أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - مقدونيا امام خطر التقسيم والألبنة!















المزيد.....


مقدونيا امام خطر التقسيم والألبنة!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 5523 - 2017 / 5 / 17 - 21:25
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ما ان اعلن الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الاميركية جورج بوش الاب في بداية التسعينات من القرن الماضي شعاره الطنان حول بناء "النظام العالمي الجديد" بقيادة اميركا، حتى بدأت اميركا بتطبيق ستراتيجية اشعال الحروب والازمات الاقليمية لاعادة رسم الخريطة العالمية من جديد. فكانت الحرب الاميركية على العراق بعد غزو صدام حسين للكويت، بموافقة اميركية، ووضعت تلك الحرب حجر الاساس لفصل الشمال الكردي عن العراق، باسم حق تقرير المصير للشعوب. وبعد بوش الاب تابعت الادارات الاميركية، الدمقراطية والجمهورية، الستراتيجية ذاتها، في داخل روسيا وفي محيطها القريب، وفي "الشرق الاوسط الكبير" (كما سماه جورج بوش الابن) وفي افريقيا الشمالية وافريقيا كلها.
وتندرج في هذا السياق: الحرب الاميركية على العراق في بداية التسعينات من القرن الماضي، وحرب الشيشان في روسيا سنة 1996، والعمليات الارهابية اللكبيرة التي طالت الوف المدنيين بمن فيهم الاطفال في روسيا، وتمزيق يوغوسلافيا، وتدمير وتمزيق الصومال من اجل الامساك بباب المندب، وحروب السودان التي آلت الى فصل جنوب السودان وتحويل الحياة في السودان الى جحيم، والحرب الاميركية ضد افغانستان التي لم تنته فصولا بعد، والحرب ضد صربيا وفصل كوسوفو وتحويلها الى ""جمهورية مستقلة" للمافيا الالبانية الرهيبة، والحرب الثانية ضد العراق، وحرب جورجيا ضد اوسيتيا الجنوبية، التي تطورت الى مواجهة عسكرية بين روسيا وجورجيا، و"تطوير" الازمة الاوكرانية ـ الروسية حول الغاز ومسألة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والناتو وتحويلها الى انقلاب فاشستي في كييف، معاد لروسيا والروس والناطقين بالروسية في اوكرانيا، مما ادى الى تفكيك الدولة الاوكرانية وعودة القرم للانضمام الى روسيا كما كانت تاريخيا، واندلاع الحرب الاهلية في شرقي اوكرانيا بين اقليم الدونباس "الروسي" وبين السلطة المركزية الفاشستية في كييف المدعومة من قبل اميركا، التي تحول دون ايجاد اي حل يتفق عليه بين الاطراف المتنازعة عن طريق الوساطة "الاوروبية ـ الروسية"، واخيرا لا آخر ركوب موجة ما سمي "الربيع العربي" واطلاق الوحش المسمى "دولة داعش"، "الابن الشرعي" للمخابرات والدبلوماسية الاميركية وحلفائها الاوروبيين و"عرب النفط" وتركيا واسرائيل، وتخريب وتدمير وتمزيق ليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا، ووضع لبنان على كف عفريت، والاستعدادات العسكرية الاسرائيلية للانقضاض عليه.
وعلى خلفية هذه اللوحة السوريالية الشيطانية ـ الاميركية، وفي الوقت الذي تمتد فيه مخالب الوحش الارهابي التابع للمخابرات المركزية الاميركية الى داخل البلدان الاوروية ذاتها، تسرع اميركا في استخدام نفوذها لتقويض "الاتحاد الاوروبي" ذاته، لمنع ظهور اي "قوة دولية" موازية لاميركا، وتعمل اميركا الان لحشد قواها العسكرية حول الصين وتهديدها، بحجة التصدي للنظام الكوري الشمالي المعادي على رؤوس الاشهاد لاميركا، وفي الوقت ذاته تعمد الى التحضير لاشعال فتيل حرب جديدة في شبه جزيرة البلقان، الذي يوصف تاريخيا بأنه برميل بارود، وذلك انطلاقا من مقدونيا.
