أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 20















المزيد.....

دماء على كرسي الخلافة 20


علي مقلد

الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 7 - 14:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" ، هكذا كل الجماعات الإسلامية ، التي احتشدت من أجل القتال على السلطة، منذ العصور الأولى للإسلام وحتى اليوم ، ينفرون جميعا في اتجاه الهدف ، لكن في أول موقف خلافي ، حول مسألة فقهية ، أو الصراع على الزعامة أو الفيء ، تتشظى الجماعة الواحدة إلى عدة فصائل متناحرة ، ويعلن كل فصيل أنه حامي حمى الشريعة والدين ، وأن خصومه – الذين كانوا بالأمس رفقاء سلاح - أعداء الإسلام ، ويجب قتلهم واستلاب أموالهم وسبي نسائهم ... فمثل هؤلاء لا يعرفون من الحروب سوى الغنيمة.
كنا قد وقفنا في المقال السابق عند الخوارج النجدات وجرائمهم وقتالهم من أجل السلطة ، واليوم نواصل الحديث عن الخلافات الداخلية بين الخوارج ، خاصة أنهم كانوا كثيري الخلاف ، ولعل من المفارقات المضحكة أن القائد العسكري الشهير "المهلب بن أبي صفرة " والذي قاتل الخوارج لسنوات طويلة ، تارة تحت راية الزبيريين ، وتارة تحت راية الأمويين ، كان يلجأ لحيلة مكررة لذرع الفتنة بين صفوف الخوارج حتى يضعف شوكتهم ويستطيع هزيمتهم ، وإذا لم يجدهم مفترقين دفع إليهم من يثير الخلاف بينهم، مثلما حدث مع "الأزارقة " اتباع نافع بن الأزرق ، وهم من أشرس وأعنف جماعات الخوارج ، وقد أعلنوا ثورتهم في البصرة على مصعب بن الزبير ، وهم الذين قالوا صراحة بكَفَرَ الإمام علي بن أبي طالب لقبوله بالتحكيم ويرون أيضا أن عبد الله بن ملجم محق في قتل الخليفة الرابع ، حيث تروي كتب التاريخ أن المهلب بعث إلي الأزارقة رجلاً يسألهم فقال لهم : "أرأيتم رجلين مهاجرين إليكم فمات أحدهما في الطريق، وبلغ الآخر إليكم فامتحنتموه فلم يجز المحنة، ما تقولون فيهما؟ فقال بعضهم أما الميت فمن أهل الجنة وأما الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيز المحنة، و قال قوم آخرون: هما كافران، فكثر الخلاف واشتد ، ورغم تفاهة هذه المسألة إلا أنها أسفرت عن انشقاق أحد أبرز قيادات الأزارقة وأحد أهم دعاة الخوارج وشعرائها وهو قطري بن الفجاءة ، الذي ترك الأزارقة وصار في أصحابه نحو الأهواز وهناك أعلن نفسه خليفة للمسلمين ، وقد سالت دماء كثيرة في القتال بين الفريقين بسبب هذا الانشقاق، كما أرسل ذات مرة رجلا إلى قطري بن الفجاءة عندما كان يسمي نفسه خليفة المسلمين ، فسجد الرجل تحت قدمي قطري ، فقام الخوارج بقتل الرجل وكادوا يقتلون قطري نفسه بتهمة أنه يدعي الألوهية.
نعود لبداية الأزارقة ، ونعرف كيف كان نافع بن الأزرق ، مجرم حرب وطالب سلطة أيضا ، مثل كل أمراء الحروب المتقاتلين على السلطة ، ولعله أول من ابتدع الاستعراض في قتل البشر في الأسواق ، كما تفعل "داعش " وبقية الجماعات الإرهابية اليوم ، وكان يقتل الناس عشوائياً دون تمييز بين رجل وامرأة أو صبي وكبير ، وكان هو يذبح مخالفيه يتمثل بالآية القرآنية التي تقول : " قال نوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا (سورة نوح 62ـ72) ... اليوم أيضا ، كل الإرهابيين يقتلون النساء والشيوخ والأطفال ، وهم يكبرون ويهللون ويتلون القرآن .
لما كثرت جموع ابن الأزرق وصار يجبي الخراج ، طمع في الاستيلاء على البصرة والتحول من الثورة إلى السلطة ، لكن أهل البصرة هرولوا إلى الأحنف بن قيس وسألوه أن يتولى حربهم ضد الخوارج لمعرفتهم بمدى إجرام هؤلاء الناس ، فأشار بن قيس ، بالمهلب بن أبي صفرة لما يعلم فيه من الشجاعة والرأي والمعرفة بالحرب، وكان قد قدم لتوه من عند الخليفة عبد الله بن الزبير بعدما ولاه إمارة خراسان ، فخرج أهل البصرة إلى المهلب فكلموه عن حرب الخوارج فأبى ، فاضطر أهل البصرة إلى مراسلة الخليفة بن الزبير لتكليف الملهب بحرب الخوارج ، وبالفعل أمر بن الزبير بذلك ، فقال المهلب:‏ والله لا أسير إلي الخوارج إلا أن تجعلوا لي ما غلبت عليه وتقطعوني من بيت المال ما أقوي به من معي‏ ، فأجابوه إلى ذلك ، ولما اطمأن بن أبي صفرة لمكاسبه من الحرب ، أعلن النفرة على الأزارقة ، ولاحقهم من مكان إلى مكان حتى قتل نافع بن الأزرق وعدد من قيادات جيشه كما قتل من جيش المهلب الكثير من القيادات والجنود بما فيهم شقيق المهلب نفسه الذي قتله الخوارج وصلبوه .
لكن هزيمة الأزارقة على يد المهلب لم تنه ثورتهم فقد تجمعوا بعد ذلك في حلقات ثورية صغيرة ، واستمروا في القتال بحثا عن السلطة ، فلما سقطت دولة بن الزبير في صراعه مع الأمويين كما رأينا في مقالات سابقة ، كان الخوارج في عالمهم الموازي يجتمعون ويتدربون على الحرب والسبي والنهب ، حتى وصلت لقيادتهم قطريّ بن الفجاءة الذي انشق من قبل عن الأزارقة ، وبقي قطري ثلاث عشرة سنة يقاتل ، ويسلّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين ، حتى تعين الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق ، فظل يسيّر إلى الخوارج جيشا بعد جيش، لكن بن الفجاءة كان في كل مرة يستطيع أن يرد العدوان الأموي على خلافته ، ولم يزل الحال بينه وبين الأمويين في قتال مستمر كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فظفر عليه وقتله في سنة 78 هـ، وكان المباشر لقتله سورة بن أبجر البارقي، وقيل إن قتله كان بطبرستان في سنة 79 هـ، وقيل عثر به فرسه فاندقت فخذه فمات، فأخذت رأسه وجيء بها إلى الحجاج الثقفي ... كل من يظفر بخصمه يقطع رأسه .. إنه التاريخ يعيد نفسه كمأساة.
لعل أزمة الخوارج التاريخية في عدم الاجتماع على أمير واحد ، رغم أنهم لو اجتمعوا على أمير واحد في العصور الأولى وإبان ثوراتهم التي امتدت نحو قرنين من الزمان لاستولوا على الإمبراطورية الإسلامية كلها من القرشيين المتصارعين الحلف الأموي والحلف الزبيري والخلف العباسي، فتاريخ الخوارج يمتلئ بأمراء الحرب الذين استطاعوا بجيوش صغيرة زلزلت جيوش كبيرة ، ولعل ما فعله الخارجي شبيب بن يزيد بن أبي نعيم الشيباني ، أكبر دليل على شراسة وعنف الخوارج ، فقد بايعه الخوارج بعد مقتل صالح بن مسرح، وقد كان شبيب فارس زمانه ، بعث لحربه الحجاج بن يوسف الثقفي خمسة قواد عسكريين من خيرة قواد بني أمية ، فقتلهم الشيباني واحدًا بعد واحد ثم سار إلى الكوفة وحاصر الحجاج فيها، وتزلزل له الخليفة عبد الملك، وتحير الحجاج في أمره وقال أعياني هذا .
يذكر أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل " أن شبيبا قتل من جيش الحجاج أربعة وعشرين أميرا كلهم أمراء الجيوش، كما استطرد المؤرخون في تفاصيل حروب شبيب وهي كثيرة ويضيق المقام عن ذكرها ،وعن عدد القتلى الذين قتلهم ذلك الخارجي ، لكن يؤكد المؤرخون أن شبيب كان قلما ينهزم في معركة ، إلا لحيلة أو الإعداد لكرة أخرى، في كل تلك المعارك التي خاضها ضد الأمويين ، لكن لم يكن ثائرا على السلطة فحسب ، بل كان أمير عصابة أيضا ، فحتى البدو لم يسلموا منه؛ فقد أغار عليهم وأرهبهم وسلبهم أموالهم على غرار ما تفعل الجماعات الإرهابية المعاصرة من سرقة لمحلات الذهب والبنوك وغيرها لسد احتياجاتها وتقوية صفوفها في الحرب .
بعد صراع شرس بين جيوش الخلافة الأموية والخوارج " الشيبانية" وفي السنة السابعة والسبعين من الهجرة ، كانت نهاية شبيب إذ مات غريقا، وذلك أنه حين أراد الانصراف من القتال إلى الجهة الأخرى من جسر دجيل الأهواز، يقال أنه أمر أصحابه فتقدموا أمامه وتأخر هو في آخرهم و في أثناء عبوره كان راكبا على حصان وكانت أمام الحصان فرس أنثى فنزا فرسه عليها، فخرج حافره على حرف السفينة فسقط في الماء ، وقد قيل في غرقه سبب آخر ومفاده أن بعض جيشه كان حانقا عليه لما قتل من أقوامهم فحين تخلف في آخر جيشه قال هؤلاء: ننتهز الفرصة ونقطع به الجسر فندرك ثأرنا، فنفذوا هذا الرأي وأغرقوه ، فلما غرق صرخ الخوارج أن أمير المؤمنين – يقصدون أميرهم- قد مات ، فلما سمع جيش الحجاج تلك الصرخات ، هجم على فلول الخوارج فتفرقوا هاربين ، فأخرج الحجاج جثة الشيباني وأظهرها للناس لتكون عبرة وليعلم الجميع أنه قتل ، خاصة أن الحجاج كان له ثأر شخصي مع شبيب فقد داهم الخارجي ، الحجاج في عقر داره بالكوفة؛ حيث كانت زوجة شبيب وتدعى غزالة قد نذرت أن تصلي بمسجد الكوفة إبان الحرب مع الأمويين ، وقد نفذت ووفت بنذرها ودخلت مع شبيب الكوفة ، وخطبت على منبر مسجد المدينة ذات ليلة ، وفاء بنذرها، وصلى شبيب ورجاله الصبح في مسجد الكوفة، وقد تنقل شبيب في ليلته تلك في مساجد الكوفة ، لا يجد أحدا في طريقه أو في مسجد إلا قتله ، ويقال أن الحجاج قد خبأ نفسه ، فلم يخرج تلك الليلة إلى أن اجتمع له أربعة آلاف من جنده ثم خرجوا يقتتلون في سوق الكوفة، حتى كثر القتل في أصحاب شبيب فانهزم إلى الأنبار وقد عير الحجاج بتلك الحادثة فقيل فيه:

