أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - العلمانية: عصر الظلمات (1/5)















المزيد.....

العلمانية: عصر الظلمات (1/5)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5594 - 2017 / 7 / 28 - 00:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(العلمانية: النشأة والمسيرة)
ان للكلمات حياة فمعناها يتغير مع مرور الزمن ومع تبدل الأحوال. وكلمة "علمانية" Secularism، وكل ما يشتق منها، مثل "علمنة" Secularization، ليس باستثناء. لذا سنستعير من السينمائيون احدى تقنياتهم وهي "الاسترجاع" Flashback ونستخدمها لفهم ما تتضمنه كلمة "علمانية" من معان. فهم يتوقفون عند مشهد بعينه ثم يعودون الى الماضي مسترجعين مشاهده المرتبطة بالمشهد الحالي بهدف فهم أسبابه. وبالمثل سنبدأ رحلتنا مع العَلمانية بواحد من تعريفاتها الحديثة التي جاءت في "موسوعة الدين" Encyclopedia of Religion. فقد عرفت هذه الموسوعة العَلمانية بأنها "تنويعة من الأخلاقيات الاجتماعية النفعية التي تهدف إلى الارتقاء بالإنسان دون الرجوع للدين، وذلك عبر الاعتماد الكامل على ما يوفره العقل البشرى والعلم والتنظيم الاجتماعي من وسائل. وهى التنويعة التي تم بلورتها في رؤية وضعية متكاملة تحظى بقبول عريض، وتهدف إلى توجيه كافة المؤسسات والأنشطة البشرية لخير الإنسان ورفاهه في حياته الدنيا انطلاقا من اعتبارات لا دينية" (Ferm, 1964). وتعود أهمية هذا التعريف الى تضمنه ابعاد العَلمانية الثلاث وهي:
1. اللا دينية: تنحية الدين عن التدخل في شئون الحياة الدنيا (او عالم الشهادة)
2. العقلانية: الاعلاء من شأن العقل
3. الإنسانية: الأولوية للإنسان

وصياغة تعريف العلمانية على هذه الصورة لم يكن وليد اللحظة بل كان نتيجة لتحولات في الواقع المعاش وتغيرات في طريقة النظر اليها. فقبل سنة 1648 كانت تستخدم للتفرقة بين كل ما هو "مقدس" وكل ما هو "دنيوي". او بعبارة اخري التفرقة بين كل ما هو متعلق بشئون "الدنيا" وكل ما هو متعلق بشئون "الدين". وبعد توقيع معاهدة وستفاليا سنة 1648 (*) استخدمت كلمة "علمنة" لوصف عملية تسليم الأراضي الخاضعة للكنيسة الى القوى السياسية المشاركة في حرب الثلاثين عاما. وفي أواخر القرن التاسع عشر استخدمت كلمة علمنة لوصف عملية تقليص الدور الذي يلعبه الدين في الشئون الدنيوية والتي تصاحب عملية تحديث المجتمع.

لم تكن العلمانية نبتا شيطانيا ظهر في أوروبا ولكنها كانت رد فعل طبيعي لما عانته شعوب هذه المنطقة على مدى عشرة قرون كانت بدايتها أعقاب سقوط الإمبراطورية الرومانية في عام 476 وامتدت حتى القرن الخامس عشر. فلقد وقع افراد هذه الشعوب تحت وطأة منظومتين اجتماعيتين هما "منظومة الاقطاع" و"منظومة الدين".

ولنبدأ بالمنظومة الأولى، "منظومة الاقطاع"، فهي نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يقوم على حيازة الأرض وعلى علاقات الالتزام المتبادلة بين عناصره الفاعلة. وهناك أربعة عناصر فاعلة، يشغل كل منها طبقة من طبقات هرمية المجتمع، هي:
1. الملك (قمة الهرم)،
2. طبقة النبلاء وكبار رجال الدين وهم من يمتلكون الأراضي وما عليها من بشر وحيوانات ومعدات (الطبقة الثانية)،
3. الفرسان وهم المحاربون الذين تقع على عاتقهم حماية أملاك النبيل والعاملين التابعين لسيدهم (الطبقة الثالثة)،
4. الاقنان وهم الفلاحون التابعون لصاحب الأرض والمسئولون عن زراعتها والذين لا يسمح لهم بمغادرة الأرض (قاعدة الهرمية).

