أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر















المزيد.....

السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 16:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشكل عبارات من قبيل "العلم في الراس مش في الكراس"، "ده كلام كتب"، "انسوا اللي إتعلمتوه في الجامعة" عينة مما قد يسمعه حديثو التخرج وهم في بداية حياتهم العملية ويحاولون تأسيس آرائهم أو أفعالهم على ما تعلموه أثناء سني دراستهم الجامعية. ويعتبر شيوع استخدام مثل هذه العبارات عرضا من أعراض مرض أصاب الذهنية المصرية وازدادت حدته في العقود الأخيرة. وهذا المرض هو مرض "الفصل بين الفعل والعلم" ومن ثم هوان شأن الدور الذي تلعبه "المعرفة العلمية"، بكل ما تتضمنه من حقائق ومفاهيم تم إنتاجها والتحقق من صحتها عبر مناهج بحثية دقيقة، في توجيه وتشكيل سلوكيات وأفعال مكونات المجتمع المصري أفرادا كانوا أو مؤسسات. فكم منا، كأفراد، يهتم بقراءة دليل تشغيل ما يقتنيه من أجهزة إلكترونية قبل استخدامها؟ وما هو مدى استفادة واضعوا استراتيجيات الإعلام المصري من الدراسات الأكاديمية التي ترصد وتحلل التغيرات التي حدثت في قيم الإنسان المصري؟ ومما ساعد على انتشار هذا المرض واستشراءه تلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العقل المصري منذ عقود وتدفع به دفعا إلى منطقة تسود فيها "الخرافة" بشتى اشكالها ...! ... ويحكمها "التفكير اللاعلمى". لذا لم يعد مستغربا أو مستهجنا أن تشيع في المجتمع دعاوى التداوي بالأعشاب أو ببول الإبل وغيرها من الخرافات.

ووجه الخطورة في شيوع هذا المرض هو أن رفاهية ومكانة المجتمعات المتقدمة، التي يطلق عليها "مجتمعات المعرفة" Knowledge Societies، تقوم على أمرين. أولهما هو قدرة المجتمع على إنتاج معرفة علمية وثانيهما هو قدرته على توظيف واستخدام هذه المعرفة في تحسين أحوال أفراده. ولا يقتصر استخدام المعرفة العلمية على مجرد إنتاج سلع مصنعة تلبى حاجات أفراد المجتمع بل يتسع ليشمل الاستعانة بها في رفع كفاءة الخدمات المقدمة لهم وفى دعم عمليات اتخاذ القرار على كافة المستويات. كما تقوم اقتصاديات تلك المجتمعات في المقام الأول على "الصناعات المرتكزة على العلم"، كصناعات الدواء والالكترونيات، كمصدر للقيمة وكوسيلة لتحقيق مزايا تنافسي تنعكس آثارها على اقتصاد المجتمع ككل.

ويصل الامر الى حد الكارثة ان تفشى هذا المرض بين اهل السياسة وصناع السياسات. فالسياسة هي "خطة عمل هادفة معدة بعناية لتحقيق نتائج محددة وذلك عبر ترشيد القرارات فهي تتكون من مجموعة من القرارات هذا بالإضافة مجموعة من الاجراءات او الافعال". والسياسي هو المسئول عن رسم السياسات وعن متابعة تنفيذها. وهو بالضرورة شخص يجيد التحدث للجماهير فلغة خطابه بسيطة تلونها العواطف الجياشة التي تدغدغ مشاعر السامعين. الا انها ايضا تحتوي على الكثير من العبارات "المبهمة" Vague والعبارات "الملتبسة" Ambiguous. والعبارات "المبهمة" هي تلك التي لا يوجد معنى محدد أو قطعي لها مثل "تجديد الخطاب الديني" و"الدين هو الحل" فهي عبارات فضاضة ومطاطية لا ترتكز على أي تعريف علمي دقيق ومحدد. اما العبارات "الملتبسة" فهي تلك التي تتعدد معانيها ويغيب معيار واضح لاختيار أحدها ومن أبرز أمثلة هذه الكلمات كلمات "المقاومة" و"الجهاد". وهكذا يصبح ابهام العبارات والتباسها من ادوات المراوغة التي يستخدمها الساسة للتنصل من وعودهم للجماهير

ولا يهتم السياسي بصدق او دقة مضمون خطابه فهمه الرئيسي هو جذب الجماهير. لذا نراه يمارس "الانتقائية" فيختار من المتوفر من البيانات والأبحاث ما يؤيد وجهة نظره فقط.

