أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسر العدل - غلابة 00 ترسة














المزيد.....

غلابة 00 ترسة


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1449 - 2006 / 2 / 2 - 09:55
المحور: حقوق الانسان
    


يقول فصحاء العربية، أن الغلب ( بفتح الغين وكسر اللام) صفة لمن غلظ عنقه، فيكون الرجل أغلب وتكون المرأة غلباء، والجمع غلب ( بضم الغين وتسكين اللام)، وهو صفة للحديقة التى تكاثفت أشجارها والتفت، فيقولون حدائق غُلبا.
وفصحاء العربية، فى وصفهم حالة الغلب، لم يكترثوا بالوقوف على أسباب غلظة العنق عند بعض الناس، فقد تكون الغلظة راجعة لأسباب طبية، تفقد معها خلايا الجسم بعض اتزانها، أو راجعة لتعنت ظالم انتفخت أوداجه وغلظ قلبه، يستبيح رقاب الضعفاء ضربا بالكفوف والنعال، يأكل حقوقهم ويسومهم سوء العذاب، تحشرج حناجرهم بالأنين، وتغلظ رقابهم بالأسى، يدفعون حزنهم فى قرب مقطوعة وأراغيل بوص كى يسمعهم مجيب فى الموالد، ولا مغيث.
وبسطاء المصريين، جمعت طينة الأسى فى وجدانهم كثيرا من صفات الغلب ( بضم الغين وتسكين اللام)، يعرفون الغلب بقلة الحيلة والعوز، ويرون الغلبان إنسانا، قليل الحيلة يواجه طواغيت الفقر حتى لا يخور جسده، وتفسد خلاياه فلا يخلص من المرض، تعوزه الثقة بالنفس حتى لا تنهار كرامته، ويتسلط عليه الظالمون فلا يخلص من العبودية، يهيم على وجهه فى كل الموالد ينشر شكواه ولا يخلص من الأنين، ويكون الفقراء هم الغلابة من الضعفاء والمعوزين.
ويقول أهل السواحل عن الترسة، أنها نوع من السلاحف البحرية، يشيعون أن لجسدها خصائص فى جلب الحيوية للأجساد المنهكة، ويهيم بعضهم بشرب دمها والتغذى بلحمها، ويرى بعض أهل القرى والجبال، أن فى عموم السلاحف أجزاء تصلح لعقد التعاويذ، طردا للثعابين ودرءا للحسد وجلبا للذرية، إلا أن أهل مدينة الجيزة قد اتخذوا من السلاحف عنوانا للصبر وطول التحمل، فأطلقوا اسم ترسه (أو ترسا) على شارع مواز لشارع الهرم حيث الأهرامات والملاهى الليلية، ومواز لشارع الملك فيصل حيث المطاعم والمشاريع التجارية، وبرغم ذلك فقد تقلصت الخدمات الحكومية فى شارع ترسه، ليبقى مليئا بالبشر والمطبات والبيوت القديمة.
فى أخر شارع ترسه، على حافة ترعة المريوطية، بمدينة الجيزة، دفع الغلب عشرات من العمال الفقراء، لأن يقضوا بقية لياليهم جثثا متراصة تنام على قارعة الطريق تحت الأضواء الخافتة لفوانيس الشارع، يرهقهم قيظ كل صيف، ويصكهم برد كل شتاء، يتناوبون نعاسهم القلق فى بحار من مثيرات التناقض والأسى، فعلى مرأى من عيونهم المجهدة، تقبع أهرامات الجيزة والملاهى منكشفة ليلا بتبهرج الأصوات والأضواء، وعلى مقربة من بطونهم الخاوية، تنتشر الفنادق والمطاعم والمقاهى يرتادها بعض المتخمين، ويشهد أبو الهول مزيدا من وقائع المعاناة لكثير من المصريين.
فى السنوات الأخيرة عضت الأزمة الاقتصادية كل الأكتاف، وامتزجت حالة الغلب بين الناس مع حالة شارع ترسه، وأنشب المزيج أظافره لينشئ صنفا خاصا بين عمال التراحيل، يمكن أن نسميهم غلابة ترسه، صنف قد تتاح له فرص العمل فى المدينة لساعات وربما لأيام قليلة.
غلابة ترسه عمال فقراء، ألوف من الشباب والرجال، تغلظ البطالة فى ضرب أعناقهم، يتوافدون من القرى والنجوع البعيدة، يملئون مناطق محددة من شوارع معروفة بكافة المدن، يرتدون أسمالا من الملابس الفقيرة، ينتعلون مراكيب ممزقة، يتراصون صباح كل يوم جثثا منهكة، يقوسها الجوع ويكمشها برد الشتاء، يمطها العطش ويقددها قيظ الصيف، يفترشون الأرض وبجوارهم أدوات صناعتهم، قطع حديد وفئوس وأزاميل وأخشاب وجلود من إطارات السيارات القديمة، يعرضون أنفسهم طوال اليوم للقيام بأعمال لا تحتاج إلى مهارات فنية متخصصة، من هدم وتشييد بنايات ومساكن، ويتراصون مساء كل يوم جثثا منهكة، يلتحفون السماء فى نواصى الشوارع المظلمة، ويتغطون بالسقوف العارية داخل البنايات غير المكتملة، ينام معظمهم جلوس القرفصاء، تجنبا لرطوبة الأرض وتحسبا لمطاردة المتطفلين، ويتناوبن النعاس على دفعات، فئة منهم تحرسها أخرى.
كلنا يرى غلابة ترسه، منتشرين فى معظم الشوارع، دون قوانين تحميهم فى ظروف العمل العشوائى المؤقت، لا تتولى رعايتهم جمعيات أو نقابات، ولا تسعى جهة لإعادة تأهيلهم حرفيا حتى يزداد الطلب على خدماتهم، بدلا من اقتران وجودهم بشغل السخرة، وانتظار الإحسان من أصحاب البر.
إن غلابة ترسه، ألوف من القنابل الموقوتة للانفجار اجتماعيا واقتصاديا وأخلاقيا، ونزع فتائلها يحتاج إلى بحوث علمية تدير أزمتهم، وتجد الحلول لمشاكلهم، قبل أن يفجعنا وقوع انفجار كبير.



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقن الشفافية
- التفوق الكاذب جداً
- جمعية السد العالى
- !!.. إنى أنتظر الوزارة
- أطلس ذاكرتنا الشعبية
- الإنحشار فى كرسى الوظيفة
- ربطة عنق 00 هدية
- آه.. يا رجلى
- !!..أولاد الأفاعى
- المقعد 00 قصة قصيرة
- !!يا وجيعة فقرنا.. يا
- !! قلبى معكم 00 بشروط
- !!.. يا رئيس الوزراء.. نطالبكم بالاستقاله
- دعاية انتخابية !!
- !!.. الفاضل مستجاب
- !! خيل الحكومة .. لا تموت سريعا
- !! الجوع .. كافر
- !!.. عليه العوض
- ثقافة المقابر..!!
- !! دوابنا الثقافية


المزيد.....




- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ياسر العدل - غلابة 00 ترسة