة من مسجد الحسن الثاني ، يقع حي " كارتي كوبا " الشعبي القديم . وهو برسم الهدم مع عدد من عدد من أحياء المدينة القديمة . بسبب الانهيارات في أبنيتها ، وسقوط أعداد متزايد من الضحايا تحت أنقاضها .

لم يكن حي " كارتي كوبا " " المبني منذ القدم ، من الخشب العتيق ، والطين ، وصفائح التوتياء الصدئة ، ويقطنه أفقر سكان المدينة ، ويستخدم " الدباغون " مياه شاطئه ، لغسل جاود الحيوانات قبل تصنيعها ،. لم يكن قبل بناء مسجد الحسن الثاني العلوي ، المخصص لخلود الملك بالقرب منه .. لافتاً . وذلك لموقعه البعيد عن المدينة .. وفقره .. والرائحة الكريهة المتصاعدة من الجلود .
وربما السوق الشعبي بداخل الحي ، المسمى سوق عوا ، هو الذي يجذب حركة الناس ، منه وإليه ، لأسعاره الرخيصة من الخضار وغيرها ، مقارنة بأسواق أخرى . وربما حركة ساكني الحي أيضاً ، تدل على وجود حياة ، ما زالت تتحرك داخل المكان ، ومعظمهم من المشردين الذين لا مأوى لهم ، قادمين من مآس لا يبوحونن بها لأحد . . ويبرز عند تقاطع المكان الذي يضم مسجد الحسن الثاني ، وحي " كارتي كوبا " التناقض الحاد بين عالمين . بين جسر الخلود الملكي المهيب ، وبين " كارتي كوبا " وبؤساء سوق عوا ، على شكل ثقب أسود كبير وواسع ، مستقر في جهة هامة من المدينة . يقال أنها مرشحة لاحتضان رمز خلود الملك ، ومشاريع عمرانية متطورة ، مكملة لعظمة هذا الرمز .

من حي " كارتي كوبا " الشعبي الفقير ، مروراً بسوق المدينة القديم ، وما حوله من المدينة القديمة ، الذي ينتهي بباب مراكش الشهير ، تتشكل رغم وجود المسجد الملكي ، الساكن بعيداً عللا الشاطئ ، تتشكل إطلالة البؤس ، والفقر المزمن في الدار البيضاء . وتتمو ضع قطباً متناقضاً ، مع كورنيش ، وقصور الملوك والأمراء العرب ، وأبرزها " قصر الأمير سلطان بن عبد العزيز ، وقصور الأثرياء العرب والمغاربة ، والمطاعم والفنادق الفخمة في عين دياب . وتشكل إطلالة الدار البيضاء الغنية الجميلة .. على شاطئ البحر الأطلسي .. شامخة بدورها التجاري ، وسمعتها السياسية والتاريخية ، التي تسمح بمناداته باسمين دوليين ، الأول " الدار البيضاء " والثاني " كازابلانكا" . وهي من طرف آخر مكسورة الكبرياء ، أمام أحيائها القديمة ، التي احتضنتها في بداياتها .

وعند مقارنة جديدها المحجوز للأمراء والأثرياء ، وقد يمها المؤسس .. والقائم على جذور الفقر ، وعلى توابعه المذلة العليلة ، في مجالات الصحة ، والتعليم ، والسكن ، وفرص العمل . ينكشف للمراقب والمواطن .. ثقبان أسودان .. يشوهان اسم المدينة .. ويكشفان فساد المسؤولين عنها .

وهناك ثقب أسود ولاشك ، له علاقة بجشع الثراء وظلمه ، وبالفساد الإداري وتقاعسه ، وإهمالهما كلاهما لإنسانية الإنسان ، الذي ترتبط حياته ولقمة عيشه بالعلاقة غير المتكافئة ، بينه وبين أصحاب الأملاك والعمران ، وإدارات الأمن الصناعي والضمان الاجتماعي . فعندما يمر المرء بجوار مشروع قيد العمل ، يرى بسهولة أسلوب البناء المستخدم المستهتر بحياة العاملين فيه ، حيث يعملون يدون وسائل ضمان ووقاية . وبعضهم الذي يتعرض للسقوط من أعالي المبنى ، محكوم عليه ، دون ريب ، بالموت ، لأنه سقط أعزلاً حتى من حزام أمان بسيط .

