أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر الداوودي - ارصدة الحزن عند فقراء العراق














المزيد.....

ارصدة الحزن عند فقراء العراق


عمر الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 5613 - 2017 / 8 / 18 - 01:24
المحور: الادب والفن
    


الأسطه (ابو نورية) كان بناءا بغداديا اصيلا ,,اتذكر اننا عملنا معه في اعمال البناء لبعض الوقت ,,كان عصبي المزاج ,, يجهد كثيرا ويصرخ كثيرا على العمال كي يسرعوا في اتمام العمل ومع ذلك كان يغادر قبل الثالثة عصراً ,, ولكن غناءه المستمر اثناء العمل كانت العلامة الفارقة الاولى تليها عادته في التدخين
بإستمرار إلا اننا كنا نفضل العمل معه لإسباب منها غناءه المستمر ونكاته وتعليقاته الغر يبة التي كانت تضحك الحجر ولإنه كان يلقي الكثير منها ولإننا كنا قد اعتدنا صوته الغنائي لهذا قرر صديقي ان يسجل صوته في احد الأيام شريطة ان يكون العمل تبييض الغرف الداخلية إذ انه وفي هذه الحالة سيكون التسجيل اوضح صوتاً .
اتذكر انه في ظهيرة احد ايام الشتاء البغدادي القارص بداية التسعينات ,, احضر لنا صاحب المبنى الذي كنا نعمل فيه الطعام ,طعام الغذاء ,,كان عبارة عن (فلافل) وخبز اسمر كوجه الليل , وحيث ان جميع عماله ومنهم أنا كنا من طلاب الجامعات وحيث ان الأسطه كان يأكل وهو واقف ويمضغ بسرعة لهذا قال له صديقي الذي كان يدرس آداب اللغة الانكليزية :
- اسطه ,لا تأكل هكذا ,,تعلم ,ان تتمتع بالطعام ,,
فصاح عليه (ابو نوريه) قائلاً :
- دگوم گوم ، هي فلافل , قابل اغنيلها !! ,,
كان انسانا طيباً ,,لكنه يتفادى الصمت ,, اتذكر انه قال مرة ( نفس الذي يضحككم الآن ستبكون عليه لاحقا) !! وبينما كنا نضحك نحن كان هو يرمقنا بإستغراب .
في فجر يوم شتائي آخر انتظرنا ابو نوريه كثيرا فلم يحضر ولم يك من عاداته التأخر فجرا ,,غادرنا المكان وفي الغد انتظرناه وايضا لم يحضر ,, وفي الثالثة ايضا لم يحضر ,, خلناه قد هرب واستولى على اجورنا لقاء العمل معه ,,
بعد الظهيرة قررت ان ازوره ,,كان بيته في (كسرة وعطش) وبالكاد عثرت على بيته الصغير جدا ,, فوقفت امام باب قديم صغير ورحت اطرقه لمرات وانا اسمع صوتا ينبعث من الداخل ,,فلما اكثرت من الطرق والإنتظار هممت بالمغادرة ولكن وقبيل ذلك انفتح الباب ببطء فشاهدت عجوزا في السبعينات من العمر كانت في وضع القرفصاء ويبدو انها كانت قد زحفت على قدميها كي تأتي لفتح الباب !! ,,
وبعد ترحيبها بي قالت بأنها قد تعرضت الى جلطة منذ سنوات وانها غير قادرة على المشي فلما سألتها عن ابي نورية امتلأت عيناها بالدمع وتحشرج صوتها وتبحح وقالت في خفوت :
- اوف ,, مات ,, قبل ثلاث ايام ,,
فتفاجئت فلما طلبت مني الدخول لمنزلها دخلت كي اقدم لها العزاء فتحركت هي زاحفة عبر الرواق الضيق ومشيت وراءها ,, كان بيتهم عبارة عن غرفة صغيرة جدا لكن مشهد الفتاة الجالسة في ركن الغرفة المظلمة تلك شد انتباهي وسردت عليَّ العجوز حكايتهم ...
كما ترى ,, انا زوجته وهذه نورية ,,عمرها اربعين سنة وهي لا تبصر ,,فقدت بصرها في سن الخامسة ,,تدري قبل ,, ماكو علاج للجدري ,, هو كان ابو غيره ,, كل يوم يرجع من وكت وكان ياخذها للتنزه ويشتريلها هدايا ,, ابو غيره ,, كنت اتوقعه يموت اب اي لحظة ,, لأن الطبيب قبل خمس اسنين كَله رح تموت وره شهر شهرين !! ,بس ظل قوي ومادار بال ابد ,, خو متطلبونه فلوس ؟,,
- لا ,, يمه ,,لا !!,,هو كان يطلبنه وبكره رح انردلكم الدين ,,
في الغد ,, حضرنا اربعتنا ,, اشترينا لهم بعض الإحتياجات البسيطة ,, مع مسجل كاسيت مع شريطين مسجلين لصوت الأسطه اثناء العمل ,,
في ذلك اليوم عرفنا سبب صراخه المستمر اثناء العمل وسبب نكاته وسبب غناءه المستمر مثلما عرفنا بإن صراخه لم يكن علينا بل على ماكان يلاقيه من صعوبة في حياته .
لا ادري ,,أحسناً فعلنا أم لم يكن ذلك أمرا جيدا ؟ ,,لكن نورية ,كادت ان تطير من الفرح ,,حين سمعت صوته مجددا !! ,,كانت تقبل المسجل وتضمه الى صدرها وهي تبكي تارة وتضحك اخرى .
انظر ,,منذ ذلك اليوم عرفت حقيقة وهي ان داخل البيوت العراقية رصيد هائل من الحزن قد يغرق المحيطات بدموعه .



#عمر_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كنتُ سندباد !!
- الكورد ,هم فلسطين ثانية وليسوا اسرائيل ثانية
- فساد السلطة , بين القاع والعلم !!
- وأخيرا قتلوا جالينوس
- الشروال كوردي والطاقية كوردية ولكنك أعمى وأحمق !!
- مرة اخرى , كفري مدينة بحجم العالم ولكن !!
- الحصان الأصيل كان يجر عربة بيع النفط !!
- الادعاء العام في اقليم كردستان ...الى اين؟!
- نحن شعب ال(لا) المختار !!
- ساحر فاشل
- الدولة المارقة ,دولة سارقة !!
- ترفس حافية القدمين !!
- شبيك لبيك ...الغبي بين يديك !!
- احب الجميع واكره نفسي !!
- قوجه شاوول ...وحجي احمد آغا...وبيع الرصيف في المزاد العلني!!
- الطائرة الماليزية ...اين هي؟!
- حلبجة,, جريمة جسيمة وعقوبة هزيلة !!
- حلبجة وخمس حكايات...
- حيطان وحيتان !!
- الحرب جنون ولكنها تعقل المجانين احيانا !!


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر الداوودي - ارصدة الحزن عند فقراء العراق