|
دماء على كرسي الخلافة 16
علي مقلد
الحوار المتمدن-العدد: 5503 - 2017 / 4 / 26 - 15:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما يفعله تنظيم "داعش " الإرهابي من ذبح للرقاب و قطع الرؤوس ، أمر – على بشاعته - ليس بجديد ، فقد شهد التاريخ الإسلامي الكثير من تلك الحوادث ، لكن عدم دراية البعض بالتاريخ ، يجعله يقف مذهولا متسائلا ، كيف يقدم مسلم على هذا الفعل الشنيع اللإنساني ، ويتوهم أن "داعش " ومن على شاكلتها بدعا في التاريخ ، لكن القارئ لتاريخ الصراع على السلطة بين المسلمين الأوائل ، يعرف أن ذلك كان بالأمر العادي ، وكان من يظفر بخصمه يقطع رأسه، وكان عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فاتحة شر أسست لتلك العادة ، عادة ذبح الرقاب. كنا قد وقفنا في المقال السابق عند تمكن عبد الملك بن مروان من القضاء على "ثورة التوابين" في معركة "عين الوردة" ثم أراد أن يكمل مسيرته لاسترداد العراق من تبعية بن الزبير ، لكن كان قد ظهر في الميدان لاعب ثالث ، هو المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وهو أول شخص غير قرشي يزاحم القرشيين على السلطة منذ حادثة سقيفة بني ساعدة . ظهور الثقفي أربك "الأمويين والزبيريين" وأصبحت رقبته مطلوبة من الطرفين ، وهو بدوره زاد عن كرسيه وقاتل الفريقين حتى قطعت رقبته ، لكن قبل الوصول لنقطة النهاية ، علينا أن نعرج بشئ من الإيجاز لحياة المختار الثقفي الذي نافس على الخلافة وحارب اثنين كل منهما يدعى أنه الخليفة الشرعي للإمبراطورية الإسلامية ، هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي ، ولد في الطائف في السنة الأولى للهجرة، وأبوه أبي عبيد الثقفي قائد المسلمين في معركة الجسر – تلك التي هزم فيها المسلمون أمام الفرس هزيمة نكراء - ، وقد أسلم أبي عبيد في حياة الرسول ، وانتقل بأسرته وفيهم المختار إلى المدينة المنورة في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ، وقد قتل أبي عبيد في معركة الجسر وكان عمر المختار آنذاك ثلاث عشرة سنة ، ونشأ في المدينة متأثرًا بعلي بن أبي طالب وأصبح من محبيه وأنصاره ، ثم بايع المختار الثقفي الحسن بن علي بالخلافة بعد مقتل علي . لكن بعض الروايات ترى في المختار الثقفي أنه طالب سلطة ، وأن كان يكره علي بن أبي طالب، وإن كان يجاهر بمحبته ، وذلك حسب رواية بن كثير في البداية والنهاية ، كما أنه أحد من خانوا الحسن بن علي ، حيث يورد بعض المؤرخين أنه لما نفر الناس عن الحسن، وانقلبوا عليه ونهبوا سرادقه حتى نازعوه بساطًا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان عم المختار حاكما للمدائن واسمه سعد بن مسعود الثقفي ، قال المختار لعمه "هل لك في الغنى والشرف؟" قال: "وما ذاك؟" قال: "توثق الحسن، وتستأمن به إلى معاوية، فقال له سعد: "عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله فأوثقه! بئس الرجل أنت"، لكن علماء الشيعة يدافعون عن المختار تارة بتكذيب الرواية جملة وتفصيلا وتارة بالقول أنها كانت خدعة منه للفرار بالحسن من أيدي