هنا يرتبط بؤس سكان " كارتي كوبا " وسوق عوا ، وسكان أحياء المدينة القديمة الأخرى الفقراء، مع بؤس العمال الذين ، لا يعيشون إلاّ من بيع قوة عملهم ، بدون أمان من إصابات العمل ، وجميعهم براء من مسؤولية الثقوب السوداء المتزايدة في هذا القطاع .. مع تضخم عظمة الأمراء والأثرياء .. على حساب امتهان وكرامة ، كل الفئات والطبقات الاجتماعية ، التي تعيش ضمن قوس العمل المأجور .

وتأتي انتفاضة جماهير الحسيمة ، لتكشف عمق واتساع الفساد ، وتكشف الكثير من الثقوب السوداء ، التي تتأتى عنها . وتدفع جماهير مدن أخرى ، ومراكز إنتاج ، وتجمعات ، مهمشة . أو متضامنة .. للتحرك .
وتدفع الملك محمد السادس العلوي ، الوارث عن أبيه الحسن الثاني ، مخلفاته على كل الصعد منذ ( 1999 ) ، للإعلان منذ أيام على الملأ ( لقد آن الأوان للقضاء عللا الفساد " .
لكنه يرسم إشارة استفهام كبيرة ، حول السلطات " الأداة " التي ستنفذ الوعد الملكي .. والتي هي على مدار مختلف العهود قد سببت الفساد .

إن الفساد ، ليس مسألة إدارية فاشلة . وإنما هي مسألة ، سياسية ، واجتماعية ، وأخلاقية على كل الصعد ، تستدعي تولى القوى الوطنية والديمقراطية ، المؤهلة ، بالعلم ، والأمانة ، والأخلاق ، والخبرة . إدارة البلاد .. ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والتخلف فيها .



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتصاراً لفنزويلا البطلة
- الشعب يريد إيقاف الحرب .. والتحرير
- زبيدة
- الحوار المتمدن صحافة ومنبر ومنارة
- سوريا وطن الجميع ومسؤولية الجميع
- حذار من ثقافة الفوضى الخلاقة الجديدة
- هو .. الأ قصى
- التفاهمات الدولية ومخاطر التقسيم
- ثورة 14 تموز .. والمتحدة .. والمصير التاريخي
- عودة ووحدة اليسار مطلب وطني وطبقي
- خيار المقاومة وحتمية الانتصار
- عالم بلا قانون دولي
- في مواجهة غزو التحالف الدولي الأمريكي
- الرقة العظيمة .. صامدة .. تقاوم .. وستنتصر
- 50 عاماً على حرب حزيران ثانية
- خمسون عاماً على حرب حزيران
- الشعب لن ينتظر طويلا
- الرأسمالية ستزول .. والاشتراكية عائدة
- من أجلك تشرق الشس
- أخي السوري اصنع نصرك


المزيد.....




- مغنية تؤدي النشيد الوطني الأمريكي بالإسبانية احتجاجًا على مد ...
- -أضرار جسيمة- بمستشفى بعد موجة صواريخ إيرانية في جنوب إسرائي ...
- قطر.. سفارة أمريكا تعلن تقييد الوصول إلى قاعدة العديد مؤقتا ...
- ‌‏وزير الدفاع الإسرائيلي: خامنئي سيدفع الثمن
- سياسة برلين الشرق أوسطية على نار الحرب بين إيران وإسرائيل
- الكربون في الرئة يكشف سر تطور الانسداد الرئوي
- مستشفى سوروكا يتعرض لأضرار خلال استهداف إيراني واسع في جنوب ...
- موسكو: ننتظر مقترحات واشنطن لاستمرار الاتصالات معها
- -أكسيوس-: الجيش الأمريكي وحده يحتفظ بسلاح حاسم في المواجهة م ...
- نتنياهو: سنجعل النظام في طهران يدفع ثمن القصف وسنزيد قصف إير ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - ثقوب سوداء في الدار البيضاء