وفي المقابل نرى الأكاديميين، من اهل العلم وأصحاب النظريات، وهم يستخدمون في خطابهم لغة منضبطة تتجنب الابهام والالتباس ولكن يأتي هذا على حساب شعبيتها. وهي أيضا لغة باردة لا مكان فيها للعواطف الشخصية او للأحكام القيمية (من قيمة). فلا توجد لديهم نظرية بديعة ولا فرض بائس، فالنظرية اما ان تكون صحيحة او تكون خاطئة. والحكم على صحة نظرية (او فرض) ما من عدمه لا تحكمه مشاعر او مزاج او تحالفات الباحث! بل يتم اما على مطابقة ما جاء به الفرض مع الواقع الملموس أو مع معطياته التي يمكن مشاهدتها أو قياسها (نظرية التطابق Correspondence Theory) او بمدى "اتساق" ما جاءت به النظرية مع ما جاءت نظريات اخري ثبتت صحتها (نظرية الاتساق Coherence Theory)، او إيجاد حل ناجح لمشكلة واقعية (النظرية البراجماتية Pragmatic Theory). ولا تستقيم بحوثهم، أيا كان مجالها، الا بذكر بحوث الآخرين حتى لو ناقضت نتائجها نتائجهم.

وهكذا نجد أنفسنا امام ثقافتين متباعدتين تعوقان الحوار بين اهل العلم واهل السياسة. لذا لا يكون مستغربا ان ينظر اهل السياسة ونشطاءها للنظرية بوصفها "تجريد" لا محل له في ممارساتهم اليومية، وهي أيضا "تعميم" لا يأخذ اعتباره خصوصية وتفرد ما يتعرضون له من مواقف. وينظرون الى اهل العلم ككائنات تعيش في كوكب آخر لا صلة لهم بما يحدث على ارض الواقع مرددين القول المأثور "ان اللي ايده في الماية مش زي اللي ايده في النار".

وامام هذا الحوار المفتقد تبرز "مستودعات الفكر" Think Tank بوصفها الحل المنتظر؟ ويعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2003)تلك الكيانات بوصفها "منظمات تشارك بشكل دائم في البحوث المتعلقة بالسياسات العامة وفى الدعوة إليها. إنها الجسر بين المعرفة والسلطة في الديموقراطيات الحديثة". ويعرفها آخرون بأنها "منظمات غير حكومية لا تسعى للربح وتتمتع باستقلال فكرى وتنظيمي ومالي عن الحكومة والأحزاب السياسية وجماعات المصالح المنظمة، وتهدف للتأثير على السياسات" (*). والمهمة الرئيسية لهذه الكيانات هي "مساعدة الساسة على فهم القضايا المتعلقة بالشئون المحلية والدولية وعلى اتخاذ قرارات عن علم بخصوصها". وبجانب هذا الدور الرئيسي تبرز أدوار اخري مثل
-;- الاشتراك في الحوارات السياسية ككيان على علم مستقل ومحايد،
-;- تحديد موضوعات وبرامج ومقترحات السياسات الحالية وتقييمها وإعادة صياغتها،
-;- ترجمة الأفكار المتعلقة بالمشاكل المستجدة إلى سياسات،
-;- زيادة وعى الجمهور بتقديم تفسيرات مبسطة للموضوعات التي تؤثر على حياته وللأحداث والسياسات المتعلقة بها،
-;- إقامة منتديات لتبادل الأفكار بطريقة بناءة بين المسؤولين عن رسم السياسات،
-;- العمل على تكوين "شبكات الموضوع“ Issue Networks التي تضم كل من له علاقة بالموضوع قيد البحث.
-;- تشجيع التفكير "غير التقليدي (خارج الصندوق)" حول كل ما يتعلق بحلول بقضايا المجتمع.

(*) Hartwig Pautz, Revisiting the Think-Tank Phenomenon, Public Policy and Administration, 2011, vol. 26, no. 4, 419-435



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعمدة الحكمة السبعة
- الحضارات لا تموت قتلا، وانما تموت انتحارا
- ثقافتنا المعاصرة ووظائفها المُعطَلة
- نحن وزمن -الما بعد-
- الاصالة والمعاصرة: الرنيسانس (*) (2/2)
- الاصالة والمعاصرة: عنقاء الزمان (1/2)
- انتخبني من فضلك
- كليات القمة: طبقية التخصصات واهدار الممكن
- حكاية -ماضي كان- واخوه -بكره حيكون-: النبوءة (3/3)
- فساد الافكار
- حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): أصل الصراع (2/3)
- حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): بطاقة تعارف (1/3)
- انطباعات ما بعد الحوار
- السيد نصر الدين السيد - أكاديمي مصري مهتم بالشأن العام- حوار ...
- اهدموا أهراماتكم
- الشيطان يعظ
- هوجة الانتخابات
- فيها حاجة مش ولابد !
- على هامش حوارات المجموعة 42: الديموقراطية
- الديموقراطية من تحت لفوق


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - السياسي والأكاديمي: الحوار المفتَقد والحل المنتَظر