وتتعمد آلة البروباغندا الاميركية ان تسدل ستارا سميكا من الصمت المريب حول ما يجري الان في مقدونيا. في حين يتوجب على المجتمع الدولي ليس ان ينتظر حتى اندلاع الحريق، بل ان يتوقف عند طبيعة الازمة المقدونية التي تعمل المخابرات الاميركية على تحريكها وتمزيق هذا البلد واشعال فتيل الحرب الاهلية فيه وتحويلها الى حرب اقليمية ـ بلقانية شاملة. ونحاول فيما يلي ان نلقي نظرة سريعة على طبيعة الازمة المقدونية، وعلى ما يجري الان في هذا البلد البائس:
1 ـ كانت مقدونيا احدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة. وقد استقلت سنة 1991. واصبحت عضوا في الامم المتحدة في 1993,
2 ـ وتقع مقدونيا بين البانيا وكوسوفو وصربيا وبلغاريا واليونان. وعدد السكان هو اكثر بقليل من مليوني نسمة.
3 ـ وهناك عدة مشاكل اتنية ـ قومية ودينية تواجه مقدونيا:
اولا ـ توجد مقاطعة يونانية تحمل ايضا اسم مقدونيا. وقسم من سكان المقاطعة اليونانية المقدونية يتكلمون اللغة اليونانية وقسم اخر يتكلمون اللغة المقدونية. واستنادا الى ذلك تدعي اليونان ان كل مقدونيا هي يونانية.
ثانيا ـ هناك ايضا مقاطعة بلغارية تسمى مقدونيا. كما ان اللغتين البلغارية والمقدونية هما قريبتان جدا الى درجة التصور انهما لغة واحدة بلهجتين. ولذلك فإن بلغاريا ايضا تقول ان مقدونيا، ارضا وشعبا، هي بلغارية، وتطالب بضم مقدونيا اليها.
ويرجع هذا الالتباس الاتني ـ القومي الثلاثي (اليوناني ـ المقدوني ـ البلغاري) الى انه قبل التأريخ بميلاد المسيح، اي في زمن الاسكندر المقدوني وقبله وبعده، كانت هذه الشعوب تعيش في ارض واحدة ودولة واحدة، وكان يحكمها تارة ملوك او قياصرة بلغار، وتارة اخرى مقدونيون (جغرافيا) وتارة ثالثة يونانيون او اغريق. وكان هناك اختلاط بين السكان في ارض تلك الدولة الواحدة. ومن الامثلة على ذلك ان الاسكندر الكبير كان يلقب "المقدوني" ولكن هذا اللقب هو جغرافي، وليس قوميا، لان ثقافة الاسكندر كانت يونانية اغريقية. والمقدونيون الذين يعتبرون الاسكندر وابنه فيليب الثاني هما مؤسسا الدولة (العظمى في حينه) مقدونيا، يعترفون ان الاسكندر كان يونانيا ـ اغريقي الثقافة وكانت لغته ولغة ابيه فيليب الاول يونانية. اما البلغار الذين يقولون ان الشعبين البلغاري والمقدوني هما شعب واحد فهم يعترفون ان الاسكندر المقدوني لم يكن بلغاريا بل يونانيا ـ اغريقيا او يونانيا (ثقافيا وسياسيا) لكنه مولود في مقدونيا جغرافيا. ومما يخفف من حدة هذا الاختلاف (وما ينتج او قد ينتج عنه من تناقض سياسي) في داخل مقدونيا وفيما بينها وبين اليونان وبلغاريا ان هذه الشعوب الثلاثة هي ارثوذوكسية المذهب الديني. كما ان البلغار والمقدونيين هم سلافيون جنوبيون كأصل قومي.
ومقدونيا ليست استثناءا في هذا الاختلاط والالتباس. وفي زمننا الحديث يوجد بلدان تتألف من عدة اقوام ولكنها لا تشكل قومية واحدة: مثلا، كندا، تتشكل من مقاطعة فرنسية ومقاطعة انكليزية ولكنهما تشكلان دولة كندا التي لا هي فرنسية ولا هي انكليزية (كدولة) وليست "كندية" كقومية اذ لا يوجد اصلا لغة كندية ولا قومية كندية. وسويسرا تتشكل من مواطنين ناطقين بالفرنسية والالمانية والايطالية والرومانشية، ولكنهم تابعون للدولة السويسرية علما انه لا توجد لغة "سويسرية"" ولا "قومية سويسرية" بل "مواطنون سويسريون". واذا اخذنا الواقع العربي فإنه يوجد 22 دولة عربية اعضاء في جامعة الدول العربية، والمواطن اللبناني هو لبناني سياسيا وجغرافيا وليس قوميا، فقوميا هو عربي وثقافته عربية، وكذلك هو المغربي او العراقي، هذا فيما عدا الاصول الاتنية للجماعات المختلفة التي تتشكل منها الامة العربية.
