أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - كأنّه أبي-الجزء الأخير-















المزيد.....

كأنّه أبي-الجزء الأخير-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5584 - 2017 / 7 / 18 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


أنا لست حجراً، إنّني بشر
أحنّ ، أشتاق، أخاف
أبحث عن جديد، ولا جديد
حياتي تسير من تلقاء نفسها
أركض خلفها، أتعثّر في المسير
الحياة حبّ، وحبّ ، وفرح كبير
آن لي أن أتصالح مع نفسي، فكل البشر يخطئون. منذ أن تخلت زوجة أبي عنه، وأنا أرسل له ثمن معيشته، وبعد موت أمّي أردت أن أجلبه إلى هنا كي أعتني به ، لم يرد على رسائلي. لا أعرف بماذا أفكر، لكنّه العقاب، فقد طعنته زوجته في ظهرة، وأعطته نفس الدّرس الذي أعطاه لأمّي. في قريتهم التي انحدروا منها. هم خمس عوائل فقط كانوا في القرية لا يتحدثّ، ولا شخص منهم مع الآخر إلا عندما يؤمرون من قبل زعيمهم الروحي بتنفيذ عمل ما ضدّ المختلفين عنهم.
يقولون أنّ الأمور جيدة هناك. ذهبت ميّ في ذروة الحرب. قاربت على السّتين عليّ أن أحسم أمري. أحبّ أبي. لم أكرهه يوماً. كنت عاتباً عليه فقط، ولا مجال لذكر الأحداث، أمّي توفيّت، والموضوع برمته أصبح لا يصلح للنقاش.
ما رأيك ياميّ أن نذهب معاً؟
-لا أرغب يا غريب. بقيت أكثر من عام بعد عودتي، وأنا مصابة بالاكتئاب. لديك قضيّة .لا بأس أن تذهب. فقط كن حذراً فهناك أمراض متأصّلة زرعتها الحرب ربما، وهي السّرقة، والاستغلال، والكره. صحيح أن الحرب انتهت، ولكنها لن تنتهي بمجرد إيقافها بالقوة ، يمكن أن تنفجر في كل لحظة.
...
لم أزر تلك الأماكن في حياتي
منذ أتينا إلى هنا، لم نحظ بفرصة . كانت أمي تقول: سوف نذهب في زيارة واحدة. ترغب ان ترى بيت عائلتها، لكنها لم تذهب ولا مرّة. كانت تذهب بنا إلى أماكن سياحية متنوعّة.
أنا خائف. قلق، متوتّر.
كيف سيكون شكل أبي؟
هل سوف أعرفه، ويعرفني.
هل سوف أحبّه، ويأخذني بين ذراعيه.
أشعر أنّني في العاشرة، وأبي لم يغادر، ونذهب معاً أنا وهو وأمي في بعض الأمسيات إلى حفلة. كانت أمي جميلة وذكية.
ميّ. هل يمكنني البكاء؟ وهل تعرفين لماذا أبكي؟
أنا نفسي لا أعرف.
عشت طوال حياتي وأنا أفكّر أنّني سوف ألتقيه، وسوف يقول إنّني عائد.
قالت لي الطبيبة يوماً بأنّني أحتاج لطبيب نفسيّ، لكنّني اعتقدت أن وجودك في حياتي قد عالجني.
لم أفهم الكثير من حياتي. مرّت كأنّها لحظة، وكأنّها فكرة تقول: أين أبي؟
لا أعرف إن كان وجود الأب له كلّ هذه القيمة، فأغلب الكتّاب يتحدّثون عن غياب آبائهم من حياتهم.
. . .
لن آخذ معي حقيبة سفر. حجزت في فندق في العاصمة. سوف أذهب، وأجلب أبي ليعيش معي، وسوف أطلب منه أن يرافقني، فقد جهزّت أوراقه .
-حان وقت ذهابك. سوف أوصلك إلى المطار، والأفضل أن تأخذ تكسي المطار هناك، وسوف أكون بانتظار أخبارك السّارة. سوف أكون سعيدة لو استطعت أن تقضي على ذلك القلق الذي سيطر عليك دهراً.
-أراك بخير. صلّي من أجلي يا ميّ.
-ومنذ متى وأنت تؤمن بالغيبيات يا غريب؟
-صلّي بطريقتك ياميّ، لم ألزمك بالطريقة.