الغوغاء الذين تكالبوا عليه بعدما تنازل عن السلطة . لكن الحادثة المفصلية في حياة المختار ، كانت في استضافته لمسلم بن عقيل بن أبي طالب الذي أرسله الحسين لأخذ البيعة من أهل الكوفة ، وكان والي الكوفة حينئذ النعمان بن بشير الأنصاري والد "عمرة " زوجة المختار ، فعزله يزيد بن معاوية ، وولى بدلا منه عبيد الله بن زياد على الكوفة، والذي قام بدوره بقتل مسلم بن عقيل، وملاحقة العلويين ،وبالفعل قام بن زياد بالقبض على المختار وضرب عينه بقضيب كان بيده فشترها وأمر بسجنه،وبالفعل ظل في السجن حتى مقتل الحسين بن علي ،كذلك لم يحضر المختار "ثورة التوابين" التي قادها الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ضد الأمويين . بيد أن المختار كان يجيد اللعب بكل ما يملك من أوراق ، فبعث إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب يسأله أن يشفع فيه، وقد كان ابن عمر زوج صفيه بنت أبي عبيد أخت المختار ، فكتب ابن عمر إلى يزيد بن معاوية يشفع فيه، فأرسل يزيد إلى ابن زياد يأمره بإطلاقه فأطلقه، وقال له إن وجدتك بعد ثلاثة أيام بالكوفة ضربت عنقك ، وعندما خرج المختار من السجن لم يجد أمامه مفر سوى الهروب من دولة الأمويين إلى دولة منافسيهم "الزبيريين" وبالفعل توجه إلى الحجاز ، وهناك بايع عبد الله بن الزبير، وأصبح من كبار الأمراء عنده، ولما حاصر جيش الشام مكة للمرة الأولى بقيادة الحصين بن نمير ، دافع المختار بشدة وبسالة عن ابن الزبير ، لكن كان شرط المختار على بن الزبير أن يتولى إمارة العراق ، فلما ماطل بن الزبير في ذلك ، نكث المختار بيعته ،وهرب من الحجاز إلى الكوفة ، وهناك جمع بقايا جيش التوابين وأخذ يثني على ثورتهم وبسالتهم ويمنيهم بالظفر على عدوهم ، ويزعم أمامهم أن محمد ابن الحنفية طلب منه الأخذ بثأر أخيه الحسين بن علي، لكن البعض تشكك في مزاعم المختار خاصة أن بن الحنفية لم يكن رجل حرب ولا سلطة ، وأنه اعتزل الأمر كله ، بعد مقتل أخيه الحسين ، فأرسل العلويون رسلا إلى ابن الحنفية يسألوه عن حال المختار ووصيته له ، لكن بن الحنفية قال كلاما مبهما، ليس نفيا صريحا ولا تأييدا صريحا ، وهنا يختلف المؤرخون حول هذا الكلام هل هو تكذيب من بن الحنفية للمختار لكنه لم يقل ذلك صراحة انتظار لما قد يحققه من نصر ، أم أنه أوصاه بالفعل لكنه لزم "التقية" خشية جواسيس بني أمية ، حيث قال بن الحنفية "وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا، فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه " بالفعل نجح المختار وأتباعه في التأثير على الناس وإقناعهم بأنه المكلف بأخذ ثأر الحسين ، وبذلك أخذ البيعة وأصبح صاحب قوة عسكرية لا يستهان به ، وصاحب وصية من آل البيت بالثأر للحسين ، وم ثم قرر في شهر ربيع الأول من سنة 66 هجرية أن يبدأ دولته من الكوفة التابعة آنذاك لابن الزبير ،حيث خرج هو واتباعه يصولون ويجولون رافعين شعار " يا لثأرات الحسين" في أنحاء الكوفة، وبالفعل قام المختار بإخراج عبد الله بن مطيع حاكم الكوفة ، وأعلن المختار نفسه خليفة جديد ، مؤسسا بذلك اللبنة الأولى في دولته ... لكن الثقفي كان يعلم أن المسلمين بما فيهم الشيعة لن يرضوا بخليفة غير قرشي لذلك ، أوجد لنفسه قضية ذات شأن ، يستطيع أن يجمع حولها الأتباع ، وهي الثأر للحسين استطاع المختار في فترة وجيزة أن يقتل غالبية من شاركوا في مقتل الحسين ،حيث أرسل قائد شرطته كيان أبو عمرة الفارسي لقتل شمر بن ذي الجوشن وبالفعل تمكن الفارسي من شمر وقتله وقطع رأسه، كما بعث المختار ، عبد الله بن كامل الشاكري صاحب حرسه إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي، فكبس بيته، فخرجت إليهم امرأته، فسألوها عنه، فقالت "لا أدري أين هو"، وأشارت بيدها إلى المكان الذي هو مختف فيه، وقد كانت تبغضه من ليلة قدم برأس الحسين معه إليها، وتلومه على ذلك واسمها "العبوق بنت مالك بن نهار بن عقرب الحضرمي"، فحملوه إلى المختار، فأمر بقتله ثم حرقه ، ثم جاء الدور على ، عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وكان المختار قد أعطاه الأمان نزولا على شفاعة أحد أصحابه لكنه أمانا مشروطا بأن يلزم بن سعد داره وألا يحدث حدثا ، لكن بن سعد كان يعرف أن المختار لن يتركه فأراد أن يهرب باتجاه الأمويين أو الزبيريين ، لكن كيان أبو عمرة كان أسبق إليه فقام بقتله وقطع رأسه ، ثم أراد المختار أن يوطد حكمه ويثأر لنفسه من عبيد الله بن زياد الذي سجنه وضرب عينه من قبل ، فأرسل جيشه إلى الموصل وهناك كانت الغلبة لجيش المختار بقيادة إبراهيم بن الأشتر ، وتمكن الأخير من قتل بن زياد وقطع رأسه ، وواصل المختار مسيرة قطع الرؤوس ، كلما ظفر هو أو أحد رجاله بأي من قتلة الحسين قطعوا رأسه أو أحرقوه بعد قتله أو حيا ، ومن كان يهرب قبل أن يصل إليه رجال المختار كانوا يهدمون داره ، لكن مغامرة المختار في الحكم كان محكوما عليها بالفشل ولم يكن باستطاعته الاستمرار أكثر من ذلك ،كونه حاول أن يبسط يده على العراق التي هي مطمع الأمويين والزبيريين وكلا الفريقين يقاتل من أجل ضمها لملكه ،هذه واحدة أما الثانية وهي أن جيش المختار كان مكونا من العرب والفرس وكان بين الطرفين صراع مكتوم ، خاصة أن المختار كان للفرس أميل . في سنة 67 هـ ولى عبد الله بن الزبير أخوه مصعب بن الزبير على العراق، بعد أن عزل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن ولايتها، وطلب منه ألا يبقي للمختار وأصحابه باقية في العراق، وبالفعل استعان مصعب بالفارين من قبضة المختار ، كما أرسل في طلب المهلب بن أبي صفرة أحد أبرز القادة العسكريين في هذه الفترة والذي انحاز فيما بعد للأمويين وكان أحد أسباب توطيد أركان خلافة بني أمية ، فاستجاب المهلب لمصعب وجاء إلى البصرة في جيش كبير ، أما المختار الذي تقاعس عن قيادة الجيش بنفسه ، وبدأ يتصرف كخليفة له شرطة وحرس وقادة جيوش ، فقد أرسل جيشًا بقيادة أحمر بن شميط، وجعل على ميمنته عبد الله بن كامل الشاكري وعلى ميسرته عبد الله بن وهب الجشمي وعلى الخيل وزير بن عبد الله السلولي وعلى كتائب الفرس كيان أبو عمرة ، وقبل أن يبدأ القتال دبت الفتنة في جيش المختار بين العرب والفرس ، حيث أوعز البعض لقائد الجيش أن كيان يريد القيادة وأنه لا يطيع أمرا لأحد ،وهنا أصدر أحمر بن شميط أمرا كنوع من الاختبار لولاء الفرس ،حيث أمرهم بالترجل عن خيولهم والقتال على الأرض ليعلم مدى طاعتهم له وبالفعل أطاعوه لكنهم لم يكونوا على دراية وقوة بالحرب من غير خيول ، فهجمت عليهم خيل جيش مصعب بن الزبير بقيادة عباد بن الحصين، فقتلوا كيان ابي عمرة وعدد كبير من الفرس مما أضعف جيش المختار بشكل ملحوظ هنا أمر مصعب بن الزبير بالهجوم على جيش المختار، وبالفعل هزم جيش المختار وقتل قادته وعلى رأسهم أحمر بن شميط وعبد الله بن كامل الشاكري ، وبعد ذلك، سار جيش مصعب بن الزبير إلى الكوفة لقتال المختار، فحوصر المختار في قصره لأربعة أشهر، ثم أراد من أصحابه أن يخرجوا للقتال معه خارج أسوار القصر، فرفضوا،و لم يعد أمام المختار من خيار سوى الخروج من القصر لمقاتلة محاصريه، فخرج في تسعة عشر رجلاً للقتال ، فقاتل حتى قتل ، ثم قطعت كفه وسمرت بمسمار إلى جانب المسجد، وقطعت رأسه - كما كان يفعل بخصومه - وأرسلت الرأس المقطوعة إلى الخليفة عبد الله بن الزبير في مكة ، وقد كان مقتل المختار في الرابع عشر من رمضان سنة 67 هـ وله من العمر سبع وستون عاما ، وبذلك أنتهت مغامرة الثقفي في الخلافة بعدما خاض في الدم وقطع الروؤس حتى أذنيه ، وفي النهاية تدحرجت رأسه المقطوعة بين المتصارعين على السلطة . بعد مقتل المختار يعود الصراع مرة أخرى منحصرا بين القرشيين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير ، وفي المقال القادم نكمل حلقات الصراع على كرسي الخلافة .
#علي_مقلد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دماء على كرسي الخلافة 15
-
دماء على كرسي الخلافة 14
-
دماء على كرسي الخلافة 13
-
دماء على كرسي الخلافة -12-
-
دماء على كرسي الخلافة -11-
-
دماء على كرسي الخلافة -10-
-
دماء على كرسي الخلافة 9
-
دماء على كرسي الخلافة 8
-
دماء على كرسي الخلافة 7
-
دماء على كرسي الخلافة - 6-
-
دماء على كرسي الخلافة -5-
-
دماء على كرسي الخلافة 4
-
دماء على كرسي الخلافة – 3
-
دماء على كرسي الخلافة – 2
-
دماء علي كرسي الخلافة - 1
المزيد.....
-
القائد نخالة: يقدم أخواننا في المقاومة الإسلامية بلبنان النم
...
-
القائد نخالة: سنبقى جميعا أوفياء لروح السيد نصر الله خلال قي
...
-
أمين عام حركة الجهاد الإسلامي: التحية للأخوة في الجمهورية ال
...
-
أمين عام حركة الجهاد الإسلامي: التحية للأخوة في الجمهورية ال
...
-
العسكرة ومقاولات -المتنفذين- تطمس معالم عاصمة الحضارة الإسلا
...
-
مجاهدو المقاومة الإسلامية في لبنان قصفوا تجمعا لجنود العدو ف
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تتبنى قصف مستوطنة كرمئيل بالجليل
...
-
منتدى كوالالمبور: طوفان الأقصى شرارة نهضة للأمة الإسلامية
-
فينكلشتاين للمقابلة: معركتي ضد إسرائيل من أجل العدالة ولا عل
...
-
بابا الفاتيكان يجدد مناشدته من أجل السلام.. ويتحدث عن - قربه
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|