وهناك طريقان لحل او تفجير هذه الاختلافات بين الاتنيات والشعوب التي شاء قدرها التاريخي ان تعيش معا في دول واحدة او ارض تاريحية واحدة:
أ ـ طريق الحوار والتوافق والتفاهم والتعاون والاندماج او الانفصال بشل اخوي.
ب ـ او طريق التعصب والشقاق والتصادم والاقتتال والتذابح.
وقد عمل الاستعمار تاريخيا وتعمل الامبريالية الاميركية واليهود في زمننا الحديث لاجل تطبيق شعار "فرق تسد"، من اجل اضعاف الجميع وركوب ظهر الجميع لصالح الامبريالية واليهودية.
وفي هذا السياق تعمل الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية اليوم لاستغلال هذا التعارض التاريخي بين اليونان ومقدونيا وبلغاريا من اجل اضعاف هذه البلدان الثلاثة وخصوصا مقدونيا التي تعاني من مشكلة ثانية اكبر وهو ما نتوقف عنده بشكل خاص:
في العهد التركي الذي استمر في مقدونيا وبلغاريا وصربيا حوالى 500 سنة حتى الحرب العالمية الاولى، كانت السلطة التركية تشجع التمدد السكاني التركي والالباني في عمق المناطق المسيحية، وتنتهج سياسة اسلمة وعثمنة وتتريك اكبر مساحة جغرافية ممكنة. والان فإن حوالى ثلث سكان مقدونيا هم من الالبان وحوالى 40% هم من المسلمين (الالبان والاتراك والغجر). ولا يعود وجود الالبان في مقدونيا وصربيا (كوسوفو) والاتراك (حوالى مليون) في بلغاريا الى ابعد من فترة السلطنة العثمانية وتسلط الاتراك على الشعوب المسيحية في البلقان. والان يوجد حزبان البانيان في مقدونيا: حزب متشدد يطالب بتقسيم مقدونيا، وحزب اندماجي يطالب باندماج الالبانيين في مقدونيا وتحويل مقدونيا الى بلد ثنائي القومية او (بلد الباني ذي اقلية مقدونية سلافية). وبالمقابل تنقسم الاحزاب المقدونية (المسيحية ـ السلافية) الى تيارين: تيار معتدل يطالب بمنح المزيد من الحقوق السياسية للالبان، وتيار قومي متشدد يطالب بالتمسك بالطابع المقدوني (السلافي) لمقدونيا وتكريسه، ومنح الالبان الحقوق الثقافية والسياسة والاجتماعية ضمن المجتمع المقدوني. ولكن من سوء حظ الشعب المقدوني (المسيحي ـ السلافي) ان الالبان، وبدعم من اميركا وتركيا والناتو والفاتيكان، نجحوا في طرد الصربيين (المسيحيين ـ السلافيين) من كوسوفو وتأسيس ما يسمى "جمهورية كوسوفو" وعاصمتها بريشتينا، بعد ان هدموا جميع الكنائس والاديرة التاريخية في كوسوفو التي هي تاريخيا مهد نشوء الدولة والامة الصربيتين.
واصبحت مقدونيا محاصرة بين كوسوفو والبانيا في الشمال الغربي وفي غرب مقدونيا، في حين تنكر الدولتان اليونانية والبلغارية "مقدونية"" مقدونيا، مما يضعف موقف القوميين المقدونيين حيال القوميين الالبانيين. والتيار المتشدد الالباني في مقدونيا يطالب بالانفصال عن مقدونيا ( او ألبنتها كلها) تمهيدا لتوحيد البانيا الحالية والجزء الالباني من مقدونيا وكوسوفو في "دولة البانيا الكبرى" التي تحظى بدعم اميركا والناتو والاتحاد الاوروبي وطبعا تركيا. ويطمح هذا المخطط الى انشاء حلف عسكري تركي ـ الباني (البانيا الكبرى) تكون مهمته الاولى خنق شعوب البلقان المسيحية الارثوذوكسية (من اليونان وقبرص الى رومانيا ومولدوفا) واستعمارها وتشريدها (بالدعم الكامل من قبل "الاتحاد الاوروبي" والمباركة الكاملة من قبل الفاتيكان). ومن ثم تحويل هذا الحلف الى "سد منيع: اسلاموي ـ تركي ـ الباني" بوجه روسيا.