أسد علي وفي الحروب نعامة ربداء تجفل من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى أم كان قلبك في جناحي طائر

بمقتل شبيب انتهت حركته وتفرق من بقي من أتباعه ، وبقي أن نذكر في هذا المقام أن شبيب ، خالف كل الخوارج في مسألة جواز تولي المرأة الإمامة العظمى "الخلافة" ؛ إذ كان شبيب يجيز ذلك ، إذا استطاعت المرأة القيام بأمور المسلمين ومواجهة مخالفيهم ، ولذلك كانت زوجته غزالة تقود الجيوش وتدلي برأيها في الحرب والسياسة والفقه، ويقال إنه أفتى بتلك الفتوى ، لشدة حبه لغزالة ، وأنه كان يهيئ الأجواء لتتسلم راية الجماعة من بعده لكنها قتلت قبله .

في المقال القادم نواصل سرد قصص الدماء التي سالت من أجل كرسي الخلافة.



#علي_مقلد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء على كرسي الخلافة 19
- دماء على كرسي الخلافة 18
- دماء على كرسي الخلافة 17
- دماء على كرسي الخلافة 16
- دماء على كرسي الخلافة 15
- دماء على كرسي الخلافة 14
- دماء على كرسي الخلافة 13
- دماء على كرسي الخلافة -12-
- دماء على كرسي الخلافة -11-
- دماء على كرسي الخلافة -10-
- دماء على كرسي الخلافة 9
- دماء على كرسي الخلافة 8
- دماء على كرسي الخلافة 7
- دماء على كرسي الخلافة - 6-
- دماء على كرسي الخلافة -5-
- دماء على كرسي الخلافة 4
- دماء على كرسي الخلافة – 3
- دماء على كرسي الخلافة – 2
- دماء علي كرسي الخلافة - 1


المزيد.....




- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 20