أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - الصفعة














المزيد.....

الصفعة


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5568 - 2017 / 7 / 1 - 19:43
المحور: الادب والفن
    


الصفعة
" صدق أبي الله يرحمه لما قال عن أبيه عن جده عن عنعنات كتيرة ( بتموز بتغلي المي بالكوز )"
تمتمت وهي تستدير لتجتاز ثانية تلك الموجة العريضة، التي دخلتها برشاقة سمكة صغيرة ، وخرجت منها بتثاقل حوت ، مولية ظهرها للكوّة التي اعتلتها لوحة كرتونية مصفرّة مهلهلة كُتب عليها عبارة ( المعاشات ) لا تدري لماذا كلّما رأتها تتساءل بينها وبين نفسها " مين أقنع اللي كتبها أنه خطُّه حلو ؟ "
ترفع يدها حاملة ورقات نقدية معدودة، - وكأنها تخشى عليها من البلل أو الغرق - راتبها التقاعدي الذي قدّرته لجنة المعاشات ، والذي يكفل لمن يحوزه العيش بكرامة لأيام قليلة من الشهر، وقد أقرّته الدساتير والقوانين الخاصة بمديريات الشؤون الاجتماعية والعمل ، معتمدة على نظريات علم الإحصاء الذي يعمل على تنظيم اقتصاد وميزانية الدولة والمواطنين، سن الستين هو السيف الذي يشطر راتب من بلغه من الموظفين إلى شطرين، أحدهما أُلغي بكل ما كان عليه من متغيرات- هي لا تعرف مسمياتها الإدارية تماماً -رغم أنها عاشت معها أكثر من نصف عمرها، لم يشغلها الأمر كما كان يشغل زميلاتها، كان يكفيها أن تدرك أنها بين علاوة و غرامة وتأمينات...
خلَّصت نفسها من موجة الأجساد البشرية تلك، وقد زخمت أنفها رائحة عرق السنوات الهرمة التي نضحت بها تلك الأجساد، لتجد مساماتها ينابيع لعرق لم تفلح ثيابها -رغم أنها على طبقات - باحتجازها، بل تفشّت على شكل بقع عشوائية بشعة أفسدت أناقتها ...
غادرت المبنى، لتعتبر نفسها سعيدة الحظ بلُقيا سيارة تاكسي واقفة عند البوابة، فتحت بابها وانزلقت إلى داخلها، قائلة بصوت مقتضب :
-" كفر سوسة إذا بتريد ".
يدير السّائق رأسه إليها، قسمات شاب في نهاية الثلاثينات، الواضح أنه نزق ، ألقى إليها نظرة فاحصة، ثم أعاد وجهه إلى الأمام ليقول بلهجة قاطعة :
-" ٥٠٠ ليرة ".
تشهق شهقة لا تكاد تتمها ...ليعترضها مساوماً :
-" آخذك من طريق ما فيه حواجز ".
تحسبها بمحاكاة عقلية بسيطة ، هو جشع ومستغل هذا لا يختلف عليه اثنان، وهل بقي في هذا البلد مكاناً لمنطق أو تراحم؟ يجب أن تكون في البيت حوالي الساعة الرابعة عصراً، حتى تكون بمأمن نسبياً ، فالمدينة ليست آمنة من قبل الغروب بفترة، والساعة الآن الثانية والنصف ظهراً، ومع وجود الحواجز لن تصل البيت قبل الخامسة، إن غادرت هذه التاكسي قد يستغرقها الحصول على أخرى وقتاً، لذا الحكمة تقتضي أن تقبل بعرض قليل اللباقة هذا، نطقت باستسلام :
-" امشي أخي ، اتفقنا".
وحوقلت في سرها واحتسبت ...
انطلقت السّيارة ، وأطلقت هي العنان لخواطرها، خلا بيتها إلا من زوجها الطيب الذي بات قطعة أثاث متحركة بين أرجاء البيت ، لا يغادره إلا لَمَماً، لجلب الحاجيات الضرورية، هاجر كل أولادهم المتزوجين منهم والعازبين، تسيّد الصّمت المنزل ، لا يسقطه عن عرشه إلا صخب فرح عابر بسماع صوت الغيّاب عبر ( النت) عندما تمنّ عليهم الكهرباء بالحضور ...
تنتبه أن السّائق يمر بها بطرقات لا تعرفها، عندما تتساءل يجيبها أنه طريق خالٍ من الحواجز، يعرفه هو ...
لكنها تنظر ، وتدرك أنها في طريق تعرفه الآن ، تعرفه حق المعرفة ...! طريق الغوطة ...!
يغادر الدم كل أرجاء جسمها ليتجمّع في حنجرتها، تفجّره سيلاً على لسانها الذي يتحرّك بكلمات تشبه كرسياً مدولباً يدفعه مشلول يبغي الخروج من سجن شفاه فُتِحَت قسراً لدقائق معدودة :
-" الله يخليك لا تأذيني ! خود المصاري واتركني ... أنا بعمر أمّك
الله يستر على حريماتك ".
وبصوت حاول أن يجعله هادئاً، ولكنه لم يخلُ من النذالة يجيبها :
-" اسكتي ... ما رح ضرّكِ ، بس اسكتي "
توقّف أمام باب دار منعزل، التفت إليها، أشار لها بالنزول، لم تستطع أن تحرك أي من مفاصلها، نزل واستدار، وفتح باب السّيارة ، سحبها، لتسقط على عتبة باب الدار ، فتحه وأدخلها حملاً، وألقاها في فناء الدار الذي عاث فيه الخراب، ينفتح عليه أبواب حجيرات، شرع في فتحها باباً باباً ، لينكشف وراء كل باب فوضى عارمة ...! وكأن حرباً طويلة حامية الوطيس قد جالت وصالت حتى انتهى الأمر إلى هذا الحال المريع ...! و أخيراً فتح باب غرفة -حزرت أنها مطبخ - دَلَّها عليه مواعين قذرة تعالت فوق بعضها حتى بلغت عنان السّقف، عاد إليها، رفعها عن الأرض، وقفت تتمتم بالشهادة، نفض التراب عن ثيابها، وعدّل غطاء رأسها، أشار إشارة دائرية مسح فيها كل أرجاء الدار، وبصوت هادئ لا نخطئ تمييز النذالة فيه قال :
-" ما بدي منك شي، لا مصاري ولا شي، وما بدي آذيكي ، وعيب أنا عندي حريمات وبعرف أديش العرض غالي، ومعاذ الله أعتدي عليكي ، بس بدي منك تنضفي البيت... وأنا بعيوني برجعك لبيتك لما تخلصي تنضيف وتوضيب ....!"
#دعبيرخالديحيي



