جمعية السد العالى

ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1434 - 2006 / 1 / 18 - 07:18
المحور: المجتمع المدني
    

كنا ومازلنا صغارا نفرح بقدوم العيد، يرطب الحياة فى حلوقنا وتنفر عروقنا شوقا لتغيير شظف الحياة، وبرغم أن لكل إنسان شوقه الخاص للحياة يحتفل بالعيد كيف يشاء إلا أن للبشر أعيادا عامة تبث الانتماء للوطن بين المواطنين، وتثير التحدى بين المواطنين لصنع الحياة.
فى هذا الشهر تمر الذّكرى السادسة والأربعون على بداية إنشاء السّد العالى، ففى التاسع من يناير عام 1960 م أعلن الرئيس جمال عبد الناصر بدء العمل فى إنشاء السد العالى، سدٌ من الأحجار والرمال والطفلة، يستعرض مجرى النيل جنوب مدينة أسوان بصعيد مصر، ومن يومها انتظم المصريون فى ملحمة إبداع من العمل الجماعى ساهمت فى إنشاء واحد من أعظم الأعمال الهندسية التى تم بناؤها فى القرن العشرين.
استغرق إنشاء السد العالى عشر سنوات كاملة، من عام 1960 إلى عام 1970، قام ببنائه أكثر من خمسة وعشرين ألفا من العمال والفنيين المصريين ومعهم عشرات من الخبراء الروس، عاش الجميع فى هجير شمس أسوان، سقط بعضهم شهداء تحت ضربات الشمس أو انهيارات الصخور من جرف هنا أو نفق هناك، وواصل بعضهم صنع الحياة على ارض مصر برغم إصابات عمل تركت أثارها فى أجساد بعضهم حتى الآن، وبتكاتف المصريين تكونت خلف السد العالى أكبر بحيرة صناعية من الماء العذب فى العالم، تحمل حينا اسم بحيرة السّد العالى وأحيانا تحمل اسم بحيرة ناصر، اعترافا بفضل جمال عبد الناصر على هذا المشروع، بحيرة تتغلب على مشاكل إيراد ماء فيضان النيل، أنقذت مصر من الجفاف طوال عشر سنوات كاملة من عام 1987م إلى عام 1997م، وحمت مصر من فيضانات عالية كثيرة، ويبقى مخزون المياه في البحيرة باعثا على التفكير فى إنشاء مشروعات زراعية كبيرة، مثل مشروع ترعة السلام لاستزراع الصحراء فى سيناء ومشروع توشكى لاستزراع الصحراء جنوب مصر.
إن السّد العالى إنجاز للمصريين على ارض مصر، والاحتفال بذكرى البدء فى إنشائه، يثير مناقشات حول فاعلية طرقنا فى مواجه مشاكل ثقافية وقومية وعلمية، معارك يتطلب النجاح فيها تزكية مفاهيم الانتماء للوطن والتحدى لحل مشاكل المواطن.
فمفهوم الانتماء فى بناء السّد العالى، جعل القطاع العام فى مصر الدولة يحشد إمكانيات كل المصريين لإنجاز مشروع لكل المصريين تجاوزت مزاياه كثيرا من عيوبه، مشروع تكلف حوالى أربعمائة مليون جنيه بأسعار الستينات، فيما يعادل الآن حوالى خمسة مليار جنيه، هذا التوجه للقطاع العام الواعى بالمصالح القومية تختلف نتائجه عن توجه القطاع الخاص الطفيلى حين أهدر منذ بداية الانفتاح الاقتصادى مع السبعينات حوالى مائه وخمسين مليار جنيه من ثروات المصريين فى بناء قرى سياحية على الساحل الشمالى، لصالح بضع آلاف من المحظوظين.
ومفهوم التحدى فى بناء السّد العالى، جعل مصر الدولة تواجه بالحلول العلمية والثورية مشاكل دولية ومحلية فى الاقتصاد والإدارة والتقنية، وتحشد مصر الشعب خمسة وعشرين ألفا من أبنائها لازموا عمليات التفكير والتخطيط والبناء، ليكون السّد العالى عملا بشريا عظيما يجسّد إرادة مصر، ويتحدى بكل مزاياه ما نتج عنه من بعض العيوب.
إن تكرار الحديث فى الصحف ووسائل الإعلام عن مشاريعنا الكبيرة، تخطيطا وتنفيذا وإعادة تقييم، إنما هو تكرار ضرورى لتحريك ذاكرتنا القومية للوقوف على ما مر بنا من مواقف وأحداث، فنرى مع الجميع أننا أبناء أمة تستطيع برغم المحن أن تضيف لنفسها وللبشرية صروحا من حضارة تبقى لنا وجودنا الحى والفاعل بين الأمم.
وبرغم ضخامة الأثر للسد العالى، وبرغم صدق النوايا لبعض قدامى العاملين فى السد العالى بإقامة جمعية تحمل اسمه، وبرغم وجود عشرات الكفاءات من بين من بقى من العاملين فى السد العالى أطال الله فى عمرهم، إلا أن الجمعية فى وضعها الحالى فقيرة الموارد والإمكانيات تعتمد على الجهود الفردية، يكاد ينحسر نشاطها المرصود على إعداد لقاءات حميمة بين الأحبة من باب إحياء الذكرى واستشراف الأمل.
إننا هنا، وباسم الغيورين على رفعة روح الانتماء والتحدى بين المصريين، نقترح أن تتكون لدينا جمعيات وطنية علمية والاجتماعية، تحمل أسماء مشاريعنا القومية الكبيرة، مثل قناة السويس والسد العالى وتوشكى، تدعمها الدولة وتؤازرها ماديا وأدبيا، جمعيات تسعى لنصرة روح الانتماء الوطنى وقبول التحدى فى البحث العلمى حول هذه المشاريع، بهدف تحقيق التقدم للإنسان المصرى.

#ياسر_العدل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات