أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد شودان - التيه ، رواية ، الجزء الثامن














المزيد.....

التيه ، رواية ، الجزء الثامن


محمد شودان

الحوار المتمدن-العدد: 5533 - 2017 / 5 / 27 - 04:55
المحور: الادب والفن
    


وقف عند الباب كاليتيم في خيمة العزاء، أو كأنه قد فقد شيئا غاليا، راقب إدريسَ وهو يصحو ببطء وكأن شيئا لم يحدث. لقد طغى على أحمد الإحساس بالذنب؛ فكان وقع الحادثة قويا عليه، لكن إدريس لمْ يُبدِ أي ردة فعل تجاه ما وقع، بل قال وهو يتثاءب:
ــ بالنسبة لي، لم يحدث شيء، فقط عجَّلتْ هي بما كنت أؤجله أنا، وأنا نفسي لم أكن مرتاحا هنا، ولطالما همَّني أن أقضي الشتاء في هذا الغار.
ــ هذا الغار قد احتضننا يوم كنا دون مأوى، أتحدث عن نفسي شخصيا، وأظنه ينطبق عليك أيضا، يجب أن نعتذر لأمي طامو، مهما كان حكمها الأخير، وهذا ما أنا عازم على فعله، الآن.
قال هذا وانصرف، وتأثر إدريس كثيرا بطيبة الرجل؛ أقلها ما زال في الأرض ما يستنزل رحمة الله.
سمع من غرفته صراخ مي طامو وتذمرها، فأيقن أن صديقه عندها، ومن دنو مصدر الصوت أيقن أنهما في المطبخ؛ كان صوتها عاليا ومجلجلا، أما صوت صديقه فلم يكن يسمع منه إلا هسيسا غير واضح، وهذا ما بلغه من كلامها:
ــ طعنتموني في ظهري، وقتلتم ثقتي فيكم، أنتم لا تستحقون
ــ ....
ــ هل تظنني غبية إلى هذا الحد؟
ــ ....
ــ وأنت أيضا! "الفقيه الذي انتظرنا بركته، دخل الجامع ببلغته".
ــ ....
ــ قم، اترك قدمي، كدت تسقطني، أأنت مجنون؟.
ــ ....
ــ لست أُمًّا لأحد، وبيتي ليس ماخورا.
ــ ....
ــ أخبر صديقك أن أمامه أسبوعا كاملا، أو يزيد، ويوم الاثنين المقبل سأحرق أي شيء أجده في غرفتي.
قام من مضجعه، وبعدما غسل وجهه أخذ سلعته ليخرج من غرفته قاصدا إلى السوق، لكنه تركها عند الباب وعاد، توقف قليلا، ثم تقدم نحو المدخل الذي يفصل الدار الداخلية عن البيوت المخصصة للكراء.
استجمع قوته ودخل؛ كان باب المطبخ أمام المدخل مباشرة مشرعا، فرأى أول ما رأى صديقه أحمد جاثيا على ركبتيه، ومي طامو واقفة.
حزمت رأسها بمنديل ملفوف ما إن أبصرته وصاحت فيه:
ــ أغرب عن وجهي، ولا تدنس بيتي أكثر!
ــ أنا سأخرج يا مي طامو، ثقي بي، ولن أزعجك بعد اليوم أبدا، أقسم لك بفضلك علينا، ولن يضيع لك من ناحيتي خاطر ثانية، وهذا كله فوق اعتذاري واعترافي بالخطأ، ولكن، فقط ودَدْتُ لو تسامحيني؛ سامحيني ليس لأبقى، بل لأرتاح من خطيئتي في حقك، إنه الشيطان، والإغراء يا أمي هو عمل الشيطان الذي أخرج به جدنا من الجنة، فما بالي أنا؟ كيف لي ألا أخطئ؟؟
ــ لديك أسبوع واحد، ولو كان غيرك، لو لم تكن أنت يا من اعتبرتك ولدي الذي لم ألده، ذلك الولد النجيب الذي لا يشبه في شيء هؤلاء التائهين في دروب الضياع، لو كان غيرك لكان مطرودا، وأغراضه في الخارج الآن.
أسرع مقبلا نحوها، فأخذ يدها وقبلها من الجهتين، نزعتها منه وهي تضربه على رأسه وتقول:
ــ على نفسك جنيت يا أكبر شيطان.
رجاها، والدمع من عينيه أنهارا أن تسمح لأحمد بالبقاء، فقد رأى في عينيه إحساسا بالضياع.
