أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أبناء الورق والانترنت














المزيد.....

أبناء الورق والانترنت


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5515 - 2017 / 5 / 9 - 01:04
المحور: الادب والفن
    


أنا من أبناء "جيل الورق" الذي غنى له عبد الحليم حافظ عام 1960 أغنيته الشهيرة " جواب" عندما كان صاحب الجلالة الورق على عرشه أداة أساسية ووحيدة للقراءة والكتابة. جيل الرسائل الخطية والجوابات والأقلام الرصاص والكوبيا والحبر والجاف، والممحاة، والبراية، والآلات الكاتبة، وشرائطها، والكربون الأزرق لنسخ النصوص، والحبر بلونيه الأحمر والأسود، وسوائل إزالة بقع الحبر، ونشافة تجفيف الحبر من على السطور، والمحبرة المفتوحة. الآن يظهر جيل آخر، مختلف، من أبناء الانترنت الذين وصل عددهم في مصر إلي خمسين مليون. لهذا لن يدهشني لو ظهر مطرب عاطفي يسبل عينيه مغنيا بلوعة:" إرحم ياجميل وابعت لي إيميل.. ده أنا فاتح نت طول الليل"! وقد ربطتني وأبناء جيلي علاقة قوية بالورق منذ أن بدأت القراءة مبكرا. كانت أمي تمنعني من القراءة بعد التاسعة ليلا حرصا على نظري، فكنت أشتري شمعة وأدخل بها الحمام. أغلق بابه علي وأسد فتحة الباب من تحت بفوطة وأظل أقرأ والجميع نيام. وكنت آخذ معي إلي المدرسة رواية، أتخير المقعد الأخير في الفصل، وأظل أقرأ حتى يدق الجرس. وكانت ثمت فيللا مهجورة قرب بيتنا، استخدم"عم حجازي" سورها لعرض الكتب عليه وبيعها، فكنت أخرج من المدرسة يوميا وأرمي حقيبتي على الرصيف وأجلس أقرأ حتى تعتم الدنيا فأنصرف. وكان هناك اتفاق بيني وبين عم حجازي أن أقرأ قدر ما أستطيع بتعريفة، لكن لا آخذ كتابا معي. خلال ثلاثة أشهر كنت قد فرغت من قراءة السور، فسألت عم حجازي:" وبعدين؟أنا خلاص قرأت هذه الكتب؟". قال لي" عليك بسور الأزبكية". كنت مغرما بالقراءة ، ولا أدري سر غرامي بها، ربما لأن العالم يكبر بالقراءة، أو كما عبر عن ذلك عباس العقاد:" عندي حياة واحدة في هذه الدنيا.. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة". كنت أشعر بمتعة مبهمة وأنا أغرق نفسي في حياة آخرين وفي مشاكلهم داخل رواية كأنما أسعى إلي الهرب من الواقع إلي عالم أرحب، أو أنني أتوق لاكتساب خبرات الآخرين من دون التعرض لمخاطرها. وقد تكون القراءة وسيلة يكسر بها الانسان عزلته، وفرديته، بكل محدوديتها، بأن يصبح جزءا من كل في الروايات والقصص. في كل الأحوال كانت القراءة تحقق الالتقاء بالآخرين، وبمشاعرهم، وتجاربهم. وكان ذلك العالم كله ينفتح على الورق، ويرتبط بالشعور برائحة الورق، وبملمسه، ولمعته، وانطفائه، وخشونته ونعومته. وقد ظهر جلالة الورق وانتشر بدءا من القرن الثاني عشر، وتربع على العرش بعد أن أطاح بالفخار والجدران والمعادن والألواح الخشبية والجلود التي كان الانسان يسجل عليها المعرفة، وفي ظل الورق انتشرت ظهرت صناعات خفيفة كصناعة الأقلام والمحابر، وصناعات أدبية مثل الدفاتر التي كانت تباع بعنوان " رسائل الغرام" وتحوي نماذج لخطابات العشق وعبارات تشير إلي الورق ولونه مثل: " أكتب لك على الورقة البنية علامة المحبة وحسن النية"، أو" أكتب لك على الورقة البيضاء علامة الود والصفاء". وسوف يحل يوم، حتى لو كان بعيدا، يجمع الورق فيه حاشيته ويتنازل عن عرشه لصالح الانترنت ويغادر القصر، بعد أن تضخم الانترنت وأمسى مكنة متوحشة، سريعة الانتاج، بأقل تكلفة، وأفضل تسهيلات. الآن أمسى من الممكن تخزين مئات الكتب على فلاشا صغيرة بحجم إصبع اليد، بينما يحتاج خمس هذه الكتب إلي حجرة كاملة، وبالفلاشا الصغيرة يمكنك أن تتنقل من مدينة إلي أخرى حاملا مكتبة كاملة في جيبك. الآن بضغطة واحدة في الانترنت ستجد الكتاب الذي يلزمك، بينما قد تحتاج يوما كاملا للعثور عليه داخل مكتبتك. هناك شيء آخر أن بوسعك – إذا كنت تقرأ من النت- أن تضاعف حجم خط الكتاب ليلائم نظرك، وهو ما لا تستطيعه مع الكتاب الورقي. هناك أيضا عدة عمليات تصاحب القراءة ويقوم الانترنت بتسهيلها مثل البحث أي قاموس عن كلمة صادفتك وأنت تقرأ. التسهيلات التي يقدمها الانترنت- مقارنة بالورق - مهولة، ناهيك عن مجانية المعرفة فيه. وعادة فإن تقدم التكنولوجيا يضاعف من الانتاج والفعالية، لكن ذلك في الأغلب يتم على حساب أشياء مهمة جدا. في الرسائل الورقية مثلا سترى دائما ارتعاشة يد وخط وقلب العاشق، أما في الالكترونية فإنك لن ترى سوى نقاط الكترونية تشع بحياد. في الأفلام الكرتونية القديمة كان الفنانون يرسمونها بأياديهم، فكانت الشخصيات الكرتونية مثلما هي الحال في " توم وجيري" مشبعة بارتجافات اليد الحية، لكن عندما انتقلت الأفلام الكرتونية إلي" الكمبيوتر" اختفى الطابع الفردي الانساني من الشخصيات الكرتونية، وكفت عن الظهور رعشات الأيدي التي كانت تعطي تلك الرسوم حياة خاصة لا تتكرر. في وقت ما سنقول وداعا فخامة الورق. نحن أبناء الورق الذين نمونا على وجوده وانتصاراته ورائحته. سنقولها بحب وإجلال وإعزاز وبأسف أيضا. أما الان فإننا نترقب ظهور مطرب أبناء الانترنت ليغني بلوعة:" من يوم ماظهرت ياحلو وبنت.. ماشفتش منك أي كومنت".
***
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحرش - قصة قصيرة
- الصحافة .. بداية ولا نهاية
- بيسا - قصة قصيرة
- الغنيمة - قصة قصيرة
- عرفانا ومحبة في عيد المرأة
- طاهر البرنبالي .. انتصار المستحيل
- هل نطالب الأزهر بتكفير داعش؟
- على ربوة - قصة قصيرة
- أماني الخياط دعوة إلي إبادة الشعب !
- أبو المعاطي أبو النجا .. كل كلمات الوداع مرة
- أبو المعاطي أبو النجا .. سلامتك !
- محمود عبد العزيز .. ألفة النجوم
- وداعا دكتور محمد محروس
- في البحرين أزمة من الطبل والزمر !
- من الذي لم يبصق في وجه الشعب المصري؟
- لوقا وأحمد .. خانة الوطن لا الديانة
- لا تنس أن تتذكر !
- مطر الرصيف قصة قصيرة
- الشباب والأدب والشهرة
- مساعدات أمريكية للارهاب الإسرائيلي


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أبناء الورق والانترنت