والان تقوم المخابرات الاميركية والناتوية والتركية والاسرائيلية بالتحضير لتفجير مقدونيا من الداخل واقامة مذبحة مقدونية ـ البانية مسيحية ـ اسلامية فيها، تمهيدا لتحقيق المخطط المذكور آنفا. ولا يسعنا الا ان نشير الى ما يلي:
ـ1ـ تتحرك آلة البروباغندا الغربية ـ الاوروبية ـ اليهودية والاسلاموية (بما فيها من عربية) لشن حملة دعائية واسعة حول "مظلومية" الالبان والمسلمين في مقدونيا وحول "تعصب وتخلف ووحشية المقدونيين!!!". وذلك من ضمن خطة لتحضير مقدونيا لحرب اهلية مقدونية (سلافية/ارثوذوكسية) ـ البانية (اسلاموية).
ـ2ـ تقع بلدة كومانوفو(حوالى 72 الف نسمة حوالى 25% منهم البانيون) على الحدود مع صربيا وكوسوفو. وفي 9 ايار 2016 تسلل الى كومانوفو من كوسوفو فصيل مسلح من حوالى 40 شخصا يرتدون زي "جيش تحرير كوسوفو" السابق. وحسبما تقول مصادر الشرطة المقدونية كانت هذه المجموعة مكلفة بضرب نقاط التفتيش والمراقبة المقدونية على الحدود مع كوسوفو تمهيدا لادخال اعداد اكبر من المقاتلين الالبانيين الى مقدونيا مع اسلحة متوسطة وثقيلة. وقد تغلغلوا في بعض البيوت الالبانية واختفوا فيها. وحينما كشفتهم الشرطة واشتبكت معهم سقط ثمانية قتلى واكثر من ثلاثين جريحا من رجال الشرطة. وقد شنت قوات الشرطة حملة واسعة لاعتقال هذه العناصر المتسللة ومعاونيهم. ومنذ ذلك الحين اخذت تقوم في مقدونيا مظاهرات البانية تشارك فيها المعارضة المقدونية المؤيدة للغرب تتهم السلطة المقدونية بالقمع والدكتاتورية. والحكومة المقدونية برئاسة نيقولاي غرويفسكي رئيس الحزب القومي المقدوني تتألف من الحزب القومي الذي فاز بالاكثرية في الانتخابات قبل سنتين. وقد اضطر نيقولاي غرويفسسكي للاعلان عن اجراء انتخابات نيابية جديدة مبكرة جرت في 27 نيسان الماضي.
ـ3ـ قبل حلول موعد الانتخابات الجديدة، وتحديدا في 12 نيسان، عشية عيد الفصح، وجدت على شاطئ بحيرة سميلكوفسكي قرب العاصمة سكوبيه خمس جثث لمواطنين مقدونيين ـ سلافيين مقتولين وبقربهم يرفرف علم البانيا وضعه القتلة خصيصا للاستفزاز. وعلى الاثر قامت الشرطة بحملة واسعة من المداهمات لكشف واعتقال القتلة. ونتج عن الحملة اعتقال 20 شخصا، افرج عن 16 منهم، وبقي رهن الاعتقال 4 اشخاص للاشتباه بعلاقتهم بالجريمة وتمت احالتهم للقضاء. وسارت مظاهرات معارضة صغيرة تندد بالقمع البوليسي والدكتاتورية، شارك فيها غالبية البانية وبعض الغجر والاتراك والمعارضين المقدونيين. واستغلت بعض العناصر هذه المظاهرات ورفعت شعارات مثل "الله اكبر"، "الجهاد الجهاد" و"الموت للمسيحيين". وبالمقابل سارت مظاهرات كبيرة، مقدونية، معادية للالبان. وتطورت هذه المظاهرات الى اشتباكات مع رجال الشرطة.
ويقول المطلعون ان كل هذا السيناريو هو سيناريو مخابراتي مفضوح ومجرب في بلدان عديدة. والهدف منه تحريض الجماهير المقدونية ـ السلافية لمهاجمة الالبانيين، ومن ثم اتخاذ ذلك ذريعة للتدخل الخارجي ضد مقدونيا وضربها وتدميرها بحجة الدفاع عن الاقلية الالبانية المضطهدة، وتقسيم مقدونيا او تهجير المقدونيين ـ السلافيين من اراضيهم وضم مقدونيا كلها الى "البانيا الكبرى".