كان أحمد مستسلما في برْكته تلك، فقد كان كمن ينتظر قضاء قاصما للظهر، ولا رادَّ له، تلك الصورة التي بدا عليها مزقت قلب إدريس فألح في الطلب؛ قبل يدي العجوز مرارا، وبعد تردد وافقت على بقائه شريطة ألا يأتي منه في المقبل من الأيام فعل شائن.
هكذا اتفق الجميع، ولو كان في المطبخ ذلك الصباح غير الثلاثة، لأدرك من نظرات مي طامو، ومن نبرة صوتها أنها قد رغبت، من أعماقها، ألا يخرج إدريس من عندها، لكن أنفتها منعتها من البوح بذلك، أو من التراجع عن قرارها، والدليل الثاني على ذلك، أنها لم تصرفهما من عندها في الحال، وقد كان بوسعها ذلك؛ إذ كان يكفيها أن تدعو المسمى "بيدرة" وهو ابن جيران لها، قضى أكثر أيام حياته في السجن، بل وأكثر من ذلك، أنها قد دعتهما إلى فطور شبه عائلي ذلك الصباح نفسه.
ساد الصمت حين كانت السيدة منشغلة بإعداد الشاي، وحتى لما وضعت الصينية فوق الطاولة القصيرة، لم يكسر ذلك الصمت الرهيب سوى وقع خطاها من مكان إلى آخر.
توسط الصينية براد شاي من الحجم المتوسط، وحوله حامت أربعة كؤوس تشعشعت بالمشروب الساخن والساحر.
اجتمعوا على الفطور كأسرة متناغمة، وكأي أم مع صغارها خدمتهم بتفان وصمت ورضى. لأول مرة، كان أحمد يغمس الخبز في الزيت صباحا، أقلها منذ عرفه إدريس.
ــ ما أطيبك يا أمي طامو! قال إدريس، ثم أردف: لكم تمنيت، في لحظتي هذه، لو قضيت أشهري الأولى في ذلك الرحم.
رفع عينيه نحو وجهها ليتبين وقع كلامه، فوجدها واجمة، لم تجبه، وفي ظل الصمت أعادت الكأس الذي رفعته لتوه إلى مكانه من الصينية؛ ولم ترشف منه بعدها أبدا، بل ظلت تلوك ما كان في فمها من خبز إلى أن غادرا من عندها.
أخبره أحمد في الطريق أنها لطالما عانت من العقم، وأن كلامه ربما أثر عليها، وبعد ذلك بأيام، سيعلم أنها قد عانت في شبابها من السرطان؛ المرض الخبيث الذي أصاب رحمها، وأن تشخيص إصابتها وافق فترة حملها، ثم إن الأطباء قد خيروها بين العلاج والحفاظ على جنينها، فقاومت المسكينة ثلاثة أشهر، لكن حالتها تفاقمت لأنها كانت في مراحل متقدمة من المرض، ما اضطرها إلى التضحية بالذي سمعت صوت دقات قلبه عند الطبيب يوما، وبعد شفائها ما عاد بوسعها الإنجاب أبدا، فطلقها زوجها.
يتبع



#محمد_شودان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التيه ، رواية ، الجزء السابع
- التيه ، رواية ، الجزء السادس
- التيه ، رواية ، الجزء الخامس
- حصاد الريح، سيناريو لفيلم تربوي
- التيه، رواية، الجزء الرابع
- التيه ، رواية ، الجزء الثالث
- التيه، رواية، الجزء الثاني
- التيه، رواية، الجزء الأول
- رواية تحت عنوان تيتريت، نبت السماء. كاملة
- رواية تحت عنوان تيتريت، نبت السماء الفصل الثاني
- رواية تحت عنوان تيتريت، نبت السماء الفصل الأول
- تبخيس الثقافة
- الأحزاب الإسلامية والديمقراطية
- الخمار قيد في رأس المرأة
- الحمار العربي
- عربي أنا
- سيناريوهات تشكيل الحكومة المغربية
- نار تحت البرقع
- انتهى الكلام,,, إلى مزبلة التاريخ
- حربائية بنكيران


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد شودان - التيه ، رواية ، الجزء الثامن