والعلاقات بين هذه العناصر هي علاقات التزام متبادلة. فعلى سبيل يلتزم النبيل مالك الأرض (الاقطاعي) بحماية القن وبتوفير المأوي والغذاء له. وفي المقابل يلتزم القن بالعمل المجاني في ارض سيده، وبدفع اجر استخدامه للأدوات والحيوانات المملوكة له، وبدفع غرامة ان أرسل ابنه ليتعلم، وبحق الليلة الأولى! وهي أن يقضي الاقطاعي مع عروس القن التابع له الليلة الأولى. كانت هذه امثلة لبعض التزامات القن فالقائمة طويلة.

اما المنظومة الثانية، "منظومة الدين" متمثلة في المسيحية الكاثوليكية الرومانية، فقد لعبت دورا هائلا في تشكيل مجتمع القرون الوسطى وكان لها سيطرة كاملة على كافة شئونه. فالكل خاضع لتعليماتها أيا كان موضعه في هرمية طبقات المجتمع الاقطاعي بدءا من الملك وانتهاءا بالأقنان. وكانت قناعة الجميع، كما روجتها الكنيسة الكاثوليكية، ان الطريق الى الجنة يمر عبر أبوابها. فهي الوحيدة المختصة بتقييم سلوك الافراد وبتحديد مصيرهم سواء كان جنة او جحيم. كما روجت الكنيسة مقولة ان طاعة الملك والنبلاء من شروط دخول الجنة. ولم تكتفي الكنيسة بذلك فقد ألزمت الفلاحين البسطاء بالعمل في أراضيها دون مقابل. كما ألزمت الكنيسة رعاياها بدفع ضريبة "العشور" وهي عشر ما تغله الأراضي الزراعية والإقطاعيات، او عشر ما يحصل عليه المهنيون وأرباب الحرف. وإذا عجز الفلاح عن دفع هذه الضريبة نقدا فعليه دفعها عينا من ماشيته ومن منتجات ارضه. ومرة أخرى تؤكد الكنيسة لرعاياها ان عدم دفع هذه الضريبة هو أقصر طريق الى الجحيم.

ولم يقتصر الدور الذي لعبته الكنيسة على الجانب المادي في حياة رعاياها بل امتد ليشمل أيضا الجانب المعنوي متمثلا في اللغة وفي الرؤى المتعلقة بالكون وبالواقع المعاش. فبداية احتكرت الكنيسة مهمة التعليم ليصبح أداتها لنشر افكارها ولتعزيز وجودها في عقولهم. وقد كانت اللاتينية هي لغة الكنيسة الرسمية ومن ثم أصبحت هي اللغة التي ينبغي على الجميع استخدامها في كافة الكتابات والتعاملات. هذا واعتبرت الكنيسة ان تبني أيا من رعاياها تصور للكون يخالف تصورها هرطقة ينبغي محاكمة وعقاب صاحبها. وقصة الكنيسة مع جاليليو أحد امثلة هذا التوجه. فقد تبني جاليليو نموذج النظام الشمسي لكوبرنيكوس المخالف للنموذج الذي تبنته الكنيسة والذي يعتبر ان الأرض هي مركز الكون الذي تدور حوله كافة اجرام السماء.

وهكذا أنتج تحالف منظومتي الاقطاع والكنيسة انسانا تآكلت قدرته على التفكير المستقل، ولم يعد يجد في الدين خلاصه بعد ان أصبح غفران الخطايا سلعة تباع وتشترى، وأخيرا انسان لا يمتلك من أدوات لفهم ما يدور حوله سوي الخرافة او اساطير الاولين.

وهكذا أصبح المجتمع مهيئا لتقبل التغيير الذي بدأت أولى موجاته مع مطلع القرن الخامس عشر. فهو القرن الذي شهد نهاية الإمبراطورية البيزنطية بسقوط القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الثاني سنة 1453 م. كما شهد أيضا بدء الكشوف الجغرافية على أيدي الملاحون البرتغاليين مثل بارثولوميو دياز الذي تمكن من بلوغ "رأس الرجاء الصالح" سنة 1488 وفاسكو دى جاما الذي اكتشف الساحل الشرقي لأفريقيا ووصل الى الهند. هكذا كانت بدايات موجة التغيير الكبرى التي واكبت بزوغ عصر النهضة وﺇستمرت حتى ظهور ملامح فكر حركة التنوير الأولى في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر انها موجة التغيير الذي شكلها تفاعل وتكامل ثلاث حركات كبرى، تواكبت وتداخلت مساراتها هي: الحركة الإنسانية وحركة الاجتهاد الديني والحركة العقلانية (زيادة, 1987) والتي سنعرض لكل منها في المقالات التالية.

(*) صلح وستفاليا
شهد عام 1648 حدثا سيكون له آثار بعيدة المدي. والحدث كان " صلح وستفاليا " الذي أنهى التوقيع على معاهدتيه حرب الثلاثين عاما بين الدول الكاثوليكية والبروتستانتية في وسط وغرب أوروبا. ومن أهم نتائج الصلح تقليص سلطة بابا روما وتراجع أهمية البابوية كقوة سياسية في أوروبا وتجريدها من حق التدخل في شؤون الكيانات السياسية، وضع أساس الدولة القومية ذات السيادة على مقدراتها.
المراجع
Ferm, V. (Ed.). 1964. Encyclopedia of Religion. Paterson, NJ: Littlefield, Adams & Company.
زيادة, م. 1987. معالم على طريق تحديث الفكر العربى. الكويت: عالم المعرفة.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استفتي عقلك
- حكاية الجزيرتين
- فرض عين
- عبء الاختيار
- جبر التنوير
- الفتوحات المدنية لابن الانسان
- والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)
- سلاح الغلابة
- مرافعة لم يطلبها أحد
- مذبحة الروبوتات
- جامعة المستقبل: الرؤية والرسالة
- نظرية ورقة النشاف
- المادة المضادة ومأساة انسان العقل المُغَيب
- الديموقراطية وجودتها المنشودة
- القيراط الخامس والعشرين
- أسطورة تجديد الخطاب
- أمة في أزمة
- حاوريني يا طيطة
- حكاية المنظومتين
- محاكمة الحضارات


المزيد.....




- شاهد أوّل ما فعلته هذه الدببة بعد استيقاظها من سباتها الشتوي ...
- تحليل: بوتين يحقق فوزاً مدوياً.. لكن ما هي الخطوة التالية با ...
- نتنياهو يقول إنه يبذل قصارى جهده لإدخال المزيد من المساعدات ...
- روسيا.. رحلة جوية قياسية لمروحيتين حديثتين في أجواء سيبيريا ...
- البحرية الأمريكية تحذر السفن من رفع العلم الأمريكي جنوب البح ...
- صاروخ -إس – 400- الروسي يدمر راجمة صواريخ تشيكية
- إجلاء سياح نجوا في انهيار ثلجي شرقي روسيا (فيديو)
- الطوارئ الروسية ترسل فرقا إضافية لإنقاذ 13 شخصا محاصرين في م ...
- نيوزيلندا.. طرد امرأتين ??من الطائرة بسبب حجمهن الكبير جدا
- بالفيديو.. فيضان سد في الأردن بسبب غزارة الأمطار


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - العلمانية: عصر الظلمات (1/5)