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة لم تكتمل
- شرعنة جنس أدبي جديد ( الموقف المقالي) ابتكار المنظر الأدبي ا ...
- إشهار المجموعة الشعرية ( ترانيم سومرية ) للمنظر العراقي عبد ...
- عندما يسكن الوطن في وجدان شاعر
- مقدمة مجموعة ( أجنحة المعاني) مجموعة موقف مقالي للأديب العرق ...
- فلسفة العشق والحياة في نصوص الشاعر الفيلسوف عبد الحبار الفيا ...
- مزدوجة المحسوسات العينية والمعنوية في قصيدة ( ساعير عينيك ان ...
- تلتقيني؟
- غزاة محلقون
- دراسة تحليلية ذرائعية لديوان الشاعر المصري الدوكتر سمير القا ...
- إشكالية السلوك الإنساني في نص الشاعرة العراقية سجال الركابي ...
- قرابين
- دراسة نقدية تحليلية براغماتية لقصيدة ( لوحة نجاة)للشاعر العر ...
- مقدمة ديوان ( لم أنا ) للشاعرة العراقية مقدمة ديوان
- مقدمة ديوان ( لم أنا) للشاعرة العراقية / ملاك قحطاني
- دراسة نقدية براغماتية للمجموعة القصصية / تجاعيد زمن / للكاتب ...
- لن أغضب
- قرناء السوء
- دراسة نقدية للعمل المعنون ب ( شرائح ) للكاتب المصري أحمد الد ...
- جند إبليس


المزيد.....




- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - الصفعة