عذاب الحب

الطيب الفحلي

الحوار المتمدن-العدد: 5605 - 2017 / 8 / 10 - 15:31
المحور: المجتمع المدني
    

"لم أعرف يوما أنني غبي إلى هذا الحد".كانت هذه آخر جملة نطق بها صديقي قبل أن يصبح كائنآ لا رحمة ولا شفقة فيه ،وأنا أقول ،أن يصبح هكذا فمن حقه ..
من حقك ياصديقي العزيز أن تكفر بهذه المفاهيم الفارغة ،أن تحذفها من ذاكرتك ،من حقك أن تلعن كل من يتحدث عن الحب و يردد الكلمات الرنانة والكلام المزوق والمنمق ..
لكن مع ذلك فأنت محظوظ لأنك لم تتورط كما تورط عبد الله بطل رواية كن خائنآ تكن أجمل،الرواية القصيرة الجميلة التي لم تترك رجلآ إلا وأثرت فيه ،أما النساء فقد انتشين بها ..
نعم،أعرف أنك تورطت في الحب ،وأحببت التي لا تستحقك ،تعذبت ،سهرت الليالي ،لم تكن يومآ خائنآ و لا كائنآ ،كنت كما عهدناك إنسانآ متميزآ ومتفلسفآ متألقآ،تعلمنا منك ولا زلنا ،فأنت أستاذنا وصديقنا ،أنت فيلسوفنا ،فناننا ،عالمنا ،دمت كما كنت لا كما أصبحت ..
سبق يا عزيزي أن حذرتك ،وقفت في وجهك ،حاربتك ..حدث كل ذلك من أجل مصلحتك ..لكنك كما عهدتك إنسان لا يتراجع أبدآ،مهما كلفه الأمر ،وها نحن ذا نراك وقد كلفك الأمر ما لا يطاق ..
لن أقول كما قال صاحب الرواية :كن خائنآ تكن أجمل ،لكن سأقول كن لا مباليآ ،لا تأخذ كل شيء على محمل الجد،حارب قلبك لأنه سبب تعاستك ،نعم،احذره،اتق شره،واستمع لعقلك وحده لا لغيره ،وفي الأخير ارمي بثرثرة الدهماء في صندوق القمامة ..
أنت إنسان خير تحب الخير ،ولأنك هكذا فأنت أجمل جوهرآ ومظهرآ ،قد أكون اقتربت من التناقض لأنني كنت أقول أن الجوهر هو المحدد الأوحد ،لكن لا بأس إذا حدث أن أضفت المظهر الذي طالما احتقرته ..
سقراط نفسه ،شهيد الفكر والفلسفة،لم يكن جميلآ في نظرهم ،لكن بالنسبة لي كان من أجمل الناس الذين عايشت أرواحهم ،فكلما قرئت عنه إلا وأحببت هذا الرجل الناذر ،أحببته لجوهره لا لمظهره ،أحببته لإخلاصه ،لفكره وفلسفته ،وكذلك لتضحيته بنفسه من أجلنا كلنا..
اسمع يا صديقي من يستطيع اليوم أن يفعل ما فعله الرجل الذي هزم الموت ،التي كانت ترتعد كلما اقترب منها ،لقد كان والموت وجهآ لوجه ،ومع ذلك ،الموت نفسها بكت لموته ،وأنا أيضآ بكيت لموت رجل عظيم لم تمت فلسفته ..
لم أذكر سقراط عبثآ ،وإنما لأطلعك على حياة نوع خاص من الناس ،كانوا كالملائكة يمشون على هذه الأرض ،التي احتقرتها بما فيها ومن فيها ..
لذلك فنصيحتي لك أن تحاول التخلص من كل ما يعكر مزاجك ..وبالأخص عليك أن تتخلص منها ..ماذا قلت ،لا تقدر! ..أفهمك صديقي ،فأنا الآخر كنت قد تورطت فيما تورطت فيه ،وربما أكثر،ومع ذلك لم أتغير كما حدث معك ،فقط غيرت نظرتي إليها وتركتها كالمعتوهة ..

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات