أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - نظرية ورقة النشاف














المزيد.....

نظرية ورقة النشاف


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5406 - 2017 / 1 / 18 - 19:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الارتقاء بمستوى رفاه افراد المجتمع هو الهدف الرئيسي لأي نظام حاكم. وفشل النظام في تحقيق هذا الهدف يسحب منه شرعية وجوده في مركز السلطة. وتتعدد أسباب هذا الفشل فهي قد تكون أسبابا خارجية مثل تغير نمط استهلاك سلعة بعينها وقد تكون أسبابا داخلية مثل غياب رؤية واضحة. وتأتي على قمة الأسباب الداخلية للفشل طبيعة الثقافة السائدة لدى أفراد هذا المجتمع. وهي الثقافة التي تتمثل في "منظومة القيم" بما تحتويه من معايير كلية وأحكام عامة يتبناها المجتمع وتحدد لأفراده ما ينبغي أن يكون. أو بعبارة أخرى تحدد السلوك القويم الذي يتوقعه المجتمع منهم. لذا يصبح الاكتفاء بالحديث عن "التنمية المستدامة"، أو الارتقاء بمستوى رفاه افراد المجتمع، دون الحديث عن "تنمية ثقافية" مصاحبة تدعمه يصبح امرا يثير الرثاء. و"التنمية الثقافية" في هذا السياق تعني إحلال قيم جديدة محل القيم القديمة التي تعوق نجاح عملية التنمية.

وكمثال سنعرض مجموعة القيم المتعلقة بمفهوم الزمن والتي تشكل مجتمعة نظرة المصريون له، والتي اظن انها أيضا تماثل نظرة اغلب سكان دول المنطقة. وللتعرف على هذه النظرة علينا الإجابة على ثلاثة أسئلة هي:
 ما هو التوجه الزمني لعموم المصريين أهو قصير ام طويل المدى؟
 كيف يتعامل عموم المصريين مع الزمن؟
 مدى تأثير اقسام الزمن الثلاث، الماضي والحاضر والمستقبل، على حياتهم المعاصرة؟

ولا تتطلب أجاب السؤال الأول جهدا فهناك العديد من الشواهد الدالة على وقوع المجتمع المصري في نطاق المجتمعات ذات "التوجه قصير المدى" التي تركز على "اللحظة الآنية" لا على "اللحظة الآتية". ومن أبرز هذه الشواهد:
 عدم الميل للتوفير فـ "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب".
 تعجل نتائج الأفعال وتوقع إشباع الحاجات في التو واللحظة فـ "إحيينى النهاردة وموتنى بكرة" و"بيضة النهاردة ولا فرخة بكره".
 التركيز على العائد السريع في مجال الأعمال فـ "الخسارة القريبة ولا المكسب البعيد".

وللسؤال الثاني اجابتان هما: "الثقافة البوليكرونية" و"الثقافة المونوكرونية". و"الثقافة المونوكرونية" تنظر للزمن كـ "خط مستقيم" يمتد من الماضي للمستقبل مرورا بالحاضر. وتعنى هذه النظرة الخطية للزمن إمكانية تجزئته إلى أقسام يمكن قياسها بدقة، مثل سنة، شهر، أسبوع، يوم، ساعة، دقيقة، ثانية ..... كما تعنى هذه النظرة الخطية التجزيئية للزمن اهتمام أصحاب هذه الثقافة بالتخطيط المفصل لما سيقومون بتنفيذه وفى الالتزام الصارم بالمخطط الزمنى للتنفيذ. وفى النهاية لا يقوم أصحاب هذه الثقافة بأكثر من عمل في نفس الوقت.
وفي المقابل نرى "الثقافة البوليكرونية"، التي ينتمي اليها المصريون، تنظر للزمن بوصفه نهرا متدفقا لا أول له ولا آخر ولا تنظمه بنية محددة الملامح فهو عندها كـ "الدائرة"، أو "زمن دائري". وفى العادة ينشغل أصحاب هذه الثقافة بأكثر من شيء في نفس الوقت كما لا يرون أي غضاضة في التنقل من عمل شيء إلى عمل شيء آخر حتى وإن لم يتم إتمام العمل الأول. بل ويعتبرون هذا السلوك أكثر إثارة ويؤدى إلى إنتاجية أكبر. وأصحاب هذه الثقافة يسهل تشتيت انتباههم، وتغيير الخطط وتوقيتاتها بالنسبة لهم هي أمر هين و"قول يا باسط" و"ماتحكبهاش" و"ربنا خلق الدنيا في ست أيام"، وهم في النهاية غير حريصون على الالتزام بدقة المواعيد فـ "يا مستعجل عطلك الله". أما الأهداف فهي قابلة للتحقيق إن أمكن و"إجرى يا بنى آدم جرى الوحوش غير رزقك لم تحوش".

والأن حان وقت الحديث عن نظرتهم لمكونات الزمن الثلاثة: ماض وحاضر ومستقبل. وموقف أفراد ثقافة ما من هذه العناصر الثلاثة وللعلاقة بينها تشكل أحد المعايير التي يمكن استخدامها في تصنيف الثقافات. فهناك ثقافات "سلفية" تنظر إلى المستقبل على أنه إعادة إنتاج لعصر مضى أقامه الأسلاف وهو، في عرفها، "العصر الذهبي". لذا يتمحور النشاط الفكري لهذه الثقافات حول شرح وتفسير ما جاء في مصنفات السلف الصالح من تصورات وأفكار ويجتهد مفكرو تلك الثقافات في محاولة إسقاطها على واقعهم المعاصر مع إغفال اختلاف الظروف وخصوصية الأسباب. وهكذا تعلوا مكانة قيم الحفظ والإتباع والسمع والطاعة وتتدنى مكانة قيم النقد والتحليل والكشف والإبداع. ومن المؤسف، بل ومن الخطورة، ان تنتمي ثقافتنا السائدة الى هذا النوع من الثقافات. وعلى طرف النقيض هناك ثقافات "مستقبلية" تنظر إلى المستقبل بوصفه الزمن الذي ستجسد الأمة فيه أحلامها المتجددة وتطلعاتها المشروعة وتقيم فيه عصرها الذهبي بأيدي وأفكار أبنائها المعاصرين. والماضي في عرف تلك الثقافات هو فقط مادة للنقد والتحليل لاستخلاص الدروس المستفادة. والمجتمعات التي تسودها مثل هذه الثقافات هي المجتمعات التي تأتى "سنة التطور" على رأس مسلماتها وهي وحدها القادرة على تجديد نفسها وعلى التواؤم الخلاق مع مقتضيات عصرها.

كانت هذا عرض سريع لمجموعة من القيم التي تعوق عملية التنمية ويبقي السؤال عن كيفية احداث التغيير المطلوب واحلالها بمجموعة من القيم الداعمة. وهنا نجد أنفسنا امام موقف صعب. فمن ناحية تتطلب عملية تغيير ما ترسخ في نفوس افراد المجتمع من قيم توارثوها وقتا طويلا للتغلب على مقاومة من المستهدفين من عملية التغيير. ومن ناحية أخرى لا تتحمل عملية التنمية أي تأجيل مبالغ فيه في عالم بلغت فيه معدلات التغير سرعات غير مسبوقة. وتوحي لنا ورقة النشاف بقدرتها على امتصاص قطرات الحبر وسماحها لهذه القطرات بالانتشار عبر مسامها بالحل. والحل يبدأ بانتقاء بعض القطاعات الحكومية التي تتعامل مباشرة مع المواطنين لتتبني كل منها مجموعة من القيم التي ترفع من مستوى خدماتها مثل دقة مواعيد انجاز الخدمات. ان نجاح هذه القطاعات في تقديم خدمات محسنة نتيجة لتبنيها مجموعة من القيم سيمهد الطريق للأخيرة بالانتشار. وهكذا توحي لنا ورقة النشاف بطريقة غير مسبوقة لنشر القيم الداعمة للتنمية اذ تنشرها مصحوبة بفائدتها على المستوي العملي (النفعي).



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المادة المضادة ومأساة انسان العقل المُغَيب
- الديموقراطية وجودتها المنشودة
- القيراط الخامس والعشرين
- أسطورة تجديد الخطاب
- أمة في أزمة
- حاوريني يا طيطة
- حكاية المنظومتين
- محاكمة الحضارات
- ومن التفكير ما قتل
- هذا ما جناه علينا ارسطو
- الكمبيوتر -بَوَظ الصنعة-
- العلم من جنة اليقين الى دنيا الاحتمالات
- مواطنين لا رعايا
- السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر
- أعمدة الحكمة السبعة
- الحضارات لا تموت قتلا، وانما تموت انتحارا
- ثقافتنا المعاصرة ووظائفها المُعطَلة
- نحن وزمن -الما بعد-
- الاصالة والمعاصرة: الرنيسانس (*) (2/2)
- الاصالة والمعاصرة: عنقاء الزمان (1/2)


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - نظرية ورقة النشاف