ـ4ـ في هذه الاجواء المضطربة جرت الانتخابات النيابية الاخيرة في 27 نيسان الماضي، وشاركت فيها كتلة مقدونية يقودها الحزب القومي الحاكم بزعامة نيقولاي غرويفسكي، وكتلة مقدونية ثانية معارضة يقودها الحزب الاشتراكي الدمقراطي بزعامة زوران زايف، وخمسة احزاب البانية متفرقة. وقد حصلت كتلة الحزب القومي الحاكم على نسبة 37,96% من اصوات المقترعين، بينما حصلت كتلة الحزب الاشتراكي المعارضة على نسبة 36،56%، وحصلت الاحزاب الالبانية على بقية الاصوات التي تزيد قليلا على 24%. وعلى الفور قام نزاع سياسي حاد بين الكتلتين المقدونيتين القومية والاشتراكية الدمقراطية المدعومة من قبل الاتحاد الاوروبي واميركا. ونشأ وضع دستوري معقد: فالكتلتان الموالية والمعارضة تشكلان معا اكثر من 75% من الاصوات (وبالتالي من السكان) ولكنهما ترفضان ولا تستطيعان الائتلاف فيما بينهما لتشكيل حكومة ائتلافية، كما لا تستطيع اي منهما ان تشكل الوزارة العتيدة الا بالتحالف مع الاحزاب الالبانية. وهذا الوضع عزز مكانة الاحزاب الالبانية ودفعها الى رفع "تسعيرة" مشاركتها في الحكم لجهة ألبنة الدولة. وقد اجتمعت الاحزاب الالبانية في تيرانا (عاصمة البانيا) واصدرت بيانا تضع فيه اهم مطالبها مقابل المشاركة في الحكم. وجاء في المطالب الالبانية:
ـ المساواة اللغوية التامة بين اللغتين المقدونية والالبانية في مقدونيا؛
ـ استخدام اللغة الالبانية في مختلف مستويات الحكم والادارة والقضاء؛
ـ الشروع في البحث حول تغيير رموز الدولة المقدونية: العلم، الشعار والنشيد الوطني ـ وان ينعكس في هذه الرموز طابع التعدد الاتني للمجتمع المقدوني؛
ـ تشكيل هيئة رسمية لتمويل البلديات؛ وتعديل وزارة تطوير المناطق لايجاد هيئة خاصة للمناطق التي يقطنها بشكل خاص الالبان؛
ـ ايجاد كوتا للتمثيل المتساوي للالبان في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية؛
ـ اصدار بيان يدين الابادة التي طبقت ضد الالبان في المرحلة ما بين 1912 ـ 1956.
هذا واعلنت الاحزاب الالبانية رفضها المطلق للدخول في ائتلاف لتشكيل حكومة مع كتلة الحزب القومي.
ولم يبق سوى مخرج واحد للخروج من الازمة الراهنة وهو: تشكيل حكومة ائتلافية مؤلفة من كتلة الحزب الاشتراكي الدمقراطي ومجموعة الاحزاب الالبانية. وهذا ما اتفقت عليه هذه الاحزاب وهي تطالب كتلة الحزب القومي الذي يمسك حتى الان بالسلطة ان يتخلى عنها لتأتي حكومة جديدة مشتركة مقدونية ـ البانية.
وهو ما ترفضه تماما الكتلة القومية وتعتبره انقلابا على الدستور وتغييرا تاما للطابع المقدوني للدولة.
وللتأكيد على جدية ومتانة التحالف بين الكتلة الاشتراكية الدمقراطية والاحزاب الالبانية تمت الدعوة الى اجتماع سريع للبرلمان الجديد في اليوم الثاني لانتخابه، اي في 28 نيسان الماضي، واستمرت جلسة البرلمان حتى ساعات الليل. وجرى هذا الاجتماع بغياب رئيس الوزراء نيقولا غرويفسكي الذي كان في هذا الوقت في بروكسل يبحث مع الاتحاد الاوروبي مسألة انضمام مقدونيا الى الاتحاد بدون الاضرار بمصالح مقدونيا ومع رفض مقدونيا لطلب فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا والموافقة على مد انوب الغاز الروسي المسمى"السيل التركي" من تركيا الى اليونان ومنها الى مقدونيا ومنها الى صربيا فالنمسا.