سوف أسّجل صلاتي على دفاتر زمن غريب
أكتب على الجدران قصّة حبّ بيني وبينك
قصّة أعطتني مفاتيح الجمال
أنت حبيبي يا غريب
أنت الوحيد في حياتي
عد سالماً!
. ..
ما بك يا أمّي؟ أراك اليوم حزينة.
-مربكة قليلاً يا أزميرلدا
لم أتعود على فراق غريب، ففي كلّ يوم نلتقي. أشعر أنّه جزء من حياتي.
سوف أرى الأخبار، فهذه البلاد لم تهدأ منذ زمن طويل.
سوف أفتح من جوجل على أخبار البلد.
ما هذا؟
إنّه اسم والد غريب. لقد تعرّض لعملّية سطو وقتل.
يقولون أن ابن زوجته " الضابط " في الأمن قتله واستولى على ما يملكه.
الفيديو بثه قريب غريب، وهو ضابط أيضاً، لكنهما نقيضان في المصالح.
الخبر يقول: أن ابن الزوجة قتله وسرق ألف دولار.
يا إلهي! قتله من أجل ألف دولار. ابن زوجته في الخامسة والخمسين، لقد مضى زمن طويل على فراق غريب وأمه، ولم ينس الحقد، وكان دائماً يهدد والد غريب. هم أناس مغلقون. لا يعاشرون إلا بعضهم.
أزميرلدا ! احجزي لي تذكرة طائرة ليوم غد.
. . .
لن تستطيعي الدّخول إلى المستشفى أيتها السّيدة. هناك جريمة، والمستشفى محاط بأفراد الأمن.
-أنا قريبة الضحيّة. دلني أيها الشرطي على طريقة للدخول.
-اعطني مئة دولار، وسوف أرافقك.
-ها هو غريب. شكراً أيّها الشّرطي. أراك يا غريب غريباً بين تلك الجموع. لا تسمع لهم. يقولون أنّه عليك أن تقتل. لا تستطيع يا غريب.
-أعرف يا مي. قاتل أبي لازال حرّاً لم يقبضوا عليه، ويقولون أنه لن يسجن . لم تعتقله الشّرطة، وهو يروح ويجيء أمامي. هؤلاء أقارب أبي. وأقارب أبي هم أقارب القاتل أيضاً، لكنهم أقارب ليس بيدهم نفوذ، فقط يتحدثون ضد القاتل.
سوف يتم الدفن اليوم مساء.
هل بإمكانك يامي أن تتحدّثي نيابة عنّي؟
. . .
كلمة أهل المغدور تلقيها ميّ
الجميع مجرم بحق غريب
أتى بعد خمسين عام من فراق أبيه ليراه ويصحبه فقتلتموه.
ألم تشبعوا من إراقة الدّماء
تشجعونه على الانتقام لآبيه، لكن كيف؟
القاتل يستحق العقوبة، وأنتم غير قادرين حتى على إرساله للسّجن.
هنا بلاد الموت، ومدينتكم هذه تحمّلت مسؤولية إراقة دماء أغلب النّاس. أنتم أنفسكم كنتم تقتلون وتسرقون.
لقد جلبت معي هذه الدولارات من أجل أن تسجنوا القاتل، ومن ثم نقرّر كيف سوف ينتقم غريب منه. سوف أنثرها وأجعلكم تتصرفون. وسنبقى أنا وغريب في العاصمة لعدة أيّام . إن سجنتموه. سوف نعود
. . .
لقد عدنا يا ميّ. لماذا فعل هذا-أعني أبي- تركني طفلاً، وقتلني عندما قتل. يقولون أنّني أتحمل مسؤولية دمه، وأنا ربما مقتنع بذلك، فالثأر حالة يولدها الظّلم. عندما يرى الإنسان أن من حوله قد خذلوه يلجأ إلى الانتقام . عندما أفكّر بيني وبين نفسي أراني أحمل مسدساً ، وأقوم بعملية قتل لأقارب، وقاتل أبي. اليوم عرفت ماذا يعني الانتقام. هو انتقام من الذّات بالدرجة الأولى عندما تكون عاجزة من الدفاع عن الحق ، وقد كنت عاجزاً ، فحتى عندما دفعتِ لهم تلك الدولارات أخذوها، وكفّوا عن الحديث عن الثأر، أما أنا فكان يتملكني غضب العالم.
لماذا برأيك عاد أبي ليعيش بينهم؟ هل كان مثلهم؟
كان يمكنه أن يترك أمّي ولا يعود إن كان الأمر خلاف بينه وبينها. كان عليه أن لا يعود من أجل نفسه.
دفعتِ لهم الدولارات التي تكفي لجعلهم يستطيعون الإمساك بالقاتل عن طريق إعطاء المال لرئيسه، لكنّهم نسوا الدفن، وتنافسوا على الدولارات. كادوا يقتلون بعضهم.
-عندما نثرت المال يا غريب. كنت أرغب أن يكفّوا عن حديث الانتقام. أنت لا تستطيع، ولا تجيد حمل السلاح أصلاً.
عندما أتيت قبل أعوام كثيرة. تحدّث لي الرّجل المسنّ الذي قتلوا ابنه أحمد عن هؤلاء النّاس. هؤلاء الذين قتلوا والدك، والذين يحرضونك على الانتقام يتشاركون في القتل، ونهب البيوت .
غريب! لديّ فكرة.
لم يعد لدينا أشياء كثيرة نخاف عليها، وأزميرلدا سوف تتزوج قريباً.
أرغب في العودة إلى هناك. أرغب في تأسيس ميتم، وسوف نعين له موظفين للرعاية.
-سوف أشاركك يا ميّ.
شيء ما في داخلي يحثّني على العودة. هو ليس الانتقام، ولكن حبّاً في تغيير تفكير البعض، فلو استطعنا تغيير البعض لتغيّر الكثير.
-سوف نبدأ من جديد، ونكون غريب الأب، وميّ الأمّ، لكن بطريقة مختلفة هذه المرّة. لا يمكننا الاستقرار في تلك البلاد. سوف نقتصر على الزيارة السنوية ، وسوف نجلب حفيد أبو أحمد كي يدير الميتم. أنا على تواصل معه. أكسبته الحرب حسّاً إنسانيّاً. هو ينتمي للمظلومين، وعشيرة والدك تنتمي للظالمين.
-ماذا سوف نسمّي الدّار؟
-سوف نطلق عليها اسم " دار الغريب"
وسوف نكتب في التعريف بها
قرّرنا إنشاء هذه الدّار لتخليص النّاس من فكرة الانتقام، سوف تكون تلك الدّار لأولاد الذين فقدوا أسرهم من الظالمين، والمظلومين، حيث يتربون على قيم الدّار، وقيم الدّار هي الاهتمام بداخل الإنسان وجوهره، وزرع ثقافة الحبّ في داخله.
-إنّني متحمّس جداً. طريقة حضاريّة في الانتقام، ولكنّني لا أعتقد أن الفكرة سوف تكون قريبة من عقول قتلة أبي. نحن نزرع للمستقبل. هل نبدأ غدا؟
-بالطبع لا. علينا أن نتحدث مع حفيد الرّجل المسّن . اسمه عيسى. سوف نتحدّث مه الآن، وسوف تتواصل أنت معه، فمشروع كهذا يحتاج لدراسة، ومعرفة التّكاليف، والتمويل في المستقبل. عندما ينهي عيسى كلّ تلك الأمور سوف نذهب لا فتتاح الدّار، ثم نعود، فهناك وطن أجدادنا، لكنّ هنا هو وطنّنا. المكان الذي أعطانا الأمان، وعلّمنا على قيم الإنسان. هنا دفن آباؤنا. بالنسبة لي أعتقد أنّه لا وطن لي سوى هنا.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كأنّه أبي-الفصل الخامس-4-
- كأنّه أبي -الفصل الخامس-3-
- كأنّه أبي-الفصل الخامس-2-
- كأنّه أبي-الفصل الخامس-1
- سارقة شينوار
- كأنّه أبي-الفصل الرّابع -5-
- كأنّه أبي-الفصل الرّابع-4-
- كأنّه أبي-الفصل الرّابع-3-
- كأنّه أبي-الفصل الرّابع -2-
- كأنّه أبي-الفصل الرّابع-1-
- كأنّه أبي-الفصل الثّالث-5-
- كأنّه أبي-الفصل الثّالث-4-
- العلمنة في ظلّ تعدّد الأئمّة
- كأنّه أبي-الفصل الثّالث-3-
- ماقبل جيل النّعم، وما بعده
- كأنّه أبي-الفصل الثّالث-2-
- رسالة امرأة في العيد
- قصّة عيد يهرب من الفقراء
- لماذا تتقلّد المرأة الأدوار الثّانويّة
- كأنّه أبي. الفصل الثّالث. 1.


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - كأنّه أبي-الجزء الأخير-