وفي هذا الاجتماع الاول للبرلمان عمدت الكتلة الاشتراكية الدمقراطية والاحزاب الالبانية الى "شيطنة" غرويفسكي واتهامه بالفساد والحصول على الرشوات والتنصت التلفوني على مكالمات 20 الف مواطن مقدوني، وتمت المطالبة باستقالته فورا وتقديمه للمحاكمة. ثم جرى انتخاب رئيس للبرلمان فانتخب احد قادة الاحزاب الالبانية، مما هو مخالف للدستور الحالي لمقدونيا. وما ان تم انتخاب الرئيس الالباني للبرلمان حتى وصلت فورا برقيات التهنئة بانتخابه من اميركا والاتحاد الاوروبي. وقال بعض الخبراء ان البرقيات كانت جاهزة قبل عملية الانتخاب ذاتها.
وكان هذا الانتخاب كالقشة التي قصمت ظهر البعير فسارت مظاهرة عفوية كبرى فاقت الـ50 الف نسمة (حوالى 10% من سكان العاصمة سكوبيه) وطوقت المظاهرة البرلمان واقتحمه قسم منهم وهم يهتفون ضد "الانقلاب"، وتمكن حوالى 200 شخص من دخول قاعة البرلمان ذاتها واعتدوا بالضرب على بعض النواب الاشتراكيين والالبان بمن فيهم زوران زايف رئيس الحزب الاشتراكي الذي شوهد والدماء تسيل من وجهه.
والسؤال الان هو: مقدونيا الى اين؟
لقد دعا رئيس الجمهورية المدعوم من قبل الحزب القومي، غيورغي انطونوف، ـ دعا جميع الاحزاب الموالية والمعارضة المقدونية والالبانية الى الجلوس الى طاولة الحوار الوطني الشامل والخروج بحلول سلمية جامعة تجنب البلاد السقوط في المجهول.
فهل تلبي الاحزاب المتصارعة دعوة الرئيس؟
وهل ينجح الحوار؟
ام ستنجح مؤامرة تفجير مقدونيا؟
واذا تم تفجير مقدونيا هل ستنجح المخططات المخابراتية الغربية في الوصول الى اهدافها السوداء، كما نجحت في فصل كوسوفو عن صربيا، ام انها ستفشل كما فشلت في اوكرانيا، وكما تسير الى الفشل في سوريا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اميركا ضعفها في قوتها
- الاستعدادات العسكرية للجيش الشعبي لكوريا الشمالية
- -البجعة البيضاء- الروسية ترهب الخبراء العسكريين الاميركيين
- ضلوع السي آي ايه في تفجير المترو في بتروغراد
- بداية انهيار الاتحاد الاستعماري الاوروبي
- الستراتيجيون الاميركيون ينصحون ترامب بالعودة الى الحرب البار ...
- الحصار الكامل على الدونباس لعرقلة التقارب الروسي الاميركي ض ...
- الدونباس ضحية التقارب الروسي الاميركي ضد داعش
- الاقتصاد الروسي المتنامي في عهد الرئيس بوتين
- روسيا تعمل للانتصار بدون اللجوء الى السلاح النووي
- اميركا بدأت الحرب ضد سوريا وروسيا تنهيها
- اميركا عدوة جميع شعوب العالم وروسيا فزّاعة اميركا
- فشل مشروع الدولة الداعشية العثمانية الاميركية
- شبح الفوضى وحرب المافيات يتحفز في دهاليز اميركا
- الحرب الباردة مستمرة واكثر استعارا
- السعودية تغامر بمصيرها في اليمن
- الفشل التام لنظام القطب العالمي الاوحد لاميركا
- العلاقات الاميركية - الروسية ستنقلب عاليها سافلها
- روسيا تواجه بحزم -الحرب الباردة- الجديدة ضدها
- روسيا مستعدة لكل الاحتمالات في الحرب على الارهاب


المزيد.....




- كوريا الشمالية تدين تزويد أوكرانيا بصواريخ ATACMS الأمريكية ...
- عالم آثار شهير يكشف ألاعيب إسرائيل لسرقة تاريخ الحضارة المصر ...
- البرلمان الليبي يكشف عن جاهزيته لإجراء انتخابات رئاسية قبل ن ...
- -القيادة المركزية- تعلن إسقاط 5 مسيرات فوق البحر الأحمر
- البهاق يحول كلبة من اللون الأسود إلى الأبيض
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /29.04.2024/ ...
- هل تنجح جامعات الضفة في تعويض طلاب غزة عن بُعد؟
- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - مقدونيا امام خطر التقسيم والألبنة!